تصميم: يوسف أيمن- المنصة
شهد العام الجاري زيادة مطردة في أسعار السيارات

التعويم لم ينقذ سوق السيارات

استمرار مشكلة "الاعتمادات" تعوق الاستيراد وترفع الأسعار

منشور الأحد 20 نوفمبر 2022

مع تفاقم أزمة ضعف تدفقات النقد الأجنبي خلال الأشهر الماضية، كان قطاع السيارات يعاني كواحد من أبرز ضحاياها، حيث تباطأت وتيرة استيراد السيارات بشدة ولم تعد مصانع التجميع قادرة على جلب مكوّنات الإنتاج من الخارج، كما شاعت بين معارض السيارات ظاهرة الأوفربرايس.

التعويم القاسي للجنيه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان مفترضًا أن يشجّع حائزي الدولار على بيعه للبنوك ومن ثم تيسير حركة الاستيراد، ولكن يقول العاملون في قطاع السيارات إنه لم يغيّر كثيرًا من واقعهم حتى الآن، وأن الاختلاف الوحيد هو أن الأوفربرايس انخفض في مقابل ارتفاع الأسعار النهائية.

ماذا حدث للأسعار؟

قبل تعويم أكتوبر مرّ الجنيه بتعويم سابق في مارس/ أذار الماضي، وكان حصيلة الاثنين ارتفاع أسعار السيارات بشكل واضح هذا العام، ما قاد كثير من المشترين إلى خفض سقف طموحاتهم بشأن السيارة الملائمة لمستوى دخلهم.

يقول مدير المبيعات بشركة بى أوتو لتجارة السيارات أحمد الغراب، إن "من كان يشتري سيارة فارهة جديدة هبطت تطلّعاته للفئة المتوسطة، ومن كان يريد سيارة متوسطة تراجع بدوره إلى الشريحة الأدنى بسبب الزيادات المتتالية في الأسعار".

وارتفعت أسعار معظم أنواع السيارات بنحو 20 إلى 25% بعد التعويم الأخير، ما يقارب نسبة الزيادة في سعر الدولار مقابل الجنيه، وفقًا لرئيس مجموعة الأمل لتجميع وتصنيع السيارات، عمرو سليمان. فيما يرى الغراب أن بعض الوكلاء لم يستطيعوا رفع الأسعار دفعة واحدة بسبب ركود المبيعات، ما دفعهم إلى إقرار جزء من الزيادة وتأجيل النسبة المتبقية لحين رواج المبيعات.

ما رصده الغراب في الجديد يؤكده مدير التسويق بشركة سوق السيارات المتخصصة فى بيع المستعمل، جمال طنة، الذي يقول إن فئة السيارات المستعملة للطبقة المتوسطة التي كان يتراوح سعرها بين 150 و200 ألف جنيه، العام الماضي، ارتفعت خلال العام الجاري إلى ما بين 250 و500 ألف جنيه.

انخفاض الأوفربرايس

كان لزيادة الأسعار عقب ارتفاع الدولار مقابل الجنيه أثر إيجابي على السوق من خلال الانخفاض الجزئي للأوفربرايس على السيارات الجديدة. والأوفربرايس مبلغ يقرره الموزعون والتجار ليُضاف إلى سعر السيارة مقابل أن يتسلمها المشتري فورًا، حيث يضطر في العادة للانتظار مدة قد تصل لشهور لحين توفير السيارة الجديدة.

ويقول الغراب إن "الأوفربرايس بدأ في الانخفاض لارتفاع الأسعار بشكل لا يُسمح معه بزيادات أخرى، كما لم يعد الأوفربرايس موجودًا في السيارت الصيني لعدم تأثرها بمشكلة سلاسل الإمداد وأسعار الطاقة، بعكس السيارات الأوروبية".

وقبل بدء انخفاض الأوفربرايس نتيجة ارتفاع الأسعار بعد التعويم، فإن قيمتها قبلها كانت أقل من 3% للسيارات الصينية و35% تقريبًا للسيارات الكورية وما يقارب 45% لبعض السيارات الأوروبية، بحسب عمرو سليمان، وهي ظاهرة زادت في السوق المصري منذ فبراير/ شباط الماضي، مع بدء أزمة الدولار.

وألزم جهاز حماية المستهلك أبريل/ نيسان الماضي وكلاء وموزّعي السيارات بتحديد سعر البيع النهائي للمستهلك في الفاتورة لمنع الأوفربرايس، لكن لم يتم الالتزام بتوجيهات الجهاز من قبل العاملين بسوق السيارات.

ويقول أحمد الغراب "طول ما في انخفاض في المعروض وزيادة في الطلب لن تنتهي ظاهرة الأوفربرايس".

الأوفربرايس يطول المستعمل

وألقت ظاهرة الأوفربريس بظلالها أيضًا على السيارات المستعملة، بحسب جمال طنة، مدير التسويق بشركة سوق السيارات المتخصصة فى بيع السيارات المستعملة، الذي يرى أن المستهلك أصبح يقارن سعر سيارته بالموديلات "الزيرو"، التي يضاف أوفربرايس على سعرها الحقيقي، وبالتالي يعرض سيارته بسعر أعلى من المعتاد.

ويضيف أن الإقبال على شراء السيارات المستعملة ارتفع بشكل كبير خلال الأشهر الماضية لعدم توفّر احتياجات المستهلكين من الزيرو وإضافة أوفربرايس على أسعارها.

رئيس رابطة تجار السيارات، أسامة أبو المجد، يقول إن الأوفربرايس انتقل إلى السيارات المستعملة في ظل انتشار ظاهرة "المستهلك التاجر" الذي يتسبب في زيادة أسعار السيارات وبالتالي المساهمة في زيادة حدّة الأزمة والاضطراب بالسوق.

وأدى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة بجانب ظاهرة الأوفر برايس، إلى شيوع حالات بيعها بالتقسيط "نحو 90% من المستهلكين لدى الشركة يشترون السيارات المستعملة بالتقسيط مقابل 10% كاش، حيث تعمل الشركة كوسيط بين المشتري والبائع وشركات التمويل" بحسب طنة.

أزمة قطع الغيار

نقص واردات قطع الغيار في ظل أزمة الدولار غيّر من سلوك المستهلكين، إذ ارتفعت أسعارها بقوة ولم تعد متوفرة لدرجة دفعت الكثير من المستهلكين لإهمال الصيانة الدورية وعدم اللجوء لشراء قطع الغيار  إلا عندما تصل السيارة إلى مرحلة التوقف حال عدم إصلاحها، وفقًا لمصدر بشعبة قطع غيار السيارات المستعملة بإحدى الغرف التجارية، طلب عدم ذكر اسمه.

"زيادة الطلب على قطع غيار السيارات أدت إلى العشوائية والتفاوت في تسعير المنتجات من شركة لأخرى. لن يهدأ السوق إلا إذا اتضحت الرؤية بشان تيسير الاستيراد" كما يوضح المصدر.

ويقول رئيس شعبة قطع غيار السيارات المستعملة بغرفة بورسعيد التجارية، محمد أبوطالب، إن نقص قطع الغيار الجديدة دفع الوكلاء الملزمين بتوفيرها لعملائهم إلى استخدام قطع الغيار المستعملة تحت ضغوط نقص الواردات.

المخزون المتوفر من المستعمل ساهم في تلبية جانب مهم من الطلب، ولكن من المتوقع ندرة بعض المنتجات بنهاية العام، ولا سيما في قطع غيار وسائل النقل الجماعي وشاحنات نقل البضائع، والملاكي ولكن بدرجة أقل، كما يقول أبو طالب.

هل انتهت أزمة "الاعتمادات"؟

وبينما يُجمع المتعاملون في السوق على أن تيسير زيادة المعروض هو الحل الأمثل لتهدئة الأسعار، لا يزال المنتجون والموزعون يواجهون مصاعب بشأن الاستيراد.

اشتراط البنك المركزي الاستيراد بالاعتمادات بالمستندية في فبراير الماضي، كان الشرارة الأولى في طريق ارتفاعات الأسعار المتتالية لنقص الواردات، ورغم التيسيرات التي أعلنها البنك المركزي بعد التعويم الأخير، فإن باب الاستيراد لم يُفتح إلا جزئيًا، بحسب وكلاء وتجار ومُصنّعين ومستوردين تحدثوا للمنصة.

وكان البنك المركزي أعلن زيادة قيمة الشحنات المستثناة من قرار فتح الاعتمادات المستندية إلى 500 ألف دولار، بالإضافة إلى الإلغاء التدريجي للاعتمادات المستندية حتى نهاية العام الجاري.

رئيس مجموعة الأمل لتجميع وتصنيع السيارات، يقول إن بعض البنوك بدأت فتح اعتمادات مستندية لبعض وكلاء السيارات ومستوردي قطع الغيار، ممن تتواجد منتجاتهم في الموانئ، بقيم تتراوح بين 100 و200 ألف دولار.

لكن مصدرنا بشعبة قطع غيار السيارات يقول "ذهبت إلى البنك الأسبوع الماضي لمتابعة الاعتماد المستندي الذي طلبت فتحه منذ أشهر ولكن لم يتم الموافقة عليه حتى الآن.. الرد دائمًا يكون: هندبّر والفترة الجاية الدنيا هتتحسن".

وهو نفس ما يواجهه محمد أبو طالب، الذي يرى أنه لم يتم فتح اعتمادات مستندية لقطع غيار السيارات المستعملة التي يتم استيراد 90% من احتياجات السوق منها.

ويفسّر أحمد الغراب، حديث المتعاملين في قطاع السيارات عن شعورهم بأن شيئًا لم يتغير بعد، بأن تيسيرات البنك المركزي لن تغطي احتياجات السوق بشكل فعلي إلا خلال 3 أشهر، بالنظر إلى زيادة احتياجات القطاع في ظل توقف الواردات منذ فبراير.

ويوضح أنه من مؤشرات الانفراجة النسبية فإن بعض وكلاء شركات السيارات التي تعمل الشركة موزّعًا لها خاطبوها بشأن الحصول على جزء من حصّتها من السيارات بعكس ما كان يحدث الأشهر الماضية "تلك الخطوة من الوكلاء جاءت بسبب الإفراج الجزئي عن السيارات من المواني وبالتالي لديهم أمل في دخول مخزون للفترة المقبلة، أو ربما كان لديهم سيارات مُخزّنة فبدأوا في التوريد للموزعين".

أما رئيس رابطة تجار السيارات، فيقول إن بعض البنوك كانت أكثر تيسيرًا في فتح اعتمادات مستندية لمستوردي قطع الغيار، بينما لا تزال متشددة بشأن استيراد السيارات الكاملة التي ترى أنها سلع كمالية.

ويقول الأمين العام لرابطة مصنّعي السيارات، خالد سعد، إن بعض شحنات مكونات السيارات المطلوبة بدأت في دخول السوق بعد التعويم الأخير، ولكن ليس بالكميات المتوقعة "يجب أن نكون عادلين في مطالبنا لوجود أولويات في دخول الواردات لمصر، وخاصة المتعلقة بالصناعات الغذائية والدوائية".

ويقدّر سعد عدد السيارات المُكدّسة في الموانئ بنحو 8 آلاف سيارة، وبالتالي حتى وإن ساهم التعويم الثاني في الإفراج عنها كلها لن نشعر بأن السوق عاد لطبيعته لأن تلك الكمية لا تستطيع سدّ احتياجات السوق، حيث تتراوح المبيعات في مصر بين 20 و25 ألف سيارة شهريًا.

حلول خارج الصندوق

وفي ظل صعوبات الاستيراد اتجه وكلاء ومستوردون إلى البحث عن حلول بديلة لتوفير السيارات الكاملة أو قطع الغيار كبديل لفتح اعتمادات مستندية. وحسبما يوضح أبو طالب فإن بعضهم اتجه إلى استيراد شحنات بأقل من 2000 دولار.

وقررت مصلحة الجمارك، عدم عرض الطرود البريدية المستوردة بقيمة أقل من 2000 دولار على الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، ليتم الإفراج المباشر عنها بعد سداد المصاريف الإدارية.

أما وكيل العلامات التجارية لادا وBYD وكينج لونج، عمرو سليمان، فيقول إن بعض وكلاء السيارات لجأوا إلى الاستيراد من خلال توريد السيارات لمناطق التخزين التي تمتلكها الشركات الأم في بعض المناطق الحرة، بشرط تصدير 50% من الكمية المستوردة لدخول النسبة المتبقية إلى السوق المحلي.

ساهمت أزمة الدولار في خفض الطاقات الإنتاجية للمصانع القائمة بالفعل بجانب نقص المعروض لانخفاض حجم الواردات خلال الأشهر الماضية، وهي الأزمة التي يبدو من حديث العاملين في القطاع أن آثارها لا زالت مستمرة حتى بعد التعويم الأخير.