من يحمي حقوق الذين يشترون الشقق السكنية في مصر؟
مجلس الوزراء يسعى للتغلب على "البيع بالماكيت"
رغم أن اصطلاح "الكمبوند" ارتبط في أذهاننا بالسكن النخبوي المنعزل عن القاهرة القديمة والذي تتوفر فيه حياة أكثر رفاهية، إلا أنه مع توسع المطورين في أعمالهم برزت على السطح العديد من مشكلات التنفيذ، وأصبحت شكاوى حاجزي الوحدات مشهدًا متكررًا. وبدلًا من ارتباط الكمبوندات ذهنيًا بالرفاهية، انتشرت صفحات متضرري الشركات العقارية على السوشيال ميديا ووصل عدد متابعي واحدة منهم لنحو 200 ألف.
تتمثل مشكلات التنفيذ في تأخير تسليم المشروعات لسنوات طويلة، واختلاف مواصفات الوحدات المستلمة عما هو متوقع من حيث مستوى خدمات الأمن أو وصول المرافق مثل الكهرباء والمياه أو توفير خدمات عامة مثل المستشفيات والتليفونات الأرضية وغيرها.
وفي محاولة من الدولة لإحكام الرقابة على المطورين، أصدرت العديد من الضوابط التي لاقت مقاومة من الشركات بدعوى عدم القدرة على تنفيذها، ما استدعى قيام مجلس الوزراء الشهر الماضي بإصدار حزمة شاملة من الضوابط الجديدة.
الضوابط الجديدة
تضمنت الضوابط التي أصدرها رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، حزمة من الإجراءات التي من المفترض أن تضمن عدم تعثر المشروع العقاري من جهة، وتحمي حقوق المشتري من جهة أخرى.
على صعيد الحد من المخاطر المالية للتطوير العقاري، ألزمت الضوابط المطور بفتح حساب بنكي مستقل لكل مشروع يتضمن مبلغ يتناسب مع حجمه.
مساحة المشروع |
المبلغ المطلوب كنسبة من تكلفة المشروع |
مساحة محدودة (أقل من 50 فدانًا) |
20% |
مساحة صغيرة (من 50 إلى 100 فدان) |
15% |
مساحة متوسطة (من 100 إلى 500 فدان) |
10% |
مساحة كبيرة (من 500 إلى 1000 فدان) |
5% |
مساحة قصوى (أكثر من ألف فدان) |
3% |
وأن يقدم أيضًا تقريرًا ماليًا نصف سنوي للدولة، على أن يكون معتمدًا من مراقب حسابات الشركة، الذي بدوره، يجب أن يكون معتمدًا لدى البنك المركزي أو هيئة الرقابة المالية.
أما لحماية حقوق المشترين، ألزمت الضوابط أن ينفّذ المطوِّر المشروع وفق جدول زمني محدد، ومنع تسويق أو بيع أي وحدة قبل إصدار التراخيص اللازمة لها. وفى حالة عدم التزام المطور بالمدة الزمنية لتنفيذ وتسليم الوحدات يُمنح مهلة 12 شهرًا. وفى حالة عدم الالتزام للمرة الثانية تؤجل أقساط الوحدات على العميل. وفى حالة تجاوز مدة تأخير التسليم 24 شهرًا يحق للعميل سحب المبالغ التي سددها، على أن يستردها خلال ثلاثة أشهر.
وأخيرا وُضعت مادة مستقلة تقضي بضرورة فتح حساب بنكي مستقل لـ "وديعة الصيانة" لضمان التزام المطور بتنفيذ أعمال الصيانة للوحدات بعد انتهاء المشروع.
"الضوابط الجديدة تعاملت مع مشكلات شائعة في السوق المصري من أهمها البيع قبل الحصول على التراخيص، أو البيع قبل التنفيذ، لأنها الأكثر شيوعًا في مصر"، كما يوضح الخبير العمراني يحيى شوكت، مؤسس مبادرة عشرة طوبة.
النموذج الذي يشير إليه شوكت يُعد فيه المطوّر "ماكيت" للمشروع، ثم يحصل على مقدمات تعاقد من المشترين، ليستخدمها في تمويل أعمال البناء، وهي طريقة تمثل مخاطرة كبيرة قد تهدِّد بتعثر المشروع. لذلك اشترطت الضوابط الأخيرة ألا يموِّل المطور المرحلة المسموح له البيع فيها من إيرادات بيع الوحدات بها.
"الضوابط المطروحة تدعم العميل، وهو حق له لأنه شريك يمول المشروع ويتحمل جزء من المخاطرة. هذه الضوابط خطوة نحو تقليل المخاطر، ولكن يظل المطور هو الطرف الأقوى في العلاقة"، كما يضيف شوكت.
في الصيف الماضي تحدث رئيس الجمهورية، عن ضرورة الحد من بيع الوحدات الجديدة قبل تنفيذ 30% من المشروع
في هذا السياق يشير شوكت إلى أن العقوبات التي تفرضها الضوابط الجديدة على المطورين المخالفين لا تتناسب مع التكلفة التي يتحملها العميل "أقصى تعويض يمكن للعميل أن يناله في حالة تأخير الاستلام أن يحصل على المبالغ التي سددها بقيمتها ثابتة، رغم أن القيمة الحقيقية لأمواله تآكلت بسبب التضخم. لا بد من إضافة بند يكفل تعويض مناسب لأن المطور استفاد بهذه المبالغ وحقق أرباح من ورائها".
ويضيف شوكت "إذا تأخر مشتري العقار عن سداد قسط واحد من الممكن للمطور أن يتسبب في حبسه، بينما إذا تأخر المطور لمدة عامين لا يعاقب بأي صورة، بالعكس يمكنه استثمار أموال العميل".
رقابة أقل من السابق
يعكس الحديث عن ضعف العقوبات في الضوابط الجديدة حرص الدولة على تجنب الدخول في صدام قوي مع المطورين، بعدما عجزت عن فرض ضوابط سابقة عليهم.
في الصيف الماضي تحدث رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، عن ضرورة الحد من بيع الوحدات الجديدة قبل تنفيذ نسبة كبيرة من المشروع لا تقل عن 30%. سعت شركة العاصمة الإدارية الجديدة للاستجابة لهذا التصور، وفرضت شروط جديدة لطرح أراضي في المشروع في سبتمبر/ أيلول 2021 تتعلق بنسب التنفيذ التي ذكرها الرئيس.
لكن الطرح تأجل عدة مرات ولم ينفذ بالشروط المعلنة. حينها أفصح بعض المتعاملين في الاستثمار العقاري عن رفضهم لهذه الضوابط، معتبرين أنها تفرض عليهم ضغوطًا بالغة نظرًا لارتفاع أسعار الأراضي والمدد القصيرة المطلوب منهم سداد ثمن الأرض فيها، والتي تصل إلى أربع سنوات، بجانب الارتفاعات السريعة في تكاليف البناء بسبب موجات انخفاض الجنيه أمام الدولار خلال السنوات الأخيرة.
وبالنظر للضوابط الأخيرة الصادرة عن مجلس الوزراء، نجد أن شرط تنفيذ 30% من المشروع قبل طرحه للحجز للعملاء جرى تخفيفه، ليتمكن المطور من بيع ما يمكن أن يصل إلى 50% من الوحدات بمجرد حصوله على التراخيص اللازمة وقبل تنفيذ أي نسبة من المشروع.
كذلك لم تشتمل الضوابط الجديدة على إلزام المطورين بصيغة موحدة من العقود، وهي الآلية التي تضمن للعملاء الحماية من الرسوم الإضافية، أو أي بنود تضر بمصالحهم.
كان لجهاز حماية المستهلك محاولة سابقة في 2020 لفرض نظام تعاقد موحد، غير أنه لاقى مقاومة كبيرة من المطورين دفعته للتراجع.
سعى الجهاز لفرض ذلك من خلال محاولته تنفيذ المادة 15 من قانون الجهاز والتي تنص على أنه "لا يجوز أن يتضمن التعاقد بين البائع أو خلفه تقاضي نسبة أو رسوم أو عمولة من ثمن تصرف المشتري فى الوحدة العقارية".
وطبق الجهاز بالفعل عقوبات تتعلق بهذا الشرط، حيث غرَّم شركة "مارينا سدر للاستثمار" 200 ألف جنيه لفرضها رسوم غير قانونية بقيمة 30 ألف جنيه على أحد العملاء فى حالة قيامه ببيع وحدته بمشروعها.
وبجانب هذه المحاولات، سعت بعض الجهات الحكومية لفرض ضوابط أكثر صرامة على المشروعات التي تنفذها، من أبرزها شركة العاصمة الإدارية الجديدة، مثل تحديد مدة تنفيذ المشروع بأربع سنوات وسحب الأراضي من المطورين في حالة عدم الالتزام بالجدول الزمني المعلن، لكن لا يزال السوق العقاري يفتقد إلى تحقق هذا الانضباط على مستوى كافة مشروعات التطوير.
هل ستنجح الضوابط الجديدة؟
صدور الضوابط الجديدة لا يعني انتهاء مشكلات السوق العقاري، فقد تلاقي هي الأخرى مقاومة من المطورين، خاصة مع تحذيرات الخبراء من ضرورة وجود مهلة كافية لكي يستعد السوق لتطبيقها.
رئيس جمعية مطوري القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية، محمد البستاني، يرى أنه من الضروري وجود مهلة للتطبيق تتراوح بين سنة للمشروعات الجديدة وثلاث سنوات للقائمة، وأن "الجمعية لم تتخذ أي إجراء رسمي لمطالبة مجلس الوزراء بهذه المهلة ولكن خلال أسابيع سيتم التنسيق مع الجهات المعنية لتقديم مذكرة رسمية".
"هذه الضوابط خطوة جيدة في المجمل لكن بعضها صعب التطبيق فورًا، ويحتاج من الشركات لفترة للتعاقد مع محاسبين معتمدين من البنك المركزي وتقديم كشف حساب بنكي عن كل مشروع وغيرها من الإجراءات التي نص عليها قرار رئيس مجلس الوزراء الأخير"، يضيف البستاني.
يتفق الخبير العمراني يحيى شوكت مع البستاني "أي قانون به تغيير جذري بحاجة لمهلة لبداية تنفيذه، لكن تحديد المدة الزمنية الملائمة يجب أن يتم فيه الرجوع لخبراء التنظيم والإدارة".
ويقترح شوكت إضافة بند جديد لهذه الضوابط يضمن استكمال المشروع في حالة تعثر الشركة المطورة من أجل حماية حق العميل "من الممكن وجود نص يفيد بقيام جهات الولاية في حالة سحب المشروعات من الشركات المخالفة بالقيام باستكمالها بمساعدة جهات تمويلية بنكية والاستفادة من خبرات جهات التمويل سواء بنوك أو شركات متخصصة في التمويل العقاري. في النهاية الأفضل للعميل أن تستكمل الوحدة ويستلمها بعد تنفيذها بدون توقف المشروع لمخالفة الشركة المطورة للقوانين".
البناء العشوائي في مواجهة الضوابط
جانب آخر مهم، هو أن الضوابط الجديدة بكل تفاصيلها لن تصل إلى أحد القطاعات الكبيرة في السوق العقاري في مصر، الذي تهيمن عليه المعاملات غير الرسمية، فبحسب نشرة العمران الصادرة عن "عشرة طوبة"، يمثل البناء غير العشوائي نحو 54% من العقارات الجديدة في 2021، وهو الاتجاه الغالب على البناء العقاري منذ سنوات طويلة.
اتجهت الدولة لضبط البناء العشوائي من خلال قرارات وقف البناء، وفرض ضوابط صارمة لمنح لتراخيص الجديدة. لكن رغم تقدم أصحاب أكثر من 2 مليون عقار بطلبات للتصالح والالتزام بالضوابط الجديدة لم يتم البت في هذه الطلبات منذ نحو عامين، ولا تتجاوز النسبة التى تم البت فيها حتى أوائل العام الجاري 3% من المتقدمين.
الآن، ينتظر السوق العقاري ما ستسفر عنه الضوابط الجديدة حال تطبيقها، وهل ستتمكن فعلًا من ضمان حقوق المشترين، أم ستظل هناك حاجة لمزيد من التدخل الحكومي لسن قواعد أكثر صرامة، دون التسبب في أزمة ركود.