قبل أسابيع قليلة أعلن رئيس الوزراء المصري انتهاء أزمة البضائع المكدسة في المواني مع وجود تدفقات كافية من النقد الأجنبي لتسيير حركة الاستيراد بالوتيرة الطبيعية، لكن شهادات مختلفة من الصيادلة استمعت إليها المنصة تشير إلى نقص أنواع مختلفة من الأدوية المستوردة أو التي تعتمد على مدخلات إنتاج من الخارج.
وتختلف التفسيرات حول أسباب النواقص الحالية، بين من يرى أنها انعكاس لاستمرار الضغوط المالية التي تعوق تدبير النقد اللازم لتيسير الاستيراد، وآخرون يعتقدون أن بعض شركات الأدوية تستغل الأزمة الحالية وتعمدت الحد من إتاحة منتجاتها لتضغط على الحكومة لرفع الأسعار.
أبرز الأدوية الناقصة؟
ووفقًا لشهادات صيادلة من مناطق متفرقة استمعت إليهم المنصة، تضمنت الأدوية الناقصة إلتروكسين ويوثيروكس للغدة الدرقية، ولانوكسين وكارديكسين لمرضى القلب، وترايلبتال وتيراتام لعلاج الكهرباء الزائدة على المخ، وأورسوبلس لمرضى الكبد، بالإضافة إلى بلميكورت وأتروفينت اللذين يستخدمان كموسّعين للشعب الهوائية، وسيلجون وكافسيد وريكتوبليكسيل لعلاج الكحة لدى الأطفال والرضّع.
وتواصلت المنصة مع صيدليتين بمحافظة الغربية قالت إحداهما إن تلك الأدوية غير متوفرة لديها تمامًا ويصعب الحصول عليها من شركات التوزيع ومخازن الأدوية، في حين قالت أخرى إنها ناقصة لكن من الممكن أن تسعى للبحث عنها في صيدليات أخرى.
وقالت صيدلانية من مدينة حلوان، إن توفير بعض تلك الأدوية بات صعبًا، فيما تتوفر أعداد محدودة وبتركيزات معينة من أدوية أخرى، في حين تتوفر كميات من نوع واحد فقط.
ويقول محمد الرفاعي، صيدلاني من محافظة الدقهلية، إنه يحصل من شركات التوزيع على عدد محدود جدًا من بعض الأدوية التي رصدت المنصة نقصها بالسوق المحلية، بواقع عبوة واحدة فقط شهريًا من يوثيروكس المستورد لعلاج الغدة الدرقية وواحدة من كارديكسين خلال آخر ثلاثة أشهر، أما تيراتام فتتوفر منه عبوة واحدة وأخرى من كل تركيز لبديله ترايلبتال.
ويضيف أن بلميكورت وأتروفينت غير متوفرين منذ أكثر من خمسة أشهر، أما لبوس الكحة ريكتوبليكس وسيلجون فغير متوفرين لديه تمامًا، فيما لا يوجد من كافسيد سوى للرضع فقط وبعدد محدود بواقع ثلاث علب شهريًا.
ويوضح أن المتوفر لديه من إلكتروسين للغدة الدرقية تنتهي صلاحيته خلال أربعة أشهر، واللانوكسين ناقص منذ نحو شهر، لكن لا يزال لديه كمية متوفرة منه.
وبحسب المصادر التي تحدث إلى المنصة في هذا التقرير فإن أزمة نواقص الأدوية متفاقمة منذ مارس/ آذار الماضي مع خروج تدفقات كبيرة من النقد الأجنبي من البلاد، كرد فعل لزيادة أسعار الفائدة الأمريكية.
وتجمع غالبية المصادر في هذا التقرير على أن نقص الأدوية مستمر بنفس الوتيرة منذ العام الماضي، بينما رأت أقلية منهم أن النقص ازداد تفاقمًا خلال الأشهر الأخيرة.
أزمة في الأدوية المستوردة
ويربط صيادلة أزمة النواقص بصعوبات الاستيراد في الوقت الراهن، وفي هذا السياق، يقول سكرتير شعبة أصحاب الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية، حاتم البدوي "بعض الأدوية المستوردة والخاصة بالهرمونات والصَرَع من ضمن أبرز النواقص بالسوق المحلي، حيث يتم توزيع كميات مُحدّدة على الصيدليات بنظام الكوتة".
ويقول مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، إن قائمة الأدوية المستوردة الناقصة بالسوق المحلية كبيرة، وأبرزها كيتوستريل الذي لا غنى لمرضى الكلى. ويوجد صعوبة في توفير الأدوية المستوردة تامة الصنع لبعض الأمراض المُزمنة منذ بداية العام الجاري" كما يضيف فؤاد.
وفي ظل نقص بعض المنتجات المستوردة تنشط أسواق موازية لتداول المنتجات الطبية بأسعار تفوق السعر الذي أقرته وزراة الصحة، ما ينعكس على السعر النهائي للخدمة المقدمة للمستهلك. ويقدم فؤاد مثالًا على ذلك بقوله "ليبيدول الذي يستخدم في الأشعة بالصبغة ناقص أيضًا على الرغم من أهميته الشديدة، ولا يتوفر سوى في المختبرات الكبيرة بسعر يتراوح بين 2500 و3000 جنيه مقابل نحو 1250 جنيهًا كسعر رسمي".
في مقابل التفسير الشائع الذي يربط أزمة النواقص بشح العملة الصعبة، يرى خبراء أن جزء من الأزمة قد يكون مُتعمدًا من بعض الشركات المنتجة للأدوية
ولدى فؤاد تفسير آخر لنقص الأدوية، وهو أن بعض شركات التوزيع تستغل الأزمة عبر الاشتراط على الصيدليات بتوفير دواء حيوي ناقص لهم مقابل الحصول على طلبية من مستحضرات التجميل التي لا تخضع لتسعيرة جبرية.
ما المقصود بالأدوية الناقصة؟
ويشرح سكرتير شعبة أصحاب الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، حاتم البدوي، أن نواقص الأدوية لها تعريفان، الأول خاص بالسوق وهو أن يكون لدى الصيدلية عدد محدود جدًا من صنف دواء معيّن في ظل زيادة الطلب، أما التعريف الثاني فهو الذي تستخدمه الجهات الحكومية، والتي ترى أن النقص يعني عدم توفر أي كميات من الدواء على الإطلاق.
ويتفق مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، مع رئيس شعبة الأدوية بغرفة القاهرة التجارية، علي عوف، على أن تعبير "نواقص" يُطلق على الأدوية عندما تشكو العديد من الصيدليات في عدة محافظات من نقص الكميات المتاحة من دواء معين، بالإضافة إلى عدم توفّر بدائل محلية أو مستوردة له.
تفسيرات أخرى غير الدولار
في مقابل التفسير الشائع الذي يربط أزمة النواقص بشح العملة الصعبة، يرى خبراء أن جزء من الأزمة قد يكون مُتعمدًا من بعض الشركات المنتجة للأدوية، حيث يقول سكرتير شعبة أصحاب الصيدليات "الشركات تستغل ارتفاع سعر الدولار لتضغط على الحكومة لرفع سعر الدواء كوْنه مُسعّر جبريًا، والشركات تفعل ذلك كونها تحت ضغط لأنها تشتري الخامات الدوائية بالعملة الصعبة وبالتالي أصبح السعر الحالي غير مناسب لهم".
وتختص هيئة الدواء المصرية التي تتبع مجلس الوزراء، بدراسة طلبات شركات الأدوية ومدى أحقّيتها في رفع سعر أي منتج دوائي متداول بالسوق المحلي، وفقا للقواعد والمعايير والضوابط التي يعتمدها مجلس إدارة الهيئة.
ويشير رئيس شعبة الأدوية بغرفة القاهرة التجارية، لتفسير آخر للأزمة وهو أن السوق العالمي لا يتيح الأدوية بنفس المرونة المعتادة "بسبب مشكلة سلاسل الإمداد الناتجة عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية".
انفراجة محدودة
ولا ينكر العاملون في قطاع الأدوية أن ثمة انفراجة نسبية حدثت في تدفق الواردات الخاصة بالدواء خلال الأسابيع الأخير مع إعلان الحكومة انتهاء أزمة تكدّس البضائع، لكن لا تزال البنوك لا تتيح الدولارات الكافية لدفع قيمة الشحنات التي يحتاجها السوق المصري، ويعقب على ذلك عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات، حسام أبو العينين، للمنصة قائلًا "استيراد خامات الأدوية حدث بها انفراجة كبيرة خلال المرحلة الماضية ولكن بدأت تكون أبطأ مؤخرًا".
ويضيف "ما يفاقم من المشكلة أن بعض الشركات المورّدة للدواء لا تحصل على مستحقاتها في الوقت المناسب، وهو ما قد يدفعهم للتوقف عن التوريد لمصر"، موضحًا أن الغرفة تتواصل حاليًا مع الحكومة والبنك المركزي لتوفير السيولة الدولارية لشركات القطاع لشراء احتياجاتها الفترة المقبلة.
وخاطبت غرفة صناعة الأدوية الحكومة، قبل أيام، لمطالبتهم بتوفير العملة الصعبة اللازمة للإفراج عن مستلزمات الإنتاج والمُعدات المستخدمة فى تحديث ماكينات المصانع.
ويخالف أبو العينين في الرأي، رئيس شعبة الأدوية بغرفة القاهرة التجارية، علي عوف، إذ يرى أن السيولة الدولارية لشراء خامات الأدوية متوفرة، إلا أن العقبة الأساسية أمام توفير الدواء هي مشكلة "سلاسل الإمداد" لدى الشركات المورّدة.
ويوضح عوف أن إمداد المواد الخام للأدوية لم يعد بنفس السيولة التي كان عليها قبل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما في ظل تفشّي فيروس كورونا بالصين حاليًا، كما تسببت الحرب الروسية في زيادة المخاطر السياسية عالميًا ما دفع دولًا منتجة للمواد الخام لتقليل صادراتها منها وتوجيهها للسوق المحلي كونها سلع استراتيجية بالنسبة لهم.
ويطالب عوف الأطباء والمرضى بتنمية ثقافة الاكتفاء ببدائل الأدوية، طالما كانت تحمل نفس المادة الفعالة، وعدم التركيز على الحصول على أدوية تحمل اسم تجاري بعينه، حيث يرى أن ذلك من ضمن أحد أسباب إهلاك الموارد الدولارية.