بمجرد خروجه من موقعة كمحافظ للبنك المركزي المصري انضم طارق عامر إلى قائمة طويلة من مستشاري الرئيس.
يختار الرئيس عبد الفتاح السيسي معظم مستشاريه من العسكريين السابقين، أو من القيادات الأمنية التي خرجت من الخدمة، لينضموا إلى قائمة طويلة وممتدة من مستشاري الرؤساء الذين لا نعرف مهامهم بالتحديد.
حتى الآن لا توجد مصادر مكتوبة ورسمية تشمل حصرًا دقيقًا لكل من حصلوا على لقب مستشار الرئيس طول السنوات السابقة منذ يوليو/ تموز 1952 وحتى الآن، وبالتأكيد لا يوجد ما يحدد أدوارهم، أو كيفية ممارسة عملهم أو عزلهم إن جاز التعبير، لكن الواضح أيضًا أن ظاهرة مستشاري الرئيس زادت بشكل كبير بعد يوليو 1952.
مثل "التأشيرة السياسية" (المضروبة)، التي يوقعها المسؤول لمواطن على طلب يهمه حتى يتخلص من إلحاحه، من دون أن تأتي أثرًا أو تحل مشكلة، تظهر أحيانًا كلمة "مستشار الرئيس"، إما للترضية أو للتجمل والتكريم، لكنها في معظم الحالات لا تعني شيئًا في الواقع، ولا تحمل منصبًا له مهامه ومسؤولياته، بل إن بعضهم يحمل صفة مستشار فقط، دون التوضيح في أي شأن بالضبط يستشيره الرئيس، كما حدث مع محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر.
حكاية مستشار الرئيس الذي لا يعمل لكنه يحمل الصفة الاستشارية تستحق الحديث والسؤال والفهم، خاصة وأنها ليست إلا مجاملة في كثير من الأحوال، فالمستشار لا يقدم أي استشارات مطلقًا، ولا يظهر اسمه أو صورته إلا في أضيق الحدود، ولا يجتمع بالرئيس، ولا ينطق بكلمة واحدة في أي قضية.
تاريخيًا وفي أعقاب يوليو 1952 اختار كل الرؤساء عددًا من الأسماء والمسؤولين ومنحوهم صفة مستشار الرئيس. حدث ذلك مع جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك ومحمد مرسي وعبد الفتاح السيسي.
ففي المرحلة الناصرية حصل محمد عبد القادر حاتم على لقب مستشار رئيس الجمهورية دون توضيح في أي شأن يقدم الاستشارة للرئيس، ورغم أن حاتم كان اسمًا كبيرًا في مجال الإعلام، وهو مؤسس ماسبيرو وعدد من الإذاعات المصرية، وأصبح فيما بعد وزيرًا للإرشاد القومي (الإعلام)، لكن التاريخ يشهد أيضًا أن حاتم كان أحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة المصرية وأحد كوادرها، وهو ما يعني أن أحدًا لا يدرك هل كان الرجل مستشارًا لشؤون الإعلام أم كان مستشارًا أمنيًا للرئيس عبد الناصر؟
في التأكيد على أن صفة المستشار لا تعني منصبًا حقيقيًا ولا تشكل اهتمامًا من جانب الرؤساء كانت واقعة مدكور أبو العز شاهدة، ففي 11 يونيو/حزيران 1967 وفي أعقاب هزيمة مصر بأيام عيّن الرئيس جمال عبد الناصر الفريق مدكور أبو العز في منصب قائد القوات الجوية، وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام وعقب عدة أشهر فقط قام بإعفائه من منصبه، وعيّنه مستشارًا، وهو أمر يمكن اعتباره أقرب إلى الترضية والتكريم منه إلى إسناد دور حقيقي للرجل العسكري المعروف.
بنظرة مدققة على قصة مستشاري السيسي ستتضح الصورة تمامًا، فمعظم من منحهم لقب مستشارين كانوا من قادة القوات المسلحة أو مسؤولي الأجهزة الأمنية السابقين
الرئيس الراحل أنور السادات من جانبه تعامل مع قصة مستشاري الرئيس بشكل كاشف لفكرة أنه مجرد منصب شرفي لا يقدم ولا يؤخر، حتى أن الرجل كان يختار أكثر من مستشار لنفس الشأن. فعلى سبيل المثال اختار السادات سيد مرعي الذي ارتبط اسمه بالزراعة والإصلاح الزراعي قبل أن يصبح رئيسًا لمجلس الشعب، مستشارًا سياسيًا له، لكن المفارقة أن السادات اختار في الموقع ذاته محمد عبد السلام الزيات أيضًا، وهو الذي تخرج في كلية الحقوق وأصبح أمينًا للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الوحيد وقتها.
مفارقة ثانية في قصة الزيات كانت في الهجوم الذي تعرض له من نظام السادات بعد أن ترشح لانتخابات البرلمان دون موافقة من السلطة، واتهمه رجال النظام وقتها بالانضمام للتنظيمات الماركسية وذلك بسبب علاقته الوطيدة مع الاتحاد السوفيتي.
الأمر لم يتوقف في السبعينيات وقت حكم السادات على تعدد مستشاريه السياسيين فقط بل وصل لتعدد المستشارين العسكريين أيضًا، فكان للرئيس الراحل أربعة من المستشاريين العسكريين، هم الفريق محمد الليثي ناصف مؤسس الحرس الجمهوري، والمشير فؤاد ذكري قائد القوات البحرية في حرب أكتوبر، والفريق عبد الغني الجمسي وزير الحربية الأخير، والفريق محمد علي حافط، وكلهم كانوا من القيادات البارزة في القوات المسلحة، وحصلوا على لقب المستشار عقب خروجهم من الخدمة في القوات المسلحة.
الدكتور أسامة الباز كان الاسم الأكثر شهرة بين مستشاري الرئيس السابق حسني مبارك، وقد خالف الباز القاعدة التي تعتبر أن المستشارين لا يلعبون أدوارًا محددة، إذ كان الرئيس السابق يعتمد عليه في بعض المساحات التي تخص القضايا الداخلية، مثل التواصل والحوار مع الأحزاب السياسية المعارضة والصحافة والإعلام وغيرها، ولعب الرجل الدور المرسوم له بشكل جيد قبل أن يختفي قبيل ثورة يناير 2011 بقليل، في أعقاب سيطرة مجموعة جمال مبارك نجل الرئيس السابق على الحكم فعليًا والتحكم في تعيين المسؤولين وعزلهم وظهورهم للضوء.
ومع ذلك فإن حسني مبارك لم يغيّر القاعدة التي ترسخت بعد يوليو 52، وهي أن الغالبية العظمى من المستشارين ليست لهم مهام واضحة ولا يؤدون أدوارًا فارقة، ولا يستشيرهم الرؤساء في غالب الأحوال، لا سيما مع طبيعة أنظمة تنتمي بشكل كامل للحكم الفردي الذي لا يسمع إلا صدى صوته ولا يستشير إلا نفسه.
ولكن مبارك أضاف إلى هذه القاعدة مبدأً آخر وهو التقليل من المستشارين، باستثناء بعض الذين يخرجون من الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية، ليعلن الرئيس تعيين من انتهت خدمته في منصب المستشار ثم يختفي صاحبها للأبد، وهؤلاء يبدو أن اختيارهم كان أقرب للبروتوكول والمجاملات الاجتماعية.
المفارقات في قصة مستشاري الرئيس تبدو واضحة في تعيين الرئيس السابق محمد مرسي للمشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان في موقع مستشار الرئيس، في نفس قرار عزلهم من مناصبهم المهمة الذي يبدو الاسترضاء فيه واضحًا، فالجميع كان يعلم أن الاثنين لن تكون لهما أية أدوار لاحقًا، ولم يكن اللقب أكثر من مجاملة وتكريم ومحاولة لعدم دخول الرئيس المنتخب وقتها في صدام مع القوات المسلحة.
بنظرة مدققة على قصة مستشاري الرئيس في عصر السيسي ستتضح الصورة تمامًا، فمعظم من منحهم لقب مستشارين كانوا من قادة القوات المسلحة أو مسؤولي الأجهزة الأمنية السابقين؛ الفريق محمود حجازي رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق مستشارًا للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، الفريق مهاب مميش مستشارًا لشؤون محور قناة السويس، الفريق عبد المنعم التراس مستشارًا للشؤون العسكرية، واللواء محمد رأفت شحاتة مستشارًا للشؤون الأمنية، واللواء أحمد جمال الدين مستشارًا لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب.
وحده المستشار محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس للشؤون الصحية كان يؤدي عملًا واضح المعالم، حيث وعلى عكس الآخرين، كان فاعلًا في خطط الحكومة لمواجهة جائحة كورونا وظهر كثيرًا في وسائل الإعلام متحدثًا عن إجراءات مواجهة الفيروس القاتل وطرق الوقاية منه.
المؤكد حتى هذه اللحظة أن لقب مستشار الرئيس في مصر ليس أكثر من لقب شرفي، لا يؤدي مهامًا جادة، ولا يؤثر في القرار السياسي أو صناعته، وليس أكثر من تكريم لصاحبه أو إرضاء له، أما الاستشارة فهي ربما تكون مناسبة لأنظمة أخرى تؤمن بالتنوع وبضرورة وجود وجهات نظر مختلفة ومتعددة، وحتى تصل مصر إلى هذه المرحلة يظل المستشار مجرد مسمى، لا يملك أكثر من هذه الصفة التي تبدو "فخيمة"، لكن في المقابل لا يستشيره أحد.