تحكي لي صديقتي عن والدها الذي انتقل من منزله في حي غمرة إلى بيتها بحلمية الزيتون ليأخذ منها كيس سكر، بعد فشله في الوصول لكيس سكر في كامل الحي الذي يقيم فيه.
قصة صديقتي صارت أمرًا عاديًا ومتكرر، وربما كان والد صديقتي محظوظًا إذ وجد لدى ابنته كيس السكر المنشود. فالآن؛ تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بصور للافتات من محلات "الهايبر ماركت"، تنبئ المشترين بعدم إمكانية الحصول على أكثر من كيسين من السكر لكل مشتري. الأزمة موجودة وواضحة للجميع، لكن هل انعكست على اللقاء الأول للنواب مع وزير التموين اللواء محمد علي الشيخ في جلسة اليوم؟
سأحكي لكم ما جاء بالجلسة التي امتدت لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، قال فيهم وزير التموين القادم من سلسلة مناصب هامة بالقوات المسلحة عدة مقولات، تندرج تحت بند المضحكات المبكيات، تتعلق بأهم سلع يعتمد عليها المصريون الأرز والسكر والقمح.
سكر مفيش
نبدأ بالسكر باعتباره في مقدمة الأزمة حاليًا، الشيخ فسَّر الأزمة بأن المستوردين أحجموا عن استيراد السكر، مبررا ذلك بمشكلة الدولار. وقال: "السكر بيتهرب أكتر من المخدرات، والملايكة لو جبتهم علشان يسيطروا هيضعفوا". الشيخ ينفض يده من الأزمة ويقول: "أنا مالي ما فيش دولار أنا مالي أنا زيي زيه"، يقصد المستورد.
وأوضح الشيخ أن الحكومة أبرمت تعاقدات جديدة لاستيراد كميات مضاعفة من السكر خلال الشهر الجاري والشهر المقبل. لم يتحدث أي من النواب، ولم يسأل أو يعلق على كلام الشيخ سوى النائب فتحي الشرقاوي الذي حمَّل الحكومة مسئولية التهريب.
والأرز مستورد
لم يكن حديث الوزير بشأن الأرز أفضل حالاً من السكر، فالشيخ اعترف برفضه مطالبات الفلاحين والموردين برفع السعر الذي تشتري به الحكومة الأرز، وبناء عليه رفضوا التوريد للحكومة، فقرر الاستيراد.
يحكي الوزير عن لقاءه بـ "كبير الأرز في مصر، رجب شحاتة [رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب]"، يقول الوزير: "طلبت منه يتصرف، قالي ما تسيبهمش إديهم أمر يوردوا، قلت له إنت الكبير بتاعهم، لو زودنا السعر جنيه هيزيد على المواطنين". الشيخ يعلل موقفه برغبة الحكومة في تثبيت سعر الأرز ليبقى بسعر 4 جنيهات ونصف، وعدم تحميل المواطنين الزيادة، ولهذا قرر الاستيراد بسعر 305 دولار للطن الواحد.
لا أعرف كيف استطاعت الحكومة التي تعاني من أزمة ضخمة بسبب نقص الدولار في التضحية بالدولار لاستيراد سلعة متوفرة محليًا؟ ولم يوضح الوزير خلال الاجتماع اذا كان اتبع أي سبل سياسية مع الفلاحين للوصول إلى حل؟.
وقال للنواب "الحكومة أصدرت قرار بوقف تصدير الأرز"! مع العلم؛ هذا القرار ليس جديدًا. وعندما قاطعه النواب وقالوا إنه قرار قديم رد قائلا "طلعناه تاني".
الحكومة تتصور أن هذا القرار عقاب للفلاحين، فذكَّر النواب الوزير بوجود تهريب للأرز وتحايل على القرار فكان رده: "اللي يهرب يهرب، أنا مش هتحايل على حد يورد"، ثم عاد وطلب من النواب التأثير عل الفلاحين كل في محافظته لتوريد الأرز للحكومة، فعقب النائب طارق حسانين "استورد وبعد كده غصب عنه هيورد لك".
فطر القمح مش مشكلة
كان التعليق الأغرب للشيخ فيما يتعلق بالقمح، هو رده على النائب فتحي الشرقاوي، الذي طالب بالرجوع لمراكز البحوث العلمية لبيان مدى تأثير فطر الإرجوت الموجود في القمح الذي تعاقدت عليه مصر، على المحاصيل الأخرى.
حمل رد اللواء الشيخ استخفافا شديدا بقيمة مراكز البحوث، وقال "بتوع البحوث اللي قالوا هيزودوا لنا انتاج الفدان، قالوا لنا نزرع الساحل الشمالي قمح بس شيلوا الألغام، شيلنا الألغام فين القمح؟"
الشيخ قال إن هذا القمح للطحن وليس تقاوي للزرع. وانفعل بشدة على الشرقاوي عندما قال الأخير إن الضغوط التي مورست على مصر هي السبب في العدول عن قرار وقف استيراد هذا القمح، وقال الشيخ منفعلا "لا أقبل هذا الكلام"، وحاول مقاطعة النائب الذي استمر متمسكا بحقه في الحديث.
وكالعادة كان الإعلام متهما بإثارة الرأي العام ضد استيراد القمح المصاب بفطر الإرجوت. وحمَّل اللواء الوزير وسائل الإعلام كثيرا من اللوم، وطالبها بـ"عدم تسميم أفكار الرأي العام".
وتحدث عن أن القرار كان سيحرم مصر من القمح، وبأن هناك أزمة ضخمة "عملها متآمرين كانوا بيطلعوا لنا لسانهم". وكالعادة لم يوضح كغيره من الوزراء وأنصار المؤامرة من هم هؤلاء المتآمرين الذين أرادوا إفساد الصفقة.