تصميم: أحمد بلال - المنصة

العدالة المفقودة في الخصخصة

لماذا تبيع الحكومة أصولها الرابحة بسعر زهيد؟

منشور الأحد 4 سبتمبر 2022

على مدار سنوات تطبيق سياسة خصخصة الأصول العامة، التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، كان القاسم المشترك بين الانتقادات الموجهة لتلك الصفقات أنها في كثير من الأحوال تتم بسعر بخس، انحازت فيه الدولة لصالح المستثمر، ولم تراع معايير السوق، بالنظر إلى أن الشركات المباعة تحقق ربحًا كبيرًا في بعض الأحيان وهو ما يفترض أن يرفع من قيمتها عند البيع.

المفارقة أنه عندما لجأت الدولة إلى "سوق" المال كمعيار لتقييم أصولها في صفقات الخصخصة التي تمت لصالح مستثمرين سعوديين وإماراتيين هذا العام، وصلت للنتيجة نفسها؛ أسهم رخيصة لشركات عالية الربحية، فما السبب في وقوعنا في هذه الدائرة المفرغة منذ التسعينيات وحتى الآن؟

صفقات الخصخصة القديمة

بحسب بيانات منشورة على موقع البورصة المصرية، فإن القيمة الأكبر لعمليات بيع أصول الدولة من خلال الخصخصة تمت عن طريق البيع مباشرة لمستثمر رئيسي، حيث بلغ إجمالي الصفقات 32.2 مليار جنيه، جاءت بعدها الخصخصة عن طريق بيع حصة أقلية في البورصة بقيمة 11 مليار جنيه.

واحدة من صفقات البيع لمستثمر رئيسي التي أثارت الكثير من الجدل هي صفقة بيع شركة طنطا للكتان، والتي بحسب مذكرة الدعوى المرفوعة من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تمت عبر "عدة محطات بدأت بشبه مزايدة وانتهت في المحطة الأخيرة إلى بيع بالأمر المباشر".

كان البيع بالأمر المباشر واحدًا من أبرز مداخل انتقاد الخصخصة، كونه يجعل العلاقة بين الدولة والمستثمر خارج إطار السوق، ومن ثم تكون هناك دائمًا شبهة فساد في نية مسؤولي الدولة تجاه تسعير قيمة الأصل بسعر ينحاز لصالح المستثمر.

في هذا السياق التاريخي نستطيع أن نفهم سبب شعبية معركة سياسية على غرار معركة بيع عمر أفندي، التي وجه خلالها عضو لجنة التقييم الحكومية للشركة، اتهامًا لوزير الاستثمار بالضغط عليه من أجل تخفيض سعر الشركة، تمهيدًا لخصخصتها.

القضاء أيضًا كان جزءًا من الأصوات المعارضة لصفقات الخصخصة القديمة، واعترض تحديدًا على مسألة تقييم الأصول العامة بالقيمة الدفترية (Book value) وهي طريقة تقييم تقوم على سعر الأصل بعد خصم الإهلاك الذي تعرض له خلال سنوات استخدامه، وقال مجلس الدولة في نص أحد أحكامه عن هذه الطريقة إنها "أساس للتقييم يُبخس من قيمة الآلات والمعدات والأثاث ومعدات المكاتب (..) وإذا جاز لهذا الأساس أن يتناسب مع الشركات الخاسرة فإنه بيقين لا يتفق مع تقييم الشركات الرابحة ولا الشركات قليلة الربحية".

العودة إلى السوق 

عادة ما توضع "القيمة الدفترية" كمعيار نقيض لـ "القيمة السوقية" للسهم، أي القيمة التي تتحدد بناءً على العرض والطلب على أسهم الشركة، والأخيرة هي طريقة في التقييم أكثر حيوية كونها أكثر ارتباطًا بالسوق.

وفي صفقتي الخصخصة الأخيرتين، اللتين تمتا خلال أبريل/ نيسان و أغسطس/ آب الماضيين، من خلال بيع حصص حكومية في عدد من الشركات العامة، تمت عملية البيع في البورصة المصرية، عن طريق ما يسمى بـآلية الصفقات ذات الحجم الكبير Block trading، والتنفيذ عبر هذه الآلية من المفترض أن يجعل سعر سهم الشركة أقرب إلى تقييم السوق، لكن حصيلة الخصخصة بدت هزيلة للغاية أمام قيمة الإيرادات التي تحققها تلك الشركات.

على سبيل المثال كان البعض يشير إلى شركة موبكو للأسمدة، التي ظهرت نتائج أعمالها عن النصف الأول من 2022 بعد أيام قليلة من صفقة الخصخصة الأخيرة، فقد استطاع الصندوق السيادي السعودي أن يشتري حصة 25% في الشركة بـ 7.1 مليار جنيه، بينما بلغ صافي ربح الشركة في نصف عام فقط ما يقرب من نصف هذا المبلغ، 3.7 مليار جنيه.

كذلك اشترى السعوديون نحو 20% من شركة أبو قير في صفقة أغسطس، مقابل 7.2 مليار جنيه، بينما أظهرت مؤشرات أداء الشركة عن العام المالي 2021 -2022، قبل أيام من تنفيذ تلك الصفقة أنها حققت أرباحًا تاريخيةً خلال ذلك العام بنحو 9 مليارات جنيه.

المفارقة أن الصندوق السيادي السعودي قد يرى أنه أكرمنا في هذه الصفقات، أو هكذا يبدو الأمر من التقارير الصحفية التي تتحدث عن أن صفقة موبكو تمت بسعر يزيد عن سعر السهم في السوق بنسبة 25%.

وسنجد المقارنات المدهشة ذاتها في حالات بيع حصص من الشركتين نفسيهما للإماراتيين في صفقة أبريل الماضي، ونركز في هذا المقال على الشركات الصناعية تحديدًا كون أرباحها تأتي انعكاسًا لتاريخ طويل من الاستثمار في الأصول وليس لميزة احتكارية، مثل بعض مجالات استثمار الدولة في البنية الأساسية والخدمات العامة والخدمات المالية، كما هو الحال مع شركة إي فاينانس أو فوري الذي تم أيضًا بيع حصص منهما مؤخرًا، لذا تطرح هذه البيانات علينا سؤالًا حرجًا، هل يخطئ السوق في التقييم أيضًا؟

الربح القوي والسهم الضعيف

هناك تفسيرات عدة يمكن أن نلجأ إليها لفهم هذه الظاهرة المثيرة للتأمل، بعضها نجده في الأدبيات الدولية، حيث يوضح بعض المحللين الماليين كيف أن الشركات المملوكة للدولة والمدرجة في البورصة، عادة ما تكون أسهمها مثمّنة بأقل من قيمتها بسبب عزوف المستثمرين النسبي عنها، لعدم إعطائها الأولوية القصوى لقيمة السهم ومصالح المستثمرين، نظرًا لاختلاط هدف الربحية بأهداف اجتماعية واقتصادية وسياسية أخرى.

فمثلًا، تقول دراسة منشورة في دورية التحليل المالي والكمي الصادرة عن جامعة كامبريدج، إنه يجب على الحكومة أن تخفض من قيمة الحصة المباعة من شركات القطاع العام، من أجل تطمين المستثمرين في الطروحات الأولية لشركات القطاع العام فيما يخص "المخاطر" المرتبطة بالملكية العامة.

طريقة تقييم الأسهم تغيرت بشكل واضح بعد تجربة ارتفاع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية في نهاية القرن الماضي ثم انخفاضها بوتيرة عنيفة في ما يعرف بـTech bubble

أما بالنسبة لأداء أسهم الشركات المملوكة للدولة في بورصة بومباي، نرى أن مؤشر BSE-500 الذي يغطي تقريبا 93% من القيمة السوقية للبورصة زاد بنسبة 9.1%، بينما كان معدل النمو السنوي المركب لمؤشر شركات القطاع العام في ذات البورصة 1.1% فقط. 

قد يظن البعض أن سبب هذه الفجوة في تطور قيم الأسهم هو انخفاض ربحية شركات القطاع العام، لكن الحقيقة أن عوائد توزيعات الأرباح على أسهم القطاع العام أعلى حوالي أربع أضعاف من شركات القطاع الخاص في بورصة مومباي.

لكن الربح التشغيلي هنا ليس هو العامل المحدد للاستثمار بل في الأرجح التصورات الأيديولوجية السلبية "الدولة مدير فاشل" عن أداء شركات القطاع العام، رغم التحول في التسعينات إلى استهداف الربح والإدراج في البورصة (corporatization).

السبب الآخر هو إعطاء المستثمرين الأولوية للربح الرأسمالي الناتج عن المضاربة في السهم وليس الاستثمار طويل الأجل المستفيد من توزيعات الأرباح. 

للأسف لا يوجد في مصر مؤشر خاص لأسهم القطاع العام، لكن البيانات المتاحة تشير أيضًا لأن الشركات المملوكة للدولة، على الأقل الصناعية منها، المطروحة أكثر ربحية نسبة إلى أسعار أسهمها مقارنة بنظيراتها الخاصة.

سنستخدم هنا مؤشر مكرر الربحية (P/E ratio) الذي يحسب نسبة سعر السهم إلى عوائده السنوية عن طريق قسمة سعر السهم على العوائد، والذي يشير أيضًا إذا ما كان السهم مقوم بأعلى أم بأقل من قيمته، فكلما زاد المؤشر كلما كان من المحتمل أن يكون السهم مقومًا بأعلى من قيمته والعكس صحيح.

إذا نظرنا على مكرر الربحية للبورصة المصرية ككل سنجد أن المعدل 6.61 وهو معدل منخفض جدًا مقارنة ببورصات العالم الأخرى مما يعني أن معدل الربحية في البورصة المصرية عالٍ. يعني ذلك أن العوائد على كل 100 جنيه مستثمرة في البورصة المصرية، ستكون 15 جنيهًا في المتوسط.

لكن هذا المعدل المنخفض أصلًا أعلى كثيرًا من المعدل بالنسبة للشركات الصناعية المملوكة للدولة التم تم بيع حصص منها مؤخرًا، فنجد مثلًا أن مكرر ربحية شركة مصر للألومنيوم منخفض عند 3.45 مما يعني أن العائد على كل 100 جنيه مستثمرة 29 جنيهًا، وبالنسبة لشركة أبو قير للأسمدة فمكرر الربحية 4.66 أي أن العائد على كل 100 جنيه حوالي 21.5 جنيه (انظر الجدول 1 لمكرر وهامش ربحية أبرز أسهم قطاع الأعمال العام المطروحة للبيع).

 
أسهم قطاع الأعمال العام الصناعي المطروحة للبيع مكرر الربحية (P/E ratio TTM)   هامش الربحية الصافي TTM
مصر للالومنيوم  3.45 14.74%
أبو قير للأسمدة 4.6 55.12%
مصر للأسمدة (موبكو) 3.99 48.79%
متوسط السوق 6.61 غير متاح

المصدر: بيانات موقع investing.com تاريخ 30 أغسطس 2022 وموقع البورصة المصرية لمتوسط السوق في نفس التاريخ.


يعتبر هذا مؤشرًا قويًا على أن الشركات الحكومية مقومة بأقل من قيمتها وأن معدل ربحية أسهمها أعلى من متوسط السوق بكثير، وهو المعدل الذي ساهم في تخفيضه وجود العديد من الشركات المملوكة للدولة، فلو استخلصنا مكرر ربحية الشركات الخاصة فقط فغالبًا ما سيكون أعلى من المتوسط العام للبورصة، رافعًا للفجوة بين تقييم المستثمرين للشركات الحكومية والخاصة. وتعتبر هذه تذكرة بضرورة تطوير مؤشرات للشركات العامة في البورصة على غرار ما تفعله بورصة مومباي وغيرها من البورصات.

طرق تقييم مختلفة

رغم أهميته، فإن مؤشر مكرر الربحية ليس الأداة الوحيدة لتقييم أسعار الأسهم. تشير رسالة ماجستير صادرة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أن طريقة تقييم الأسهم تغيرت بشكل واضح بعد تجربة ارتفاع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية في نهاية القرن الماضي ثم انخفاضها بوتيرة عنيفة في ما يعرف بـTech bubble، حيث وجد المحللون أن الطرق التقليدية لم تكن مناسبة لتقييم الأسهم في مثل هذه الأزمات ما زاد من شعبية التقييم بأسلوب كان مهمشًا لحدٍّ كبير قبل هذه الأزمة، وهو خصم التدفقات النقدية أو الـ Discounted cash flows.

وبحسب ما قاله لنا محللون ماليون في مصر، فإن طريقة خصم التدفقات النقدية تؤثر بشكل كبير على تسعير الأسهم في الصفقات المصرية في الوقت الراهن، وهذه الطريقة تعتمد على تقييم سعر السهم بناءً على توقعات التدفقات النقدية المستقبلية للشركة، لذلك قد تتأثر قيمة السهم إذا ما كانت هناك تقديرات بوجود مخاطر مستقبلية تنتظر الشركة.

يأخذنا ذلك لبعدٍ ثانٍ في تفسير مسألة انخفاض تقييمات أسعار أسهم الخصخصة، وهو تأثر التقييمات بارتفاع المخاطر، فقد تزامنت صفقات الخصخصة الأخيرة مع الحرب الروسية الأوكرانية التي يقول مكتب كي بي إم جي العالمي للمحاسبة إنها أثرت بقوة على عمليات تحديد القيمة العادلة للأسهم لما خلقته من مخاطر على الشركات مثل التضخم العالمي أو انقطاع سلاسل التوريد وغيرها.

ويظهر أثر الحرب الروسية الأوكرانية بشكل واضح على تقييمات شركات القطاع الخاص أيضًا، مثلا رفضت شركة مدينة نصر للإسكان مؤخرًا عرض استحواذ من سوديك، وقالت الشركة إن العرض المقدم إليها أقل بنحو أربع مرات من قيمة الأراضي غير المطورة التي تمتلكها، وفسر محللون ضعف السعر بأن حرب روسيا أوكرانيا وما تنطوي عليه من مخاطر ساهمت في خفض تقييم السوق لسهم الشركة.

على أية حال، من الصعب أن نصل إلى استنتاجٍ شافٍ بشأن تأثير طرق التقييم على إيرادات صفقتي أبو قير وموبكو، وذلك لأن بيانات الدولة لم توضح بشفافية ما هي طريقة التقييم التي تم اتباعها.

لكن أيًا كانت طريقة التقييم المتبعة فهي في النهاية تعكس رؤية السوق، حتى وإن تسبب اختلاف الرؤى في تسعير السهم، فالمرجعية الأساسية هي السوق، نستطيع أن نستدل على ذلك من التشريع القائم، الذي يربط سعر خصخصة السهم الحكومي (المتداول والنشط) بالعرض والطلب في البورصة، حيث سمح القانون المنظم لهذا الأمر في 2018 بأن يكون سعر الخصخصة في مدى 10% أعلى أو أقل عن متوسط سعر إقفال السهم قبل الخصخصة.

يقودنا ذلك لعنصر ثالث يفسر هذه الظاهرة، فقد تكون أسعار الأسهم الحكومية رخيصة لأسباب لا تتعلق بالشركة ذاتها، ولكن بضعف الإقبال على الاستثمار في البورصة.

ماذا عن السوق نفسه؟

 يرى محللون أن انخفاض قيمة صفقات الخصخصة يرجع إلى أحوال سوق الأوراق المالية، فنحن نتحدث عن سوق مأزوم منذ سنوات، وتظهر مؤشرات هذه الأزمة في ضعف أحجام التداول داخل ذلك السوق ومحدودية عدد المستثمرين الجدد الذين يدخلون إلى البورصة في كل سنة.

منذ عام 2018 والدولة في حالة تردد شديد بشأن خصخصة أصولها عبر سوق المال، وأعلنت في ذلك العام عن برنامج ضخم للطروحات لم تنفذ منه حتى نهاية 2021 إلا نسبة ضئيلة للغاية، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو سوء أحوال سوق المال وانعكاسه على مدى نجاح الطرح.

بتعبير آخر، كانت الدولة تدرك أنها ستحقق حصيلة متواضعة للغاية من بيع أصولها الرابحة، لكن الاندفاع نحو صفقتي أبريل وأغسطس كانت وراءه الحاجة الشديدة للتدفقات الدولارية. يأخذنا ذلك للتفسير الأوسع نطاقًا لظاهرة الربح القوي والسهم الضعيف.

من الواضح أن الآليات الهيكلية للاستثمار المدفوعة بتصورات المستثمرين السلبية عن الشركات المملوكة للدولة تخسف من قيمة الشركات الحكومية

لقد ساهمت السياسات النقدية المتبعة منذ 2016 في إضعاف سوق المال، صحيح أن تعويم العملة المحلية هذا العام عزز من ثقة الأجانب وأعادهم للاستثمار في البورصة، ولكن على المدى الطويل كانت البورصة تخسر، وذلك لأن رغبة البنك المركزي في الحفاظ على تدفقات الدولارات الساخنة المستثمرة في الديون كانت تدفعه باستمرار لرفع سعر الفائدة، ومن ثم أصبح الاستثمار في الديون أكثر جاذبية من الاستثمار في الشركات.

وعندما عادت الولايات المتحدة بقوة لسوق الديون، بعد أن خرجت من أزمة ركود 2008 وبدأت في رفع الفائدة لديها بقوة هذا العام، دخلت مصر والعديد من الأسواق الناشئة في أزمة هروب دولارات الديون الساخنة، ومن ثم لجأت لبيع حصص في شركاتها لجذب تدفقات سريعة ومضمونة.

القوة الهيكلية

باختصار، كانت الدولة تبيع أصولها بأثمان بخسة في التسعينات ربما بسبب الرغبة في جذب المستثمرين، وربما بدافع من الفساد في عملية التقييم، لكن تكرار هذه الظاهرة مع الخصخصة ونحن نلجأ إلى السوق يجب أن يدفعنا للتفكير في تفسير يتجاوز التعريف الضيق للفساد المالي الذي يجب أن ينطوي على تحقيق مصلحة شخصية لموظف عام بالمخالفة للقوانين.

الواقع أن النظام المالي العالمي، المحدد النهائي لقيمة الأصول الإنتاجية، أكثر تأثيرًا من فساد مسؤول حكومي هنا أو هناك، هذا النظام الذي تجسد في صندوق النقد الدولي وهو يدفعنا بقوة في 2016 صوب المصير الذي وصلنا إليه الآن لدولة مكبلة بالديون الخارجية وعملة شديد التعرض للتقلبات العالمية، وسباق لاهث مع البلدان الناشئة نحو رفع أسعار الفائدة يضع ضغوطًا عظيمةً على الموازنة العامة للدولة والموارد الدولارية على حد سواء.

هذا النموذج المهيمن والخانق على مصر يلعب دورًا رئيسيًا في جعلنا في النهاية نقف موقف الخاسر أمام المستثمر أيًا كانت جنسيته، في وضعية شبيهة بما كانت تصفه أستاذة الاقتصاد السياسي الشهيرة سوزان سترينج عن "القوة الهيكيلة"، والمقصود بهذا المصطلح هو النظر للمكون "البنيوي" العام الذي تصنعه القوى المهيمنة على العلاقات الدولية ودوره في التأثير على الحلقات الأضعف في النظام العالمي.

كذلك من الواضح أن الآليات الهيكلية للاستثمار المدفوعة بتصورات المستثمرين السلبية عن الشركات المملوكة للدولة تخسف من قيمة الشركات الحكومية بشكل لا يعكس قيمتها الاجتماعية أو حتى الاقتصادية البحتة، كنتيجةٍ لعقودٍ من الهجوم المعنوي والمادي على الشركات المملوكة للدولة بدون وجود حتى أفق واقعي للحد من الدور الجوهري التي تلعبه الشركات المملوكة للدولة في اقتصاديات العالم جنوبا وشمالًا. ففي عام 2018 بلغت قيمة الشركات المملوكة للدولة على مستوى العالم 45 تريليون دولار، أي ما يزيد عن نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي. 

وما يزيد من حدة انحياز القيمة لأسفل هو اختيار توقيت يتسم بركود أسواق المال، فمؤشر البورصة المصرية في واحد من أدنى مستوياته في السنوات الست الأخيرة.

تسائل هذه الديناميكية الاعتقاد بعدالة سعر السوق أحادي البعد كتعبير نهائي ومطلق عن القيمة بأبعادها الاجتماعية والثقافية المتعددة بما فيها الاقتصادية البحتة كالربحية واستدامة المركز المالي، وتسائل أيضًا ما إذا كان نهج الطرح الجديد المستند لقيمة السوق يختلف جذريًا عن نهج الخصخصة التسعيناتي التي أدارت الدولة عملية تقييم شركاته.