حجبت السلطات المصرية، اليوم الإثنين، موقع مُراسلون بلا حدود، المعني بمراقبة حرية الرأي والتعبير حول العالم، وفقًا لما ذكرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
وحاولت "المنصّة" ﻷكثر من مرّة، تصفّح الموقع، إلا أن النتيجة كانت تأتي دومًا بتعذّر الوصول إليه، ما لم تُستخدم وسائل وتقنيات تخطي الحجب.
وأفاد بيان صادر عن "الشبكة العربية"، بأن حجب الموقع تم "دون حكم قضائي أو إعلان رسمي عن القرار"، وهو ما اعتبرته المؤسسة الحقوقية استمرارًا من "السلطة البوليسية في مصر، في نهجها القمعي الذي يستهدف كتم الأصوات الناقدة، وقمع المعارضين وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان".
مصر بعيون "مراسلون"
تهتم "مراسلون بلا حدود" بأوضاع الصحافة في أكثر من 100 دولة حول العالم، بينها مصر التي لها لدى المنظمة الدولية أرشيفًا يعجّ بعشرات الموضوعات والتقارير، التي تتناول قضايا عديدة مثل حرية التعبير وحبس الصحفيين وأوضاع المهنة.
وحين أصدرت "مراسلون بلا حدود"، تقريرها السنوي حول أوضاع حرية الصحافة في 2017، ورد ذكر مصر بين الدول "الأشد فتكًا بحياة الصحفيين"، وهو تصنيف توضع به الدول التي تسجن الصحفيين.
واحتلت مصر في ذلك التصنيف المركز 161 من إجمالي 180 دولة، ليتحوّل لونها في خريطة المنظمة من الأحمر الذي كانت عليه قبل صدور التقرير، ويعني أن أوضاع مهنة الصحافة بها "صعبة جدًا"، إلى الأسود الذي يعني أن الوضع "بالغ الخطورة".
وباستثناء العام 2012، الذي أعلنت فيه مراسلون بلا حدود عن "انخفاض حاد في الانتهاكات والاعتقالات ضد الصحفيين في مصر، بعد سقوط نظام حسني مبارك"، غالبًا ما تأتي تقارير المنظمة الدولية بالانتقادات للقاهرة، خاصة وأنها منذ العام 2014 وحتى 2016 تتأرجح بين مركزين متأخرين في قائمة حرية الصحافة، هما 158 و159، إلى أن تراجعت هذا العام للمركز 161.
ويُبنى ترتيب مصر في قوائم "مراسلون بلا حدود" على أساس من "الانتهاكات" التي رصدها عدد من تقاريرها، فالمنظمة كانت حاضرة بمطالبها وانتقاداتها في قضايا مختلفة، فهي من دافعت عن صحفيين يقبعون في السجون المصرية، ومنهم المصور محمود أبوزيد "شوكان" وإسماعيل الإسكندراني، ومن قبلهما أدانت المنظمة الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية بحق إعلاميين آخرين مثل مقدم البرامج بقناة "الجزيرة" القطرية أحمد منصور، وباسم يوسف.
انتقادات حادة
اعتادت "مراسلون بلا حدود" التعامل مع الوضع الصحفي في مصر، لكن بين ما أصدرته المنظمة، يبقى تقريران أكثر مكاشفة وحدّة في انتقاد النظام ربما حدّ استفزازه.
أول التقريرين نُشِرَ في مايو/ أيار 2014 بعنوان "حصيلة كئيبة لحرية الإعلام منذ وصول الجيش إلى السلطة"، ورصدت فيه حالة وسائل الإعلام والفاعلين الإعلاميين والوضع العام لحرية الإعلام، على مدار 11 شهرًا منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وحتى تاريخ صدور التقرير.
أما الإصدار الثاني فكان في مايو 2016، تحت عنوان "عام مذهل لدعاة الرقابة"، وتصدرته صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان يتحدث حملة أطلقتها المنظمة، وتُسلط الضوء بطريقة ساخرة على 12 من قادة الدول وهم يحتفلون بانتصارهم على حرية الصحافة.
وقبل تقرير 2016، لم تتوان المنظمة الدولية عن توجيه انتقادات للرئيس المصري، حين استغلت فرصة زيارته لباريس في صيف 2015، وطالبت نظيره الفرنسي السابق فرانسوا أولاند بإثارة مسألة حرية الصحافة التي تعيش مرحلة "حساسة" في مصر.
وتحدثت "مراسلون بلا حدود"، في خطاب مفتوح وجهته للرئيس الفرنسي، عن النظام الحالي، بالقول "منذ تولي المشير عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، يتذرع النظام بحجة مكافحة الإرهاب لشن حرب شعواء ضد الصحفيين الذين لا يتبعون خطه الرسمي".
باع طويل
هل تستهدف "مراسلون بلا حدود" مصر أو تتعنت ضدها باﻷساس؟ النظر إلى تقارير المنظمة وتاريخها يجيب على هذا السؤال بالنفي.
انطلقت "مراسلون بلا حدود" من مدينة مونبيليه جنوب فرنسا عام 1985، بمبادرة من 4 صحفيين، وحصلت عام 1995 قانونيًا على صفة جمعية ذات منفعة عامة، ثم تحوّلت إلى منظمة عالمية.
تعمل المنظمة في 150 بلدًا، وتضطلع بمهام متنوعة تتمثل في "تأمين مراقبةٍ دائمة لانتهاكات حرية الإعلام في العالم، والتنديد بهذه الانتهاكات، والتحرّك لتنبيه الحكومات إلى ضرورة مكافحة الرقابة والقوانين الهادفة إلى قمع حرية الإعلام، ودعم الصحافيين المضطهدين وأسرهم معنويًا وماليًا، وتقديم المساعدة المادية لمراسلي الحرب بغية ضمان سلامتهم".
وسبق للمنظمة الدولية أن وجهت انتقادات لدول أخرى، متقدمة في الحقوق والحريات عن مصر، ومن بينها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قررت المنظمة عام 2012 حجب موقعها باللغة الإنجليزية احتجاجًا على مشروع قانون أمريكي لمُكافحة القرصنة "قانون منع القرصنة على الإنترنت"، وآخر لـ"حماية الملكية الفكرية "، حين رأت فيهما "انتهاكًا خطيرًا لسلامة الويب وابتكاراته".
وتكررت الانتقادات مع دول أخرى عربية وأوروبية وأفريقية، فيما يبدو أنه أحد الأمور الجوهرية لعمل "مراسلون بلا حدود"، التي تقف في مصاف المدافعين عن الصحافة وأهلها.