خلال نحو عشر سنوات، وبالتحديد منذ العام 2014، عاد نضال النخب السياسية مرة أخرى من أجل الانتخابات الجادة والتعددية والنزيهة، كما كان قبل 2011.
المؤكد أن نزاهة الانتخابات وتقييد مدد رئيس الجمهورية في الدستور بفترتين فقط، كانا أهم مكاسب ثورة يناير الخالدة.
من بعد انتخابات الرئاسة التي تمت بعد الثورة، وبالتحديد في 2012 وتميزت بالتنافسية والنزاهة، لم تشهد مصر انتخابات يمكن وصفها بالجدية، بل أقرب إلى روح الاستفتاء.؛ تفتقد إلى شروط النزاهة وأهمها التنافس والشفافية.
كان عام 2014 بداية السنوات العشر التي غابت فيهم انتخابات الرئاسة وعاد النضال والتفاوض مع السلطة الحالية لوضع ضمانات تكفل جديتها، إذ تمت الانتخابات بين الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ومؤسس التيار الشعبي وحزب الكرامة حمدين صباحي.
وقتها تحولت الانتخابات التي يفترض فيها التنافس إلى استفتاء على الرئيس؛ افتقاد كامل لحياد مؤسسات الدولة، فضلًا عن انحياز الإعلام بوضوح إلى المرشح السيسي، بالإضافة إلى تضييقات تعرضت لها حملة صباحي، بدءًا من جمع التوكيلات الخاصة بالترشيح مرورًا بحرية الحركة للحملة الانتخابية، وانتهاءً بمد التصويت ليوم ثالث بدون موافقة صباحي.
وجاءت النتيجة معبرة عن افتقاد الانتخابات للشفافية والتنافسية، وفاز الرئيس الحالي بمقعد الرئاسة بنسبة تقترب من 97% فيما حصل صباحي على 3% من الأصوات.
انتخابات عام 2018 لم تكن أفضل حالًا من سابقتها، بل ربما أكثر فجاجة، ففيها نافس الرئيس عبد الفتاح السيسي السياسي الليبرالي وأحد مؤسسي حزب الغد موسى مصطفى موسى.
المفارقة أن موسى كان أحد مؤيدي الرئيس الذي سينافسه في الانتخابات حتى يوم تقدمه بأوراق الترشح، إلى أن نجح فجأة في الحصول على تزكية عشرين برلمانيًا ثم استكمل المعركة الانتخابية لآخرها، حتى انتهت بفوز السيسي بـ97% من الأصوات أيضًا.
انتخابات 2018 لم تكن فقط مجرد استفتاء، بل كان المشهد الأصعب هو منع كل مرشح جاد من خوضها. ضغطت السلطة على الفريق أحمد شفيق بتعاون مع الإمارات التي رحّلته من أراضيها من أجل عدم الترشح، وحاصرته القيود حتى استسلم وابتعد عن المشهد، ثم ألقت السلطة القبض على الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق بعد إعلان نيته خوض الانتخابات، وتم اتهامه بالعمل السياسي رغم ارتباطه القانوني بالقوات المسلحة واعتبرته "فريقًا مستدعى". هذه الأجواء دفعت خالد علي المحامي الحقوقي اليساري للانسحاب من الانتخابات وعدم خوضها.
كان هذا هو المناخ الذي سبق الانتخابات وأفرز مشهد التنافس، أو عدمه، بين السيسي وموسى مصطفى موسى، وخرج بالنتيجة السابقة.
الظرف السياسي الذي جرت فيه الانتخابات السابقة تغير
ثلاث انتخابات رئاسية شهدتها مصر في أعقاب ثورة يناير، أكثرهم بعدًا عن كل مفاهيم الانتخابات كانت في 2018. ثم إننا الآن نذهب في اتجاه الانتخابات الرابعة والتي تبدأ دستوريًا في العام المقبل 2024، فهل تستمر الانتخابات على نفس طريق، وطريقة، ما سبقها، أم يمكن أن تفرز مناخًا جديدًا ومشهدًا يشكَّل مقدمة انتخابات جادة وتنافسية وشفافة؟
حتى اللحظة الحالية لا يمكن القول إن هناك جديدًا حدث يطمئن المتابعين بأن هناك رغبة سياسية لوضع قواعد تضمن جدية الانتخابات المقبلة، وليس هناك ما يوحي باستعداد السلطة الحالية للقبول بوجود انتخابات تنافسية وشفافة. لكن المؤكد أيضًا أن مصر لا تحتمل انتخابات على غرار 2014 و 2018، فالظرف السياسي الذي جرت فيه الانتخابات السابقة تغير، والرهان على فرض نفس القواعد رغم عدم تشابه الظروف السياسية، والاقتصادية، هي مغامرة ليست مضمونة العواقب.
قصة العشر سنوات الفائتة كُتبت بهذا الشكل لأن السلطة كانت تعمل وهي تشعر أنها مستقرة، وأن هناك ظهيرًا شعبيًا يؤيدها ويساندها، ثم إن مساحة الغضب من الأوضاع الاقتصادية تحديدًا لم تكن زادت كما هو حاصل الآن.
كما أن السلطة في السابق كانت ترتكز على دعم دولي وإقليمي لخطواتها وسياساتها، والمؤكد أنها فقدت الآن كثيرًا من عوامل قوتها وقدرتها، فالظروف الاقتصادية تضغط على أعصاب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والغضب من الغلاء والتضخم وتراجع قيمة العملة يزيد من مساحات عدم الرضا، وحصار كل القنوات الدستورية للتعبير عن الغضب، مثل الأحزاب والإعلام التي أغلقتها السلطة بالضبة والمفتاح أضرها بشدة، كل هذا يأتي وفي الخلفية أزمات بين السلطة الحالية ودول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية، قللت كثيرًا من الدعم الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى.
هذا هو المناخ الذي يسبق الإعداد لانتخابات 2024، وهو مختلف تمامًا عن كل ما سبق؛ أزمات كبيرة داخلية وخارجية تحاصر السلطة، وتدفع إلى رغبة شعبية واضحة في تغيير كثير من الوجوه والسياسات، والمؤكد أن الإصرار على فرض القواعد السابقة وسط هذا المشهد السياسي والاقتصادي الصعب وغير المسبوق لم يعد ممكنًا، بل هو أيضًا محفوف بالمخاطر.
في المشهد الأخير من قصة السنوات العشر، هناك احتياج جدي لانتخابات رئاسية تنافسية، تُحدِث قطيعة كاملة مع ما سبقها من انتخابات، وتؤسس لقواعد نزيهة بين مرشحين يكون من حقهم طرح أفكارهم وبرامجهم، والتحرك بحرية بين الناس، في ظل حياد وسائل الإعلام. وقبل كل هذا وبعده حياد أجهزة ومؤسسات الدولة، وضمان نزاهة التصويت والفرز وغيرها من إجراءات تضمن احترام إرادة المواطنين، وتمنحهم الأمل في مستقبل أفضل مما فات، وفي أن الأزمات التي عانوا منها في طريقها إلى حل، والأهم، أن بالإمكان تحقيق التغيير الآمن عبر صناديق الاقتراع.