لم يكن إدراج بنك القاهرة ضمن 32 منشأة حكومية مرشحة للخصخصة خبرًا عاديًا، ليس فقط لأن هناك سابقة لمحاولة خصخصته قبل أكثر من عقد ونصف التي تم التراجع عنها في ملابسات غامضة، ولكن لما يمثله البنك كواحد من الأذرع التي يمكن أن تستخدمها الدولة لإدارة السياسات المالية والنقدية.
ورغم عدم الإعلان بعد عن حجم الحصة المرشحة للخصخصة في البنك، فإن مجرد طرح اسمه استدعى تساؤلات عدة حول مدى اعتماد الدولة عليه في الوقت الراهن في إدارة سياساتها الاقتصادية، وتأثير التخلي عنه للقطاع الخاص على هذه السياسات.
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قال في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، إن هناك ثلاثة بنوك ضمن الكيانات الحكومية المطروح خصخصة حصص منها بهدف سد احتياجات البلاد من الإيرادات الدولارية، هي القاهرة والمصرف المتحد والعربي الإفريقي الدولي.
ولبنك القاهرة وزن خاص، نظرًا لكونه خامس أكبر بنك على مستوى أصول الجهاز المصرفي، وكان البنك قيد أسهمه بشكل مبدئي في البورصة المصرية منذ 2017 مع الإعلان عن نيته طرح حصة منه للاكتتاب العام، لكن الاكتتاب تأجل بسبب عدم استعداد السوق للطرح، واستحوذ بنك مصر في أبريل/نيسان الماضي على ما يقرب من كامل أسهم البنك.
ويبلغ رأس مال بنك القاهرة المدفوع 14 مليار جنيه، فيما سجل رأس ماله المرخص به 20 مليار جنيه، في نهاية العام الماضي.
دور البنك في سياسات الديون
وتمثل البنوك الحكومية الكبرى أحد المشترين الرئيسيين للديون التي تقترضها وزارة المالية من أسواق المال، ويمثل وجود هذه البنوك في مزادات بيع الديون أحد الآليات التي يمكن أن تعتمد عليها المالية للتنسيق مع الدائنين بما يحقق للوزارة أقل عبء فائدة ممكن.
وبمتابعة آخر الميزانيات المعلنة من بنك القاهرة عن أول 9 أشهر من 2022، فقد اشترى البنك أذون خزانة حكومية بقيمة 24.5 مليار جنيه، لكن هذا الرقم على قدر أهميته يعكس تواضع مساهمة البنك في الديون الحكومية أمام مشتريات بنكي الأهلي ومصر والتي بلغت خلال نفس الفترة 392.8 و 139.3 مليارًا على التوالي.
"دخول البنوك الحكومية للاستثمار في أدوات الدين ليست مجاملة للحكومة بتقديم سعر فائدة منخفض عن باقي المستثمرين ولكن هي علاقة تقوم على المنفعة"، كما قال المدير التنفيذي لأسواق الدخل الثابت في إحدى شركات الاستثمارات المالية، محمود نجلة، في سياق تعليقه للمنصة، على المخاوف من خصخصة بنك القاهرة.
ويرى نجلة إن البنوك الحكومية محكومة بمعايير من البنك المركزي لإدارة سيولتها، تجبرها على المنافسة على سعر الفائدة وفق معايير تشبه القطاع الخاص حتى لا تتأثر جدارتها المالية.
وأضاف أن الدولة لا تزال لديها مؤسسات أخرى تلعب دورًا رئيسيًا في طروحات أذون الخزانة غير البنوك العامة مثل الصناديق الاستثمارية المملوكة لها أو هيئات مثل التأمين أو بنك الاستثمار القومي.
القاهرة وشهادات الاستثمار مرتفعة العائد
أما على صعيد السياسات النقدية، كان بنك القاهرة ضمن البنوك الحكومية المبادرة لطرح شهادات استثمار مرتفعة العائد في أوقات تصاعد التضخم، وهي إحدى الآليات التي تعكس بوضوح رغبة البنوك الحكومية في مساندة السياسة النقدية للبنك المركزي.
يبدو من التوقيتات التي اختارها بنك القاهرة لوقف طروحات الشهادات مرتفعة العائد مدى ما تمثله من عبء عليه مقارنة ببنكي الأهلي ومصر
و قبل نحو ست سنوات طرح بنك القاهرة شهادة بعائد 20% أجل سنة ونصف، ليواكب طروحات بنكي الأهلي ومصر لشهادات مماثلة في أعقاب تعويم 2016، وكرر نفس السياسة في أعقاب تعويم يناير/كانون الثاني الأخير، حيث بادر بطرح شهادة مرتفعة العائد لأجل سنة بفائدة 22.5٪ كعائد مستحق شهريًا و25% عائد في نهاية استحقاق الشهادة، ليواكب طروحات مشابهة من البنكين الحكوميين الأكبر.
"استعانة الدولة بالبنوك الحكومية لطرح شهادات مرتفعة العائد تتم في أوقات محدودة لتصحيح الأوضاع الاقتصادية الطارئة، وعادة ما يكون الاعتماد الرئيسي على بنكي الأهلي ومصر وليس القاهرة نظرًا لضخامة عدد عملائهما"، كما يقول للمنصة الخبير المصرفي محمد عبد العال.
بينما يوضح نجلة أن "بنك القاهرة يشارك في طرح شهادات مرتفعة العائد ولكن بطريقة محدودة للغاية يهدف منها فقط الحفاظ على جزء من ودائعه بالبنك وعدم خروجها لصالح بنكي الأهلي ومصر ، وليس بهدف مساندة السياسة النقدية التي تقع على كاهل الأهلي ومصر بالأساس".
ويبدو من التوقيتات التي اختارها بنك القاهرة لوقف طروحات الشهادات مرتفعة العائد مدى ما تمثله من عبء عليه مقارنة ببنكي الأهلي ومصر، إذ توقف عن طرح الشهادات المرتبطة بتعويم 2016 بعد نحو ثلاثة أشهر في وقت استمر بنكا الأهلي ومصر في طرحها على مدار 14 شهرًا، كذلك اقتصرت المدة في الطرح الأخير على نحو 15 يومًا مقارنة بـ 28 يومًا في الأهلي ومصر.
وفي تصريحات صحفية قال الرئيس السابق لبنك القاهرة إن توقف البنك عن طرح الشهادات التي أعقبت تعويم 2016 كان مدفوعًا بما تمثله الشهادات من تكلفة مرتفعة وضغوط على ربحية البنك.
بدائل بنك القاهرة
وبفرض نجاح خصخصة بنك القاهرة، تظل في يد الدولة قاعدة عريضة من الكيانات المصرفية التي يمكن أن تكون بمثابة أذرع مساعدة لها.
وتمتلك الدولة ستة بنوك غير القاهرة، وهي الأهلي ومصر والزراعي المصري، والتنمية الصناعية، والعقاري، والمصرف المتحد.
و هناك تسعة بنوك أخرى تساهم فيها الدولة بحصص مع مستثمرين آخرين تتضمن: البنك العربي الإفريقي الدولي، والمصرف العربي الدولي، وميد بنك (مصر إيران سابقًا)، والإسكندرية، والتعمير والإسكان، والمصري الخليجي، والمصري لتنمية الصادرات، والشركة المصرفية، والاستثمار العربي.
وفي 2006 تم التراجع عن أول محاولة جدية لبيع بنك القاهرة، بعد قطع خطوات متقدمة ومنافسة ثلاثة بنوك إقليمية وأجنبية على شرائه، في ملابسات لم تتضح تفاصيلها حتى الوقت الراهن.
وفي أعقاب هذه المحاولة غير المكتملة، تم بيع 80% من إجمالي رأس مال بنك الإسكندرية إلى مجموعة انتيسا سان باولو الإيطالية عام 2007، فيما احتفظت وزارة المالية بحصة 20% من إجمالي رأس مال البنك، وهي تعد أول عملية خصخصة ناجحة في الجهاز المصرفي.
ويرى الرئيس التنفيذي لأحد البنوك الخليجية سابقًا، محمد بدرة، إن عدد البنوك التابعة للدولة حاليًا يعد مرتفعًا بالمقارنة الدولية، لذلك فإن تخارج الدولة من بنك القاهرة لن يؤثر كثيرًا على سياساتها بالنظر لتعدد البدائل المتاحة أمامها، معلقًا "لايوجد ما يدعو للقلق من طرح حصة من بنك القاهرة في البورصة أو بيعه كاملًا لمستثمر استراتيجي".