لا تزال منار حازم تتذكر طلب والدتها لها، قبل 13 عامًا، كي شعرها بمكواة الشعر بعدما خلعت الحجاب، قائلة "طالما قررتي تتخلي عن الطرحة لازم تكوني جميلة".
اكتشفت منار وغيرها ممن عانين في معركة طويلة لخلع الحجاب، بعد نعتهن بالخارجات عن قيم المجتمع والدين، أن التنميط والأحكام لن يتوقفا بكسبهن معركة خلعه. بل على العكس، بمجرد انتهاء معركة، بدأت أخرى.
تتذكر منار بالتفصيل كيف ظلت طلبات والدتها تلاحقها، وتزيد كل يوم طلبًا جديدًا، "مرة صبغ خصلات شعري بدرجات معينة، ومرة تصفيفه ع الموضة، كانت فاكرة أني خلعت الحجاب عشان أكون أجمل، لكن أنا خلعته بس لأني مكنتش مرتاحة، محبيتهوش وملقيتش نفسي فيه، فمكنتش مهتمة أكون أجمل من غيره. المهم بالنسبة لي أني أشبه نفسي".
وهذا الدافع هو ذاته الذي جعل ياسمين عادل، وهي كاتبة في الثلاثينيات التوقف عن ارتداء الحجاب منذ شهور، لتدخل في التحديات اللاحقة بالطلبات التي تخص ملابسها وتسريحة شعرها، وبدلًا من أن تهنأ بتحررها، بدا الأمر كما لو أنه أتيح للآخرين فرصة أكبر للتحكم في جسمها وملابسها، لمجرد أنهم قبلوها في نسختها الجديدة دون حجاب.
تصف ياسمين تجربة خلع الحجاب وما بعده بالصدمة، "في البداية عاملوني على أني أخدت قرار متهور هأتراجع عنه بسرعة، مع دعوات للرجوع تاني للحجاب. وبعدين بدأوا يسألوني لو خلعت الحجاب عشان عندي مشاكل شخصية بأهرب منها، أو لو بحاول أبقى شبه صحباتي اللي مش محجبات؟".
ويتجاوز ما تعرضت له منار وياسمين محاولات التنميط أو فرض معايير معينة في الملبس إلى كونه شكلًا من أشكال التمييز ضد المرأة، الذي يعمد في أحد آلياته إلى فرض معايير جمال غير واقعية عليها لتخليد عدم المساواة بين الجنسين، وذلك بحسب كتاب النسوية وحقوق المرأة حول العالم.
ويفصل الكتاب رؤية منظرين نسويين وهما بوردو ودوركين وفالودي لآليتين يتحقيق من خلالهما التمييز وعدم المساواة، الأولى تحويل الاهتمام عن كفاءات النساء وإنجازاتهن والتركيز على جوانب سطحية لمظهرهن، والثانية تدمير الموارد العاطفية والمالية للنساء والتقليل من ثقتهن بأنفسهن من خلال المحاولات المكلفة والمنهكة والعقيمة غالبًا للتوافق مع معايير المظهر غير الواقعية.
وتعد معايير الجمال طبقًا للنظرية النسوية ردة فعل عنيفة ضد مساعي النساء من أجل المساواة. فكلما حطمت النساء المزيد من العوائق القانونية والمادية كلما ألقت الأنماط الصارمة والسخيفة والقاسية لجمال الأنثى بثقلها عليهن.
لماذا ترتدي ملابس كثيرة؟
مثل منار تلقت فاطمة أحمد وهي صحفية، تعليقًا صادمًا بعد خلعها الحجاب قبل 11 عامًا، لم يكن من والدتها بل من رئيسها في العمل، والذي حوى تحرشًا أيضًا. تقول للمنصة "كنت بشتغل في مؤسسة صحفية كبيرة، وكانوا بيقفلوا التكييف عشان يوفروا الكهرباء، ولما اشتكيت لمديري المباشر قال إن السبب أني لابسة هدوم كتير مع أني دالوقت مبقيتش محجبة!".
ذُهلت فاطمة من الرد الذي ينمط غير المحجبات في الملابس الخفيفة والمكشوفة. كما عانت من اعتبار جسدها مستباحًا لكونها أصبحت غير محجبة. فعلى سبيل المثال، كل الكوافيرات التي تذهب إليها يصر أصحابها على تصويرها رغمًا عن إرادتها، وبعد حفل زفافها خاضت نقاشًا حادًا مع مسؤولة التجميل التي نشرت صورتها على فيسبوك دون استئذانها، بدعوى "أنتِ مش محجبة، إيه المشكلة؟".
"المجتمعات ذات التقاليد الأبوية القوية وأدوار النوع الصارمة سوف تميل إلى اعتناق معايير مظهر غير واقعية"
تتشابه تجربة سهيلة سامي مع فاطمة، وهي مهندسة في منتصف الثلاثينيات. فقبل 10 أعوام، حين خلعت الحجاب وظلت ترتدي الملابس نفسها واجهت استنكار وعدم فهم، "إزاي أخلع الحجاب وأفضل ألبس نفس لبسي العادي، بكم طويل وحشمة؟ كان مش مفهوم بالنسبالهم أن قبولي لشكلي وإحساسي الداخلي بمظهري هما السبب وراء خلع الحجاب. دي بالنسبة لهم أسباب فلسفية ووجودية مش مهمة".
لا ترى سهيلة أن هناك فارقًا بين ما قبل خلع الحجاب وبعده، فالحدود الخاصة بارتداء الثياب موجودة في كل الأحوال. فما ترتديه في العمل يختلف عن الشاطئ أو صالة الألعاب الرياضية، بالتالي لا تحتاج إلى تغييرات كبيرة في خزانة أزيائها، لكن ذلك ما لم يفهمه المحيطون.
عقبة في تقبل الذات
وفيما تتعرض النساء للتنميط المتواصل والإملاءات، فإن ذلك يمثل عقبة في طريقهن لتقبل ذواتهن، مثلما حدث مع الكاتبة هند عبد الله التي خاضت رحلة طويلة للتصالح مع جسدها عبر العلاج النفسي والقراءة، بعدما "لاحظت أن فيه حالة رعب من تصالح المرأة مع جسمها".
ومثل منار، انفجرت أزمة هند في تفصيلة تتعلق بشكل الشعر، "قصيت شعري اللي كان طويل جدًا، ولقيت استهجان غير طبيعي، كأني ارتكبت جريمة جديدة بعد جريمة خلع الحجاب من وجهة نظرهم، لأني كسرت نمط جمال الشعر الطويل".
أما آيات جودة فلم تكن أفضل حالًا بل تعرضت لتنميط مزدوج "الناس اللي بتعرف عليهم جديد بيفتكروني مسيحية، بدعوى أن مسلمة من غير حجاب لازم تكون مهتمة بشعرها ومكياجها وجمالها، وإلا مش محجبة ليه؟". وجمع هذا بين تنميط المرأة المسلمة غير المحجبة التي يتوقع منها أن تتوافق مع معايير جمال أكثر صرامة، والمرأة المسيحية التي يتوقع منها ألا تهتم بهذه التفاصيل.
حتى تستمتعين بقوتك
من غير المتوقع أن تزول التحديات التي واجهتها منار والأخريات حول مظهرهن قريبًا، فبحسب كتاب النسوية وحقوق المرأة حول العالم، فأن المجتمعات ذات التقاليد الأبوية القوية وأدوار النوع الصارمة سوف تميل إلى اعتناق معايير مظهر غير واقعية، وامتلاك مستويات عالية نسبيًا من عدم الرضا عن الجسم.
على سبيل المثال، شهد عقدا العشرينيات والسبعينيات تغييرات كبيرة في صورة الجسد على مستوى العالم، بتمجيد صورة الجسد النحيف، على عكس صورة المثالية من قبل والتي كانت أميل إلى المتوسط أو حتى السمنة على اعتبار أن الوزن الزائد دليل على خصوبة المرأة. وتزامنت تلك التغيرات مع حصول النساء على حق التصويت في العشرينيات، وفي السبعينيات مع ثورة الحقوق المدنية الأميركية والسعي للمزيد من المساواة بين الجنسين.
وفي القرن الواحد والعشرين استمر هذان الدربان المتوازيان في التصاعد، فمع الموجة النسوية الرابعة عالميًا التي دقت أول طبولها عام 2017 مع حملة Me Too بدأت تحديات جديدة أهمها أن النساء حصلن بالفعل على كل حقوقهن ولا يحتجن للمزيد، في عرقلة تقدم المرأة، بوضع معايير جديدة أكثر صعوبة للجمال والمظهر، ونتيجة للعولمة والإنترنت، أصبح انتقال هذه المعايير عابر للثقافات بسرعة شديدة.
الجمال معيار أبوي
لا يجلس خبراء الأبوية معًا في غرفة مغلقة للاتفاق على هذه المعايير مع كل موجة نسوية، بل يحدث الأمر بطرق أكثر سلاسة، وتظهر مؤشراته على مواقع التواصل الاجتماعي في البوستات التي تخص حقوق المرأة، بعبارات مثل "ترغبين في الحصول على حقوق المرأة الغربية إذًا لم لا تشبهينها؟!".
لا تعرقل معايير المظهر الصارمة والصعب الوصول إليها من ثقة المرأة في نفسها بحسب، بل تجعلها أسيرة فكرة أن نجاحاتها ومنجزاتها العملية والشخصية بلا قيمة أمام الرقم الذي تراه على الميزان، أو لون بشرتها، أو تصفيفة شعرها، وتجعلها حبيسة السعي وراء هدف متغير مثل سراب مستحيل المنال، فكلما حققت جزء منه، تجده مختلف الآن.
وهذا ما رفضته منار مباشرة، فهي لم تتمرد فقط على الصورة النمطية التي تجبرها على تصفيف شعرها بطريقة معينة، بل كانت من أوائل النساء التي تحتفي بشعرها الكيرلي، وتصنع لنفسها أسلوبًا في ارتداء ملابسها، جعلها متميزة بطريقتها الخاصة.