لم تنتظر الدول العربية حتى موعد القمة المقبلة في 19 مايو/أيار، لإعادة سوريا إلى مقعدها الذي خلا لاثنتي عشرة سنة، إذ اتخذ وزراء الخارجية العرب، أول أمس الأحد، قرارهم بعودة سوريا في ختام أعمال دورة غير عادية خصصت لمناقشة الوضع هناك، برئاسة وزير الخارجية المصري سامح شكري.
قوبل القرار بردود فعل عربية ودولية واسعة، وسط تساؤلات حول تداعياته على الصراع في سوريا. في الوقت الذي اختلف فيه سياسيون ومحللون سوريون حول تقييم الخطوة، بين اعتبارها "إيجابية" أو تمثل دعمًا غير مشروط للنظام السوري.
وقال السياسي السوري ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب، سمير العيطة للمنصة، إن الانفتاح العربي المتسارع على الحكومة السورية "ليس مفاجئًا"، إذ ترغب الدول العربية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية في التفاعل مع القضية السوريّة بعد أن فتحت تركيا قضية المصالحة مع السلطة السورية في ظل توافق تركي- روسي- إيراني، لافتًا إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية جاءت قبل أيام فقط من الانتخابات التركية.
وكانت الجامعة قررت تعليق مشاركة سوريا في اجتماعاتها منذ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بناء على قرار من مجلس الجامعة على المستوى الوزاري عقب اجتماع طارئ آنذاك في خضم ذروة الثورة السورية، التي اندلعت منتصف مارس/آذار 2011، ضمن موجة الربيع العربي، ولكنها تحولت لاحقًا إلى حرب أهلية اتخذت طابعًا طائفيًا، مع تصاعد الانشقاقات العسكرية في الجيش، وتدخل الروس والإيرانيين لدعم نظام الرئيس بشار الأسد في مقابل تسهيل تركيا والسعودية وقطر دخول مقاتلين إسلاميين متشددين للقتال إلى جانب المعارضة.
ترحيب الأسد ورفض المعارضة
رحبت الحكومة السورية، بقرار عودة عضويتها كخطوة تصب في مصلحة جميع الدول، مؤكدة في الوقت نفسه، أن المرحلة القادمة تتطلب نهجًا عربيًا فاعلًا وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي. فيما عبّر الرئيس السوري بشار الأسد، في اتصال هاتفي مع نظيره الإماراتي محمد بن زايد، عن "تقديره لدور الإمارات في لم الشمل وتحسين العلاقات العربية، بما يعزز التعاون العربي المشترك ويخدم مصالح الدول والشعوب العربية".
وبات بإمكان الأسد حضور القمة المقبلة التي تستضيفها المملكة العربية السعودية للمرة الأولى منذ 12 عامًا
فيما أثار القرار، انتقادات من نشطاء وسياسيين معارضين سوريين. إذ اعتبر بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، القرار "تجاوزًا لجرائم النظام وضربة للشعب السوري الثائر، وقتلًا للعملية السياسية".
وأضاف، في تغريدة على تويتر الأحد، أن "عودة النظام إلى الجامعة العربية دون الإفراج عن أي معتقل، أو عودة أي لاجئ، أو حتى تقديم أي خطوة إيجابية في التعامل مع القرارات العربية أو الأممية ذات الصلة بالعملية السياسية، هو تجاهل خطير لتطلعات الشعب السوري وحقوقه". بينما عدّه الائتلاف الوطني السوري، في بيان أول أمس، "مكافأة لنظام الأسد لإعادة تأهيله".
وبات بإمكان الأسد حضور القمة المقبلة، التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، للمرة الأولى منذ 12 عامًا، بمجرد أن تدعوه الرياض للحضور، وإذا رغب هو في الحضور أيضًا، بحسب تصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي، الأحد.
حل تدريجي
وقال أبو الغيط، إن خطوة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية تُدخل الجانب العربي لأول مرة منذ سنوات في تواصل مع الحكومة السورية لبحث عناصر حل الأزمة في سوريا "تدريجيًا".
وشدد أبو الغيط، على أن القرار لا يعني استئناف العلاقات بين الدول العربية وسوريا لأن الأمر متروك لكل دولة لتقرير ذلك وفق رؤيتها.
وأسندت الجامعة الحوار مع الحكومة السورية إلى لجنة اتصال وزارية من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام، ومتابعة تنفيذ المبادرة العربية التي أعلنها اجتماع عمان (رابط)؛ للتوصل لحل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
أين المعارضة؟
ورأى عضو الامانة العامة لمؤتمر القاهرة للحل السياسي، وعضو المكتب التنفيذي في المؤتمر السوري لاستعادة السيادة والقرار (المعارض)، محمد العبيد، أن "هناك مسارًا عربيًا جديدًا قد انطلق من خلال مقاربة سياسية جديدة، وهذا ما نحتاج إليه كسوريين وننادي به منذ سنوات، لإيجاد حل سياسي سوري خاصة بعد الخذلان الأمريكي وتقاعسه عن حلحلة ملفات عدة في المنطقة العربية ومنها الملف السوري".
وبعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا انصب تركيز المسؤولين العرب على إيجاد حل للقضية السورية
وأضاف العبيد للمنصة، "نحن أمام واقع سياسي ومرحلة عربية بامتياز وما يهمنا الآن أن هناك توجهًا للحل في سوريا"، معربًا عن أمله في أن "تدفع الدول العربية بخطوة تجاه المعارضة الوطنية، كما اتخذت خطوات تجاه النظام لتكون المعارضة الوطنية حاضرة ومشاركة وفاعلة في الخطوات القادمة... لا يمكن لهذا المسار النجاح إلا من خلال وجود طرفين وليس طرفًا واحدًا" في إشارة إلى النظام.
لكن العيطة يقول إن المعارضة السورية مُزّقت منذ الأشهر الأولى من الثورة السورية وتحوّلت إلى كيانات تختلف ولاءاتها الإقليمية، شُكّلت "هيئة تفاوض" ولكنّها صورية، وهناك لجنة دستورية مسماة من الأمم المتحدة، لكن "لا أظن أن الانفتاح السياسي الذي يُمكِن أن يخلق قبولًا وثقةً لدى السوريين يمكن أن يتم عبر هذه أو تلك".
وبعد الزلزال المدمر الذي خلف آلاف الضحايا في سوريا وتركيا فبراير/شباط الماضي، بدا تركيز المسؤولين العرب منصبًا على إيجاد حل للقضية السورية. وعقد وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق اجتماعًا بنظيرهم السوري يوم 1 مايو/أيار بالعاصمة الأردنية عمان لأول مرة منذ 2011، أفضى إلى بيان مشترك اتفق فيه الوزراء على بنود عدة، أبرزها دعم سوريا ومؤسساتها لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، والعودة الطوعية الفورية للاجئين إلى سوريا.
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال كلمته بالقمة الوزارية، إن "انضمام الحكومة السورية إلى البيان الختامي لاجتماع عمان "تطور إيجابي وخطوة هامة على صعيد إثبات حسن النوايا وتنفيذ التعهدات وتعزيز التعاون العربي/العربي لحل الأزمة السورية".
وشدد على "المسؤولية الرئيسية للحكومة السورية في الوصول لهذا الحل، وتنفيذ الالتزامات ذات الصلة".
لكن الإعلامي والسياسي السوري المعارض أيمن عبد النور، قال للمنصة، إن "نظام الأسد أخل بتعهداته أكثر من مرة، وغير قادر على تحقيق مطالب الجامعة العربية مثل وقف تهريب الكبتاجون الذي يغرق الخليج، أو التعاون ضد إيران، والإجرام بحق الشعب السوري أو إعادة اللاجئين".
"كل ما يمكنه فعله هو اتخاذ إجراءات شكلية لإرضاء تلك الدول لكنه لن يحقق شيئًا على أرض الواقع"، بحسب عبد النور.
في الوقت نفسه، قلّل عبد النور من تأثير قرار العودة للجامعة العربية "لن يغير من وضع نظام الأسد الحالي سوى استعادة بعض العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول العربية، لكنه ليس له تأثير خارجي أو اقتصادي عليه"، مشيرًا إلى أن العقوبات الأمريكية المعروفة بـ"قانون قيصر" لا تزال مفروضة عليه وتمنع أي تعاون اقتصادي معه.
وذكر معهد واشنطن للدراسات في تحليل لأندرو تابلر الدبلوماسي الأمريكي السابق، نُشر في 24 أبريل/نيسان، أن الحكومات العربية اعتقدت أن التعامل مع الأسد ممكن لعدة أسباب، ويعود ذلك جزئيًا لأن الإدارة الأمريكية لم تجعل سوريا أولوية، ثم شجعها زلازل فبراير في تركيا وسوريا على مواصلة التطبيع الكامل.
من جهتها، رحبت وزارة الخارجية الروسية باستئناف مشاركة سوريا في أعمال الجامعة العربية، مؤكدة أن ذلك "سيساعد في تحسين الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط وسرعة تجاوز تداعيات الأزمة في سوريا". فيما أبدت الخارجية الأمريكية، تفهمها في رغبة الدول العربية التواصل المباشر مع الأسد لمزيد من الضغط تجاه حل الأزمة السورية. وأضاف متحدث باسم الخارجية الأمريكية "نشكك في رغبة الأسد في حل الأزمة السورية لكننا تتفق مع الشركاء العرب حول الأهداف النهائية"، بحسب قناة الحرة.
وعلّق عبد النور، بأن "الولايات المتحدة ليست سعيدة بما يحدث، وترى أن المبادرة العربية للتسوية مع النظام السورية وراؤها في الأصل مقاربة روسية وهي لا تريد النجاح أو الربح لروسيا في سوريا".
وأضاف أن "واشنطن ستراقب الوضع عن قرب وإن شعرت أن ما يحدث يضر بمصالحها وليس بمباركتها ستضع العراقيل أمام تلك المساعي العربية".
لكن حلحلة القضايا الأخرى مثل العملية السياسية ومشكلة اللاجئين والمعتقلين ستستغرق وقتًا
في الوقت نفسه، يعتقد أن ورقة الحل العربية تحتاج إلى تحسينات كثيرة كي تصبح قابلة للتنفيذ. وربط نجاحها بتدخل القوى الدولية الفاعلة في سوريا لإجبار نظام الأسد على قبولها، لأن "العرب لا يمكنهم وحدهم فرض حلول للأزمة على سوريا".
يجادل العيطة، بأن الدول العربية لديها ورقة ضغط مهمة على الأسد وهي المساعدات المالية لإعادة الإعمار، لكن ذلك سيتوقف على قبول واشنطن رفع العقوبات الأمريكية وقدرة المرحلة الانتقالية السياسية على خلق الثقة.
وأوضح أن إحدى الأولويات العربية الآن في الأزمة هي وقف تهريب الكبتاجون، وعلى ما يبدو ظهر ذلك أمس في قصف أردني لإحدى مواقع إنتاجه وتهريبه بجنوب سوريا.
لكن حلحلة القضايا الأخرى مثل العملية السياسية ومشكلة اللاجئين والمعتقلين ستستغرق وقتًا، وتتوقف على عدة أمور مثل رفع العقوبات الأمريكية، وأهم أمر في العمليّة السياسيّة هو مدى ثقة بشار الأسد وارتياحه لبقائه بالسلطة، وقبوله بالتخلّي حتّى عن جزء من السلطة إلى حكومة انتقاليّة تمنح الثقة للسوريين والمستثمرين والخارج، يضيف العيطة.
تحركات سياسية
وكشف السياسي السوري أن هناك تحرّكات سياسية مهمّة على الأرض في سوريا، خاصّة المفاوضات بين المخابرات السوريّة والإدارة الذاتية الكردية المدعومة أمريكيا، التي نصحتها الإدارة بالإسراع بالاتفاق، وهناك أيضًا المفاوضات برعاية تركيّة وروسية بين المخابرات والفصائل المسلّحة في الشمال السوري.
وأضاف أن "واشنطن لا تمانع تواصل الدول العربية مع الأسد والمخاطرة في التفاوض مع حكومته، ففي السباق القائم مع التحوّلات الكبرى الحالية، وأهمّها الصراع حول أوكرانيا والتوافق السعودي-الإيراني-الصيني، بات الجميع يأخذ مخاطرات جديدة، بمن فيهم الإدارة الأمريكيّة والسلطة السورية".
لهذا يأمل العيطة، أن تحدث تحوّلات مهمّة للخروج من الاستعصاء السوري وإخراج شعب سوريا من "حالة العوز والدمار والشرذمة الذي يعانيه"، بحسب تعبيره.