تصوير: رحاب عليوة - المنصة.
لينا وإلى اليسار السفير الألماني وإلى اليمين السفير الفرنسي في القاهرة.

جائزة "لينا".. تقدير دولي لصحافة لم يكممها الحجب

منشور الخميس 2 فبراير 2023

في 7 سبتمبر/ أيلول الماضي، حضر جمع من أصدقاء رئيسة تحرير موقع مدى مصر المستقل، لينا عطا الله، وناشطون حقوقيون، لدعمها في التحقيق الذي مثلت له مع 3 صحفيات أخريات في الموقع هن رنا ممدوح وسارة سيف الدين وبيسان كساب. وبالأمس، اجتمعت نفس الوجوه تقريبًا لكن في سياق مختلف تمامًا. 

بينما كانت لينا وزميلاتها يواجهن اتهامات بنشر أخبار كاذبة، إثر نشر خبر عن حزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية البرلمانية والموالي للحكومة، ما عده حقوقيون جزءًا من التضييق على حرية الصحافة، فإنهن اجتمعن أمس ليجنين بعض ثمار ما يواجهونه، بتقدير معنوي، مفاده "نحن معكم، نرى ما تنشرون، نعلم الأجواء الخانقة التي تعملون فيها، نقدر دوركم في ممارسة صحافة مهنية" وكلها رسائل حملها سفيرا فرنسا وألمانيا، قبل تسليم رئيسة تحرير مدى الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان ودولة القانون، في الاحتفالية التي حضرتها المنصة.

والجائزة وإن كانت موجهة إلى اسم لينا، فإنها حملت تقديرًا لزميلاتها وزملائها في مدى، بل ولكل صحفي يعمل في بيئة خانقة. ومن بين هؤلاء رنا ممدوح، التي كانت واحدة ممن تم التحقيق معهن قبل شهور. 

وقفت رنا تتابع بفخر استلام لينا الجائزة، والتي اعتبرتها في تصريح للمنصة، تقديرًا ورسالة دعم وتقدير لكل صحفي يقوم بدوره بمهنية. تضيف "بقى مجرد إني أعمل دوري كصحفي أنشر المعلومة للقارئ وأدققها، بمثابة نضال في بيئة خانقة"، مشددة على أنها لا تحب تلك الكلمة "نضال" لأنها تعكس مدى سوء الأوضاع لدرجة تستحق النضال عند ممارسة بديهيات المهنة.

أما ما لفت انتباه لينا فكان التقدير المحلي وليس الدولي فقط، فاعتبرت في تصريح إلى المنصة، على هامش الاحتفالية، أن يوم استلام الجائزة بالنسبة لها بمثابة تذكار بوجود تقدير بحضور "مش بس أهالينا وصحفيينا وزملائنا في الصحافة زيكم أنتم في المنصة، لكن كمان ناس مهمة في حقوق الإنسان كلهم موجودين، عشان يقدروا شغلنا، تذكار إن الشغلانة دي مش هتبقى كلها ضرب، فيه ناس بتقدر، وفيه طريقة لسه إننا نحس بالتقدير ده بالرغم من كل التضيق والمشاكل". 

وأطلقت فرنسا وألمانيا الجائزة في العام 2016، لتُمنح لنشطاء وحقوقيون في مختلف المجالات، بين محامين ونشطاء بيئيين، ونسويات، وصحفيين، ومؤسسي منظمات حقوقية. 

وتعد لينا الصحفية الوحيدة التي حصلت على تلك الجائزة في قائمة العام الحالي، التي ضمّت 15 شخصًا، منهم المحامي والمدافع السوداني عن حقوق الإنسان سمير مكين، والناشطة الأردنية هديل عبد العزيز، وهي المديرة التنفيذية لمنظمة مركز العدل للمساعدة القانونية، والناشطة الفلسطينية النسوية سما عويضة، مؤسسة أول منظمة نسوية شعبية في الأراضي الفلسطينية. 

وسبق ونال تلك الجائزة من مصر مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، وذلك في العام 2019.

لينا عطا الله خلال استلامها الجائزة، وتظهر في الصورة والدتها.

واقع مأزوم

قبل ساعات من توجه لينا وزملائها إلى مقر السفارة الألمانية في القاهرة، حيث أقيمت احتفالية التكريم، كانت ثمة جلسة خاصة بمدى مصر، ليست في القضية الخاصة بنشر الأخبار الكاذبة، لكن في قضية أخرى رفعها الموقع ضد قرار المجلس الأعلى للصحافة، بعد رفضه منح الموقع الترخيص، وهي معلومة علمها الموقع بالصدفة، أثناء تحقيقات النيابة في قضية "مستقبل وطن".

ونشر مدى مصر عبر موقعه أن "دائرة التراخيص بمحكمة القضاء الإداري، أجلت الدعوى المقامة من شركة مدى مصر ضد قرار المجلس الأعلى للإعلام برفض ترخيص الموقع الإلكتروني إلى جلسة الأول من مارس/ آذار المقبل.

وأضاف الموقع أن محامي مدى مصر، حسن الأزهري، طالب المحكمة خلال الجلسة بإلزام المجلس بتحديد أسباب رفضه للترخيص وتسليمه نسخة من قراره برفض الترخيص، مشيرًا إلى أن النيابة العامة واجهت رئيسة تحريره لينا عطا الله في 7 سبتمبر الماضي، بتهمة إدارة موقع دون ترخيص، خلال التحقيق معها وثلاث صحفيات أخريات بالموقع في مئات البلاغات قدمها نواب وأعضاء من حزب مستقبل وطن، المقرب من السلطة، على خلفية نشرنا خبر عن رصد وقائع فساد داخل الحزب وملاحقة المسؤولين عنها.

سألنا رنا عن المفارقة بين المشهدين، الأول حين خضعت للتحقيق، وأمس حين كُرمت لينا، فقالت للمنصة "لا أعتبر أن ثمة صلة بين المشهدين، فمشهد التحقيق استثنائي، مكنش المفروض يحصل، وإحنا بنحاول نعمل الدور الأساسي الطبيعي، من تقديم المعلومة للقارئ، لكنه جزء من مناخ كبير معادي للصحافة والصحفيين"، ومنه "عدم حصولنا على ترخيص لممارسة عملنا، ووقوف المجلس الأعلى للإعلام في المحكمة يدافع عن ده".

في المقابل، أكدت رنا شعورها بالفخر والتقدير والدعم في المشهد اﻵخر "حسيت إن الدور اللي بنعمله سواء في مدى، أو أنتم في المنصة، متشاف ومقدر، أي صحافة بتقدم المعلومة من غير أجندات، ومن غير رسايل على الواتساب تقولنا هننشر إيه النهاردة". 

الحجب 

موقع مدى مصر، واحد ضمن مئات المواقع المحجوبة خارج إطار القانون، إذ لا تعلن جهة محددة مسؤوليتها عن الحجب. ويعد الحجب أحد أبرز الأسباب في غلق العديد من المواقع المصرية على مدار الـ10 سنوات الماضية، بحسب تقرير مدفوع بالبيانات نشرته المنصة في وقت سابق بعنوان "الساحة الخالية: قصة إغلاق 51 موقعًا صحفيًا في 10 سنوات".

سألنا لينا عن الحجب، خصوصًا أنها أشارت خلال كلمتها بمناسبة استلام الجائزة، إلى أنهم يعملون في ظل بيئة هدفها تعطيلهم "همنا مع بعض والله"، في إشارة إلى حجب المنصة أيضًا. وأضافت "منزعجة جدًا من مدى سهولة مسألة الحجب، أي حد بيعمل أي حاجة متعجبش بيتحجب على طول، أعتقد إن الظاهرة استشرت أكتر من اللازم".

وتابعت "أتمنى إن إحنا ننجو منها لأن خسارة يعني إن إحنا نقوم بكل المجهود ده ومش كل الناس عارفة تقرانا بسهولة يعني"، لكن رغم ذلك أكدت إن الحجب كفكرة لم تعد قادرة على قتل المعلومة. تقول "عمر ما الحجب يوقف الحاجة خالص بل بالعكس، كل ما يكون فيه مناخ تقفيل كل ما الحاجات بتعدي أكتر، والناس بتبقى عايزة تقرأ أكتر، بل في تأثير أكبر لشغلنا عشان إحنا محجوبين الناس بتبقى عايزة تشوف فيه إيه في الموقع عندنا، في المنصة، الأفضل إنه ميحصلش أصلًا يعني".

وتتفق رنا التي تؤكد أن المعلومة حق للقارئ، وحجبها أو تعميم سياسة الصوت الواحد وإن كان بنبرات مختلفة يشكل تعديًا على هذا الحق.

وكانت لينا قالت في كلمتها خلال الجائزة والتي فوضت الزميلة سارة سيف الدين لقراءتها بالعربية والزميل عثمان الشرنوبي بالإنجليزية "إن فريقي السفارتين يعلمان مدى عدم ارتياحي للحصول على هذه الجائزة في ظل وجود تضييق حقوقي مصري عبر السنوات، أبطاله مدافعون عن حقوق الإنسان، مؤسسات وجماعات، وبالطبع نضالات تحديدًا في آخر 10 سنوات".

 وأضافت أن هؤلاء المدافعين والمؤسسات "يعتمدون حقوق الإنسان كمرجعية وآلية في نضالاتهم المحلية، من أجل حياة أكثر كرامة.. نعتبر أنفسنا جزءًا من هذه الجماعة، وذلك لإنه إلى جانب القيام بعملنا الصحفي علينا أن ندافع عن بديهيات حقنا في الوجود وتنظيم أنفسنا وطبعًا حق قرائنا في الحصول على معلومة".

من اليسار: رنا ممدوح، وبيسان كساب ولينا وسارة سيف الدين، خلال انتظارهم التحقيق معهم.

الحوار والآفاق 

بعد أسابيع من ذلك الحدث، يفترض أن ينطلق حدث آخر، لن يشهد حضورًا أجنبيًا مباشرًا مثل الذي في جائزة لينا، لكنه بالتأكيد سيحظى بمتابعة ومراقبة، فضلًا عن آمال تختلف درجاتها بشأن مخرجاته، وهو الحوار الوطني، والذي سبق وأعلن منسقه ضياء رشوان في يناير/ كانون الثاني الماضي، أنه سينطلق قريبًا، وحتى الآن منذ الدعوة إليه في نيسان/ أبريل الماضي، لم يحدد موعد له، أو تصدر قائمة محددة بالمدعوين. 

سألنا لينا عن توقعاتها بشأن الحوار المرتقب، وما يمكن أن يحمله، فقالت "معنديش توقع إيه اللي هيحصل، لكن عندي إحساس إن لازم يبقى فيه تغيير في شكل تقبلنا في الساحة العامة، عشان إحنا مش بنعمل حاجة غلط بل بالعكس، إحنا بنعمل حاجة مفيدة جدًا للشعب المصري، بنديهم حقهم في معلومة حرة، بدون أي أجندات، بذكاء، بنحترم ذكائهم، فعندي أمل إن هيكون في لحظة ما اعتراف إن الشغل ده المفروض يحصل بشكل بديهي وعادي، ومنكونش بنتخانق من أجل التواجد". 

وحول إمكانية مشاركتها في الحوار إذا دُعيت إليه بصفتها الصحفية، قالت إن ذلك يتوقف على جدية الحوار قائلة "والله، لو فيه رغبة حقيقية في الحوار، في الاستماع، مش مجرد حضور من أجل الحضور، ليه لأ؟"، مشيرة إلى أن ذلك سيظهر في  طبيعة النقاشات والأسئلة المطروحة، ومدى الانفتاح على دعوة أطراف مختلفة. 

استمر الاحتفال لنحو الساعة، ثم غادر المدعوون والزملاء، يفكرون فيما سيقدمونه غدًا للقارئ، وما يمكن أن يواجهونه من تحديات جديدة، من بينهم رنا التي تتمنى أن تؤكد أنها رغم كونها أمًا، وأمانها الشخصي الأهم عندها، لم تفكر يومًا في التخلي عن دورها بسبب المناخ القائم، "ده شغلي، إحنا مجرد بنعمل شغلنا، زي أي مهنة تانية، يا ريت يفهموا ده". أما لينا فقالت "السلطة قوية تقدر تعمل أي حاجة، أنا دايمًا براهن على إن يبقى فيه ذكاء وحكمة وصوت عقل في التعامل معانا، التعامل معانا كمجرمين شيء غير عقلاني بالمرة".