أثار تطبيق فيزيتا غضب قطاع كبير من الأطباء، بسبب إدخاله تعديلات على نظام التعاقد معهم، بموجبها يتوجب عليهم الدفع مقدمًا لحجز عدد من الكشوفات المحتملة، وفق نظام "باقات" مختلفة، بدلًا مما كان متبعًا في السابق عندما كان التطبيق يحصل على نسبة من كل كشف يحجز من خلاله.
تحدثت المنصة إلى خمسة أطباء من تخصصات مختلفة، وفي مناطق جغرافية متباينة، أكد أربعة منهم على أنهم لن يجددوا التعاقد مع التطبيق، بينما قال الخامس وحده إنه سيكمل التعاقد لأنه يعتبره نوعًا من الدعاية له ولعيادته.
بدأت الأزمة قبل نحو شهر، حين أرسل التطبيق إيميلًا للأطباء المتعاقدين معه، يبلغهم فيه بتغيير طريقة التعاقد، فبدلاً من الطريقة المتبعة بالحصول على نسبة من قيمة الكشف، استحدث نظام الباقات، ويشمل أربع باقات مختلفة يختار بينهم الطبيب واحدة.
وتختلف قيمة كل باقة بحسب تخصص الطبيب والمنطقة الجغرافية لعيادته. الباقة الأولى تسمى "basic" (أساسي) وهي وفقًا للأطباء الذين تحدثت معهم المنصة والعقود التي وصلتهم من التطبيق تتراوح قيمتها ما بين 600 إلى 900 جنيه، يدفعهم الطبيب شهريًا بالإضافة إلى 14% ضريبة، مقابل أن يحصل على 5 زيارات لمرضى في العيادة، و10 كشوفات تأمين صحي في العيادة، بالإضافة إلى 20 استشارة هاتفية، حيث يتيح التطبيق استشارات طبية عن طريق الهاتف بمقابل مادي أقل من قيمة الكشف في العيادة.
وفي الباقة الثانية التي تسمى "white package" (الباقة البيضاء)، والتي يتراوح سعرها بين 1500 إلى 1800 جنيه، يحصل الطبيب مقابلها على 10 زيارات في العيادة، و30 استشارة هاتفية و20 زيارة تأمين في العيادة، ويكون له الحق في استرداد 5 جنيهات على كل مريض متكرر، و10 جنيهات على الروشتة الإلكترونية، كما تتيح تلك الباقة للطبيب إمكانية الاشتراك في إعلان صفحة التطبيق، حيث يتيح التطبيق وضع الطبيب على الصحفة الأولى بمقابل مادي.
وفي الباقة الثالثة تسمى "blue package" (الباقة الزرقاء)، سعرها يتراوح بين 2000 إلى 2700 جنيه، يحصل الطبيب على 15 زيارة في العيادة و60 استشارة بالهاتف، وزيارات تأمين صحي غير محددة العدد، وإمكانية الاشتراك في إعلان صفحة البحث، وشهر مجانًا سنويًا في إعلان صفحة البحث، على أن يرد للطبيب 5 جنيهات مع كل مريض متكرر، و15 جنيهًا على الروشتة الإلكترونية.
وفي الباقة الرابعة التي تسمى "grey package" (الباقة الرمادية) و يتراوح سعرها بين 3000 إلى 3400 جنيه، يحصل الطبيب على 10 زيارات في العيادة، واستشارات هاتفية غير محدودة وزيارات تأمين صحي غير محددة، وسترد له 10 جنيهات على الروشتة الإلكترونية.
الأطباء يرفضون شراء الخدمة
وأثارت تلك العروض استياء وغضب الأطباء، ممن يرون أن التطبيق يحاول التربح بهم، وتحويلهم من شركاء كما في النظام الأول إلى مستهلكي خدمة يدفعون مقابلها مقدمًا للتطبيق. ويعتبر الطبيب أحمد عوني، وهو أخصائي النساء والتوليد، وصاحب عيادة في منطقة المعادي، أن النظام الجديد يحول الطبيب من شريك إلى عامل، ويحول التطبيق مع وسيط إلى مسيطر ومتحكم في الطبيب.
ولفت عوني في حديث مع المنصة إلى أن من يلجأون للتطبيق في الأساس هم الأطباء حديثي العمل، كإحدى أدوات الدعاية التي يحتاجونها في بداية حياتهم. ويتفق معه الطبيب محمد اليماني، أخصائي الباطنة، الذي قال للمنصة إن الطبيق يحاول استغلال الأطباء حديثي العمل، وإن كان هذا لا يعني عدم استغلال الأطباء الكبار أيضًا.
وأضاف اليماني "في البداية كان التطبيق يحصل على نسبة من كل كشف عبره، نحو 30% بالإضافة إلى 14% ضرائب، ما يعني في النهاية حصول التطبيق على ما بين 40 إلى 45% من قيمة الكشف، مقابل أن يحصل الطبيب على النسبة الأكبر، وإن كانت بفارق ضئيل"، لكن في النظام الجديد فإن التطبيق سيحصل على معظم قيمة الكشف.
يوضح اليماني أن عيادته في منطقة المنيل، وفي حال فكر في الاشتراك في أقل باقة وهي باقة "basic"، ودفع 750 جنيهًا شهريًا مقابل الحصول على 5 كشوفات عن طريق التطبيق في الشهر، سيعني ذلك أن التطبيق حصل على كل قيمة الكشوفات الـ5، إذ أن تسعيرة الكشف عنده 150 جنيهًا، لافتًا إلى أنه عندما تحدث مع مندوب التطبيق قال له إن الباقة تشمل أيضًا استشارات عن طريق الهاتف وكشوفات التأمين الصحي، وهو ما اعتبره الطبيب "َضحك على الدقون"، معلقًا "أنا في النهاية بتعامل مع واقع والكلام عن الكشف بالتليفون مبيحصلش والتأمين الصحي نادرًا".
الرأي نفسه يتبناه طبيب الأطفال إسحاق موريس، إذ يؤكد على أن هذه المميزات "كذبة" وكشوفات الهاتف بالإضافة إلى كشوفات التأمين الصحي لا تحدث على أرض الواقع، مضيفًا "أنا مش هكشف على طفل مريض بالتليفون.. ممكن آه لو حد كلمني قالي أنه عنده إسهال ولا مغص أقوله ياخد دوا كذا بس دا أبدا مش بديل عن الكشف الفعلي بإني أناظر المريض وأشوف مشكلته إيه".
ويلفت طبيب الأطفال إلى أن الكشف عنده في العيادة مسعر بـ 100 جنيه، نظرًا لطبيعة المنطقة التي بها عين شمس، والتطبيق يطالبه في الباقة الـ"basic" بدفع 650 جنيهًا، "هذا يعني أن التطبيق سيحصل مني على أكثر من 80% من قيمة الكشف".
ويتفق معهم الطبيب الأول عوني، لافتًا إلى أن العرض الذي وصله من فيزيتا، نظرًا لتخصصه وموقعه الجغرافي، يلزمه بأن يدفع 750 جنيهًا بالإضافة إلى 14% ضريبة، في حين أن كشفه في العيادة مسعر بـ200 جنيه، ما يعني أنه في حالة حصوله على 5 كشوفات من فيزيتا يعني أن التطبيق حصل على النسبة الأكبر من قيمة الكشف.
باقة شهر دون ترحيل
لا يتوقف ما يراه الأطباء استغلالًا لهم عند حد قيمة الباقات، بل في طريقة سريانها، إذ يكشف طبيب المسالك البولية والكلى عصام السعيد، في حديث مع المنصة أنه حتى في حال موافقته على على هذه الاشتراكات، فهذا لا يعني أن التطبيق ملزم بإرسال العدد المتفق عليه من المرضى إلى الطبيب، موضحًا "يعني مثلًا إذا اتعاقدت معهم على الباقة الـBasic فدا معناه أني هدفع مبلغ مقابل إرسال 5 كشوفات في العيادة"، ويضيف"طيب إذا لم يحضر إلا 3 كشوفات هل دا يعني أن مثلًا يترحل الكشفين الباقيين إلى الشهر التالي أو يتم رد جزء من المبلغ؟"، ويجيب "لا ملهوش دعوة، حيث تنتهي الباقة بنهاية الشهر حتى لو لم تستخدم ما بها من كشوفات".
ومن المفارقات بحسب الطبيب أن التطبيق الذي سيتجاهل انخفاض أعداد الكشوفات عن المتفق عليه دون تعويض للطبيب، سيحصل على أموال إضافية منه حال حصل على عدد زيارات أكثر من خلاله عن الباقة المدفوعة سلفًا.
الإعلانات: أدفع لتظهر
ويشير السعيد كذلك إلى مشكلة أخرى في التطبيق خاصة بترتيب الأطباء على الصفحة الرئيسية، فبينما كان ترتيب الأطباء في البداية يعتمد على تقيمات المرضى الذي تعاملوا معهم، حيث تكون الأفضلية للطبيب الذي يحصل على تقييمات كبيرة بناء على التعامل أثناء الكشف، ومدة الانتظار في العيادة والتشخيص، باتت الأولوية في الترتيب مقابل المبلغ المدفوع لوضعه على الصفحة الرئيسية.
يعلق "في بداية عمل التقييم كان لكل طبيب يحصل على تقييمات عالية فرصة الظهور في الصفحة الأولى من التطبيق أو على الموقع الإلكتروني، وبالتالي تكون فرص لجوء المريض إليه كبيرة والعكس صحيح، لكن التطبيق عدل هذه الخاصية وأصبح التواجد في مقدمة الصفحات بناء على الإعلانات".
وأضاف "في البداية كانوا يحددون قيمة الإعلان بـ 500 جنيه، ومع الوقت زاد السعر، وبات الأمر أقرب لمزاد، فيسألون الطبيب هتدفع كام كي تظهر في الصفحة الأولى؟ ويحجز الأول لمن يدفع أكثر، وتابع " سمعت أن سعر الإعلان وصل إلى 12 ألف جنيه".
ويعتبر أخصائي النساء الطبيب أحمد عوني أن ترتيب الأطباء بناءً على إعلان وليس على تقييم المرضى به خداع للمستخدمين "صحيح أن التطبيق ينوه إلى أنه إعلان.. لكن أنت كمريض تهتم بما يظهر أمامك دون الانتباه إلى كلمة إعلان".
ومن بين المتضررين من تلك التغيرات والتي سبقت الأزمة الأخيرة الخاصة بالباقة طبيب الأطفال إسحاق موريس، قائلًا إنه كان على رأس قائمة الأطباء في التطبيق، بناء على تقييمات المرضى، ثم سافر إلى النمسا لحضور مؤتمر، وظل هناك لمدة شهر تقريبًا، وعندما عاد للعمل وجد ترتيبه وصل إلى رقم 10، مشيرًا إلى أنه سأل فأخبروه أنه إذا أراد الظهور في الصفحات الأولى عليه بالاشتراك في إعلان.
ولا تقتصر أزمة الثقة على الترتيب بحسب الأطباء الذين تواصلت معهم المنصة، فمثلًا يشير موريس إلى أن التطبيق عدل درجته بأن جعله "استشاري" قبل أن يحصل عليها، ودون الرجوع إليه، وعندما اشتكى من ذلك تم التعديل، مرجحًا ألا يكون ذلك مجرد خطئًا عارضًا لأنه حدث مع أكثر من طبيب غيره، مشيرًا إلى أن هذا يعتبر خداعًا للمريض.
احتكار السوق
وفي غضون ذلك، يرجع الطبيب أحمد عوني ما أقدم عليه التطبيق من تغيرات إلى سيطرته على السوق وعدم وجود منافس حقيقي له، "فيه تطبيقات موجودة لكن الناس تعرف فيزيتا، وفيه تطبيقات كانت موجودة واختفت لأنها مقدرتش تنافسه"، مشيرًا إلى أن نجاح التطبيق في الأساس يعود إلى الاسم، والذي ينسب إلى الأطباء أيضًا "الناس طول عمرها عارفة أن تسعيرة الطبيب اسمها فيزيتا، وكمان التطبيق لأنه الأول فهو بالتأكيد الأشهر بين الناس".
وحاولت المنصة التواصل مع رئيس مجلس الإدارة والشريك المؤسس في شركة "فيزيتا كوم" أمير برسوم، لمنحه فرصة التعليق على هذه الأزمة، لكنه لم يرد على هاتفه، ولا على رسائل واتساب التي اطلع عليها.
منفعة مشتركة
وعلى خلاف الرأي الداعي إلى مقاطعة التطبيق، ثمة تيار آخر لا يرى ضررًا من الخضوع لنظام التطبيق، طالما أنه يحقق له منفعة. يقول أستاذ الجراحة العامة الطبيب محمد عبد الرحمن، للمنصة، إنه سيجدد التطبيق، لافتًا إلى أنه بشكل عام يضع ميزانية مخصصه كل شهر للدعاية له وللعيادة، ومن ثم يرى أن تواجده على التطبيق بشكل عام هو دعاية لأنه كونه التطبيق الأشهر في مصر لحجز العيادات.
وأشار عبد الرحمن إلى أن هناك أطباء يستخدمون الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو طباعة أوراق وتوزيعها ومنهم من يظهر في وسائل الإعلام مقابل أن يدفع قيمة هذا الظهور "ما المشكلة أن أكون متواجدًا على أهم تطبيق لحجز العيادات من أجل مقابل مادي؟".
وأضاف أنه "بشكل عام قد يأتي المريض إلي أول مرة عن طريق التطبيق ثم بعد ذلك يأتي من خارج التطبيق، وعندما يجد خدمة طبية مميزة لدي يبلغ أصدقائه وجيرانه ومعارفه، وبالتالي أنا كطبيب مستفيد أيضًا من التطبيق كما هو يستفيد".
لكن هذا المنطق يرفضه الطبيب عصام السعيد، معتبرًا أن "هناك فرقًا بين الدعاية والاستغلال، وأنا كطبيب خاصة لو كنت مبتدئ سأكون مضطرًا إلى رفع قيمة الكشف على المريض من أجل الدعاية".
ويشبه السعيد النظام الجديد في فيزيتا بتطبيقات التوصيل الإلكترونية أوبر وكريم وغيرهما، شارحًا "بالضبط مثلما يملك الشخص السيارة ويدفع هو البنزين والصيانة بالإضافة إلى جهده هو كسائق، وفي النهاية يدفع نسبة من دخله إلى تطبيق أوبر".
ويضيف "أنا أيضًا في ظل النظام الجديد مطالب مني أن أفعل ذلك، وإن كان هو الكابتن في تطبيقات التوصيل الإلكترونية، يدفع نسبة أقل من دخله بينما أنا مطالب بأن أدفع النسبة الأكبر للتطبيق، على أي حال أنا لن أجدد التعاقد مع التطبيق".