كان الطبيب يعمل على تشغيل جهاز الأشعة، بينما وقف العجوز وابنه في استقبال المسشتفى الحكومي، يصيحان بنفاد صبر ويوجهان له اتهامات بـ"التقاعس عن فحص السيدة المصاحبة لهما"؛ ولم تمر سوى دقائق حتى تحول الأمر إلى تعدٍ لفظي وبدني على الطبيب، سرعان ما طال زميلين له.
الاعتداء الأخير الذي شهده مستشفى أسيوط الجديدة الجامعي، يوم 20 فبراير/ شباط الجاري، ليس إلاّ واقعة ضمن عشرات الاعتداءات؛ التي دفعت عددًا من الأطباء مؤخرًا لإحياء حملة مصيرنا واحد، التي بدأت عام 2017 على فيسبوك، لتوثيق ما يتعرض له الأطباء والمنشآت الطبية من تعديات، تتكرر في ظل "عدم وجود رد رادع"، وفقًا لما ذكره أطباء للمنصّة، بين مَن تعرّضوا لاعتداءات أو كانوا شهود عيان عليها.
سب وضرب
"كانت الساعة 4 العصر تقريبًا، لما سمعنا راجل كبير وابنه بيشتموا دكتور الأشعة وبيضربوه".. تلك كانت بداية واقعة مستشفى أسيوط الجديدة الجامعي، التي كان الطبيب أحمد محمود * شاهدًا عليها منذ بدايتها، وتعرّض للاعتداء أيضًا.
يحكي محمود للمنصّة عن محاولاته وزملائه لاحتواء الأمر، والتي بائت بالفشل "حاولنا نهدي الوضع، خاصة وإن الدكتور عمل اللي عليه وكان مستني ممرضة تحضر إجراء الأشعة مع الست، ﻷننا في الصعيد، لكن الرجل شتمه؛ فطالبنا الأمن باستدعاء الشرطة، خاصة وأن ابنه اشتبك مع زميلنا، وتم تحرير محضر بالواقعة، لنفاجئ بأن الخصوم حرروا محضر مضاد يتهمونا فيه باﻹهمال والسب، وذلك على عكس الحقيقة إذ أننا تابعنا الحالة رغم المشكلة".
يتابع الطبيب "أصرّ الدكتور حسين عبد اللطيف، نائب رئيس مجلس إدارة المستشفى الجامعي، على استكمال الإجراءات بتحرير محضر آخر باسم المنشأة الطبية نفسها، باتهامات منها التعدي على موظف عام أثناء تأدية وظيفته والتعدي على منشآة عامة".
علمت المنصّة من مصدر بالمستشفى الجامعي، طلب عدم ذكر اسمه، أن الأطباء تعرضوا لإصابات تمثلت في "إصابة أحدهم بجرح في فروة الرأس وقطع رباط صليبي مع ارتشاح مائي بالركبة اليمنى، وقطع في أربطة الرسغ الأيمن"، وفقًا لما ذكره تقرير طبي مُرفق بالبلاغ حول حالة اﻷطباء الذين استمعت النيابة ﻷقوالهم يومي 21 و24 فبراير/ شباط، التي أكدوا فيها رفضهم التصالح.
محمود هو أحد مؤيدي عدم التصالح، وله في ذلك أسباب وضّحها بقوله "ده بقى نمط بيتكرر بطريقة بشعة، وأنا كنت شاهد على ما لا يقل عن 3 وقائع تعدّي ضد زملاء، منهم واقعة تعرّض فيها زميل للضرب بالشبشب من سيدة، بينما كاد زميل آخر أن يدان بتهمة تحرش وجهتها له سيدة غاضبة من الخدمة، لولا تكذيب شهود العيان لها".
يختتم الطبيب العامل بأسيوط الجديدة الجامعي، قائلًا "كل هذا يحدث ﻷن الناس ترى الطبيب أضعف حلقة في المنظومة، وأي تعدي بينتهي دون ردّ حقه، ففي النهاية نحن المظلومين في ظل نقص الإمكانيات المادية والبشرية أمام الحِمل الكبير على المستشفى من عدّة محافظات، مثل سوهاج وقنا والأقصر وأسوان، بخلاف أسيوط طبعًا".
أرقام "غير واقعية"
ما وقع للأطباء، لاقى إدانات من جهات مختلفة، كان منها ما صدر في بيان من نقابة الأطباء (فرع أسيوط)، التي كان عضو مجلسها الدكتور مايكل وجيه، متابعًا للواقعة اﻷخيرة وما جرى لزملائه الثلاث في مستشفى أسيوط الجديد الجامعي، رغم محاولات النقابة للتأمين، والتي يعود بعضها إلى 2012.
يقول وجيه، الذي يعمل أيضًا رئيسًا لقسم الاستقبال بمستشفى أسيوط العام، عمّا أسفر عنه الاعتداء "أصيب طبيب بقطع في غضروف الركبة، والثاني كانت إصابته كدمات، أما الثالث فكان الاعتداء عليه لفظيًا. وأصدر وزير التعليم العالي توجيهات لإدارة المستشفى بتقديم بلاغ بالواقعة وما وقع للأطباء وللمستشفى من تلفيات، وهو ما قمنا به يوم الجمعة الماضية ونتمنى ألاّ ينتهي البلاغ إلى الحفظ".
يعرب الطبيب عن أمنيته بأن ينتهي اﻷمر إلى القصاص للأطباء، في ظل تكرار التعديات عليهم وعلى المنشآت الطبية، مبديًا استيائه من تعامل بعض المسؤولين معها بقوله "الحديث عن حصيلة التعديات على المستشفيات والأطباء عام 2019 باعتباره يقتصر على 100 حالة فقط غير صحيح بالمرّة، فالعدد أكبر بكثير، وعن نفسي كنت شاهدًا خلال ذلك العام على صدور حكمين ضد معتدين على أطباء بمستشفى أسيوط العام وحده".
نشرت النقابة العامة للأطباء، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك مطلع يناير/ كانون اﻷول 2020، إحصائية مفادها أن حالات التعديات على المنشآت الطبية والعاملين بها في مختلف أنحاء الجمهورية بلغت 100 حالة، خلال العام الماضي الذي شهد محاولات من وزارة الصحة لمواجهة الامر، اختلفت بين إلزام المستشفيات بالإبلاغ الفوري عن أي اعتداءات، وكذلك الحديث عن اتجاه نية الحكومة لتغليظ العقوبات على المعتدين.
ويشير وجيه إلى عدد من أسباب التعديات، بقوله "المشكلة بالنسبة لأغلب المستشفيات العامة تكمن فيما تتعرض له من توافد أعداد ضخمة من المرضى بصورة لا تتوافق مع الإمكانيات، التي غالبًا ما يكون العجز فيها يتعلق بأسرّة العناية المركزة والحضّانات وبعض اﻷدوية، وكذلك ما يكون لدى المريض من لبس بين الطوارئ والعيادات الخارجية، إذ يرفض البعض سداد قيمة الفحوصات، ويتعامل باعتبارها حالة طوارئ".
واختتم عضو النقابة الفرعية بقوله "نحتاج تأمين حقيقي، لأن الأمن الخاص في المستشفيات غير مؤهل بدنيًا أو مهنيًا لمنع المشكلات، ونقاط الشرطة الموجودة في بعض المستشفيات، غالبًا ما يقتصر تمثيلها على أمين شرطة لا يتدخل إلاّ فيما يتعلق بتحرير التقارير الخاصة بالمرضى، ونحتاج من الإعلام أن يكشف ويرصد أوضاع المستشفيات بصورة قد تساعد في الوصول لحلول".
وتحرك جماعي
أمام تكرار الحالات وعدم وجود أرقام دقيقة حولها، ظهرت محاولة مبكرة لتوثيق الاعتداءات، وهي حملة "مصيرنا واحد" التي أطلقها عدد من الأطباء في 2017، وتتمثل في استبيان مطروح للأطباء لتوثيق أي اعتداءات تعرضوا لها أو المنشآت الطبية التي يعملون بها.
يقول الدكتور أحمد حسين، العضو السابق بمجلس النقابة العامة للأطباء، وأحد المشاركين في إطلاق الحملة عن إعادة إحيائها "الأمر لم يكن فقط بسبب اعتداء أسيوط، بل ولما صدر من إحصائية سيئة نشرتها الصفحة الرسمية للنقابة على فيسبوك، وتقول إن الاعتداءات على الأطباء والمنشآت الطبية طيلة عام 2019 بأكمله كانت 100 حالة فقط على مستوى الجمهورية".
يبدي حسين احتجاجه قائلًا "أعتقد أن هذا الرقم هو ما تم تسليط الضوء عليه إعلاميًا من مختلف الحالات التي وقعت، بل هو من وجهة نظري ووفقًا لما ينمو إلى علمنا من شكاوى، أمر مستحيل، بل صار بالنسبة لنا مجرد طموح، في ظل تعاظم الاعتداءات على الأطباء والمستشفيات".
وتلك الاعتداءات في نظر منسق حملة مصيرنا واحد "تأثيرها سلبي على الطبيب وتعامله مع مرتادي المستشفى من أهالي المنطقة التي تعرّض فيها للاعتداء، خاصة لو لم ينل حقّه ويضمن حمايته من تكرار الواقعة، ﻷنه ورغم التزامه المهني كطبيب إلاّ أنه بشر".
واختتم حسين بقوله "الاعتداءات تكشف أيضًا تردّي الأداء النقابي، فلا يوجد أي محاولات نقابية لتوثيق جاد لها أو وسيلة لتتبع مساراتها فيما يتعلق بالتحقيقات أو الفصل فيها من جانب السلطات، بحيث نتوصل إلى نتيجة واضحة ومفيدة تساعد على تجنب تكرارها، لهذا حرصنا على أن يتضمن الاستبيان حصر أية ضغوط على المعتدى عليهم للتنازل"، مشيرًا إلى أن جميع النتائج ستنشر بمجرد انتهاء الفترة المقررة للاستبيان أواخر مارس/ أذار المقبل.
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر