الصورة محمد الخولي
أكياس من الأرز المصري في إحدى الأسواق- أرشيفية

لماذا اختفى الأرز عالي الجودة من السوق؟

معركة عض الأصابع وراء الأرفف الخاوية

منشور الأربعاء 16 نوفمبر 2022 - آخر تحديث الأربعاء 16 نوفمبر 2022

في 6 سبتمبر/ أيلول الماضي نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء بتحديد سعر بيع الأرز الأبيض  سواء المعبأ وغير المعبأ/السائب، قبل أن تعود الحكومة اليوم وترفع السعر إلى 18 جنيهًا للكيلو من الأرز الفاخر. وفي 7 سبتمبر نظمت مديريات التموين حملات تفتيش على محلات البقالة وسلاسل السوبرماركت الكبرى للتأكد من الالتزام بالقرار، وبالفعل لم تكن هناك مخالفات، لكن لم يكن هناك أرز أيضًا.

انتشرت ظاهرة اختفاء عبوات الأرز عالي الجودة في مختلف مناطق القاهرة، ودفعت البعض للجوء إلى علامات تجارية أقل جودة لم يتعاملوا معها من قبل، وبالبحث وجدنا أن السبب لا يعود فقط إلى التسعيرة المفروضة على المنتج النهائي، لكن كان قرار وزارة التموين الحلقة الأخيرة في معركة طويلة من عض الأصابع بين الحكومة والمنتجين.

أين اختفى الأرز؟

تجولت المنصة خلال أسبوع كامل، من 6 وحتى 13 نوفمبر/ تشرين الثاني،  في ثلاثة محلات ضمن سلاسل السوبرماركت الكبرى الموجودة في القاهرة، كارفور ومترو وسبينيس، إضافة إلى محلات بقالة صغيرة ومتوسطة، وأكد جميعهم عدم توافر الأرز الأبيض المعبأ للشركات الكبرى، الضحى والساعة وزمزم وريحانة، وأن المتوفر هو فقط أنواع أخرى أقل شهرة وأقل جودة، وبعضهم أكد عدم وجود أي نوع تمامًا من الأرز الأبيض.

ووفقًا لقرار وزير التموين الذي صدر في 6 سبتمبر 2022، فالمحلات والمتاجر مُلزمة ببيع كيلو الأرز المعبأ بما لا يزيد عن 15 جنيهًا، بينما لا يزيد سعر الكيلو من الأرز الأبيض السائب عن 12 جنيهًا، وهو ما يراه مدير أحد فروع كارفور، طلب عدم ذكر اسمه، قرار "غير منطقي"، متسائلًا "كيف يتم توحيد سعر منتج بينما الجودة مختلفة؟".

ووافق مجلس الوزراء اليوم على مشروع قرار يعتبر الأرز منتجًا استراتيجيًا، يحظر منعه من التداول سواء من خلال إخفائه، أو عدم طرحه للبيع ، أو الامتناع عن بيعه أو بأي صورة أخرى. ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، من يخالف ذلك. وفي حالة تكرار المخالفة، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات وتُضاعف قيمة الغرامة بحديها.

وبحسب مدير أحد فروع سلسة سبينيس التجارية، طلب عدم ذكر اسمه، فإن اختفاء الأرز الأبيض المعبأ بدأ مع منتصف شهر سبتمبر، لافتًا إلى أن أول علامة تجارية تختفي من السوق كانت الضحى، ثم تبعتها شركات أخرى.

وأرجع محمد الديب، السكرتير السابق لشعبة البقالة في الجيزة، السبب إلى قرار وزارة التموين بتحديد سعر بيع كيلو الأرز المعبأ، وأضاف للمنصة "لا يوجد إلزام للشركات بطرح كمية محددة في السوق"، وتابع "في النهاية الشركة تريد المكسب".

من جانبها، تقول شركة الضحى إنها تدعم قرارات الحكومة، ونفت في بيان لها وقف طرح المنتج في السوق، وقالت إنها تعمل بالتعاون مع مؤسسات الدولة والجهات الحكومية المعنية و"ندعم جميع قرارات وزارة التموين التي من شأنها تنظيم حركة تداول وبيع الأرز داخل السوق المصري".

بينما قال مصدر يعمل في إدارة التوزيع في شركة الضحى للمنصة "بالفعل هناك توقف لتعبئة وتوزيع الأرز الأبيض"، موضحًا أن المشكلة ليست في الشركة وإنما في قرارات الحكومة غير المدروسة بداية من تحديد سعر الأرز الشعير (الخام) وصولًا لتحديد سعر كيلو الأرز الأبيض.

يقودنا التعليق الأخير للبحث في جذور المشكلة، والتي لا تقتصر على الأسواق الاستهلاكية ولكن تعود إلى أسعار توريد المزارعين.

سلسة من الارتفاعات

تفسير رفض شركات الأرز لتسعيرة الحكومة يعود بالأساس للارتفاع الكبير في أسعار أرز الشعير (الأرز الخام قبل المعالجة التي تتم لتصنيعه) الذي وصل هذا العام إلى 9 آلاف جنيه للطن، مقابل 3000 إلى 3500 جنيه للطن قبل الارتفاع الكبير الذي حدث خلال العام الجاري.

وبحسب رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات، فإن شركات الأرز لم تجد بدًا من التعامل بهذه الأسعار. خاصة مع عدم وجود مخزون من العام الماضي، بل وصل سعر ما تبقى من الموسم الماضي إلى 10 آلاف جنيه قبل بداية التوريد الموسم الحالي. وهذا هو السبب الرئيسي في الارتفاع الكبير لأسعار عبوات الأرز في الأسواق خلال يونيو/ حزيران، ويوليو/ تموز، وأغسطس/ آب الماضي.

وقال مصدر مسؤول في إدارة التعبئة بشركة الضحى، طلب عدم ذكر اسمه، إنه بعيدًا عن ارتفاع أسعار الشعير المورد من الفلاحين، هناك أيضًا زيادات حدثت في أسعار الكهرباء، وتكلفة الإنتاج كصيانة الماكينات وأجور العمال، وهو أمر ينعكس مباشرة على أسعار المنتج النهائي، مشيرًا إلى بعض الميزات التي يختص بها أرز الضحى، مثل أنه يُغسل ويجفَّف قبل تعبئته، ونسبة الكسر به أقل من 3%، وهي النسبة التي تعتمدها الحكومة.

وأضاف "سعر كيلو أرز الضحى الأبيض كان يباع للمستهلك بنحو 25 جنيهًا للكيلو، وكان عليه إقبال كبير. الآن تريد الحكومة أن تبيع نفس الكيلو بالجودة نفسها بـ 15 جنيهًا، وهو ما يعني خسارة كبيرة للشركة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الشركة ستعود إلى نشاطها السابق وتبيع بالسعر الإلزامي إذا انخفض سعر أرز الشعير، ووجهت الحكومة دعمًا غير مباشر للشركات، عن طريق تخفيض أسعار المياه والكهرباء.

 من جانبها، حاولت وزارة التموين أن تكون أكثر مرونة وتسمح للشركات التي تنتج نوعًا معينًا من الأرز نسبة 3% كسر، بالبيع بسعر 18 جنيهًا للكيلو، لكن هذا السعر لا يزال بعيدًا عن طموحات الشركات الكبيرة.

وهنا يقول النائب مجدي الوليلي، عضو مجلس النواب، وعضو شعبة الأرز باتحاد الصناعات، للمنصة إن الشركات الكبيرة يجب أن تقبل بالسعر الرسمي، مشيرًا إلى أنه لا يوجد مبرر حقيقي لرفع سعر الأرز في هذه الشركات عن الشركات الأخرى "هم يعني مش هيغسلوا الرز بماء زمزم قبل التعبئة". 

ولفت الوليلي إلى أنه تم مد الشركات بأرز الشعير بعد الاتفاق مع وزير التموين على ذلك، وسينعكس ذلك على توافر الأرز بالشركات الفترة المقبلة.

وبعيدًا عن السجال الدائر بين الحكومة والشركات، يلفت النائب إلى غياب طرف ثالث في المعادلة وهو الأرز المستورد.

قد يساهم الأرز المستورد في تلبية جانب من الطلب في السوق، لكن مع استمرار مشكلة ضعف تدفقات النقد الأجنبي أصبح هذا المصدر محدودًا للغاية.

ويرى الوليلي أنه "ليس من المنطقي توفير الدولار لاستيراد الأرز من الخارج، لكن تخصيص العملة الصعبة لاستيراد مدخلات إنتاج. يجب أن نحشد كل الجهود للعبور من هذه المرحلة بأقل الخسائر".

لا تقتصر معركة وزارة التموين على شركات الأرز، ولكن ثمة معركة أخرى تدور مع المزارعين، فالوزارة تحتاج لتوريد 1.5 مليون طن لكي تمد بها منظومة التموين، والمزارعون لا يريدون الاستجابة لأن الأسعار المعروضة من الوزارة أقل من سعر السوق.

دفع موقف الفلاحين الحكومة إلى إتخاذ قرار بمعاقبة الممتنعين عن التوريد بالحبس، وقرر مجلس الوزراء اليوم "بمعاقبة المخالفين بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه، ولا تجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة "اﻷرز" موضوع الجريمة أيهما أكبر".

الكمية المستهدف جمعها من الفلاحين تتطلب أن يتوفر لدينا 1.5 مليون فدان مزروعة بالأرز، وهو ما يتناقض مع ما أعلنت عنه وزارتا الزراعة والري في مارس/ آذار الماضي بتحديد مساحة الأرض المزروعة بالأرز، في إطار محاولات الدولة تقليل استخدام المياه، حيث اتفقت الوزارتان على أن تكون المساحة المنزرعة الموسم الحالي هي نفس مساحة العام الماضي (2021/2020) والتي كانت مليونًا و74 ألف فدان.

هنا، يؤكد رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات رجب شحاتة، أن بعض المزارعين اعترضوا على السعر الذي حددته الحكومة وبالتالي تقاعسوا عن توريد الشعير إلى الحكومة.

وأضاف شحاتة أن التعامل الأمني مع الملف كان جزء من المشكلة وجرى تحرير محاضر لكثير من الفلاحين أثناء نقل الأرز، وهو ما أخافهم ودفعهم إلى تخزين الأرز الشعير في بيوتهم.

وإلى حين انتهاء معركة عض الأصابع، يبحث المستهلك حتى عن الأرز أقل جودة، وغالبا لا يجده.