في الوقت الذي شهدت فيه لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب خلال اليومين الماضيين، خلافًا بين الأكثرية والمعارضة بشأن انتظار رأي الأزهر في مشروع تجريم تزويج الأطفال أو المضي قدمًا في مناقشته، نفى مصدر مقرب من المشيخة للمنصة ورود أي مخاطبات من البرلمان بهذا الشأن.
كانت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية وافقت من حيث المبدأ، في يوليو/ تموز الماضي قبيل انتهاء الفصل التشريعي الماضي، على أربعة مشروعات قوانين بتجريم زواج الأطفال، واحد قدّمته الحكومة وثلاثة قدمها ثلاثة نواب. ومع عودة البرلمان للانعقاد هذا الشهر، حاول بعض النواب عرقلة المناقشة خلال اجتماع اللجنة الأسبوع الحالي، بحجة "ضرورة انتظار رأي الأزهر الشريف".
ويجرّم مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة تزويج الأطفال دون 18 سنة، وهي ممارسة يحظرها قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 ولكنه لا يرتّب جزاءً على ارتكابها سوى عقوبة إدارية بحق من وثقوا هذا الزواج. ويقترح المشروع الجديد عقاب من يشاركون في تزويج أي طفل أو طفلة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة تتراوح بين 50 ألفًا إلى 200 ألف جنيه.
ويُبدي الأزهر رأيًا غير ملزم في مشروعات القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية والمعاملات التي ترتبط بتفسيرات وفتاوى دينية، استنادًا إلى المادة السابعة من الدستور التي تمنحه مرجعية أساسية "في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية".
وعادةً ما تكون مناقشات القوانين الخاصة بحقوق الإنسان بصفة عامة، وحقوق النساء بصفة خاصة، كاشفةً لاتجاهات النواب وانحيازاتهم الاجتماعية، وهو بالفعل ما انعكس في مناقشات هذا المشروع.
"كيف أنجو من الناخبين؟"
خلال اجتماع اللجنة التشريعية الأحد، ظهر اتجاه بين عدد من النواب المنتمين للأغلبية، إلى إرجاء المناقشة انتظارًا لرد الأزهر، لعله يكون وسيلةً لإقناع أهالي دوائرهم بتجريم زواج الأطفال، أو يكون عدم الرد وسيلة النواب الرافضين للتأجيل والتسويف.
وأنقذ نواب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وحضور رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب، مشروع القانون من مصير التأجيل والتسويف، الذي حاول بعض أعضاء اللجنة الدفع باتجاهه.
النائب سيد حنفي، قال "يجب التأجيل للدراسة والبحث". لم يكتف حنفي بثلاثة أشهر لدراسة مشروع القانون، لكنه يحتاج مزيدًا من الوقت. أما النائب صفوت النجار فقال إنه يرى ضرورة التأجيل لـ "التدقيق"، مضيفًا "الموضوع يمس بالذات الوجه القبلي. أنا صعيدي متلامس مع الموضوع ده".
وأمام تكرار كلمات عدد من النواب المؤيدين للتأجيل، اعتبر النائب عاطف مغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، أن التأجيل بحجة انتظار رأي الأزهر يمثل تخليًا من المجلس عن دوره التشريعي ويعطل مصالح المواطنين وتنظيم العلاقات. وهو نفس الرأي الذي تبنته النائبة أميرة العادلي عن تنسيقية شباب الأحزاب، التي رأت ألا داعي لانتظار رد الأزهر، خاصة وأنَّ مشروع القانون لا يحدد سنًا للزواج، بل يضع عقوبات على من يخالفونه.
رئيس اللجنة النائب إبراهيم الهنيدي، أعلن في اجتماع الأحد الماضي "أرسلنا مرة أخرى للأزهر نستعجل الرد على مشروع القانون ولكن لم يصلنا رد".
أعضاء التنسيقية في الاجتماع صوتوا في النهاية لصالح مناقشته، وكلمة مشيرة خطّاب في الاجتماع التي أكدت خلالها أن سن الزواج محدد في قانون الطفل الصادر منذ عام 2008، سبق ووافق عليه الأزهر، شجعت مزيد من النواب للتصويت لصالح المناقشة، فقررت اللجنة بدء مناقشة المواد في اجتماع لاحق دون انتظار رد الأزهر.
ومن المتوقع أن تشهد مناقشات النصوص خلافات كبيرة، فهناك نواب صامتون يقفون في منطقة رمادية، ربما نسمع صوتهم عند بدء مناقشات تفاصيل المواد والعقوبات التي تمتد لولي الأمر المسؤول عن تزويج الطفلة، بالإضافة للنواب الآخرين الذين لا يزالوا متمسكين بتفسيرات فقهية تبيح زواج البالغ والبالغة بغض النظر عن السن.
كانت وزارة العدل أرسلت في فبراير/ شباط الماضي مشروع القانون إلى المشيخة قبل إحالته إلى البرلمان، وفي الشهر التالي وصل رد هيئة كبار العلماء بملاحظات وردت بخطاب إلى وزير العدل.
ممثل وزارة العدل الذي شارك في اجتماع اللجنة اقترح الاكتفاء بهذه الملاحظات خاصة وأنها "تتعلق بأمور في الصياغة وليس فلسفة القانون نفسه الذي يجرّم ويعاقب على زواج الأطفال دون بلوغ سن الثامنة عشر".
حديث ممثل وزارة العدل دفع وكيل اللجنة، النائب إيهاب الطماوي، للسؤال مستنكرًا "يردوا على الحكومة ولا يردوا على اللجنة؟"، وسأل رئيس اللجنة مجددًا أمينة اللجنة عن موعد إرسال الخطابات فأجابت "أرسلنا الخطاب الأول في يوليو ولم يصل رد والخطاب الثاني الأسبوع الماضي للاستعجال ولم يصل رد".
أين القانون؟
حاولت المنصة تجاوز الخلاف النيابي بشأن انتظار رد الأزهر الذي تأخر من عدمه، فتواصلت مع أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة "صوت الأزهر" الناطقة باسم الأزهر، لمحاولة الوقوف على أسباب التأخر في إبداء الرأي في مشروع القانون.
نفى الصاوي وجود أي مخاطبات من اللجنة التشريعية بخصوص تجريم تزويج الأطفال الذي قال إن المشيخة "دعمت كل الجهود لتجريمه، سواء كانت جهودًا تشريعيةً أو مجتمعيةً أو توعويةً"، على اعتبار أن من يمارسون هذا السلوك "يستندون إلى أعراف وتقاليد ليست من الدين" وفق ما ينتهجه الأزهر.
ولا يطِّلع الصاوي بحسب طبيعة عمله على جميع المخاطبات الواردة من البرلمان إلى مشيخة الأزهر، ولكنَّه أوضح أنه تواصل مع مسؤولين عن تلقي مقترحات البرلمان في المشيخة، للرد على تساؤلات المنصة، وأكد أن المشيخة لم تتلقَّ أي مقترحات بقوانين تجرّم تزويج الأطفال من مجلس النواب، وأن آخر تعامل للأزهر كان مع المشروع المقدم من الحكومة قبل إرساله إلى البرلمان.
وأكد الصاوى ما ذكره ممثل وزارة العدل في الاجتماع، أن ملاحظات الأزهر على المشروع تركزت على الصياغات، باقتراحات بدمج فقرات وإضافة أخرى. وتابع أن هناك "تأييدًا أزهريًا لجوهر القانون والمستهدف منه من حيث المبدأ".
ولفت رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر، إلى أن مجمع البحوث الإسلامية سبق ووافق بإجماع أعضائه على مسودة مشروع قانون لوزارتي الصحة والعدل لتجريم زواج القاصرات فى عام 2017.
وفي تصريحات سابقة قال الشيخ أحمد الطيب "أنا أميل إلى تحديد سن الزواج بثمانية عشر سنة على الأقل كحد أدنى؛ لأن الفتاة - وحتى الشاب- أقل من ذلك لا تزال تحتاج إلى رعاية كبيرة من أجل أن تستوعب ماذا تعنى الأسرة، وماذا يعنى انتقالها من بيت أسرتها إلى بيت تنفرد بإدارته، وكيف تتعامل مع شخص جديد عليها، وكيف تربى أبناءها".
عادت المنصة إلى أمانة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية مرة أخرى، وواجهت مصدرًا مسؤولًا فيها، رفض ذكر اسمه بطبيعة الحال، فأكد أن اللجنة "أرسلت مكاتبتين إلى الأزهر"، دون أن تتلقى أي رد.
وأوضح المصدر أن اللجنة ستكتفي برد الأزهر على وزارة العدل بشان مشروع القانون، على أن تدرج أمانة اللجنة وهيئة المكتب مشروع القانون في جدول الأعمال بمجرد وصول نسخة من رأي الأزهر السابق إرساله لوزارة العدل، لبدء مناقشة نصوص المواد.