ترجمة عن التليجراف
مع عرض فيلم "سباق" في السينمات البريطانية يوم 3 يونيو/حزيران، وهو عن قصة جيسي أوينز العداء الأمريكي في الألعاب الأوليمبية عام 1936، نتذكر ليني ريفنشتال التي ظهرت في الفيلم، وهي المخرجة الرائعة والمثيرة للجدل التي أخرجت فيلم "أوليمبيا"؛ الفيلم الوثائقي الرائد عن أوليمبياد برلين.
ليني ريفنشتال، التي أخرجت الفيلم عن أوليمبياد 1936، مرت بحياة غير معتادة. بدأت كراقصة باليه وكانت نجمة في أفلام الجبال الشهيرة في ألمانيا. أخرجت فيلمي "ظفر العقيدة"، و"انتصار الإرادة" عن تجمعات الحزب النازي عامي 1933 و1934، إلى جانب فيلم قصير عن القوات المسلحة الألمانية في نورمبرج عام 1935 بعنوان "يوم الحرية".
تم الاحتفاء بأفلامها باعتبارها أفلامًا رائعة، وصنعت تقدمًا تقنيًا جديدًا في فن صناعة السينما، وصارت ريفنشتال معروفة باعتبارها المسؤولة الرئيسية للدعاية السينمائية لدى هتلر.
عاشت ريفنشتال حتى وصلت لعمر 101 عامًا، وأخذت موهبتها التي لا تقاوم أشكالًا عديدة – عملت كمنتجة وكاتبة ومونتيرة ومصورة، إلا أنها قضت عدة عقود تحاول أن تتخلص من ظل أعمالها الدعائية للنازي.
ارتباطها المميت مع هتلر بدأ عام 1932 في تجمع انتخابي؛ تأثرت جدًا ببلاغته، ووصفت هذه التجربة في مذكراتها: "بدا وكأن سطح الأرض امتد أمامي، وكأن الأفق انقسم من المنتصف وأخرج تدفقًا هائلًا من المياه، كان قويًا جدًا حتى أنه لمس السماء وهز الأرض". على الفور كتبت رسالة إلى الجريدة النازية "فولكيشر بيوباختر"؛ تعبر فيها عن رغبتها في مقابلته، في العام التالي تم اللقاء ومر بشكل جيد. قبلت عرضًا لتصوير تجمع نورمبرج عام 1933 وبشكل متحفظ قبلت عمل فيلم عن التجمع التالي، وحضر هذين التجمعين ملايين الألمان.
استمرت علاقتها بهتلر 12 عامًا، وآثارت أسئلة عن مستوى القرب بينهما، وصارت مقربة من وزير الدعاية جوزيف جوبلز وزوجته ماجدا.
أراد هتلر ملحمة، بورتريه فاجنري للحركة النازية، وأتاح لها ميزانية غير محدودة وسيطرة فنية كاملة. ما زال فيلم "انتصار الإرادة" يعتبر واحدًا من أقوى الأعمال السينمائية الدعائية في التاريخ.
فيلمها "أوليمبيا" عن أوليمبياد برلين اُستقبل بشكل حافل، وفاز بجائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان فينيسيا، وحصل على جائزة خاصة من لجنة الألعاب الأوليمبية الدولية لتصويره الحي لبهجة الرياضة.
اللقطة التي يطير فيها أوينز في الهواء أثناء قفزة الفوز التي بلغ طولها 8.06 متر حُذفت من الفيلم ويشاع أنها أعيدت بعد إصرار ريفنشتال، لم يبد أن هذا كان تصرفًا متحديًا من جانبها، وإنما كان اختيارًا جماليًا، لأن علاقتها الطيبة بهتلر استمرت.
عام 1938 وفي رحلة إلى الولايات المتحدة لترويج الفيلم، صاحت في أحد الصحفيين: "بالنسبة لي، هتلر هو أعظم رجل وُجد، هو في الحقيقة خال من العيوب، بسيط جدًا وفي الوقت نفسه ممتليء بالقوة الذكورية".
كان التوقيت كارثيًا، بعد عدة أيام من وصولها إلى نيويورك، جاءت أحداث ليلة الكريستال، إذ دمر النازيون ألف معبد وسجنوا 30.000 يهودي، سُحبت الدعوات التي كانت موجهة إليها في هوليود ولم تقابل سوى والت ديزني.
بعد ذلك بعام ذهبت إلى بولندا كمراسلة حربية، وكانت تحمل مسدسا في حزامها. بعدما أُحبطت من إعدامات النازي هناك توقفت عن تصوير الفيلم. إلا أنها كتبت رسالة معجبة بهتلر عندما احتل الألمان باريس: "لقد تجاوزت كل شيء يمكن للمخيلة الإنسانية أن تتصوره، وقمت بأفعال لا مثيل لها في تاريخ البشرية. كيف يمكن لنا أن نشكرك؟"
استخدمت مجاميع ممثلين بدون مقابل من معسكر اعتقال للغجر عندما عادت لتصنع فيلم "الأرض المنخفضة" وهي رواية هتلر المفضلة. في وقت لاحق زعمت أن كل المجاميع نجت من وقابلت بعضهم عندما انتهى الصراع. كانت هذه قضية طاردتها حتى عام 2002، العام الذي سبق موتها، والذي أصدرت فيه اعتذارًا للمجاميع.
كانت ريفنشتال اُعتقلت بعد الحرب، وأنكرت كل معرفتها بجرائم الحرب النازية، وقالت إنها لم تعرف أن أفراد شعب روما وسينتي الذين اشتركوا كمجاميع في فيلم "الأرض المنخفضة" قُتلوا بعد ذلك في معسكر أوشفيتز. اعترفت أنها كانت مولعة بهتلر ولكنها لم تقم بأي دور نشط في الأفعال النازية الإجرامية. بعد أربع محاكمات، أُعلن أنها "مسافر مرافق" هذا الذي يعني أنها غير متهمة ولكنها شاركت بدور هام في الأنشطة النازية.
عبرت ريفنشتال بعد ذلك عن ندمها على لقاء هتلر الذي اعتبرته أكبر كارثة في حياتها: "حتى يوم وفاتي سيظل الناس يقولون إن ليني نازية، وسأظل أنا أقول (ولكن ما الذي فعلته؟)". ليني فازت بأكثر من 50 قضية قذف ضد النقاد الذي اتهموها بمعرفتها بجرائم النازي.
بدا أن يوميات جوبلز تشير إلى أنها لم تكن أداة خاضعة تمامًا للنازيين. شكا منها قائلًا: "من المستحيل أن تعمل مع امرأة جامحة". ربما يمكن أن نوجز حياة رائدة السينما الوثائقية العظيمة بكلمات المؤرخ السينمائي الراحل ليام أوليري: "في مجال الفن كانت عبقرية، وفي السياسة كانت حمقاء".