يداعب بريق الذهب عيون المصريين وجيوبهم، مع الارتفاعات التاريخية في أسعاره هذا الأسبوع، لكنَّ ذلك اللمعان الأصفر قد يكون خادعًا.
تقاوم رنا مجدي مغريات الأسعار المرتفعة وتتمسك بمشغولات ذهبية اشترتها قبل نحو 6 سنوات عندما كان سعر الجرام عيار 21 بالمصنعية 380 جنيهًا "مش عايزة أبيع، أنا مش بشتري علشان أبيع"، بل وتقبل أيضًا على الشراء في ظل ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 1500 جنيه لسعر عيار 18 و1800 جنيه للجرام عيار 21، وتؤكد للمنصة أنها لو كانت تملك فائضًا ماليًا هذه الفترة لاشترت "الذهب عمره ما بيخسَّر، ولو خسَّر بتكون خسارة مؤقتة وبترجع".
زيادة أسعار الذهب في مصر يقودها بالأساس تسعير الدولار في السوق الموازية، وهي سوق تُتداول فيه العملة خارج إطار القطاع المصرفي الرسمي، الذي طالما سعى البنك المركزى لمواجهته.
ومع هذه القفزات التاريخية، نحاول رؤية الوجه الآخر لارتفاعات المعدن الثمين وما يمكن أن ينتج عن سباق الارتفاعات المتسارعة.
هل الذهب استثمار مربح؟
بحسبة رنا الأولية، يبدو أن جراماتها من الذهب حققت طفرةً في العائد المادي، لكن بوضع القيمة الجديدة للذهب جنبًا إلى جنب مع أرقام التضخم وانخفاض القوى الشرائية للجنيه مقابل الدولار، نجد أنَّ زيادة الذهب عوَّضت خسائر تراجع الجنيه.
يعني هذا أن القيمة الحالية للذهب يمكنها شراء السلعة نفسها التي كان يمكن شراؤها مقابل قيمة الذهب العام الماضي، فمثال على ذلك كان متوسط سعر جهاز المايكرويف العام الماضي 2100 جنيه، أصبح سعره الآن يقترب من 4 آلاف جنيه.
يُستخدم الذهب كملاذ آمن لحفظ قيمة النقود في أوقات التضخم المرتفع، يمكن معرفة ذلك بمقارنة الزيادة في الذهب مع الزيادات المتزامنة في أسعار السلع المرتبطة أيضًا بسعر الدولار.
يقول مايكل ممدوح، وهو مدير استثمار وعضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين، للمنصة، إنه "بنظرة واقعية، الذهب ليس ادخارًا ولا استثمارًا، لكنه يحفظ قيمة المال. الفكرة في الذهب أنه مخزن للقيمة من التضخم وارتفاع سعر الدولار خاصة وأننا دولة مستوردة، يعني ما كان يمكن أن نشتريه بسعر جرام ذهب من عشر سنوات هو ما يمكننا شراؤه النهاردة مع اختلاف سعره".
"وفي حال عدم توفر الدولار في البنوك تُسعر كل المنتجات بما فيها الذهب على سعر السوق السوداء، التي تشهد ارتفاعات يومية، حتى تخطى الدولار الـ30 جنيهًا" وفقًا للممدوح.
يرتبط الذهب في مصر، بسعر الدولار في السوق الموازية، وسعر الذهب عالميًا، ويمكن لأي متغير فيهما أن يقلب الطاولة في أي لحظة.
يقول نادي نجيب سكرتير عام شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية سابقًا، للمنصة، إن الحكومة لا تنظر للذهب باعتباره سلعة رئيسية، ولهذا لا تضعه على أولوية التمويلات في توفير الدولار، وهذا سر ارتباط الذهب بالدولار في السوق الموازية.
"بخصوص الدولار، من قديم الأزل ممنوع تمويل الدهب بأي حال من الأحوال، طول عمره من السوق السودا"، بحسب نجيب.
تتسبب المضاربات في ارتفاع سعر تلك السلعة إلى مستويات خيالية، في تشبيه انتفاخ البالون، حتى يبلغ مرحلة ما يسمى بانفجار الفقاعة أو الانهيار، ليهبط سعرها بشكل حاد ومفاجئ
يشير نجيب كذلك، إلى أن تكلفة شَغل الذهب (تحويله لمشغولات)، تضم عدة بنود، بينها تكلفة العامل نفسه وكذلك الفاقد الذي يتم تحميله على سعر الجرام، إضافة للأسعار العالمية وطبعًا تكلفة الدولار.
"كل ما تحطي فضة ونحاس أكثر على الدهب ده بيخلي العيار يقل، عيار 24 موجود فقط في السبائك ومينفعش يتعمل مشغولات، لأن الخسية أو الفاقد بنشتريها بالسعر العالي" بحسب نجيب.
ويفسر نجيب، وهو أحد أشهر تجار الذهب في مصر، قصة الفاقد قائلًا "معايا 50 جرام بشتغل فيهم لما باجي أوزنهم بعد التلميع والشغل بيتحسب الفاقد بنفس سعر الجرام في اليوم وده بيضاف على المصروفات من عمالة وكهرباء وغيره".
وتشير تصريحات نجيب إلى أن سعر الذهب في مصر سيظل مرتبطًا بسعر الدولار في السوق الموازية، وإن كان سلعة غير رئيسية ولا تؤثر في حياة الناس بشكل مباشر، لكنه وفقًا لما يطلق عليه تجار الذهب "زينة وخزينة".
لكن المحلل الاقتصادي عبد العزيز البغدادي، يرى أن ارتفاع أسعار الذهب حدث نتيجة "مضاربة" وليس ارتفاعًا حقيقيًا، بل ويحذر من أن تتسبب في "فقاعة" تهوي بمدخرات أصحابها، خاصة من اشتروا في ذروة الأسعار.
ووفقًا للبغدادي، فالفقاعة الاقتصادية هي حالة تحدث عندما تتسبب المضاربة على سلعة ما في تزايد سعرها، وتلك الزيادة المستمرة في السعر تشجع المزيد من البشر لدخول السوق، وبالتالي تؤدي لتزايد المضاربة على السلعة و زيادة سعرها، ويدخل الجميع في دائرة مفرغة من زيادة السعر والمضاربات.
تتسبب المضاربات في ارتفاع سعر تلك السلعة إلى مستويات خيالية، في تشبيه انتفاخ البالون، حتى يبلغ مرحلة ما يسمى بانفجار الفقاعة أو الانهيار، ليهبط سعرها بشكل حاد ومفاجئ، ما يسبب تبديد الثروات.
"وجهة نظري الشخصية أن ما يحدث في سوق الذهب في مصر هو تطبيق عملي لفكرة الفقاعة الاقتصادية الكلاسيكية كما أتى ذكرها في كتب الاقتصاد" بحسب ما كتب البغدادي على صفحته بفيسبوك.
ويبدو أن سعر الدولار وضبابية تسعيره في مصر، لا تؤثر فقط على الرفاهيات أو أوعية الادخار، لكن يمكن ملاحظة ارتفاع كبير في أسعار السلع الغذائية بشكل أساسي، حتى تلك التي ترتفع فيها نسبة الاكتفاء الذاتي محليًا مثل الدواجن، بسبب قفزات سعر الدولار وعدم توفره.
يقول الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأمريكية هاني جنينة، إن مشتريّ الذهب يمكنهم الاستفادة من الأسعار المرتفعة هذه خلال أشهر قليلة، متوقعًا أن يفقد بريقه بحلول منتصف العام المقبل.
"يتوقع أن تضعف قيمة الجنيه على المدى الطويل، لكن التراجع في سعر العملة لن يستمر بنفس وتيرة العام الجاري، الذهب سيفقد بريقه على النصف الثاني بمنتصف العام المقبل، خاصة في حال طرح المركزي شهادة استثمار بفائدة مرتفعة تدر عائد أفضل من الذهب" بحسب تصريحات جنينة للمنصة.
تشير التوقعات إلى أن البنك المركزي المصري، قد يلجأ لمزيد من الإجراءات الاستثنائية خلال الأسبوع المقبل، مع اقتراب اتفاق صندوق النقد الدولي، المقرر أن يجتمع مجلسه التنفيذي يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول، بشأن مصر، فيما يتوقع أن يكون هذا اجتماع اتفاق القرض.
وفي حال توفر الدولار بعد الاتفاق، ومن خلال برنامج التمويل مع الأطراف التي يضمنها اتفاق مصر المبدئي مع الصندوق، يتوقع أن تهدأ وتيرة ارتفاع الدولار، لكن ذلك محاط بمخاطر طلبات الاستيراد المؤجلة منذ شهور بسبب إجراءات البنك المركزي.
ومع الحصول على شهادة ثقة الصندوق، يرى جنينة بشائر بعودة المستثمرين للأسواق الناشئة ما يطرح بدائل استثمارية قوية جدًا في مصر "في الغالب ستؤدي أفضل كثيرًا من الذهب خلال الفترة المقبلة، وبينها البورصة، خاصة مع تهدئة وتيرة رفع أسعار الفائدة في أمريكا".
وفي كل الأحوال، تتعامل رنا بهدوء مع هذه المتغيرات، فهي كما قالت لا تهدف لجني الأرباح السريع، ولكن الاحتفاظ بمشغولاتها الذهبية لأطول فترة.