تصميم: أحمد بلال - المنصة

بعد غياب 70 عامًا: هل تستعيد مصر الديمقراطية بالملكية؟

منشور الأربعاء 14 سبتمبر 2022 - آخر تحديث الثلاثاء 20 ديسمبر 2022

في القاهرة، يوم 18 يونيو/ حزيران 1953، وبعد نحو أسبوعين فقط من تتويج إليزابيث الثانية ملكةً جديدةً على بريطانيا في الثاني من الشهر نفسه، وهي في منتصف عشرينياتها، قررت مجموعة من ضباط الجيش المصري، الذين كانوا في منتصف ثلاثينياتهم، إلغاء الملكية في مصر ورمزها كان الطفل أحمد فؤاد الثاني، آخر ذرية حكم محمد علي، بعد أن خلع الضباط "الأحرار" والده الملك فاروق من الحكم وطردوا العائلة المالكة من مصر قبل 11 شهرًا فقط من إعلان مصر جمهورية.

وكتبوا في الوثيقة التي وقعوا عليها في ذلك اليوم ضمن مبررات إنهاء الحكم الملكي، ما قد يبدو اليوم سببًا ضعيفًا:

"إن تاريخ أسرة محمد علي في مصر كان سلسلةً من الخيانات التي ارتكبت في حق هذا الشعب. وكان من أولى هذه الخيانات إغراق إسماعيل في ملذاته وإغراق البلاد بالتالي في ديون عرّضت سمعتها وماليتها للخراب..".

بالتالي، قرر الضباط الشبان، كخطوة أولى فقط مثلما فعلوا تدريجيًا مع الملك، تعيين ضابط كبير، لرئاسة الجمهورية (الجديدة وقتها) وهو اللواء أركان حرب محمد نجيب. لكن بعد ثمانية أشهر فقط أجبروا اللواء نجيب على الاستقالة من منصبه يوم 26 فبراير/ شباط 1954 وحبسوه بعدها في منزله، ليتولى البكباشي جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية وحكم البلاد بمساعدة رفيقه عبد الحكيم عامر. والباقي معروف!

حين تولى أنور السادات، أحد الضباط "الأحرار" الموقعين على وثيقة إلغاء الملكية والتوريث، حكم مصر بعد موت عبد الناصر، قام بتغيير الكثير من سياسات وتحالفات سلفه، بما في ذلك إعادة الجنسية المصرية للأسرة المالكة سابقًا، والسماح بنقل رفات الملك فاروق لتدفن في مصر، حسب وصيته التي رفض عبد الناصر أن يلبيها في حياته.

لكن رغم كل التحولات التي صنعها السادات، حتى في السلام والمصالحة مع إسرائيل، إلا أنه لم يسمح أبدًا بإعادة الملكية، رغم أنَّ هذا ما فعله زمن السادات وفي منتصف السبعينيات الجنرال فرانكو.. ديكتاتور إسبانيا!

كانت الملكية أُلغيت في إسبانيا عام 1931 مع قيام الجمهورية الثانية، وطُرد الملك ألفونسو الثالث عشر وعائلة البوربون الملكية. لكنَّ الجنرال فرانسيسكو فرانكو  أعاد اسم المملكة عام 1939 وأعلن نفسه رئيسًا للدولة (دون ملك).. إذ لم يشأ عودة الأسرة المالكة أو أن ينازعه أحد على الحكم، كما أنه لم يحب ترسيخ النظام الجمهوري ولو اسمًا.

استوعب فرانكو تجربة نابليون بونابرت وفشله في تنصيب نفسه إمبراطورًا على فرنسا، ولم يشأ أن يقيم نظامًا جمهوريًا في أوضاعٍ مضطربة بإسبانيا تسيطر فيها الشيوعية ويتحول فيها نظام حكم الفرد إلى توريثه لشخصيات لا تملك قدرات الزعيم المؤسس، كما أنه لم يقبل التوجهات الليبرالية لابن الملك المخلوع ألفونسو، واسمه خوان كارلوس، الذي ظلَّ يطالب بالحكم من منفاه. 

بعد ثلاثين عامًا من حكمه، قرر فرانكو عام 1969 أن يخلفه مستقبلًا في حكم إسبانيا كملك، حفيد ألفونسو، وهو خوان كارلوس الابن، وكان عمره وقتها 31 عامًا، رغم مواصلة والده خوان المطالبة بالحكم.

عهد فرانكو إلى مستشارين بإعداد وتأهيل الأمير خوان كارلوس الابن للحكم، وهو الذي ولد وعاش في المنفى في روما، حتى عودته لبلاده.

حين توفي الجنرال فرانكو عام 1975 كان خوان جاهزًا للحكم، وتم تنصيبه ملكًا للبلاد. لكن في غضون ثلاث سنوات تمكن الملك كارلوس من تحقيق إصلاحات سياسية تنهي الحكم الديكتاتوري الذي وضعه فرانكو وتؤسس لحكم نيابي ديمقراطي لنظام ملكي بدستور 1978.

يتمسك الإسبان بهذا النظام حتى الآن رغم دعوات بعض الأحزاب الممثلة في البرلمان للحكم الجمهوري لا تجد التفاتًا. وأثبت هذا النظام قوته وشعبيته حين تصدى الملك خوان لمحاولة انقلاب عسكري وهجوم الضباط على البرلمان عام 1981، لكنهم فشلوا.

حتى يأتي جنرال ديكتاتور مثل فرانكو، تُفضّل لصالح الوطن عودة الملكية من جديد بدلًا من جمهورية جديدة قائمة على حكم الفرد

الإصلاحات التي وضعتها إسبانيا لإعادة نظامها الملكي، كدستوري رمزي، شملت تخفيض نفقات الدولة على الأسرة المالكة لتجعلها الأقل في كل ملكيات وإمارات اوروبا. فميزانية الدولة لنفقات ملك اسبانيا والعائلة المالكة لم تتجاوز العام الماضي ثمانية ملايين وستمئة الف يورو (8.7 مليون دولار)، بينما الميزانية الحكومية للعائلة المالكة في بريطانيا بلغت نحو 103 ملايين دولار سنويا، وهي بالمثل تخضع للرقابة العامة. وكانت الملكة تدفع ضرائب عن دخلها، كما أن نصف هذه النفقات يذهب لصيانة القصور الملكية المفتوح أغلبها للجمهور من المواطنين والسياح. 

ملك بريطانيا الجديد تشارلز الثالث, البالغ من العمر 73 سنةً، أكبر بثلاث سنوات من الأمير أحمد فؤاد الثاني، والذي كان عام 1952، خلافًا لتشارلز، الملك الشرعي للمملكة المصرية بعلمها الأخضر والهلال ونجومه الثلاثة، وبمجلس أوصياء عيّنه الضباط الأحرار، قبل إلغائهم الملكية وتوارثهم رئاسة الجمهورية فيما بينهم، كضباط جيش، لحكم البلاد المطلق على مدى سبعين سنةً!

بعد اغتيال السادات وتولي مبارك، وحتى خلال السنوات العشرة الأولى من حكمه في الثمانينات، قبل أن يتردد لاحقا اسم ابنه جمال كوريث محتمل، كان هناك حديث ولو خافت عما إذا كانت عودة الملكية في صالح مصر! دون أن يثير طرح هذا الحديث تشنجًا أو تخوينًا مثلما كان الحال في الستينيات والسبعينيات.

روى رجل الأعمال الوفدي صلاح دياب، في عمود رأي باسم "نيوتن" بصحيفته المصري اليوم، بتاريخ 24 نوفمبر 2016، عن لقاء جمعه في لندن مع ثلاثة من الكتاب والصحفيين المصريين، وتشجع وسألهم عن رأيهم فيما لو عادت الملكية لمصر، وفوجئ بالإجابة!

روى دياب "أحمد بهاء الدين.. أجابني بهدوئه المعروف به: أنا أعتقد أن هذا أحسن نظام لمصر. فوجئت بيوسف إدريس يقول: وأنا أؤيدك. ساد الصمت. بينما نظرت نظرة المنتصر إلى إبراهيم نافع. وكأني أريد أن أقول له [جالك كلامي]".

تخلى كبار ضباط الجيش عن زميل السلاح مبارك عام 2011 لاستعداده توريث ابنه جمال، في نظام كان يتندر عليه أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية المتقاعد د. سعد الدين إبراهيم، بوصفه "لا جمهورية ولا ملكية بل 'جملوكية'"!

لكنهم ليسوا أكثر استعدادًا لعودة الملكية بأي أشكالها، وخصوصًا إعطاء ألقاب الباشوية بمعايير لا ترتبط بالرتب العسكرية. فرغم الترحيب الشكلي بزيارات أحمد فؤاد الثاني وعائلته لمصر، وكان آخرها في مارس/ آذار الماضي، حرص بعض أتباع النظام على تذكير الناس بأن أبناء أحمد فؤاد الكبار، أي أولياء العهد من الملكة فضيلة، هم يهود أصلا وشرعًا حسب ديانة أمهم الأصلية قبل اعتناقها الإسلام! فهل تقبلون أن يحكمكم اليهود مستقبلًا؟!

حتى يأتي جنرال ديكتاتور مثل فرانكو، تُفضّل لصالح الوطن عودة الملكية من جديد بدلًا من جمهورية جديدة قائمة على حكم الفرد، وحتى يأتي من المنفى ملك نشأ على قيم مجتمعات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وإرادته، وتفصل بين شخص الحاكم والوطن، سيظل هذا الاحتمال سرابًا بعيدًا ويصبح مجرد طرحه أداة للتخوين ومزايدة لتجار الوطنية!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.