تصميم: أريج
يتعرض الصحفيون السودانيون لمخاطر جمة من طرفي النزاع

أفواه مكممة.. كيف تقتل الحرب في السودان أصوات الصحفيين

منشور الخميس 30 نوفمبر 2023 - آخر تحديث الجمعة 1 ديسمبر 2023

اليوم: 23 أبريل/نيسان 2023 

المكان: غرفة مظلمة يتسلل إليها الضوء من فتحات في الجدار 

أفاقت منال علي* من الضربة التي تلقتها على رأسها، وبدأت باستعادة وعيها شيئًا فشيئًا. ورغم حالة التشويش التي تشعر بها من تأثير الضربة؛ لا تزال علي تتذكر آخر مشهد في ذلك اليوم، وهي في طريقها إلى المخبز بحي الجنينة بولاية غرب دارفور، عندما توقفت بالقرب منها سيارة تحمل رجالًا ملثمين. سمعت صوتًا يناديها، ثم لا شيء.

 "هذه نهايتي، هذه هي النهاية"، تردد علي هذه الكلمات، فيما تحاول أن تحتفظ بما تبقى لها من أمل في النجاة.

منال علي، صحفية مستقلة، وهي واحدة من أكثر من مائة صحفي وصحفية تعرضوا لاعتقال وتعذيب وتهديد على يد طرفي الصراع في السودان، لا لشيء سوى أنهم يحاولون نقل الواقع الذي يعيشه السودانيون. لم تبدأ القصة في 15 أبريل 2023، فبوادر الحرب كانت تلوح في الأفق. والكل كان يترقب قدوم "ساعة الصفر" ويأمل بعضهم أن يمر الأسبوع الأخير من شهر رمضان بسلام.

ظلام دامس: "ميت لا محالة" 

في صباح السبت 15 أبريل، دوى صوت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم بين القوات المسلحة بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"؛ وهما شريكا السلطة في الحقبة التي تلت إسقاط حكومة البشير عبر ثورة شعبية بدأت عام 2018 وامتدت لعام 2019. نفذ الجنرالان انقلابًا على الحكومة المدنية الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021؛ لينفردا بالسلطة لأكثر من 18 شهرًا، قبل أن يتواجها في حرب مسلحة بدأت في الخرطوم، لتمتد لاحقًا لأقاليم الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان وجنوب كردفان وإقليم دارفور، وكل من ولاية النيل الأزرق والقضارف، والجزيرة وغيرها.

وجد العشرات من الصحفيين والعاملين في المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية وسط الخرطوم أنفسهم محتجزين بسبب الاشتباكات المسلحة. توجه رامي محمد(*) وأكثر من 20 آخرين، من بينهم صحفيون يعملون لدى إذاعة هلا 96 ووكالة تانا فور ميديا بالعمارة الكويتية، إلى مواقف السيارات "البدروم"، ومكثوا هناك لـ 72 ساعة دون مؤن غذائية تذكر. تمكَّن ومن معه من مغادرة المكان، بعد أن دخلت الهدنة الأولى حيز التنفيذ، حسب محمد الذي ظن أنه ميت لا محالة.

خريطة احتجاز الصحفيين في اليوم الأول لاشتباكات السودان

الحرب تمتد لولايات أخرى

"كانت بيوت الصحفيين مستهدفة، كانت هناك قائمة بأسمائنا، وقوات الدعم السريع يبحثون عنا بالاسم، دمروا بيتي بالكامل"، تقول منال علي التي فقدت سبعة أفراد من أسرتها في اليوم الأول، من بينهم أخوها.

بحكم عملها، تلقت علي بلاغات بحوادث اغتصاب وقعت في إقليم دارفور، من الجنينة تحديدًا حيث تقيم، "كان هناك تسجيل لتسع حالات اغتصاب، وكنت أتواصل مع الضحايا قبل قطع الاتصالات".

تقول علي إنها تلقت اتصالًا هاتفيًا هددها فيه المتحدث بالقتل، حال نشرت أي تفاصيل عن حوادث الاغتصاب. غير أن الكابوس الحقيقي بدأ 23 أبريل، بعد يوم من اندلاع الحرب في مدينتها الجنينة، حيث اختطف منال ملثمون يرتدون زي قوات الدعم السريع.

عندما أفاقت من الضربة التي تلقتها على رأسها، وجدت نفسها في غرفة مظلمة. تتذكر علي بعض الجمل التي علقت في ذاكرتها "هذا ليس زمن موتك. حاليًا قتلنا أهلك، ولم نقتلهم جميعًا. حنقتلك بقهر إنك تشوفي أهلك يموتون قدامك بعد ذلك يصبح قتلك هيِّن". أمضت الصحفية المقيمة بمدينة الجنينة غرب السودان خمسة أيام في غرفة معزولة مع التعذيب بالضرب المبرح، والتهديد بقتل وتصفية المزيد من أفراد عائلتها.

في 27 أبريل انهالوا عليها ضربًا حتى فقدت الوعي، على حد قولها. وفي الليلة ذاتها، وُجدت منال في منطقة قريبة من مكان اختطافها، ملقاة بالقرب من مسجد الحي في حالة صحية سيئة. تمّ إسعافها ونقلت لاحقًا لمنزل عائلتها، لتبدأ بعدها رحلة الهروب من الحرب، حيث عبرت إلى داخل الأراضي التشادية.

تكميم الأفواه

التهديد الذي تلقته منال علي إثر تغطيتها حوادث الاغتصاب، عاشه الصحفي عيسى دفع الله، أثناء إعداده تقريرًا إخباريًا عن عمليات النهب التي تعرضت لها المحلات التجارية بنيالا. 

في 17 مايو/أيار، أثناء تصويره محالًا تجارية، اعترضته مجموعة تتبع قوات الدعم السريع، ومنعته من مواصلة التصوير، ثم سحبته إلى حي المطار، وفق روايته. يقول دفع الله "طلبوا مني إبراز هويتي الصحفية، وأخذوني لحي المطار حيث تعرضت للضرب والركل وصُودر هاتفي". 

يشير دفع الله إلى أن محاولات منع التغطية الصحفية للأحداث جاءت متزامنة مع المعركة في مدينة نيالا "معركة يوم القيامة"، حسب وصفه. من جهة أخرى، لفت دفع الله لأن طرفي النزاع مارسا "تكميم الأفواه"، وأن الصحفيين لم يسلموا من اتهامات التبعية لأحد الأطراف المتحاربة.

الصحفية الإيطالية سارا كريتا وصلت الحدود السودانية الإثيوبية في السابع من مايو؛ أي بعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الاشتباكات.

انتظرت سارا ساعات طويلة في مكتب الجوازات في منطقة القلابات ولم يسمح لها بالدخول رغم حصولها على تأشيرة

ولكن لم تسمح لها السلطات السودانية بدخول البلاد، وتمّ احتجازها لدى دائرة الاستخبارات العسكرية بالمنطقة الحدودية لبضع ساعات، وطُلب منها العودة إلى حيث أتت. جددت الصحفية التي تعمل مع العديد من المحطات الدولية، من بينها الجزيرة والجارديان، محاولتها عبر طريق إقليم النيل الأزرق؛ ولكنّها مُنعت أيضًا من الوصول إلى الدمازين، وطُلب منها العودة. "يقولون إنهم لا يمكنهم ضمان أماني هناك، هناك أمر يمنع دخول الأجانب حاليًا، الوضع متقلب جدًا. كنت أعتزم البقاء في مناطق ليس فيها قتال. استخدمت السلطتان نفس السرد. كانت هذه الحجة الأمنية ذريعة" تقول سارا.

سودانيون عند المعبر الحدودي قرب الحدود الإثيوبية

انتهاكات بالجملة

رصدت نقابة الصحفيين منذ أبريل وحتى نهاية سبتمبر/أيلول انتهاكات عدة، تنوعت بين القتل والاحتجاز والإصابة والتهديد والتعدي على الممتلكات. يقول نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس إن الصحفيين جزءٌ من المجتمع المدني، ومعاناتهم تتقاطع إلى حد كبير مع معاناة المدنيين، إضافة إلى تعرضهم لانتهاكات بسبب عملهم؛ من بينها التوقيف لمنعهم من ممارسة عملهم الصحفي.

يقول أبو إدريس "فقدنا اثنين من الصحفيين؛ زميلتنا سماهر قتلت في زالنجي عندما سقطت دانة على منزلها، وزميلنا عصام مرجان وجد مقتولًا في منزله في أم درمان، التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، دُفن داخل منزله ولم يتمّ حتى تشييعه للمقابر".

وحسب أبو إدريس، فالانتهاك لا يطول الصحفيين وحسب؛ بل يصل لأقاربهم. موضحًا أن "أحد الصحفيين فقدَ زوجته وطفله. إلى جانب ذلك فقدت الصحفية اعتماد الميراوي والدتها واثنين من إخوتها".

 

بوست لقوات الدعم السريع على إكس

ويشير أبو إدريس إلى أن غالبية المؤسسات الصحفية؛ الحكومية منها والخاصة، تعرضت للقصف وتوقفت عن العمل منذ بداية الحرب. ويرجع نقيب الصحفيين ذلك لوقوع تلك المؤسسات الصحفية بالقرب من مناطق الاشتباكات، مضيفًا أن أغلبها تعرض للاعتداء والنهب.

حتى مؤسسة الإذاعة والتليفزيون سيطرت عليها قوات الدعم السريع منذ بداية الحرب، وحولتها ثكنة عسكرية.

طرفا النزاع يشاركان في الانتهاك

في 11 مايو، وقَّعت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان، برعاية حكومتي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ولكنّه لم ينجح في إيقاف الحرب بين الطرفين. 

غياب بند يضمن حقوق الصحفيين عن الإعلان والانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والصحفيات، دفعت ثماني عشرة مؤسسة صحفية لتوقيع بيان في منتصف أغسطس/آب الماضي، يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لحماية الصحفيين؛ داعيًا طرفي النزاع لإيقاف الحرب وفتح ممرات إنسانية، وتمكين الصحفيين من تغطية الأحداث وتسهيل تنقلاتهم. ووفقًا للإعلان، تعرض الصحفيون والصحفيات لاعتداءات جسدية واعتقال تعسفي وإخفاء قسري، إضافة إلى تعرض الصحفيات خصوصًا للعنف القائم على النوع الاجتماعي، كالاستغلال الجنسي. 

شهادات الصحفيين الذين قابلناهم، وتحليل البيانات التي حصلنا عليها من نقابة الصحفيين، تؤكد أن القوات المسلحة والدعم السريع مارسا الضغط على الصحفيين.

غادر علي طارق، وهو صحفي بصحيفة الجريدة، الخرطوم، مع تصاعد الاشتباكات، متوجهًا إلى مسقط رأسه بولاية سنار. وعمل من هناك عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة. لكن جهاز المخابرات العامة استدعاه في 16 أغسطس، إثر تقرير صحفي أعدّه حول أوضاع الفارين من الخرطوم إلى مدينة سنجة في ولاية سنار، والمضايقات التي يتعرض لها النازحون في مراكز الإيواء.

رفضت الجهات الأمنية الاتهامات التي تشير لعجز السلطات عن توفير بيئة ملائمة في مراكز الإيواء، مشيرة إلى أنه لا أساس له من الصحة. أُودع طارق زنزانة ولم يسمح لأسرته بالتواصل معه أو معرفة أي أخبار عنه.

 لم يُطلق سراح طارق إلا بعد إضرابه عن الطعام في اليوم الرابع من احتجازه، وحُذِّر من الكتابة في القضايا الإنسانية والمتعلقة بالنازحين أو ذكر اسم مؤسسة جهاز المخابرات في أي كتابات صحفية مستقبلية، حسب طارق.

حاول كل من قوات الدعم السريع والجيش درء الاتهامات عن نفسيهما، كل عبر منصاته الإعلامية. ووصل الأمر إلى أن قوات الدعم السريع اتهمت بشكل غير مباشر، القوات المسلحة، بارتكاب جرائم، متنكرة بزي قوات الدعم.

بوست لقوات الدعم السريع عن اكتشاف مخزن يحوي أزياء لقواته

الحرب تصل السوشيال ميديا

امتلأت السوشيال ميديا بالأخبار التي روّج لها طرفا النزاع. وبطبيعة الحال، تناقل الصحفيون جزءًا من الصورة والمشهد، وظهرت قوائم تصنف الصحفيين بالانتماء إلى أحد طرفي النزاع؛ ما أدى إلى انتشار خطاب الكراهية ضد الصحفيين من جهات مجهولة، والاتهامات المتبادلة فيما بينهم.

كذلك، تعرضت الصحفيات إلى ابتزاز ومحاولات استغلال، لتمرير أجندة أنصار طرفي النزاع؛ بالترغيب تارة بالإغراءات المالية، والترهيب تارة أخرى بالتهديد بالملاحقة في حالات الرفض. 

تعرضت هبة عبد العظيم، وهي صحفية مستقلة، لتهديد بالملاحقة من زميلها في مجموعة عبر واتساب، تضم أكثر من سبعة وستين صحفيًا أغلبهم من المراسلين، إثر نقاش دار في المجموعة حول من بدأ الحرب؛ بدا فيها وقوفها ضد قوات الدعم السريع. تقول عبد العظيم "في البداية اعتبرت التهديد عاديًا، ولكن ما أخافني حقًا أن صاحب التهديد يعرف منزلنا وكل أفراد أسرتي، وتهديده بالوصول إلى المنزل أرعبني، وقررنا بسببها مغادرة منزلنا".

"وجود أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين بالمجموعة لم يكن كافيًا لوقف خطاب الكراهية بين الصحفيين، وإدانة التهديدات التي تعرضت لها"، تقول عبدالعظيم. 

لم تختلف قصة سمر سليمان عن هبة عبد العظيم، إذ تلقت تهديدات عبر تطبيق ماسنجر، من بينها تهديد من وزير سابق. ومطالبة ببث مواد تليفزيونية عبر فضائية كانت تعمل فيها مقابل عرض مادي. وعندما رفضت العرض، تمّ تهديدها بالوصول إليها والتعرض لها عند انتهاء الحرب.

الصحفيون هدف مباشر رغم الاتفاقيات واللوائح

تشير تقارير نقابة الصحفيين في السودان إلى وجود نحو 71 حالة اعتداء على منزل صحفي أو صحفية بشكل مباشر. 

يقول المحامي الحقوقي، عبد المنعم آدم، إن الصحفيين محميون بموجب القانون وأي مساس بحقوقهم يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وهو، حسب آدم، قانون معني بتخفيف آثار الحروب وحصرها بين الأطراف المتنازعة.

ووفق آدم، يحدد القانون الأشخاص المدنيين الذين تشملهم الحماية بشكل صريح فيعتبر المدنيين الذين لا يشاركون بالأعمال العدائية مباشرة محميين وفقًا للقانون.

ويؤكد المحامي الحقوقي أن "الصحفيين والمؤسسات الصحفية ليسوا أهدافًا حربية"، ويتمتعون بنوعين من الحماية؛ الأولى باعتبارهم مدنيين، والثانية باعتبارهم صحفيين.

ويضيف آدم أن الصحفيين في السودان واجهوا ضغوطًا بالانحياز لأحد طرفي الحرب في السودان، وهي مخالفة صريحة لنص القانون، وهم غير مطالبين بتقديم أي معلومات إلا في الإطار المهني، وأي تجاوز للحصانة الممنوحة لهم بموجب القانون يعد من جرائم الحرب.

وشدد على أن الصفة الصحفية تمنع ممارسة أي انتهاك ضدهم بموجب مواثيق حقوق الإنسان، معاهدات جنيف الأربع، والبروتوكولات الإضافية، مطالبًا بضرورة إدانة الانتهاكات ضدهم بأقوى العبارات، وتصنيفها من الجرائم البشعة والجسيمة.

حماية الصحفيين في المواثيق الدولية

رحلة الخروج للمجهول: حين يصبح اللون والعرق والهوية أداة للتصفية

"نزح نحو أربعة ملايين وستمائة ألف شخص داخل السودان منذ بدء القتال، لجأ معظمهم إلى ولايات داخل السودان، وعبر نحو 1.1 مليون شخص إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجمهورية جنوب السودان المجاورة وذلك حتى النصف الأخير من تشرين الأول/أكتوبر"، وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

تُحدثنا منال علي عن رحلة خروجها من السودان. ففي 31 أبريل، خرجت هي ووالدها من الجنينة بسيارة تهريب. لم يفارقها شعور الخوف على أبيها، حال كُشفت هويتها. أشار عليها السائق بأن تعطيه ما لديها من ممتلكات؛ كالهاتف، واللابتوب وغيره؛ كي لا تتعرض للنهب.

وصلوا عند نقطة التفتيش الأولى للميليشيات المسلحة، فمروا بسلام لأن السائق كان "منهم" على حد وصفها. عند نقطة التفتيش الثانية، أخذوا ما لدى الركاب من ممتلكات، إلا ما أخفاه السائق. عند نقطة التفتيش الأخيرة، تذكر علي وصفها ومَن معها بالنوبيين للونهم، وتأسف لوجود ما وصفته بـ "خطاب الكراهية"، حتى وصلوا أخيرًا الحدود التشادية.

من جهة أخرى، عاش عباس الخير، المراسل الميداني لدى قناة سودان بكرة، ظروفًا مشابهة مع اختلاف الجاني. في أواخر مايو 2023، بدأ رحلة خروجه من الخرطوم باتجاه مدينة مدني. أوقفه الجيش، وطلب منه إظهار إثبات هويته. يقول الخير "في الجواز مكتوب أني مواليد نيالا فقال لي يا زول أنت دعم سريع لكن كنت مع أسرتي، فقلت لهم أنا ما دعم سريع، أنا من سكان شمبات لأن في الرخصة مكتوب أنا ساكن شمبات"، ومر.

أما عند خروجه من القضارف باتجاه إثيوبيا، في نقطة تفتيش عند الدوكة، وبسبب بياناته ولونه؛ وجهت له الاستخبارات العسكرية تهمة الانتماء للدعم السريع. طُلب من الخير رفع قميصه، وبسبب طعنة قديمة على ظهره كاد أن يفقد حياته. أُجبر على خلع ملابسه "طلب مني أحد أفراد نقطة التفتيش التابعة للقوات المسلحة نزع حزام بنطالي وخلع البنطال أيضًا، فعلت ذلك مرغمًا، وفي التفتيش لمسوا جهازي التناسلي تخوفًا من إخفائي لأي شيء". 

لاحقًا، تعرض الخير للضرب واحتُجز لساعات، تمّ إدخاله غرفة ملطخة بالدماء لإجباره على الاعتراف بالانتماء لقوات الدعم السريع. تعرض للضرب والإساءة وفُتشت حاجاته فوجدوا فيها ما يربطه بقناة مهتمة بقضايا الثورة الشعبية، ما كان سيزيد الأمر تعقيدًا، إلا أنه أكد أنه ترك العمل في تلك القناة منذ أشهر. ولم يُطلق سراحه إلا بعد الاتصال بأحد أقاربه الذي يعمل ضابطًا في القوات المسلحة، وفق رواية الخير.

الخير وعلي صحفيان من عشرات الصحفيين الذين غادروا السودان للدول المجاورة.

يشير نقيب الصحفيين عبد المنعم أبو إدريس إلى أن النقابة فتحت خطوط اتصال مع اللجنة الدولية لحماية الصحفيين ومنظمة صحفيين بلا حدود، وأكد أن المؤسستين ساعدتا في إجلاء عدد من الصحفيين والصحفيات إلى خارج السودان، وهناك محاولات مستمرة لإجلاء المزيد منهم. وحسب أبو إدريس فإن العدد الأكبر غادر إلى مصر، التي استقبلت 56 صحفيًا، فيما استقبلت أوغندا وكينيا 20، فيما فر 10 صحفيين إلى إثيوبيا وجنوب السودان. 

الدول التي فرَّ إليها صحفيون سودانيون

واعتمد مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة في 11 أكتوبر 2023 قرارًا بتشكيل لجنة تقصٍّ في انتهاكات حقوق الإنسان. وكانت بريطانيا تقدمت مع أربع دول بمشروع قرار لمجلس حقوق الإنسان، للتحقيق في انتهاكات طرفي القتال بالسودان؛ إلا أن الحكومة السودانية رفضت مشروع القرار واعتبرته غير عادل؛ إذ ساوى بين القوات المسلحة وهي سلطة شرعية و"المتمردين". أما الحرب التي لا تزال قائمة فخلفت وراءها أكثر من عشرة آلاف قتيل وآلاف الجرحى، وشردت نحو ستة ملايين شخص.

تقول علي، التي استقرت مؤخرًا في أوغندا، "أعيش ظروفًا صعبة، فقدت كل شيء، فقدت هويتي لأن عملي الصحفي كان كل شيء". لافتة إلى أن الصحفيين كغيرهم، يدفعون فاتورة باهظة، ثمنًا للحرب.


* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر

تنشر المنصة هذا التحقيق بالتزامن مع "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) في إطار اتفاق شراكة.