- يا أستاذ ممكن أتناقش معاك زي ما أنت عاوز. لكن للأسف الموضوع ده اتحسم وربنا أنزل فيه حكمه. اللي باقوله ده مش كلامي، ده كلام ربنا.
- بس ربنا كلفنا نفكر. العقل نعمة إلهية والتفكير فريضة إسلامية.
- الكلام ده له حدود. فكر زي ما أنت عاوز. بس تيجي عند كلام ربنا وتقف. أنت هتعرف أحسن منه؟!
- يا سيدي حاشا لله. نعرف أحسن من ربنا إزاي بس؟! لكن ده علاقته إيه بموضوعنا؟ هو أنت متصور إن ربنا له رأي في المناقشة اللي احنا لسه عاملينها دلوقتي، وتدعي إنه أوحى إليك بما ينتصر لك في الحوار؟!
- إنت إما بتغالط أو بتستعبط! مؤكد إني لا أقول بهذا. كلامي واضح وأنت بتلف وتدور. مفيش مكان للعقل لما كلام ربنا يكون واضح. إعمل عقلك زي ما أنت عاوز فيما لم يأت فيه نص مباشر وصريح من القرآن والسنة.
- طبعا أنا كان ممكن أزايد عليك زي ما بتزايد علي، واقول إن كلامك يشي بإن كلام ربنا أحيانًا يكون مش واضح، أو إنك بتلمح إن القرآن والسنة لم تتعامل مع كل شيء أتى وسيأتي، وأن هناك مساحة للعقل لسد الفراغ.
- لا ما تقدرش تزايد. الرسول أتم الدين، وقرآن الله وسنة رسوله وسعت كل شيء. بعض ما جاء في القرآن ظنّي الدلالة، يمكن أن نتفكر فيه ونتجادل حوله لأنه ظن، وبعضه قطعي الدلالة لا مجال لتأويله ولا للتفكر فيه. ننقله زي ما هو كده ونطبقه.
- يعني القرآن فيه آيات قطعية ثابتة المعنى والمقصود بها واضح، وآيات ظنيّة يمكن أن نختلف في تفسيرها ودلالتها وبالتالي تطبيقها.
- برافو عليك. بدأت تفهم أهو!
- أنا افتكرت حكاية الفهم دي مش على هواك! طب ممكن تقوللي مين اللي قال إن القرآن فيه آيات قطعية وأيات ظنيّة؟ هل التقسيمة دي ظنية بشرية، ولا قطعية مفيهاش مناقشة؟ التقسيمة دي وردت في القرآن؟
- طبعًا. القرآن بيشير بوضوح إن فيه آيات محكمات وأخرى متشابهات.
- تمام. هنتجاوز عن إن ده فهمك لمعنى "محكمات ومتشابهات"، بس خليني أسألك هل القرآن حدد المحكمات والمتشابهات؟
- التحديد متروك لعلماء الأمة، وكلهم أجمعوا على هذا الكلام.
- عظيم. يعني ربنا ما قالش في آخر كل آية إن كانت قطعية أو ظنية، والرسول لم يعطنا قائمة بالقطعي والظني. هذا التقسيم اجتهاد بشري. صحيح؟!
- مش اجتهاد بشري عادي. ده اجتهاد علماء وقفوا حياتهم على فهم القرآن ومعانيه ودلالاته عبر تاريخنا الإسلامي كله، وكلهم أجمعوا على هذا استنادًا لأدلة شرعية.
- لن أناقشك في مسألة "كلهم أجمعوا عليه".. لها وقت آخر. لكن خلينا نمد الخط على استقامته. طالما أن التقسيم ده قديم وواضح عند العلماء بهذا الشكل، يبقى ممكن تعطيني قائمة بالآيات قطعية الدلالة.
- مفيش أسهل من كده. خد عندك مثلًا آيات الميراث، ومثلًا…
- معلش أنا مش عاوز "مثلًا" دي. لو الموضوع واضح وثابت وقطعي منذ نزل القرآن، أكيد أربعتاشر قرن وقت كافي إن العلماء يعملوا قائمة واضحة بما هو قطعي ثابت و ما هو ظني. تجنب الأمثلة وأعطني القائمة الكاملة مباشرة.
- هنا تأتي قيمة الاجتهاد من العالم المجتهد المعتبر. ربنا ما ضيقش علينا، والعالم المجتهد ينظر في الأمور المستجدة ويرشدنا بفهمه وعلمه.
- يعني لا توجد قائمة قطعية للآيات القطعية. صح كده؟
- لم أقل بهذا. ولكن الأمثلة واضحة والمفهوم واضح. أنت فقط تريد أن تهدم الثوابت. غرورك البشري يجعلك تتصور أن ما تصل إليه بعقلك أهم مما نقل إليك من كلام الله ونبيه. تريد إعلاء عقلك البشري القاصر على النقل من القرآن والسنة النبوية.
- حوار العقل والنقل ده أكبر أكذوبة. عارف ليه؟ لإن الحقيقة إن مفيش نقل. الحوار كله عقل وعقل. حجية النقل خدعة كبرى.
- جبت التايهة انت؟! مش باقولك مغرور. شيخ الإسلام الإمام بن تيمية رحمة الله عليه حسم الموضوع بمؤلف ضخم اسمه درء تعارض العقل والنقل. وأنت جاي ببساطة كده تقول مفيش نقل!
- ياسيدي كله يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله (ص)، مش بتقول كده على طول؟ فرضيات التعارض أو التوفيق أو التلفيق بين العقل والنقل، مبنية على تصور إن فيه حاجة اسمها نقل، وأنا باقول مفيش!
- ببساطة كده!
- أو بعمق. احكم على الفكرة بعد أن تعرفها وليس قبلها. لما تعتقد إنك بتحسم أي حوار وتنتصر فيه بإلقاء آية قرآنية "منقولة"، فأنت في الواقع لا تقدم نقلًا على عقل. أنت تحاور عقلي بعقلك. اختيارك للآية اختيار عقلي. اعتقادك بموافقتها لموضوع حوارنا دون غيرها من الآيات اختيار عقلي. تبنيك لتفسير بعينه من بين تفسيرات متعددة هو اختيار عقلي. تصورك أنها آية قطعية الدلالة غير قابلة للمناقشة تصور عقلي. الآية داخل المصحف بدون أي سياق مطلقة في حد ذاتها. أول ما تلمسها بدماغك يبقى العقل دخل. فين النقل هنا؟ الحكاية كلها عقل.
- حلو جدًا. يعني أنت عاوزنا نترك القرآن وسنة رسوله لإن مفيش نقل ويبقى الكلام كله حوار بشري.
- مش عاوزك تترك حاجة. لكن عايزك تتفهم إن اختلافنا هو اختلاف بين أصحاب عقول بشرية. حوارنا بشري شئت أم أبيت لإنه بين بشر. ليس حوارًا بيني كإنسان، وبينك كمندوب عن الإله. في هذا الحوار أنت لست ناقلًا عن الرب، تحمل ردودًا إلهية على كلمات شخصي الضعيف. اختلافي معك هو اختلاف مع اختياراتك ورفض لرأيك. وليس اختلافًا أو رفضًا للذات الإلهية كما تحب أن تتصور. هذا التصور الموهوم خطر يولّد عنف وإرهاب وكراهية.
- يا سلام على السفسطة ولف الكلام!
- يا عم الأمة كلها تعلم أن هناك نقل، والمنقول هو النص الشرعي من آيات وأحاديث، ويطلق عليه السمع والدليل النقلي. أي عيّل صغير يعرف كده.
- يمكن علشان صغير. لما يكبر وينضج سيعرف أنه لا يجادل بمنقول، لكن بفهم للمنقول يتحكم عقله في اختياره. وإن الحوار دايمًا هو حوار بين عقل وعقل، وليس بين نقل وعقل. المشكلة أن هناك عقل كسول وخواف ومتعال، بيحاول يرهب عقل آخر يقبل الحوار عن طريق استخدام صولجان الإله. حاجة كده زي "حجتي وآرائي فيها كتاب دين".. ما تقربش منهم واقبلهم بدون جدال عشان أنا حاطط لك فيهم قرآن.
- أنت عاوز تهدم الثوابت.
- حاشا وكلا. أنا عاوز أهدم تصورك بإن رأيك ونتاج عقلك ثوابت.