داخل شادر مبادرة أهلًا رمضان بمنطقة المؤسسة في حي شبرا الخيمة، تبادل البائعون الحديث، بين الحين والآخر ينتبهون لمرور مواطن، بينما يستمر الحديث دون التفات حتّى توجيه السؤال المعتاد عن سعر سلعة ما، قبل أن يستكمل المواطن جولته داخل الشادر بحثًا عن "الأسعار المعلنة" من وزارة التموين بشأن سلع المبادرة.
المبادرة التي تستمر معارضها وشوادرها حتى نهاية شهر رمضان، من المفترض أن تقدم الشركات خلالها عروضًا يومية تتراوح نسب التخفيض فيها بين 10% و30% عن أسعارها في الأسواق المحلية. فيما تسمح الحكومة لكل شركة ببيع كمية محددة من السلع يوميًّا، تحاول الشركات استغلال المعرض لبيع أكبر كمية ممكنة.
ماجدة امرأة ستينية ترافق حفيدتها مريم التي لم تبلغ الـ13 عامًا، تبحث عن السلع الأساسية، لكنهما لا تجدان ضالتهما سواء من حيث الجودة أو اﻷسعار التي تلائم ظروفهما. استقرت ماجدة على كرسي أمام فرشة البائع، وسألت عن مسؤولي الوزارة بعدما لاحظت ارتفاع الأسعار، فرد البائع "مشيوا من بدري يامه".
وحين سألت "يعني إيه مشيوا؟ أمال أنتو مين"، رد البائع "حصلت مشكلة بين الفرشة بتاعتهم والناس فمشيوا من 10 أيام ومجوش تاني"، متجاهلًا السؤال الثاني الخاص بهوية البائعين المتواجدين داخل الشادر، وإلى من تعود ملكية السلع المعروضة.
وطوال ساعات تفقدنا للشادر، كان الهدوء سيد الموقف، استمر المواطنون في التجول متساءلين عن أسعار السلع دون اقتناء شيء
استفسرت المنصة عن عبارة "مشيوا"، فأوضح محمد ياسر، أحد البائعين داخل الشادر، وقوع مشادات كلامية بين بائعي سلع وزارة التموين والمواطنين، ما أدى في نهاية الأمر لتوقف العمل بالمكان المخصص لهم تمامًا.
وأضاف ياسر، خلال حديثه للمنصة، أن أبرز أسباب حدوث تراشق لفظي بين المواطنين وبائعي سلع الوزارة بشكل متكرر هو "حضور البائعين لساعات قليلة فقط خلال اليوم، ما يجعل المواطنين يجدون صعوبة في اللحاق بهم"، كما أن البائعين عندما يتواجدون، يشترطون الحصول على كميات معينة من كل سلعة.
قال البائع أن كميات السلع التي تضخها الوزارة "كانت كبيرة أوي في اﻷول وبعدين قلت شوية بشوية"، موضحًا أن معدلات إقبال المواطنين أنفسهم تراجعت قبل بداية شهر رمضان بعدة أيام، ويقتصر الأمر حاليًا على تنفيذ 10 عمليات بيع بحد أقصى يوميًا، مقابل نحو 50 عملية بيع مع بداية العمل داخل الشادر.
زوار لا مشترين
بسؤال ماجدة عن رأيها في المعروضات بالشادر، أكدت أن الشادر يضم القليل من السلع الجيدة من حيث الجودة والأسعار، وأغلب المعروضات مرتفعة السعر ومنخفضة الجودة، بعكس السنوات الماضية لشوادر "أهلا رمضان" التي كانت توفر سلعًا ذات جودة معقولة بأسعار منخفضة، مقارنة بالأسواق الحرة.
وفي الوقت الذي يطلق فيه اتحاد الغرف التجارية التصريحات حول "الخصومات التي تجاوزت 30% وبعض السلع وصلت فيها لـ50% مثل الأسماك"، لم تعثر ماجدة على هذه الخصومات، حتى اضطرت أن تتخلى عن بعض ما اختارته"رجعت إزازة زيت، واشتريت بـ427 جنيه".
وماجدة، التي تسكن في منطقة بسوس، تعتمد على معاش زوجها المتوفي في توفير احتياجات أسرتها المكونة من ابنة مطلقة وحفيديها الصغيرين، إضافة إلى عمل ابنتها في بيع الملابس الحريمي "ربنا ساترنا الحمد لله رغم الغلا اللي شايفينه ده".
وطوال ساعات تفقدنا للشادر، التي بلغت ثلاثث ساعات في منتصف اليوم، كان الهدوء سيد الموقف، استمر المواطنون في التجول متساءلين عن أسعار السلع دون اقتناء شيء، باستثناء رجل أربعيني حصل على كميات من البلح، وطفل اشتري كيلو سكر، ليبدأ البائعون في ترك أماكنهم والذهاب لتداول الحديث فيما بينهم مرة أخرى.
عرضنا الأمر على وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي، الذي أجاب بعدم تلقيه أي معلومات متعلقة بوجود مشاكل في هذا الشادر على الإطلاق، رغم عقد اجتماعات دورية مع رؤساء اتحاد الغرف في المحافظات جميعها لمتابعة مواقف الشوادر بكل محافظة.
وأضاف المصيلحي في حديث للمنصة، أن شادر منطقة شبرا الخيمة من أوائل الشوادر التي افتتحها بنفسه، ويوفر سلعًا عديدة بأسعار مخفضة مقارنة بالسوق الحر، منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي".
أمام الشادر يقف رجلًا ثلاثينيًا وزوجته يتناقشان فيما بينهم، وبعد بضعة دقائق اتخذا قرارًا بدخوله، إلا أن جولتهما لم تستغرق سوى 5 دقائق، قضياها في النظر على السلع وأسعار المعلن منها، مع استكشاف أنواع وجودة بعض السلع القليلة، من خلال الإمساك بها وتبادل التعليقات فيما بينهما دون التحدث مع أي بائع عن أي شيء، حتى وصلا لنهاية الشادر. قال الرجل لزوجته "مش قلتلك أغلى من بره".
أسعار تفوق السوق الحر
بعد دقائق قليلة، دخلت وفاء وكريمة، ترتديان جلبابين أسودين طويلين، تسأل كريمة بائعًا عن سعر كيلو الأرز فيجيب "بـ24 جنيه يا مدام"، لترد بشكل سريع "ليه؟"، يحاول التاجر استعراض أنواع أخرى أقل جودة وسعرًا "فيه النوع ده الكيلو بـ22 جنيه"، وبعد إمساك كريمة ووفاء بعبوة الأرز وإمعان النظر في شكل الحبوب داخل العبوة طالبت وفاء البائع بتوفير منتج آخر بجودة أفضل وسعر أقل.
أشار البائع بيديه لهما على شيكارة يتراوح وزنها بين 5 و10 كيلو وقال "ده الكيلو هيقف بـ23 جنيه إلا ربع ونوعية حلوة"، ليقابل بالرفض من جانب المرأتين لارتفاع سعره، تسأله وفاء "فين رز التموين أبو 16 جنيه؟"، فيجيب "كانوا عاملين عرض الكيلو بـ18 جنيه في الأول بس خلص"، تستكملان جولتهما دون الوصول لما يبحثا عنه، فيقررا المغادرة.
وبسؤالها عن رأيهما في معروضات الشادر، قالت كريمة للمنصة، "كنت عارفة أن اﻷسعار داخل الشادر أعلى من برا، جاراتي وصحباتي جم وسألوا، واشتريت أغلب الحاجات قبل رمضان من برا المبادرة" مستدركة "كنت عايزة خزين كمية رز بسعر كويس، بس لقيت سعر الكيلو مبالغ فيه وأغلى من المحلات والسوبرماركت"، بحسب وصفها.
بدورها أكدت وفاء، أنها تشتري كيلو الأرز السائب من أحد محال العطارة بنحو 20 جنيهًا وبجودة أفضل من المعروض داخل الشادر بسعر 24 جنيهًا، مشيرة إلى أن "كتر اﻷخبار أن الوزارة موفرة الرز بـ16 جنيه خلاني جيت، ده فيها توفير 4 جنيه لكل كيلو. قلت أشتري 10 كيلو وأوفر 40 جنيه من الميزانية، بس اﻷسعار هنا (الشادر) غريبة".
خلال لقاء بالوزير مصيلحي على هامش وضع حجر أساس أول مصنع لمجموعة BSH للأجهزة المنزلية، نقلنا له الصورة من داخل الشادر، فأبدى اندهاشه، وكلف رئيس جهاز حماية المستهلك، أيمن حسام، بشن حملات تفتيش سريعة لمتابعة موقف الشادر وإعداد تقرير مفصل عن الوضع ورفعه لمكتب الوزير، قائلًا "سأتابع الأمر بنفسي لاتخاذ القرارات اللازمة".
غادرنا الشادر بعد الساعات الثلاثة، وكان الهدوء ما زال يسود أرجاءه، يدخل عدد من الأسر والأشخاص من حين لآخر، دون شراء شيء يذكر، تقتصر جولتهم على المشاهدة واستطلاع أسعار السلع. وبين زيارة امرأة ثلاثينية وابنتيها الصغيرتين، وثانية لرب أسرة وحيدًا يحمل في يديه الخبز وبعض السلع الغذائية التي اقتناها من خارج الشادر، وبين رجل وزوجته وطفلهما، اكتفت نساء من أعمار مختلفة بالمشاهدة.