في الوقت الذي تشتد فيه المعارك في شمال سوريا بين القوات الحكومية من جهة و"جبهة النصرة" وعدد من فصائل المعارضة المسلحة من جهة أخرى، يتوجه مواطنون سوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية السورية، التي تجري للمرة الثانية منذ اندلاع الصراع في عام 2011.
واستقبلت مراكز الاقتراع السبعة آلاف اليوم الناخبين منذ الساعة السابعة صباحًا، وذلك لاختيار 250 عضو برلماني من بين أكثر من 3 آلاف مرشح. وبحسب الحكومة السورية فإن الانتخابات تجري وفقًا لجدول زمني يتطلب إجراءها كل أربع سنوات، وذلك بحسب ما تضمنه دستور البلاد الذي تم الاستفتاء عليه في فبراير/شباط 2012.
وتجري الانتخابات في جميع المحافظات السورية باستثناء محافظتي الرقة وإدلب الواقعتين تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة.
وكانت الدورة التشريعية الأولى للانتخابات في سوريا، بعد بداية الأزمة السورية عام 2011، جرت في السابع من شهر مايو/آيار عام 2012، وذلك في ظل مقاطعة المعارضة، وانتهت الانتخابات بفوز حزب البعث الحاكم بالأغلبية. وبحسب زعم البيانات الرسمية، بلغ عدد الناخبين نحو 5 مليون مواطن، من أصل 10 مليون ناخب، بنسبة مشاركة قاربت من 51%.
أما انتخابات اليوم فهي تتزامن مع انطلاق الجولة الثالثة لمباحثات السلام بين الحكومة والمعارضة السورية برعاية الأمم المتحدة (جنيف 3)، مساء الأربعاء، بهدف التوصل إلى اتفاق لإنهاء صراع خلّف أكثر من 250 ألف قتيل. وسبق الانتخابات تحذيرات أطلقتها أطراف دولية من انهيار الهدنة الهشة لوقف الأعمال القتالية بين القوات السورية والمعارضة المسلحة (باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة) وذلك بعد إعلان موسكو ودمشق عن إعداد عملية عسكرية لتحرير حلب.
الانتخابات من وجهة نظر المجتمع الدولي
تفاوتت ردود الأفعال الدولية والإقليمية حول إجراء النظام السوري لانتخابات مجلس الشعب. من بين الأطراف المعارضة، وصفت وزارة الخارجية الفرنسية الانتخابات بـ"الصورية" التي ينظمها نظام قمعي، موضحة أن الانتخابات الصحيحة فقط هي التي تجري بمقتضى قرار للأمم المتحدة يمهد الطريق أمام الانتقال في البلاد.
على النقيض، دافعت روسيا، حليفة الأسد، عن إجراء الانتخابات التي وصفتها بأنها "أمر طبيعي تمامًا"، حتى لا يحدث فراغ سياسي قبل وضع الدستور الجديد. فحسب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافرورف، فهذه الانتخابات تضمن عمل تلك المؤسسات في سوريا التي ينص عليها الدستور الحالي للبلاد.
بدورها ترفض أطراف المعارضة السورية الاعتراف بشرعية انتخابات مجلس الشعب، وهو ما علق عليه لافروف قائلًا: "من الهام أن يعمل جميع المعارضين المجتمعين في جنيف – كما يجب إشراك حزب أكراد سوريا – على تحقيق حل وسط".
الأسد.. عقدة "جنيف 3"
بينما توجه الأسد، صباح الأربعاء، بصحبة زوجته للإدلاء بصوتيهما في الانتخابات التشريعية، مؤكدًا إن "الإرهاب فشل في تدمير البنية الاجتماعية للهوية الوطنية"، يظل مصير بقائه على رأس النظام السوري نقطة الخلاف الرئيسية بين المتفاوضين الذين لن يلتقيا وجهًا لوجه.
فالجولة الجديدة من المفاوضات التى تبدأ بجلسة محادثات مع وفد الحكومة السورية، جاءت بعد أسبوعين من آخر جولة في 24 مارس/آذار، دون تحقيق أي تقدم حقيقي للتوصل إلى حل سياسي للنزاع، إذ تطالب الهيئة العليا للمفاوضات برحيل الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية فيما يصر الوفد الحكومي على أن مستقبل الأسد يتقرر فقط عبر صناديق الاقتراع.
وخلال لقاء جمع المبعوث الأممي لسوريا ستافان دي ميستورا بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، قبل يومين من بدء المفاوضات، أكد المسؤول السوري استعداد حكومته لمحادثات دون شروط مسبقة.
وفي الوقت الذي تدور فيه معارك بين القوات السورية وجبهة النصرة في ريف حلب، تهدد هدنة وقف الأعمال القتالية، حرص الإعلام السوري الرسمي على نقل صورة ديمقراطية عن انتخابات تجري برعاية حزب البعث الذي يتولى حكم البلاد منذ عام 1963، موجهة سهام انتقادها إلى المؤامرات الخارجية على البلاد من تركيا والسعودية، بالإضافة إلى العديد من اللاعبين الدوليين والإقليميين.
في مستهل افتتاحية جريدة البعث، الناطقة باسم الحزب الحاكم، قال رئيس تحريرها عبد اللطيف عمران، "يُقبل السوريّون اليوم منذ الصباح على صناديق الاقتراع بثقة وتفاؤل وتلاحم احترامًا وإجلالًا لدولتهم ومؤسّساتها الوطنيّة، ولدستورهم الذي صوّتوا عليه بنسبة متميّزة في ظروف صعبة أيضًا".
وعن مشاركة الناخبين، توقع عمران إقبالهم على عملية الاقتراع، في ظل ما وصفه بـ "أن قوائم المرشحين تمثّل كافة شرائح وقطاعات وأطياف المجتمع السوري"، مضيفًا: "ومن الّلافت للنظر أنّ جماهير شعبنا تُقبِل على هذا الاستحقاق أملًا وثقة منها أنّ ما سينتج عنها سيعزّز الحياة الدستورية، والتجربة الديمقراطية".
تشابهت مواقع الصحف السورية الرسمية في تغطية الانتخابات من على لسان المسؤولين الحكوميين، دون تقارير إخبارية تضم آراء الناخبين. نقلت صحيفة تشرين عن وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي أن "إجراء انتخابات مجلس الشعب اليوم هو استحقاق دستوري منصوص عليه في دستور الجمهورية العربية السورية، ولا بد من احترام الدستور لكونه يعبر عن إرادة السوريين، والمشاركة في الانتخابات رسالة إلى الداخل والخارج".
من جانبه، نقل تقرير لمراسل رويترز في سوريا أجواء انتخابات مجلس الشعب، وقال إن الاتحاد العام للنقابات فتح أبوابه لاستقبال الناخبين ووُضعت طاولتان عليهما صندوقان وسط صورة ضخمة للرئيس بشار الأسد وتمثال ذهبي لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد.