
حقوقيون ونقابيون يشككون في تطبيق "الأدنى للأجور" بالقطاع الخاص
شكك عمال ونقابيون وحقوقيون في قدرة الحكومة على تطبيق الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص والضغط على أصحاب العمل انتصارًا لحقوق العمال، بينما تلقي القبض على عمال وتحاصر سيارات الأمن المركزي احتجاجاتهم في بعض الشركات للمطالبة بالحد الأدنى السابق، الذي لا يزال غير مُطبق في الكثير من الشركات.
والأحد الماضي قرر المجلس القومي للأجور رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص من 6 إلى 7 آلاف جنيه اعتبارًا من 1 مارس/آذار المقبل، إضافة إلى إقرار علاوة سنوية بحد أدنى 250 جنيهًا، كما أقر المجلس أجر العمل المؤقت بقيمة 28 جنيهًا في الساعة بحد أدنى.
وجاء قرار القومي للأجور بعد أقل من أسبوع من إعلان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي أن الحكومة تدرس إقرار حزمة جديدة للحماية الاجتماعية تتضمن زيادة المرتبات والمعاشات مع بداية العام المالي المقبل 2025-2026.
تشكيك عمالي
وتستبعد عاملة بالشركة التركية المصرية لصناعة الملابس/T&C بمدينة العبور، أن تضغط الحكومة أو المجلس القومي للأجور على مجلس إدارة الشركة التي تعمل بها من أجل تطبيق الحد الأدنى.
وكان عمال T&C نظموا إضرابًا بدأ في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، للمطالبة بزيادة الرواتب والحافز وبدل الوجبة، واستمر الإضراب 12 يومًا قبل أن يفضوه في 28 من الشهر نفسه، تحت تهديد الإدارة لهم بالفصل والحبس، تزامنًا مع إلقاء قوات الأمن القبض على 9 عمال منهم، تم إخلاء سبيلهم لاحقًا بكفالة 2000 جنيه لكل منهم.
وتضيف العاملة لـ المنصة، طالبة عدم نشر اسمها، "كل اللي شوفناه من الحكومة ضغط علينا إحنا علشان نتراجع عن مطالبنا، عربيات الأمن المركزي حاصرت الشركة لمدة أسبوع واتهددنا بالحبس والفصل".
لكنها تتوقع أن العمال سيخوضون جولة جديدة من الاحتجاجات للضغط على الشركة لتطبيق الحد الأدنى، بعد زوال أثر ما حدث في الإضراب السابق، "العمال محتاجين ينسوا الأول الحبس والتهديد اللي شافوه لكن كده كده هنقف تاني ونطالب بتعديل المرتبات، لأننا مبقناش قادرين نعيش، وأكيد الأسعار هترفع تاني بعد القرارات دي".
فيما يرى أحد القيادات العمالية بشركة إينوفا للسيراميك "الفراعنة سابقًا"، التي شهدت إضرابًا عن العمل الشهر الماضي للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى، أن "القرار يثير الضحك"، إذ لم تتجاوز مرتبات الكثيرين منهم خمسة آلاف جنيه، على حد قوله.
وأضاف القيادي العمالي لـ المنصة، طالبًا عدم نشر اسمه، أن "العمال بالشركة خاضوا حربًا خاسرةً من أجل تطبيق الحد الأدنى السابق 6 آلاف جنيه"، وتساءل مستنكرًا "مطبقوش الحد الأدنى أبو 6 آلاف، هيطبقوا أبو 7 آلاف!".
باب خلفي للاستثناءات
وفي نفس يوم إعلان زيادة الحد الأدنى، أكد عضو المجلس القومي للأجور علاء السقطي أنه لا توجد استثناءات في تطبيق القرار، مبينًا في الوقت ذاته أن نسبة أصحاب الأعمال الذين قد يواجهون صعوبةً في تطبيق القرار لن تتجاوز 1%، مشيرًا إلى أنه سيتم دراسة أوضاعهم المالية بشكل مفصل.
وفي اليوم التالي قال وزير العمل محمد جبران إن القرار "يشمل جميع الجهات دون استثناء على عكس السنوات الماضية"، مؤكدًا محاسبة الممتنعين عن تنفيذه وفقًا لأحكام قانون العمل.
لكن المنسق العام لدار الخدمات النقابية كمال عباس توقع أن يتم فتح "باب خلفي" بشكل أو بآخر لإيجاد الاستثناءات لأصحاب الأعمال، مشيرًا إلى أن وزارة العمل لم تمارس دورها في تطبيق الحد الأدنى السابق، متسائلًا "هل سمعنا عن شركة واحدة من مقدمي الاستثناء رفضت الوزارة طلبها أو ألزمتها بتطبيق الحد الأدنى أو طبقت عليها عقوبة؟".
وأضاف عباس لـ المنصة أن المشكلة الأكبر تكمن في تعريف الحد الأدنى للأجور الذي تتبناه الحكومة، والذي يخضع لضغوط رجال الأعمال، بعيدًا عن فلسفة الحد الأدنى الحقيقية.
وأوضح "المفترض أن الحد الأدنى يمثل الأجر الأساسي للعامل غير المؤهل، ويتصاعد مع سنوات الخدمة ومستوى التأهيل، إلا أن عمالًا بخدمة تتجاوز 30 عامًا يتقاضون نفس الحد الأدنى، دون مراعاة الخبرة، ويشمل ذلك البدلات، وفي النهاية، لا يتجاوز الأجر الفعلي 5 آلاف جنيه حتى في الشركات التي تطبق الحد الأدنى بعد خصم الضرائب والتأمينات ومختلف الاستقطاعات الأخرى".
ويرى عباس أنه من المفترض وضع حد أدنى يرتفع سنويًا طبقًا لمعدلات التضخم، مع مراعاة التدرج الوظيفي وسنوات العمل والخبرة، لكن ما يحدث أن "مفهوم الحد الأدنى أهدر بشكل كامل على يد من يقومون بوضع سياسة الأجور والذين يخضعون لسيطرة رجال الأعمال"، على حد قوله.
قرارات لا تشمل الجميع
من ناحيته، قال مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي إن الحد الأدنى للأجور طوال الوقت يكون قرارات بلا تنفيذ، إذ لا تُلزم الحكومة أصحاب الأعمال بتطبيقه ولدينا الكثير من الشواهد.
وأضاف عدلي لـ المنصة "يحكم تعاملنا مع وزارة العمل خبراتنا السابقة معها، فمنذ يناير 2022 وحتى الآن هناك 4 قرارات بالحد الأدنى 3500 ثم 4500 ثم 6000 ثم 7000 جنيه، وهناك عمال مفصولون من موكلي المركز المصري رواتبهم لا تتخطى ثلاثة آلاف جنيه وهذا مثبت في ملفات المحاكم العمالية"، متسائلًا "كيف ستلزم الحكومة أصحاب العمل بتطبيق الحد الأدنى الجديد؟".
يشير عدلي إلى وجود إشكالية في تطبيق الحد الأدنى للأجور منذ رفعه إلى 6 آلاف جنيه في أبريل/نيسان 2024، إذ أتاح القرار للشركات المتعثرة التقدم بطلب استثناء من التنفيذ، واستغل عدد كبير من الشركات هذا الباب لتجنب الالتزام، بينما لم تجتمع اللجنة المسؤولة عن دراسة هذه الطلبات حتى الآن، ولا توجد معلومات واضحة حول تشكيلها أو مقرها.
ويرى عدلي أن ما يعنيه الحد الأدنى للأجر، هو ما يصل ليد العامل نهاية كل شهر فعليًا، لكن الحكومة والمجلس القومي للأجور تتحدثان عن حد أدنى ورقي مخصوم منه حصة كل من العامل وصاحب العمل من التأمينات والضرائب والكثير من الاستقطاعات، التي تصل لـ30% من الأجر.
وأشار عدلي إلى أن المركز المصري طلب من وزارتي العمل والتخطيط العام الماضي بيانًا بعدد الشركات التي قدمت طلبات الاستثناء من تطبيق الحد الأدنى "فقال مسؤولون بالوزارتين إنه ليس لديهم حصر بتلك الشركات"، على حد قوله.
لكن تصريحًا لوزير العمل محمد جبران، في أغسطس/آب 2024، يقول إن هناك 3330 شركة ومنشأة طلبوا الاستثناء من الحد الأدنى للأجور، وأن لجنة مشكلة بين وزارة العمل واتحاد الصناعات، تبحث أوضاع كافة المؤسسات المتقدمة بالاستثناء، ومن لم ينطبق عليه شروط الاستثناء سيلزم بالتطبيق.
ويعتقد عدلي أنه ليس هناك نية حقيقية لتطبيق حد أدنى جديد للأجور داخل القطاع الخاص، مبينًا أن كل ما يفعله المجلس "لو أحسنا النية" هو الضغط على أصحاب العمل الذين لم يطبقوا الحد الأدنى السابق لتطبيقه.