صدر إعلان مهم من القاهرة عن احتفال في البحرين، قبل يومين من دخول الرئيس السيسي إلى مبنى البنتاجون وسط حرس شرف اصطف ليعطيه التحية، مع استقبال حافل من وزير الدفاع الأمريكي، بشكل لم يحظَ به أيٌّ من رؤساء الدول والوفود الإفريقية التسعة والأربعين الذين اجتمعوا في واشنطن اليوم التالي مع الرئيس بايدن ونائبته، في ختام القمة الأمريكية الإفريقية الأسبوع الماضي.
يقول الإعلان الصادر يوم الاثنين 12 ديسمبر/ كانون اﻷول، الذي يصادف يوم انطلاق قمة واشنطن، إن القوات البحرية المصرية تولت قيادة "قوة المهام المشتركة 153" التي تتمثل في مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة خاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن. وجرت مراسم نقل القيادة من البحرية الأمريكية إلى نظيرتها المصرية في مقر الأسطول الخامس الأمريكي بالبحرين ليتولى قيادة القوة الجديدة في البحر الأحمر عن مصر العميد بحري محمود عبد الستار.
جاء ذلك في بيان نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية من القاهرة، نقلًا عن المتحدث العسكري، الذي أوضح أن هذه المهمة للقوات المسلحة المصرية تأتي بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول اكتفى بوصفها "الشقيقة والصديقة" وذلك لمواجهة "التهديدات والتحديات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة".
لم يتأخر الرد على البيان العسكري المصري كثيرًا، ففي اليوم التالي أصدر الطرف الذي اعتبر نفسه مهددًا بتلك الخطوة، بيانًا عسكريًا نقلته وكالة أنباء سبأ الرسمية اليمنية، في صنعاء التي يحكمها الحوثيون، جاء فيه على لسان وزير دفاع الحكومة اليمنية الحوثية محمد ناصر العاطفي، إن قواتهم المسلحة "اتخذت الإجراءات كافة التي تضمن التعامل بقوة وحزم مع أي تطور يمثل تهديدًا أو المساس بالسيادة الوطنية أو الاقتراب من السيادة البحرية".
ودون أن يذكر السيد العاطفي تولي البحرية المصرية حراسة تلك الممرات المائية، قال إن "مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي والامتداد الإقليمي لأرخبيل سقطرى والجزر اليمنية أرض يمنية، سيادتنا عليها كاملة".
كما أنهى تصريحاته بتهديد واضح يقول فيه "هناك خيارات تأديبية سيتم اتخاذها والإعلان عنها في الوقت المناسب لا يلومنا عليها أحد إن لجأنا إليها، لأننا قدمنا كل السبل للوصول إلى نهاية إيجابية، لكن العدو يأبى إلا أن يسير عكس التيار، وقد أعذر من أنذر".
دولتان فقط ليست بينهما مصر في الحرب المعلنة مع اليمنيين الحوثيين، هما السعودية والإمارات. لكنهما تشتركان مع مصر والأردن والولايات المتحدة في قوة المهام البحرية المشتركة رقم 153 التي أعلن قائد الأسطول الخامس الأمريكي من مقره في البحرين قبل ثمانية أشهر بدء تشكيلها لحراسة البحر الأحمر من باب المندب حتى قناة السويس.
جاء الإعلان عن ذلك التشكيل بعد أسبوعين من عقد قمة النقب بضيافة وزير خارجية إسرائيل وبحضور وتشابك أيدي وزير الخارجية الأمريكي معه ونظرائهم من مصر والبحرين والإمارات والمغرب.
وأكد الوزير الإسرائيلي لابيد في خطابه أهمية تلك الشراكة في التعاون بمجالات عدّة ومنها الأمن والمخابرات. وحدد إيران بوصفها العدو المشترك للمجموعة بقوله "إن هذا التكتل وتقاسم وحشد قدراتنا معًا لردع وصد أعدائنا المشتركين، وهي أولًا إيران قبل غيرها،وكذلك توابعها".
سبق ذلك الاجتماع بشهرين، أول مناورات عسكرية مشتركة لقوات الدول العربية المنضوية مع الولايات المتحدة تحت القيادة الوسطى أو المركزية، وتشمل مصر والسعودية، بعد أن انضمت إلى مشاركة هذه القيادة إسرائيل، كآخر قرار قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض بأيام.
لا يمكن استبعاد نشوب اشتباكات بحرية في خط الإمداد الحيوي بين طهران وصنعاء، الذي أصبحت مصر مكلفة بحراسته
خطورة الموقف أن مهمة قوة البحر الأحمر بقيادة مصر مطلوب منها ضمان سلامة الملاحة ومنع التهريب خصوصًا الأسلحة، بالتالي التعرض لإمدادات إيران البحرية بالأسلحة والصواريخ والذخيرة لحلفائها اليمنيين، عبر ميناء الحديدة. علمًا بأن القوات الحوثية لم تتردد قبل وقف إطلاق النار وقصفها بالصواريخ والمسيّرات مدن السعودية والإمارات، في إرسال زوارق مُسيّرة مفخخة ضد سفن سعودية.
كما أن إسرائيل استهدفت سفنًا إيرانية من قبل، بل ذكرت قناة كان العامة الإسرائيلية في ديسمبر 2020 أن إسرائيل أرسلت غواصة حربية مزودة بصواريخ نووية عبرت قناة السويس إلى البحر الأحمر، واتجهت نحو مضيق هرمز بالتنسيق مع الغواصة النووية الأمريكية جورجيا لردع إيران من القيام بعمل عسكري في ذكرى اغتيال قاسم سليماني. وهو ما ألمح إليه لاحقًا وزير الدفاع الإسرائيلي بني جانتس خلال ندوة في أثينا.
حاجة وزارة الدفاع الأمريكية للدور المهم والخطير المكلفة به البحرية المصرية، باعتبار أنَّ لديها أكبر قوة بحرية في المنطقة، بينما تقلل واشنطن من انتشار قواتها، بجانب الإشادة بدور مصر في وقف إطلاق الصواريخ في غزة ضد إسرائيل، و"ريادتها في السلام مع إسرائيل" كما قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عندما استقبل الرئيس السيسي، كلها عوامل قوة حالت دون ضغط إدارة بايدن والخارجية الأمريكية بالنسبة لملف حقوق الإنسان.
بجانب ذلك الدعم من البنتاجون يلقى الموقف المصري في واشنطن مساندة اللوبي المؤيد لإسرائيل، فقد التقى الرئيس السيسي على هامش القمة الإفريقية باثنين من زعماء اتحاد منظمات اليهود الأمريكيين.
لكن هذا الدعم يتوقف عند حدود منع مد مصر بأي سلاح يقترب أو يتفوق على نوعية السلاح المقدم لإسرائيل، فقد ضغط البنتاجون لتحصل مصر على طائرات نقل هرقل بصفقة تزيد عن ملياري دولار، وساند اللوبي الإسرائيلي لتمرير الصفقة في مجلس الشيوخ بموافقة 81 عضوًا واعتراض 18 آخرين بسبب ملف حقوق الإنسان.
وبينما ضغطت إدارة ترامب على مصر لوقف صفقة مشترياتها من طائرات سيخوي الروسية Su-35 المتقدمة، وبعد حصولها على طائرات رافال الفرنسية، فإن الطائرات الأمريكية البديلة الأقل تقدمًا وهي طائرات F-15 تأخرت أمريكا في تسليمها لمصر بينما أعطتها للسعودية بسهولة. بل تحرص أمريكا على أن يكون مدى صواريخ جو-جو أقل مما صُممت الطائرة المباعة لمصر متأخرا عن غيرها. أما إسرائيل فقد حصلت على المقاتلات F-35 بكل إمكاناتها وعتادها منذ أمد طويل.
مع تضاؤل فرص التوصل لاتفاق نووي بديل بين إدارة بايدن وطهران، وعودة نتنياهو بحكومته المتشددة لمنع أي تهدئة مع إيران، بجانب توتر الوضع الداخلي في إيران وتزايد المعارضة الشعبية، لا يمكن استبعاد نشوب اشتباكات بحرية مع سفن إيرانية في خط الإمداد الحيوي بين طهران وصنعاء، الذي أصبحت مصر مكلفة بحراسته واعتراض وتفتيش سفنه من باب المندب وخليج عدن إلى قناة السويس مرورًا بسواحل اليمن من جهة وسواحل الصومال المضطربة من جهة أخرى.
فهل هناك أي ضمان ألا تتورط القوات المصرية مرة أخرى في الشأن اليمني الذي دخلته عام 1962 بقوة رمزية من جنود المظلات لدعم الجمهوريين ضد الملكيين بمساندة السعودية آنذاك، فبقيت في مستنقع دموي خمس سنوات، بثلث قواتها المسلحة، التي لم يعد الباقون منهم إلا بعد شهرين من هزيمة يونيو 1967؟