قبل أسابيع، نمى إلى علم حسام حجازي، رئيس شركة مصرية لمواد التعبئة والتغليف، أن أمازون السعودية والإمارات لا يمكنهما الحصول على مواد التغليف بالمعدّلات المعتادة من الشركات الصينية التي كانا يتعاملان معها، إذ ساهمت موجة التضخم العالمية الراهنة في رفع تكاليف الشحن من وإلى الصين، لذا تبحث الشركات الخليجية عن مصدر بديل.
تمثل تلك الأزمة فرصة أمام شركة مصرية لاحتلال مكان مُصدّر صيني، والاستفادة من القرب الجغرافي بين مصر والخليج، لكن حجازي قال للمنصة إنه غير قادر على الاستفادة من تلك الفرصة بسبب فرض البنك المركزي نظام الاعتمادات المستندية، ما يعوقه عن استيراد مستلزمات الإنتاج بالمرونة الكافية.
ورغم نمو الصادرات المصرية بنحو 20% خلال النصف الأول من العام الجاري، الذي شهد موجة صعود أسعار السلع الأولية عالميًا لتصل إلى 19.3 مليار دولار، فإننا خسرنا فرصًا بالمزيد من المليارات كان من الممكن أن يجنيها الاقتصاد لولا أزمة ضعف تدفقات النقد الأجنبي التي تدفع السلطات لتشديد إجراءات الاستيراد.
كيف فاتتنا فرصة تعظيم الصادرات؟
استطاع إبراهيم غالي، عضو مجلس إدارة غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، وأحد المستثمرين بقطاع المحاجر، أن ينافس الهند والصين بشكل أقوى من ذي قبل خلال الفترة الماضية بفضل ارتفاع تكاليف الشحن من وإلى تلك البلاد، ما أدى إلى "زيادة الطلب على منتجنا المحلي بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي".
وتتمتع مصر بميزة القرب الجغرافي من أوروبا والخليج وشمال إفريقيا، وبالتالي تنخفض تكلفة الشحن، لكن نقص مكوّنات ومستلزمات الإنتاج وقطع الغيار، كان عائقًا أمام الاستفادة من الطلب العالمي على المنتج المصري.
يقول غالي للمنصة إنه رغم حرص الدولة على تيسير استيراد مستلزمات الإنتاج، فتحت وطأة الأزمة الراهنة قد يتسبب نقص مادة واحدة في تعطيل عملية الإنتاج كلها "على سبيل المثال توجد مادة كيماوية مستوردة من الخارج اسمها فريكت، تساعد على فلق الأحجار الكبيرة إلى قطع أقل حجمًا دون متفجّرات.. عدم توفر تلك المادة قد يُعطّل الإنتاج حتى لو توفرت بقية المكوّنات اللازمة للتصنيع".
في حالة الأسمدة كانت الفرص المتاحة أمام مصر أكبر، بالنظر إلى ما تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية من قطع الغاز عن أوروبا
كما تسبب انخفاض حجم الواردات في قلة عدد "الكاونترات" الفارغة اللازمة للتصدير "تلك الكاونترات تأتي من خلال المنتجات المستوردة محلّ نظيرتها المُصدَّرة، وفي ظل قلة الواردات انخفض عدد المتاح منها.. أضطر للتعهد بمواعيد توريد مُنتجات ولا أستطيع الالتزام بها بسبب عدم وجود فوارغ كاونترات للاستيراد"، كما يضيف غالي.
ويوجز غالي وصف حالة الفرص الضائعة التي يعيشها قطاع التصدير في الوقت الراهن بقوله "المستورِد لو استنّاك مرة مش هيستنّى التانية".
نفس الحال مع عماد سلام، رئيس شركة للمنتجات الورقية، الذي يتابع زيادة أسعار مواد التعبئة والتغليف في أوروبا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وانخفاض سعر المنتج المصري البديل، بيد أنه لا يمكنه ضمان انتظام عملية الإنتاج في مصنعه، يقول للمنصة "جايلي عقود مش عارف أرتبط بمواعيد تسليم ليها لأني مش عارف إمتى هتدخل الخامات الموجودة في الموانئ".
في حالة الأسمدة كانت الفرص المتاحة أمام مصر أكبر، بالنظر إلى ما تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية من قطع الغاز عن أوروبا، وهو ما قلّل من حجم الإنتاج الأوروبي من السماد في ظل ما يمثله الغاز كمكوّن أساسي لإنتاجه.
"الطلب على منتجاتنا زاد، لكنه لا يتناسب مع زيادة الطلب العالمي على الأسمدة خلال الفترة الماضية، في ظل عجزنا عن توفير خامات الإنتاج المطلوبة"، كما يقول عمرو عبد الله، عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة للمنصة.
وتواجه البنوك المصرية ضغوطًا أمام توفير النقد الأجنبي الكافي لتمويل اعتمادات الاستيراد المستندية ، في ظل تراجع احتياطات البلاد من النقد الأجنبي بما يقرب من 10 مليارات دولار منذ بداية هذا العام.
من أين تأتي زيادة الصادرات؟
رغم كل هذه العقبات استطاعت العديد من الأنشطة الصناعية أن تحقق نموًا قويًا في قيمة صادراتها إلى الخارج خلال النصف الأول من العام الراهن، حيث سجلت صادرات الملابس الجاهزة زيادة بنسبة 42% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ومنتجات الطباعة والتعبئة والتغليف 37% والصناعات الكيماوية والأسمدة 35% والصناعات الهندسية 27%، فيما ارتفعت صادرات مواد البناء 20%، فما السبب وراء تلك الزيادة؟
فؤاد حدرج، رئيس شركة لصناعة الملابس الجاهزة، يقول للمنصة إن الزيادة في صادرات القطاع جاءت مدفوعة بالتضخم في تكاليف الإنتاج المستوردة والمحلية، أي أننا نتحدث عن زيادة في القيمة النقدية للصادرات المصرية وليس في حجم البضائع المُصدّرة.
وتأثر معدل التضخم في مصر بشكل واضح بموجة التضخم العالمية، وهو ما ساهم في إحداث قفزات بالرقم القياسي لأسعار المستهلكين بمصر منذ أبريل/ نيسان الماضي.
ولأن ارتفاع قيمة الصادرات هي بدرجة كبيرة زيادة تضخمية، فإن صافي ربح المصدِّرين في كثير من الحالات يكون ضئيلًا، كما يشرح حدرج "مصانع عدة تسعى إلى تصدير ولو جزء طفيف من إنتاجها بأرباح ضئيلة لا تتعدى 3% للحصول على حصيلة دولارية تساعدها في شراء مستلزمات الإنتاج من عوائد التصدير بحسب اشتراطات البنك المركزي، أنا شخصيًا أُصدّر نسبة لا تزيد عن 10% من طاقة مصنعي الإجمالية".
ويقول محمد قاسم، عضو مجلس إدارة غرفة الملابس الجاهزة باتحاد الصناعات، إن نحو نصف الزيادة في قيمة صادرات الملابس الجاهزة، يعود إلى ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج فضلًا عن زيادة التكاليف المحلية مثل أسعار الكهرباء والمياه والنقل.
"الزيادة في صادرات الملابس الجاهزة كان من الممكن أن ترتفع إلى نحو 140%، إذا كان قد تم حل المشكلات التي تواجه الصناعة، عندما أتيحت لنا الفرصة للمنافسة وجدت المصانع نفسها مكبّلة بأكياسٍ من الرمل.. وعلى الحكومة إزالة تلك الأكياس" كما يشرح قاسم للمنصة.
كذلك، يعزو محمد الأبجي، رئيس شركة للحاصلات الزراعية، الزيادة في صادرات القطاع التي بلغت 10% إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بنحو 50% وبالتالي ارتفاع سعر المنتج النهائي.
ويرى حسام حجازي، رئيس شركة لمواد التعبئة والتغليف، أن صادرات القطاع ارتفعت بدعم من زيادة الطلب على المنتجات المصرية، لكن نحو 40% من تلك الزيادة جاءت من الارتفاعات في أسعار المنتجات ذاتها.
انخفاض قيمة العملة يجعل الصادرات أكثر تنافسية عندما تكون نسبة مدخلات الإنتاج المستوردة قليلة
عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، عمرو أبو فريخة، يشير إلى عامل آخر يفسر نمو الصادرات في ظل الظروف الراهنة، وهي حالات الفروع المحلية في مصر لشركات عالمية، حيث تستفيد تلك الفروع من علاقتها بالشركة الأم "لا ينطبق على تلك الشركات قرار اشتراط الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، لأن المكوّنات الخاصة بها تُستورد من الشركات الأم، وقد تكون لديها خطة إنتاج لمدة عام قادم ومخزون يكفي تشغيل مصانعها خلال تلك الفترة".
هل خفض الجنيه أفاد الصادرات؟
هناك تفسير ثالث لتحسّن الصادرات يرتبط بانخفاض قيمة الجنيه في مارس/ آذار الماضي، حيث يساهم تراجع العملة المحلية في خفض قيمة المنتج المحلي في الأسواق الدولية، ومن ثم زيادة تنافسيته، لكن المُصدّرين يقولون إن استفادتهم من التعويم كانت محدودة بسبب نقص الخامات المستوردة.
"انخفاض قيمة العملة يجعل الصادرات أكثر تنافسية عندما تكون نسبة مدخلات الإنتاج المستوردة قليلة، وهو ما لا يتوفر بقطاع الملابس الجاهزة الذي يستورد نحو 85% من المكوّنات" يقول حدرج.
كذلك يوضح بهاء العادلي، رئيس شركة لوحدات الإضاءة، أن تخفيض قيمة العملة لم يفد قطاع الصناعات الهندسية لانخفاض نسبة المنتج المحلي إلى نحو 45% فقط "كما ارتفعت التكلفة من عدة محاور أخرى مثل زيادة مرتبات العمالة ودفع غرامات وأرضيات لمستلزمات الإنتاج في المواني".
بدورها تسعى الحكومة إلى حل أزمة الاعتمادات المستندية مؤخرًا من خلال إعداد قائمة بالخامات ومستلزمات الإنتاج، التي يمكن أن تعود للاستيراد بمستندات التحصيل.
في المقابل، استفاد قطاع مثل مواد البناء، من انخفاض الجنيه، نظرًا إلى أن معظم مكوناته محلية، كما يقول وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، والذي يشير أيضًا إلى أن القطاع كان يعاني من فوائض الطاقات الإنتاجية في بعض المنتجات، واستفاد من الطلب العالمي وانخفاض الجنيه خلال الفترة الماضية.
هل من مخرجٍ قريب؟
اتفق المستثمرون الذين تحدثوا إلى المنصة على أن الطريق الوحيد لإطلاق طاقات قطاع التصدير على المدى القريب، هو إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية والعودة للاستيراد من خلال مستندات التحصيل، وهو أمر مرهون بقدرة البلاد على تحسين تدفقاتها من النقد الأجنبي.
بدورها تسعى الحكومة إلى حل أزمة الاعتمادات المستندية مؤخرًا من خلال إعداد قائمة بالخامات ومستلزمات الإنتاج، التي يمكن أن تعود للاستيراد بمستندات التحصيل.
أما على المدى البعيد، فيقترح عمرو أبو فريخة التوسّع في تصنيع مكوّنات الإنتاج لتقليل نسبة الواردات التي تُعدّ النسبة الأكبر منها مستوردة.
وهو نفس ما يطالب به عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية، عمرو عبد الله، الذي يرى أن توطين صناعة الخامات سيساعد في نمو الصادرات، لأن "الصادرات الفعلية هي القيمة التي تحتسب بعد إلغاء واردات المواد الخام من سعر المنتج النهائي".
قيود البنك المركزي لاستيراد الخامات ألقت بظلالها على الصادرات التي تعد أحد أبرز مصادر توفير السيولة الدولارية للبلاد، لذلك يبدو أن حجازي وغيره من المستثمرين سيضطرون إلى الانتظار مؤقتًا لإزالة عوائق التصدير، لحين إيجاد الحكومة بدائل أخرى لتوفير العملة الصعبة.