لم تكن عبارة "إهدي يا نادية" الحاسمة التي أسكت بها علي عبدالعال النائبة نادية هنري في بداية الجلسة الصباحية يوم الإثنين، هي الموقف الأول الذي استخدم فيه رئيس مجلس النواب سلطاته وصلاحياته، لمنع النواب من الحديث في أمور خاصة بالأقباط وما يتعرضون له من انتهاكات خلال الأشهر الماضية.
يتفادى رئيس مجلس النواب، الرجل الصعيدي، وأستاذ الجامعة الذي قضى حياته في حرم الجامعة يُدرِّس القانون الدستوري، الخوض فيما يراه "تابوهات" ومواضيع شائكة قد يثير النقاش فيها جدلاً كبيرًا تحت القبة. بينما تكشف سقطاته وزلات لسانه انحيازاته المحافظة التقليدية، وقد يكون ملف الأقباط ضمن تلك التابوهات التي يخشى عبد العال الاقتراب منها.
ويلاحظ من أداء رئيس مجلس النواب، الرجل الثاني في الدولة بعد رئيس الجمهورية، أنه يتحسس خطاه، ويتحرك ببطء في الملفات الساخنة عدا المطلوب انجازها في وقت قصير، مثل مشروع قانون الخدمة المدنية على سبيل المثال. وربما يستمع لرأي جهات تنصحه بالتعامل الهادئ السري مع هذه الملفات.
قبل عبارة "اهدي يا نادية"، تحرك عدد من النواب ووقعوا على مذكرة تطالب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بأسمائهم وأرقام عضويتهم. تقدموا بها صباح الاثنين، وحتى كتابة هذه السطور -صباح الأربعاء- لم يطرح عبد العال هذه المذكرة للنقاش حتى يمكن تشكيل تلك اللجنة.
بعدما قمع نادية وزملائها الذين حاولوا إثارة الموضوع يوم الإثنين الماضي، خرج علينا عبد العال ببيان ألقاه في بداية الجلسة العامة في اليوم التالي –الثلاثاء-. البيان الإنشائي استخدم عبارات براقة بلاغية من نوعية "مغازل التاريخ التي نسجت لهذا الشعب ثوبًا ناصع البياض"، وأعلن أنه سيتابع شخصيًا مع المسؤولين المعنيين، لكن لم يحدد شكل التحرك وطبيعة الدور الذي سيقوم به المجلس.
النائبة نادية هنري عضو حزب المصريين الأحرار والتي منعها عبد العال من الحديث، وتجاهلها رغم وعده لها بمناقشة البيان العاجل في الجلسة المسائية؛ كشفت خلال مكالمة هاتفية مع الاعلامي يوسف الحسيني عبر قناة ONtv بعض من كواليس المشهد.
نادية عادت إلى أحداث قرية الكرم في المنيا التي تخللها تعرية سيدة قبطية وتجريدها من ملابسها، ولم ينته الأمر إلى محاسبة أي من الجناة بل أفرجت عنهم النيابة العامة تباعًا بعد فترة حبس احتياطي قصيرة. وقالت هنري: "تقدمت وقتها باستجواب وردوا علي أني لم أستوف الأمر والاستجواب غير كامل، وهذه ليست المرة الأولى التي يقول فيها الدكتور علي عبد العال اصبري واهدي، كل مرة يقول إن هذه الأمور تتحل بطريقة هادئة".
وأشارت إلى عقد اجتماع خلال أحداث العامرية في مكتب علي عبد العال حضره النائب عماد جاد، وتحدث عبدالعال يومها تليفونيًا مع وزير الداخلية، وأخبره أن هنري وجاد وبعض النواب في الطريق إليه لحل مشكلة شخص قبطي كان ممنوعًا من دخول منزله، في إطار هذه الأحداث.
هنري قالت في مداخلتها مع يوسف الحسيني: "خلال أحداث الكرم ذهبت للمنيا وسجلت لقاءات مع الأهالي، ومع كثرة الأحداث رغبت في الحديث في الجلسة العامة، ولا أعلم الضغوط التي تعرض لها علي عبد العال. أكيد في ضغوط جعلته لا يرغب في تقديم [مناقشة] أي بيان عاجل أو طلب إحاطة".
ما قالته هنري عن تعرض الرجل الثاني في الدولة لضغوط كي يتجاهل ملفات بعينها ليس جديدًا، وليس غريبًا كذلك، فرئيس المجلس يتبنى الخطاب الرسمي الذي يؤكد أن كل شئ على ما يرام، وأن أي نقاش لحقوق الفئات المهمشة والأقليات يسهم في إنجاح المؤامرة التي تحاك ضد مصر. ومن الطبيعي أن يستخدم صلاحياته استجابة لضغوط لا نعلم مداها، كي يمنع النواب عن استخدام آلياتهم البرلمانية في الجلسة العامة، ويفضل إرجاء الحديث للاجتماعات المغلقة.
في وسط حديثها تحدثت هنري عن تسويف في تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي طالب بها النواب، واكتفاء رئيس المجلس بالدعوة لاجتماع مع نواب المنيا.
نواب المنيا التي تستحوذ على 25 مقعدًا فرديًا و6 نواب على مقاعد القائمة، كانوا من أوائل الموقعين على طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وسلموه لرئيس المجلس قبل واقعة إسكات النائبة نادية هنري. وضم الطلب توقيعات عدد من النواب المستقلين والنواب الذين يدينون بالمسيحية مثل نادية هنري وهاني نجيب ومارجريت عازر. كما وقع على الطلب بعض نواب ائتلاف دعم مصر مثل محمد أبو حامد.