تصميم أحمد بلال لـ المنصة
رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع

البرهان: رهينة التناقضات والعداوات المتعددة

منشور الثلاثاء 6 أغسطس 2024

متنقاضات عدة جمع بينهما رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبدالفتاح البرهان منذ وصوله لقيادة الجيش، عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، قبل خمس سنوات، ما يجعل مهمة تحديد المجموعة التي استهدفت اغتياله عملية صعبة. 

كانت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية أعلنت تصدي مضاداتها الأرضية في 31 يوليو/تموز لمسيرتين معاديتين استهدفتا البرهان في موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبحرية بولاية البحر الأحمر بشمال شرق السودان.

يبدو أن التخلص من البرهان هدفًا لعدد من الأطراف التي تلعب دورًا في المشهد السوداني اليوم، سواء قوات الدعم السريع، أو القطاعات الغاضبة في القوات المسلحة التي تُحمله مسؤولية تمدد الميلشيات وتحويلها لجيش موازٍ، فضلًا عن الإسلاميين الذين ضَغط عليهم للمشاركة في مفاوضات جنيف.

المتهم الأول

ما بين الامتيازات التي منحها البرهان لقوات الدعم السريع في لحظات الوفاق، والعداء الشديد والنزاع المسلح على السلطة، ظهرت القوات التي يقودها حميدتي لتسطير على المساحة الأكبر من السودان حاليًا، وهي المتهم الأول في عملية الاغتيال. 

كان محمد مختار، المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع بالسودان، نفى أي علاقة للقوات بالهجوم، قائلًا لرويترز "ليس للدعم السريع أي صلة بالمسيرات التي استهدفت مدينة جبيت شرق السودان"، غير أن العديد من المراقبين في السودان اعتبروا أن النفي غير رسمي، لأنه لم يصدر عن الناطق الرسمي باسم قوات الدعم، معتبرين ذلك إشارة إلى احتمالات تورطها.

وهو ما يراه الكاتب والمحلل السياسي محمد تورشين، الذي يعتبر أن قوات الدعم السريع أول المتهمين بمحاولة اغتيال البرهان، يقول لـ المنصة "قائدها محمد حمدان دقلو، يردد منذ اليوم الأول للحرب أنه يسعى للتخلص منه، وأن ذلك هدفًا رئيسيًا بالنسبة إليه، كما أن توالي استهدافات التجمعات العسكرية يشير لرغبة من جانب قوات الدعم لإحداث فوضى داخل الجيش تمكنها من السيطرة على البلاد". 

قيادات في الجيش ترى أن البرهان لا يرغب في تحقيق انتصار على الدعم السريع

مع بداية انطلاق الحرب شدد دقلو على ضرورة التخلص من البرهان، وبرر ذلك بـهدف "إطلاق التحول الديمقراطي"، كما أن محاولة اغتيال قائد الجيش جاءت بعد ساعات من هجمات مماثلة شنتها طائرات مُسيّرة على مقار أمنية عدة في كوستي بولاية النيل الأبيض، أسفرت عن مقتل ضابط في جهاز الاستخبارات العامة وجرح آخرين، وتعد العملية أكبر هجوم بالمسيَّرات على المدينة التي تضم الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش.

المتهم الثاني

"أزمة البرهان في كونه لديه مشاكل عديدة مع أطراف سودانية مختلفة ما يجعل دمه يتفرق بين القبائل"، حسب القيادي بالتيار الوطني السوداني، نور الدين صلاح الدين، الذي يشير إلى وجود متهمين آخرين غير قوات الدعم السريع، مضيفًا لـ المنصة "السودانيون يرون أن البرهان خدم قوات الدعم السريع أكثر مما خدمها قائدها حميدتي".

يعتبر صلاح الدين أن البرهان كان سببًا رئيسيًا في تمدد قوات الدعم السريع خلال فترة قيادته للجيش السوداني "حولها من مجرد قوة عسكرية متخصصة إلى جيش موازٍ للجيش الأساسي، بل إنها أصحبت قادرة الآن على هزيمته بفعل تمددها في الولايات المختلفة، وهو ما يخلق له عداوات عديدة داخل الجيش".

الضغط على الإسلاميين للمشاركة في مفاوضات جنيف خلق عدوًا جديدًا للبرهان

الغضب في الجيش يؤكد عليه صلاح الدين "العديد من القيادات العسكرية الوسطى والعليا ترى أن البرهان لا يرغب في تحقيق انتصار على الدعم السريع، بل على العكس يمضي في تسليم المدن وحاميات الجيش واحدة تلو الأخرى لتسيطر قوات الدعم السريع على الجزء الأكبر من السودان دون مقاومة تذكر، هؤلاء يعتقدون أن الانتصار وإنهاء المعارك سيفتح الباب أمام مسائلته على تخريب البلاد وإدخالها في حرب طاحنة".

المتهم الثالث

يبدو أن بقايا نظام البشير تقف في مربع الاتهام أيضًا، يتوقف صلاح الدين أمام موقف الإسلاميين المصطفين مع الجيش "هؤلاء أيضًا لديهم عداوات مع البرهان بعدما ضغط عليهم للذهاب إلى جنيف للتفاوض مع قوات الدعم السريع والاستجابة للدعوة الأمريكية، إذ يرون أن أي اتفاق يغلق الباب أمام عودتهم للسلطة مرة أخرى، ما جعل لديهم رغبة آنية في استبدال البرهان بقائد آخر تكون لديه القدرة على الانخراط في معارك قوية ضد قوات الدعم السريع لإطالة أمد الحرب".

كانت أطراف الحرب في السودان تستعد لجولة مفاوضات في سويسرا منتصف أغسطس/آب الجاري، بدعوة أمريكية، ودعم دولي واسع، في محاولة لتخفيف الأزمة الإنسانية في السودان. 

يوضح القيادي بالتيار الوطني السوداني أن البرهان سبق ودخل في عداء مع التنظيمات الإسلامية عقب ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وأخرجهم من القصور إلى السجون وقدمهم إلى المحاكمات وكان شريكًا في عملية انتزاع السلطة منهم، ووقع على قانون حل حزب المؤتمر الوطني، قبل أن يقرر التحالف معهم ضد القوى الثورية المدنية التي طالبت باستلام الحكم وفقًا للوثيقة الدستورية.

أما تورشين، فيعتبر أن عناصر حزب المؤتمر الوطني من الإسلاميين تستفيد من إحداث فراغ عسكري "هؤلاء لديهم تواجد بعناصر كثيفة في شرق السودان تحديدًا، ويمكن أن يتورطوا في استهداف البرهان ويرون أنه فشل في هزيمة قوات الدعم السريع".

البحث عن حلفاء

البرهان منذ توليه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد استقالة الفريق أول عوض بن عوف وزير الدفاع تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، تنقل بين الحلفاء على اختلاف تناقضاتهم. 

يشير صلاح الدين إلى أن بعد يوم واحد فقط من توليه رئاسة المجلس، وفي أغسطس 2019، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، أسفر عن تشكيل مجلس سيادي مكون من أعضاء عسكريين ومدنيين، وهو المجلس الذي حله البرهان لاحقًا في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، معلنًا حالة الطوارئ في البلاد.

يعجز البرهان عن كسب حلفاء حقيقيين

على المستوى الخارجي، يوضح القيادي بالتيار الوطني السوداني أن البرهان لعب على تناقضات عديدة، إذ دفع السودان إلى ذات المسار الذي سبقته إليه الإمارات والبحرين بتوقيعه على إعلان الاتفاقات الإبراهيمية، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته دفع في طريق تطبيع العلاقات مع إيران وأعاد مؤخرًا سفير السودان إلى طهران، كما دعم توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية أثناء فترة تولي عبد الله حمدوك رئاسة الوزراء، لكنه ذهب في الوقت ذاته إلى روسيا لتدشين قاعدة عسكرية لها على البحر الأحمر.

"واحدة من أزمات البرهان في معركته الحالية أنه غير قادر على كسب حلفاء حقيقيين يمكنهم تقديم سند قوي في المعركة، فهو يستعد لبيع مواقفه دون أثمانٍ حقيقية وإنما لاعتبارات آنية"، يقول صلاح الدين مشيرًا إلى عدم تحقيق أي مكاسب اقتصادية أو عسكرية من التطبيع مع إسرائيل "ما يشير لكونه قصير النظر، يهدف للبقاء على كرسي الحكم وإن دفع الثمن السودانيون جميعًا".

الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، خلّفت نحو 15 ألف قتيل، وأجبرت أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل السودان وعبر الحدود، ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة، لم تجد حتى الآن من يتمكن من إيقاف عجلة دورانها، كما لم تؤثر محاولة اغتيال قائد الجيش على المعادلة التي يتطلع كافة أطرافها لنتائج مفاوضات سويسرا.