صفحة شركة سينرجي فيلمز- فيسبوك
بوستر فيلم "كيرة والجن" لمروان حامد 2022

كيرة والجن: سينما تجارية غير معصومة من الخطأ

منشور الاثنين 11 يوليو 2022 - آخر تحديث الاثنين 11 يوليو 2022

ثمة فارق واضح بين نوعين من الأعمال الفنية، جادة ومُسلية؛ فالأولى لها قواعدها الصارمة بينما يمكن قبول أخطاء الثانية، إذ يكفيها أنّها مُسلية، فليس عيبًا أن يكون هدف العمل الفني هو التسلية. وهناك بعض اﻷعمال نجحت في الجمع بين الجانبين، ولكن يواجه الناقد السينمائي إشكالية قديمة ومتجددة: كيف يتعامل مع الأفلام التجارية؟

جدل متجدد

أحدث الأعمال التي أثارت الحديث عن اﻷفلام التجارية فيلم كيرة والجن، التعاون الجديد بين أحمد مراد ومروان حامد، الأول ككاتب سيناريو مقتبس عن رواية 1919 للمؤلف ذاته والثاني كمخرج، واللذين طرحا الفيلم قبل أيام من موسم عيد اﻷضحى، مثلما حدث مع فيلمهما الفيل الأرزق 2، ليقتنص عملهما اﻷخير فرصة المنافسة وحيدًا في شباك التذاكر قبل دخول أفلام أخرى مثل بحبك لتامر حسني وعمهم لمحمد إمام.

وبمجرد عرض  كيرة والجنّ أثير الجدل بين قطاعات مختلفة من الجمهور، اﻷمرّ الذي اعتدناه مع طرح أي عمل لمراد وحامد. وتعددت الآراء حول الفيلم الذي بدأ عرضه في القاعات 30 يونيو/ حزيران الماضي، فهناك من رآه عملًا ملحميًا يتناول قضية وطنية بالتالي يمكن التغاضي عن بعض اﻷخطاء الفنية، ومن رأى "عدم الوقوف أمام الهفوات" كونه فيلمًا للتسلية ليس أكثر، بينما اعتبره فريق آخر فيلمًا هنديًا، في الإشارة إلى الأخطاء الساذجة.

 

السؤال هنا: هل يمكن التغاضي عن هفوات اﻷفلام التجارية؟

للإجابة، يمكن أن نعيد طرح السؤال بصيغة أخرى، ما اﻷفلام التجارية العالمية حاليًا؟ مع تعدد الإجابات، تظلّ أفلام الأبطال الخارقين هي اﻷولى، بخاصة ما تطرحه سلسلة عالم مارفل السينمائية التي حققت نجاحًا عالميًا وصل بالشركة إلى منافسة نفسها في السنوات اﻷخيرة، فهل أفلامها كافة جيدة من الناحية الفنية؟

تشير الوقائع إلى أن النقاد لم يتلقوا جميع أعمال مارفل بالترحاب، فحصل مثلًا فيلم ثور: العالم المظلم (Thor: The Dark World) 2013 على تقييم 67% على موقع روتن توماتوز Rotten Tomatoes، وهاجمه الناقد بين تشايلد في صحيفة الجارديان في مقال مطول استعرض خلاله العيوب الفنية للعمل، لكنه في الوقت ذاته حقق إيرادات بلغت نحو 644 مليون دولار، واحتل الترتيب العاشر عالميًا في قائمة إيرادات أفلام 2013.

النيات الحسنة وحدها لا تنتج عملًا جيدًا، فالتركيز على خطاب سياسي مباشر قلص من بناء الشخصيات، وخرج المشاهد من قاعات العرض دون أن يعرف عن الشخوص أيّ تفاصيل

محاولة باهتة

توجهت بالسؤال إلى أستاذ السيناريو في المعهد العالي للسينما هيمن التهامي، فأوضح أن ثمة أفلامًا ليست على المستوى الفني المطلوب، أو سيئة، لكنها أعمال محبوبة جماهيريًا، ولا يمنع التواضع الفني أن يحوي العمل قيمة أخرى تساعده أن يترك علامة في أذهان المتفرجين.

"ليس هناك من يصنع فيلمًا سيئًا على نحو متعمد" يضيف التهامي قبل أن يوضح أن أزمة اﻷفلام التجارية ذات الميزانية الكبيرة تنبع من اقتناع صناعه بتقديم رؤية جديدة ومختلفة، بينما يثبت الواقع أنه دون المستوى، ﻷسباب شتّى، أبرزها التركيز على البعد الإيديولوجي على حساب الحبكة والدراما.

بالعودة لـكيرة والجنّ، نلاحظ غلبة النسق الأيديولوجي على حوار العمل الذي دارت أحداثه خلال ثورة 1919 ومقاومة المصريين للاستعمار الإنجليزي، من خلال تتبع شخصيتين هما أحمد عبد الحي كيرة، وعبد القادر الجن، اللذين اشتركا في النضال ضد الاحتلال.

وطوال العمل تتشدق الشخوص بمحاربة المستعمر في محاولة باهتة لإكساب العمل صبغة وطنية، بدت مهمة من وجهة نظر صنّاعه الذين رغبوا في تقديم "ملحمة" تجسد صراع المصريين نحو حريتهم منذ قرن.

لكنّ النيات الحسنة وحدها لا تنتج عملًا جيدًا، فالتركيز على خطاب سياسي مباشر قلص من بناء الشخصيات، وخرج المشاهد من قاعات العرض دون أن يعرف عن الشخوص أيّ تفاصيل سوى أنهم مناضلون يسعون للتخلص من الوجود البريطاني في مصر.

قصة ولّا مناظر

"قصة ولا مناظر"، بعيدًا عن الدلالة التي قد تثيرها العبارة السابقة، فإننا نقصد هنا التساؤل عن أيهما أكثر أهمية: الجوانب الشكلية والبصرية، أم عوامل الحبكة والبناء الدرامي؟ بالتأكيد ليس هناك عنصر أكثر أهمية بشكل مطلق لكنّ بعض صناع اﻷفلام قد يهتمون بالناحية الشكلية والبصرية على حساب أيّ معطيات أخرى.

وتبدو أفلام مروان حامد وأحمد مراد أكثر اعتناءً بالإبهار البصري، بدءًا من إنتاج نسخة من العمل تعرض في قاعات IMax، كأول عمل عربي يعرض بهذه التقنية، مرورًا بالاهتمام الواضح بالأزياء وتصميم ديكورات الحقبة الزمنية، ومشاهد الحركة التي أصبحت "غاية" في ذاتها وليست آلية لإبراز تطور الحبكة، حتى نقف في النهاية أمام أعمال تتميز بالصور السينمائية المميزة بينما يراها البعض خاوية؛ مناظر بلا قصة.

بشأن التخلي عن الجوانب الدرامية، يشير أستاذ النقد السينمائي في المعهد العالي للنقد الفني نادر رفاعي، إلى أن أهم عيوب كيرة والجن تتمثل في السيناريو، خاصة في الثلث اﻷخير من الأحداث، وتتمحور الإشكالية هنا في القفزات الزمنية والمكانية غير المبررة والفجائية، إذ نجد انتقالًا سريعًا في الزمن بين الفترة 1919 ومنتصف العشرينيات، أما عن الانتقال المكاني ففوجئ الجمهور بوجود بطل العمل الرئيسي في تركيا قبل أن يسافر صديقه لإعادته.

ويضيف رفاعي أن السيناريو اتسم بشيوع الفجوات؛ أي غياب المعلومات الضرورية لفهم تتابع اﻷحداث على الشاشة، فضلًا عن لماذا يحدث وكيف بدأ؟ لتسقط الكثير من التفاصيل ويصبح دور المشاهد ملء هذه الفجوات حسبما يذهب خياله.

أمّا التهامي، فيوضح أن هناك اتجاهًا سينمائيًا يرى أن السيناريو Screen Idea، لتحتل العوامل البصرية والتصويرية المرتبة اﻷهم، دون العناية الكاملة بأي معالجة للبناء، وقد تنجح هذه الرؤية مثلما نرى مع سلسلة أفلام جون ويك، وقد يفشل كما هو الحال في Die Another Day الفيلم العشرين من سلسلة أفلام جيمس بوند 2002 للممثل بيرس بروسنان.

إذًا الأفلام المسلية/ التجارية، حتى شديدة النجاح منها، ليست بالضرورة جيدة سينمائيًا، بل بعضها تتفوق مشاكله على مميزاته. لكنّ إعجاب الجمهور وتقييمهم أمر مختلف، تتداخل فيه عوامل متباينة، مثل كون الفيلم جزءًا من سلسلة سينمائية ناجحة كما في حالة مارفل، أو من بطولة نجوم شباك مشاهير وتأليف كاتب "بست سيللر" كما في حالة كيرة والجن، وهي عوامل لا تمنع نقد العمل وتحليله بوصفه منتجًا فنيًا كان يجب أن تحكمه "دقة الصنعة السينمائية".