استقبل عيد حامد، مزارع ورب أسرة بمحافظة البحيرة، قرار مجلس الوزراء بـ"حبس كل من يخزن محصول الأرز بما يفيض عن احتياجاته"، باستياء وتذمر، معربًا عن مخاوفه من استهداف الفلاحين وعدم منحهم حقهم في بيع الأرز بسعر عادل، وتحوُّل الممتنعين عن توريده إلى المَضارب، لـ"مجرمين" تطاردهم عقوبة الحبس.
كان مجلس الوزراء وافق أول أمس، على مشروع قرار يعتبر الأرز منتجًا استراتيجيًا، يحظر منعه من التداول سواء من خلال إخفائه، أو عدم طرحه للبيع ، أو الامتناع عن بيعه أو بأي صورة أخرى. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تجاوز المليونين، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، من يخالف ذلك.
بعد شهرين من اختفاء شبه كامل لمنتج اﻷرز في اﻷسواق، تمسكت الحكومة بقرارها بتوريد المزارعين لأرز الشعير (الخام) بسعر 7500 جنيه للطن، وظلت اﻷزمة باقية في ظل إتاحة الوزارة أرز الشعير لصالح مَضارب وتجار بعينهم، بحسب ما قاله للمنصة نائب رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات المصرية السابق، مصطفى السلطيسي.
من جهته، كشف مصدر مسؤول بوزارة التموين ومطلع على منظومة الأرز، للمنصة، عن استمرار تباطؤ المزارعين في توريد الكميات المطلوبة لصالح الوزارة والمحددة بنحو طن على كل فدان، وهو ما دفع وزير التموين علي المصيلحي لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد المخالفين، للسيطرة على منظومة الأرز والتأكد من إتاحة المنتج بالأسواق بأسعار مناسبة.
يبرر حامد رفضه توريد نسبة الأرز التي حددتها وزارة التموين إلزاميًا للمضارب الحكومية قائلًا "عايزين ياخدوا من كل فدان طن رز، بسعر أقل من اللي التاجر بياخده مننا بحوالي 3500 جنيه، وإلا نتعاقب وتتصادر الكميات اللي عندنا.. طب ما تاخده من الفلاح زي التاجر ما بيشتريه؟ لأ، تورد لهم الطن الأول وبعد كده تبيع الباقي براحتك".
اقترب موعد زفاف ابنة حامد الذي يحاول جمع تكلفة زواجها "الفلاح في حاجة لكل جنيه، من يوم ما زرعت الرز وأنا حاسبها بالمليم، وبحط الجنيه على الجنيه علشان أستّر بنتي، فتيجي وزارة التموين تقول لي اديني الطن بـ6 آلاف جنيه والتجار بيعروضوا علينا 9 آلاف".
وحددت الوزارة 6600 جنيه لطن الأرز الشعير رفيع الحبة، و6850 جنيهًا للطن عريض الحبة، في حين رصدت المنصة أن عروض التجار للمزارعين تتراوح بين 9500 و10 آلاف جنيهًا.
وأضاف المصدر بوزارة التموين أن الوزارة حظرت نقل الأرز الأبيض خارج المحافظة المنتجة له إلا بعد الحصول على تصريح مسبق من جانب مدير المديرية المنقول منها، وبالتنسيق مع مدير المديرية بالمحافظة المنقول إليها، بغرض التأكد من إتاحة المنتج بالأسواق بأسعار مناسبة، وعدم ترك فرصة للتجار المخالفين لاستغلال الأزمة ورفع سعر المنتج.
القرارات السابقة بدت في رأي السلطيسي "إدارة خاطئة للمنظومة"، وهو ما تسبب في تعطل نحو 1500 مَضرب يتبع القطاع الخاص، وتراجع المعروض من المنتج في الأسواق خلال الفترة الماضية، بحسب السلطيسي.
الرضوخ للتهديدات
اضطر عبد العزيز عيسى، وهو مزارع يجاور حامد في المنطقة، إلى الرضوخ لتهديدات الوزارة، وسلّم مَضرب الأرز الحكومي الكميات الملزم بتوريدها، "خفت من العقوبة فعلًا. صحيح خفت يحطوا عليا غرامة مقدرش أدفعها بعد كده، أو يحرموني من زراعة محصول الرز مرة تانية".
ورّد عيسى ثلاثة أطنان من الأرز، بخسارة بلغت 10 آلاف جنيه تقريبًا، "بس لا كنت عارف أبيع اللي عندي، ولا عارف بكرة فيه إيه، والدنيا مشدودة، وقلت بدل ما يجوا يصادروا كل الكميات، أمشي جنب الحيط أسلم".
يستنكر المزارع عيسى، تلك الطريقة التي تتعامل بها وزارة التموين مع الفلاحين، بانتهاج سياسة التهديد والوعيد دون التعاطي مع الفلاح باعتباره مظلومًا، بينما هو أساس حل المشكلة من جذورها.
"لا بناخد ميزة زيادة ولا حد بيراعي إننا راضيين بالقليل. بأصرف على الفدان 7 آلاف جنيه في السنة، عمالة وسماد وري ومبيدات وبذور ورعاية وحصاد، وفي الآخر أبيعه غصب عني بسعر أقل؟"، يقول عيسى ملخصًا المشكلة من وجهة نظره "الأزمة كلها عبارة عن طرف بيبحث عن العدل، وطرف تاني مش مقتنع. الفلاح مش عايز غير حق ربنا، وحق ربنا بيقول إن مع ارتفاع أسعار كل حاجة، سعر طن الرز بقى 9600 جنيه في السوق، يبقى يبيعه بالسعر ده، مش يخسر 3500 جنيه في الطن علشان الحكومة عايزة كده".
في الوقت نفسه، أفصح المصدر بوزارة التموين أن الفترة المقبلة ستشهد تكثيف الحملات الرقابية بعدما أصبحت هناك لجنة تفتيش بكل مديرية تموين، تضم مفتشًا من المديرية وآخر من جهاز حماية المستهلك وضابطين، أحدهما من مباحث التموين واﻵخر من المباحث العامة، وعضوًا من الهيئة القومية لسلامة الغذاء، للعمل على تشديد الرقابة وتطبيق القرارات المنظمة لتداول الأرز أبرزها توريد الكميات المطلوبة للوزارة ومراقبة عمليات التسعير لتكون متطابقة مع قرار تسعير الأرز بالأسواق.
ولفت إلى أن حملات التفتيش المقرر إطلاقها ستتوجه إلى مناطق تخزين الأرز غير المعتمدة، وتحرر محاضر ضد المخالفين وتصادر الكميات المضبوطة داخل كل مَضرب غير معتمد، وتتخذ إجراءات لغلق المضرب حتى تتصرف النيابة العامة في محضر الضبط، وذلك حتى لا يتم احتكار المنتج من جانب أي تاجر، مضيفًا أن الهدف من القرارات ضمان نجاح موسم توريد الأرز ووفرة المعروض.
وكانت وزارة التموين هددت أي مزارع لا يلتزم بتسليم طن أرز عن كل فدان، بحرمانه من الدعم الزراعي الممثل في الأسمدة والمبيدات والبذور. لكن هذه التهديدات في نظر عيسى، ليست لها قيمة تُذكر عند الفلاح، مبررًا ذلك بأن "الفلاح أصلًا مش بياخد دعم على المحاصيل علشان يتشال من عليه".
الحبس ليس حلًا
يوحي القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء، الأربعاء، بتغليظ العقوبة إلى الحبس، بأن الحكومة لا تنوي التراجع عن موقفها، وتتمسك بما سبق وقررته على الفلاحين إلزاميًا. يقول عيسى "القمح غير الرز.. القمح الفلاح ميعرفش يعمل بيه حاجة غير إنه يبيعه لمطاحن الحكومة، أما الرز فالفلاح عنده كذا منفذ يهرب منه، يعني ممكن يبيعه شعير، أو يطحنه ويبيعه رز أبيض، أو يبيعه لتاجر، والتاجر يبيعه سوق سودا، لكن الغالبية بتخزن علشان تشوف الحكومة آخرها إيه".
من وجهة نظر مستشار وزير التموين الأسبق والأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة نادر نور الدين، فإن أزمة الأرز لن تحل بعقوبة الحبس للمخالفين "الدولة مصممة إنها تتمسك بقرارها تخفيض سعر الكمية اللي بيوردها الفلاح إجباري، والتجار عايزين يفرضوا عضلاتهم على الدولة".
ويرى نور الدين أن إرضاء الفلاح أقرب وسيلة لحل الأزمة، "المزارع شايف إن الحكومة بتديله سعر منخفض، والتاجر بيديله سعر عادل، وفي نفس الوقت الحكومة مانعاه إنه يتصرف في الكمية اللي عنده طالما موردش النسبة بتاعة التموين، والنتيجة إن الفلاحين حابسين الرز في بيوتهم".
"الفلاح حاسس بظلم"، يلخص نور الدين الأمر موضحًا للمنصة "الحل إن وزارة التموين ترفع السعر شوية. مينفعش تبقى الدولة عاملة حسابها على تحصيل مليون ونصف طن، ويجيلها لحد دلوقتي 150 ألف طن بس، والمستهلك يبقى ضحية بين أطراف المشكلة التلاتة، الفلاح والتاجر والحكومة. لأنّ سعر الكيلو وصل 20 و25 جنيه، مع إننا في موسم حصاد الرز، يعني المفروض يكون سعره هزيل جدًا، وموجود في كل حتة".
وكان مصدر ثان مقرب من مكتب وزير التموين قال للمنصة في 19 أكتوبر/ تشرين الأول، إن هناك عجزًا في توريد الأرز، إذ تسلمت الوزارة حتى ذلك الوقت 115 ألف طن من المزارعين منذ بداية موسم التوريد في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما يمثل 7.6% مما كانت تستهدفه الوزارة والبالغ 1.5 مليون طن، وذلك قبل شهر ونصف من نهاية موسم التوريد.
وشهد المعروض من الأرز في الأسواق نقصًا حادًا يقارب الاختفاء في ظل التسعيرة التي حددت سعر بيع الكيلو من 12 إلى 15 جنيه في سبتمبر، قبل أن تعود الحكومة وترفع السعر إلى 18 جنيهًا.
قرارات حكومية وتراجع، عقوبات وووعيد، تحرير محاضر، ولا تزال أزمة المنتج الاستراتيجي قائمة، فيما يتفق المزارعان، عيسى وحامد، أن حل الأزمة بيد الحكومة، فالأول يتمسك بضرورة أن تتوقف "التموين" عن التعامل مع الفلاح و"كأنه بيبيع ممنوعات"، والثاني يحذر "لو فيه فلاح ورّدّ اللي عليه علشان خايف، غيره مش هيعمل كده، وهتفضل الأزمة". أما المستهلك فما زال يبحث دون جدوى عن الأرز في المتاجر والأسواق.