كشف تقرير اليوم عن تعاملات بعشرات الملايين من الدولارات بين منظمات إغاثة إنسانية تابعة للأمم المتحدة وشركات قطاع خاص سورية يشارك في ملكيتها أو يسيطر عليها ممثلون لأجهزة أمنية أو أقارب لمسؤولين سوريين كبار، بعضهم مدرج على قوائم العقوبات الغربية.
ونالت هذه الشركات المشبوهة، بحسب التقرير، نحو 47% من اجمالي تعاقدات الأمم المتحدة في عامي 2019 و2020، وهي أحدث الأعوام المتاح عنها معلومات ودرسها التقرير الذي أصدره البرنامج السوري للتطوير القانوني ومرصد الشبكات السياسية والاقتصادية.
وجاء في مقدمة الشركات التي كان ينبغي أن تتحاشاها الأمم المتحدة، وفقًا للتقرير، شركة صقر الصحراء التي يشارك في ملكيتها فادي أحمد (صقر)، وهو زعيم في قوات الدفاع الوطني وهي ميليشيا "شبيحة" داعمة للنظام، وتورط بعض أعضائها في مذبحة التضامن المروعة في دمشق. وحصلت شركة صقر الصحراء على تعاقدات تتعدي قيمتها مليون دولار.
وبين أصحاب أو كبار مساهمي الشركات التي نالت تعاقدات وصل إجماليها إلى 68 مليون دولار في تلك الفترة أشخاص موضوعين على قوائم عقوبات أوروبية أو أمريكية، بسبب تورطهم في انتهاكات لحقوق الإنسان أو علاقتهم بنظام الأسد ومنهم سامر فوز، وهاشم العقاد، وسمير حسن، ورانيا الدباس وعدة أفراد من عائلة حمشو.
ورصد التقرير عدة شركات يرتبط أصحابها بالنظام أو أجهزته الأمنية، أو تورط بعض كبار مساهميها في انتهاكات حقوق الإنسان، أو يخضعون لعقوبات غربية، ومنها:
- شركة زيت الزيتون السورية: ونالت تعاقدات تقترب من 26 مليون دولار من برنامج الأغذية العالمي. ويملك الشركة نزار الأسعد (40%) وغسان أديب مهنا (10%) وحسن شريف (10%) وحبيب وأياد باتنجانة (40%).
ويخضع الأسعد لعقوبات أوروبية بسبب دعمه للنظام، بينما غسان مهنا شقيق والدة رامي مخلوف وأخته غادة (ابني خال الأسد) مدرجان على قائمة العقوبات الأوروبية، وحسن شريف هو شقيق عمار الوارد اسمه في نفس القائمة منذ 2016، وتعتقد مصادر أنه واجهة لرامي مخلوف.
- شركة الأمير للمنتجات الغذائية: نالت تعاقدات تقترب من 8.5 مليون دولار من برنامج الأغذية العالمي.
والشركة جزء من مجموعة الأمير المملوكة لسمير حسن وعائلته، وهو خاضع لعقوبات بريطانية وأوروبية بسبب دعمه لنظام الأسد وتربحه من علاقاته معه.
- شركة الدرجة الأولى: وحصلت على تعاقد بقيمة 371 ألف دولار من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وصاحب الشركة هو نزهت مملوك، نجل مدير مكتب الأمن الوطني على مملوك.
- الشركة السورية السعودية للاستثمارات السياحية: وحصلت على تعاقدات قيمتها أكثر من 18 مليون دولار من عدة منظمات أممية، منها برنامج الأغذية العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الأغذية والزراعة.
والشركة مملوكة بصفة أساسية لشركة أمان القابضة (55%) والتي يملكها رجل الأعمال سامر فوز وشقيقه عامر ووالدهما زهير.
وترد أسماء سامر فوز وشقيقه في قوائم العقوبات البريطانية والأوروبية والأمريكية، وهو متهم بدعم النظام ماليًا وتمويل ميليشيات "الشبيحة".
- شركات رامي قبلان: وحصلت على تعاقدات تتجاوز 16 مليون دولار مع منظمات أممية، منها برنامج الأغذية العالمي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان. ويشير التقرير أن قبلان واجهة لإيهاب مخلوف شقيق رامي مخلوف، وظهر في ساحة رجال الأعمال بعد عام 2011 وحصل على تعاقدات ضخمة، وله شركات في إسبانيا وروسيا والإمارات.
وينتهز بعض الأشخاص -العاملون أو المقربون لأجهزة الأمن والنظام- ثغرات في قواعد التعاقدات والمشتروات الأممية الخاصة بفحص ذمة وعلاقات الموردين، ويقومون بتسجيل شركات بأسماء أقاربهم أو موظفيهم أو شركائهم.
ومن هؤلاء، وفقًا للتقرير، شركة شروق للخدمات الأمنية، التي يُعتقد أنها تتبع ماهر الأسد، شقيق الرئيس وقائد الفرقة الرابعة المدرعة في الجيش السوري.
وحصلت هذه الشركة على تعاقدات وصلت إلى 2.4 مليون دولار في الفترة محل البحث مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
الأمم المتحدة في سوريا
تعد سوريا من أكبر متلقي المساعدات الإنسانية في العالم، ويبلغ متوسط ما تقدمه منظمات الأمم المتحدة سنويًا حوالي 2.5 مليار دولار منذ عام 2014.
وأنفقت المنظمات الأممية أكثر من 406 مليون دولار في تعاقدات محلية خلال الفترة التي يبحثها التقرير (2019-2020). ويقول التقرير إن نحو 20% من قيمة هذه التعاقدات ذهبت لشركات لا تعلن الأمم المتحدة أسماءها لأسباب أمنية أو لدواعي الخصوصية، بينما هناك عدد غير معلوم من التعاقدات مع شركات مسجلة في المنطقة الحرة في دمشق، والتي لا تُعلن وثائق تسجيلها وهوية ملاكها، الذين قد يكونون مرتبطين بالنظام، وهو في الأغلب ارتباط مطلوب لكل من يعمل بالاستيراد في سوريا.
تواجه منظمات الأمم المتحدة تحديات ضخمة في العثور على موردين ليسوا متورطين مع النظام، في بلد قائم على الفساد واللصوصية
واعتمد التقرير على قاعدة البيانات الشبكية التراكمية التي يوفرها مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية والجريدة الرسمية السورية، وعلى معلومات منشورة على الإنترنت، في فحص أكبر 100 شركة خاصة نالت تعاقدات مع منظمات الإغاثة الإنسانية الأممية في عامي 2019 و2020. وأجرى معدو التقرير مقابلات مع رجال أعمال سوريين وموظفين أممين ودبلوماسيين وعاملين في منظمات أهلية.
والبرنامج السوري للتطوير القانوني هو منظمة غير منحازة وغير حكومية، بحسب موقعهم، تأسست عام 2013، وسجّلت في المملكة المتحدة عام 2014 للردّ على القضايا الحقوقية الشائكة التي أثارها النزاع السوري منذ عام 2011، وتعمل من خلال توظيف القانون الدولي في سياق هذا النزاع.
أما مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، فهو حسب وصفه، منظمة غير ربحية، من الشباب السوري والعربي، تهدف إلى نشر المعرفة لاستکشاف ما یربط المرکبات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والأمنیة والعسکریة لجميع الأطراف في سوریا.
ولا شك أن منظمات الأمم المتحدة تواجه تحديات ضخمة في العثور على موردين ليسوا متورطين مع النظام، في بلد قائم على الفساد واللصوصية. فحتى في البلدان التي لا تخوض غمار حرب أهلية أو تهيمن عليها أنظمة قمعية، هناك غالبًا علاقات وثيقة بين عالم الأعمال وكبار مسؤولي الحكومة وإن خضعت لتنظيمات قانونية أوضح وأكثر شفافية، عكس الحال في سوريا.
براجماتية الإغاثة
عانى عالم الأعمال السوري من تحولات واسعة عقب الانتفاضة الشعبية في 2011، وظهرت طبقة جديدة من رجال الأعمال، بينما خرج بعض رجال الأعمال القدامى من البلاد أو من صدر المشهد. وتمكَّن عدد من هؤلاء الوافدين الجدد من الحصول على تعاقدات ضخمة من الأمم المتحدة، التي تعجز عن التقدم لها الشركات المتوسطة والصغيرة، حيث إنهم قادرون على تقديم أسعار أقل بسبب ضخامة شركاتهم، وتقديم خدمات متعددة لتسهيل عمل المنظمات بسبب علاقاتهم بالنظام.
وتقدم المنظمات الأممية معظم مساعداتها في مناطق يسيطر عليها النظام الحاكم، بينما يعيش نحو ثلث سكان البلاد في مناطق تحت سيطرة ميليشيات مسلحة في الشمال.
ويدعي التقرير أن الحكومة السورية تستخدم عدة وسائل سيطرة لضمان تعاون الموظفين الأممين، منها إجبار غير المتعاونين منهم على مغادرة البلاد، أو عدم منحهم تأشيرات إقامة. كما أن هناك عددًا من الموظفين السوريين من أقارب ومعارف المسؤولين تم تعيينهم مقابل تسهيل عمل المنظمة، أو وصولها لمناطق عملها بسهولة أكبر، كما كان الحال مع شكرية مقداد، زوجة وزير الخارجية الحالي، التي كانت تعمل في منظمة الصحة العالمية في عام 2016.
ويقول عاملون في منظمات الإغاثة إن المشكلة ليست في حدوث فساد أخلاقي ومهني فحسب، مثلما هو الحال في التحقيقات الجارية مع مديرة منظمة الصحة العالمية في دمشق أكجمال ماجمتيوڤا. بل المشكلة أعمق، وتتعلق بأن هذه المنظمات لا تبالي بالسياق السياسي ولا يهمها سوى تسليم المساعدات لأكبر عدد ممكن من المستفيدين المستحقين، حتى لو كانت الشركات والوسطاء والمنظمات المحلية التي تقوم بالشراء والتوزيع وتحديد المتلقين على علاقة قوية بالنظام وأجهزته، وتتربح من هذه التعاقدات وتحصل على فوائد مادية وسياسية، هي ومن يقفون ورائها.