يواجه منتجو الأواني، التي تعدُّ على بساطتها صناعة تغطي احتياجات محلية واسعة ضغوطًا بالغة منذ أشهر، نتيجة ارتفاع أسعار خام الألومنيوم تأثرًا بالتضخم العالمي وزيادة سعر صرف الدولار، ما يدفعهم لتخفيض طاقاتهم الإنتاجية.
من وجهة نظر رجل صناعة قديم مثل شريف عبد المنعم فإن آثار أزمة الدولار الحالية على الصناعة غير مسبوقة، فهو يقيس تداعياتها على مصنعه متوسط الحجم في حي الجمالية بالمقارنة مع تاريخ هذا المصنع الذي يمتد لأربعة عقود.
ويشرح عبد المنعم الذي يتولى أيضًا منصب سكرتير شعبة الأدوات المنزلية بالغرفة التجارية بالقاهرة، للمنصة، كيف تغيرت اقتصاديات الصناعة التي يعمل فيها، وهي أواني الألومنيوم، بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة "والدي فتح المصنع منذ 1984، ولأننا نستورد الخام من الخارج كنا نتعرض لمشكلة زيادة تكلفته لكن الزيادة كانت تحدث على فترات متباعدة بشكل سنوي، منذ 2022 أصبحت الزيادة تحدث كل بضعة أشهر".
وتعاني مصر من ضغوط مالية مع خروج تدفقات كبيرة من النقد الأجنبي منذ مارس/ آذار الماضي، كرد فعل لزيادة أسعار الفائدة الأمريكية، بجانب تأثير ارتفاع التضخم العالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية على زيادة تكاليف المنتجات المستوردة.
"خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط ارتفعت أسعار الألومنيوم بنحو 23 ألف جنيه للطن، وهو ما زاد من سعر المنتج النهائي للمستهلك ويهدد المصانع بالخسائر"، كما يضيف عبد المنعم.
ويؤكد رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، محمد المهندس، على وجود أزمة في صناعة الأواني التي يغلب عليها الصناعات الصغيرة ومتوسطة الحجم، فهو بحكم عمله كموزع لخام الألومنيوم، على احتكاك دائم بهذه الصناعات وبدأ يلاحظ مؤخرا تراجع طلبياتها على شراء خام الألومنيوم "توقفت عن البيع بالآجل لهم لأنني لا أضمن قدرتهم على تسويق المنتج النهائي"، كما قال للمنصة.
وتمثل شركة مصر للألومنيوم المنتج الرئيسي لخام الألومنيوم في مصر، وهي شركة تابعة للدولة لكن تسعيرها يرتبط بالسوق العالمية وسعر صرف الدولار كونها تصدر النسبة الغالبة من إنتاجها للخارج.
وصعد سعر طن أقراص/ لفات الألومنيوم (الخام الذي تُصنع منه الأواني) خلال فبراير/ شباط الجاري بنحو 30%، ليصل إلى 99500 جنيه مقابل 76500 جنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
"قبل الثلاثة أشهر الأخيرة كانت الخامة المتوفرة عندي في المخزن تكفي طلبيات 6 شهور، الآن الخامة تكفيني بالكاد شهرين" كما يضيف عبد المنعم.
ويشرح عبد المنعم كيف يؤثر ارتفاع تكاليف إنتاجه على سلسلة كاملة من المتعاملين، ما ينعكس على الاقتصاد بأكمله، وقد اضطرته زيادة أسعار الألومنيوم خلال الفترة الأخيرة لرفع سعر الأواني التي يبيعها بنحو 100% خلال عام.
وبسبب زيادة أسعار الأواني، وتراجع طلب المستهلكين نتيجة أعباء المعيشة المرتفعة، اضطر عبد المنعم لتخفيض طاقاته الإنتاجية لتصل إلى 25-30% من الطاقات الكلية للمصنع.
ووفقا لقوله، "المصنع عندي 3 خطوط إنتاج كانوا شغالين بطاقة 100% في بداية 2022 بعد أزمة الاستيراد في مارس وصلت الطاقة الإنتاجية لـ 50%، وفي الـ3 شهور الأخيرة أصبحت أشغل خط إنتاج واحد".
وتغطي صناعات الأواني نحو 80% من الطلب المحلي على هذا المنتج، وفقًا لتقديرات المهندس، والمنافس الرئيسي لها في هذا المجال هو الأواني التركية.
"بعد أن كانت تأتيني طلبيات جديدة كل 25 يومًا أو شهر، حاليًا يأتي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تركزت الطلبيات على سد النواقص لدى التجار فقط"، كما يضيف عبد المنعم.
ونتيجة تراجع حجم نشاطه، يشعر عبد المنعم أنه تحت ضغوط قد تدفعه لتخفيض أعداد العمالة في مصنعه "يعمل لدي حاليًا 22 عاملًا،17 منهم بصفة دائمة و5 إضافيين أو أكثر حسب الطلبيات التي تصلني، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج سأتوقف عن طلب العمالة المؤقتة وأحاول جاهدًا الحفاظ على العمالة الدائمة".
ويصف جابر التهامي، صاحب مصنع أواني، أجواءً ممثالة في محل عمله بالإسكندرية، سواء على صعيد انخفاض الطلب الاستهلاكي أو ارتفاع تكاليف الإنتاج.
ويقول التهامي "المشكلة ليست في خام الألومنيوم لأننا نشتريه من مصر للألومنيوم حتى لو سعره مرتفع، ولكن المواد التي نطلي بها الحلة مستوردة من الخارج، خلال الفترة الماضية كانت لدي شحنة من هذه المواد تأخرت في الميناء لشهور وتم الإفراج عنها في يناير ولكن عليها غرامات 600 ألف جنيه".
ومع تراجع طلبيات شراء أواني الألومنيوم من مصنعه خلال الأشهر ماضية اضطر التهامي للاستغناء عن 25 عاملًا من العمالة المؤقتة لديه بالمصنع، "الآن أعتمد فقط على 50 من العمالة الدائمة لدي وأعمل جاهدًا لكيلا أضطر لتسريحهم".
ويراهن عبد المنعم في الوقت الحالي على قدرته على تسويق منتجاته بشكل أوسع حتى يستطيع الحفاظ على حد معقول من المبيعات يساعده على الإبقاء على العمالة الدائمة لديه.
وينتظر كل من التهامي وعبدالمنعم انفراجة ودعم الحكومة للقطاع، الذي يعاني منذ شهور ماضية.