ما زال قرار وزارة الصحة بنقل أطباء من المنيا إلى سوهاج لسد العجز في مستشفيات العزل يواجه انتقادات عاملين بالقطاع الطبي، خاصة مع المحاولات الحكومية لإصلاح الأمور في المنيا بنقل أطباء من القاهرة إليها، وهو ما وصفه أطباء بأنه "سياسة تدوير" مساوئها أكثر من ميزاتها.
وتقدمت عضوة مجلس النواب، مها عبد الناصر، بطلب إحاطة اليوم الثلاثاء إلى رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي، موجه إلى كل رئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة والسكان، ووزير الإدارة المحلية، بشأن نقل 18 طبيبًا من مستشفى المنيا للتأمين الصحي، ومستشفى المنيا الجامعي، إلى سوهاج بشكل مفاجئ.
واعتبرت النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في طلب الإحاطة أن هذا القرار لم يتم بناء على دراسة حقيقية لطبيعة وضع هؤلاء الأطباء، ولا طبيعة الوضع داخل المستشفيات التي كانوا يعملون بها في محافظة المنيا.
مفاجآت غير سارة
فوجئ الأطباء بقرار مساعد وزير الصحة لشؤون الطب العلاجي رقم 22 لسنة 2021، المحرَّر بتاريخ الخميس 29 أبريل/ نيسان الماضي بتكليف 45 طبيبًا وطبيبة من الأطباء الملحَقين للتدريب ببرنامج الزمالة المصرية، لقيامهم بمأمورية عمل بمستشفيات محافظة المنيا لمدة شهرين يبدأن من تاريخ 4 مايو/ أيار الجاري، ومن بينهم 25 من العاملين بمستشفيات القاهرة، بينما صدر قرار بتاريخ 24 أبريل الماضي بتكليف 18 طبيبًا وطبيبة من أطباء الزمالة بمحافظة المنيا بمأمورية عمل في مستشفيات محافظة سوهاج لمدة شهر، الأمر الذي رفض تنفيذه جميع الأطباء باستثناء واحد.
الأطباء الرافضون للسفر إلى سوهاج، الذين أبلغوا إدارتهم بمرضهم برروا اعتراضهم على قرار سفرهم بأنهم بالفعل يعملون في مستشفيات عزل مرضى كورونا بالمنيا، وأن تلك المستشفيات بها نقص في الأطباء وتحتاج لتخصصاتهم، وأنه لا مبرر لتشتيت أسرهم بالسفر خارج محافظة تحتاج إليهم، خاصة أن من بينهم طبيبات حوامل وأخريات يعلن أطفالًا.
طلب الإحاطة الذي تقدمت بها النائبة مها عبد الناصر
سياسة تدوير الأطباء ظهرت جلية في ذلك الوقت، حين أصدر مساعد وزيرة الصحة لشؤون الطب العلاجي، الدكتور مصطفى غنيمة، في 29 أبريل أيضًا، عدة قرارات بتكليف أطباء للعمل بمحافظات أخرى، فشملت تكليف 172 طبيبًا وطبيبة من القاهرة للسفر، بواقع 19 للعمل ببني سويف، و14 بالوادي الجديد، و14 بدمياط، و20 بالدقهلية، و15 بالبحيرة، و37 بالغربية، و13 بالسويس، وكذلك 11 للعمل بالفيوم، و19 بالمنوفية، و10 بالقليوبية.
في نفس اليوم أصدر مساعد الوزير القرار رقم 11 بتعديل القرار رقم 5، الذي أصدره في 27 أبريل بتكليف 18 طبيبًا من القاهرة والجيزة للعمل بقنا لمدة شهرين بدءًا من 28 أبريل الماضي، ونص تعديل القرار على استبدال طبيبة من سوهاج وأخرى من أسيوط بطبيبين من القاهرة. أيضًا أصدر غنيمة القرار رقم 4 لسنة 2021 بتاريخ الثلاثاء 27 أبريل الجاري بتكليف 24 طبيبًا من مديريتي الجيزة والقاهرة للعمل بسوهاج لشهرين، بداية من 28 أبريل.
هكذا صدرت قرار بتكليف أطباء من المنيا للعمل بسوهاج، لحقه آخر بتكليف أطباء من القاهرة للعمل بالمنيا، وبينما يصدر قرار بتكليف أطباء من القاهرة للعمل بسوهاج، يصدر قرار آخر بتكليف طبيبة من سوهاج وأخرى من أسيوط للعمل بقنا، ما يظهِر تخبطًا واضحًا أثار دهشة الوسط الطبي وسخطه.
وحاولت المنصة التواصل مع الدكتور مصطفى غنيمة، لكنه لم يجب على اتصالاتنا المتكررة على الهاتف، ولا رسائل واتساب، حتى نشر هذا التقرير، لتوضيح فلسفة تلك القرارات والآلية التي جرى بها اختيار هؤلاء الأطباء للتكليف في محافظات أخرى.
حياة بنتي مقابل مهنتي
"أنا عندي طفلة تخطت السنتين بشهرين ورغم عن ذلك بشتغل في مستشفى عزل بالمنيا، أنا عاوزة أخلص دراسة الزمالة ومهددة إن وزارة الصحة تلغيها لأني لم أوافق على السفر إلى سوهاج" هكذا توضح إحدى طبيبات المنيا مشكلتها، وتوضح "والدي كلمني وقالي لو سافرتي يبقى بتضحي بحياة بنتك، وأنا أخترت بنتي وأسرتي حتى لو فقدت دراستي ومهنتي"، وتضيف الطبيبة"إحنا لما اعترضنا على السفر وقولنا إن مستشفياتنا محتاجة لنا، وبلغنا مرضي، دلوقتي بعتوا يجيبوا أطباء من القاهرة يشتغلوا في المنيا". وتتساءل الطبيبة "بأي مبرر أو منطق عاوزين يودونا سوهاج ويجيبوا أطباء من القاهرة يشتغلوا مكاننا في المنيا".
طبيب آخر ملتحق ببرنامج الزمالة المصرية بمستشفيات القاهرة وتم تكليفه للعمل بمحافظة دمياط يقول "أنا كنت بشتغل خارج مصر ورجعت علشان التحق بالزمالة المصرية، أنا عندي أسرة وعايش في القاهرة ودلوقتي عاوزين يكلفوني أروح دمياط 300 كيلو بعيد عن أسرتي لمدة شهرين، هم كده بيعجّلوا بتقديم استقالتي". ويستكمل الطبيب "غير مفهوم انتداب أطباء من محافظاتهم لأخرى تبعد مئات الكيلومترات، وفي الوقت نفسه استقدام آخرين لتلك المحافظات، دون مراعاة لاستقرارهم الأسري ولا أعمالهم الخاصة، وبمرتبات ضئيلة لا تكاد تكفي السفر. طيب متسيبي كل واحد في مكانه".
والزمالة المصرية هي شهادة دراسات عليا مهنية يحصل عليها الطبيب لمزاولة المهنة في تخصص بعينه، وهي شهادة إكلينيكية في المقام الأول لأنها تعتمد على الممارسة وبرنامج تدريب بالمستشفيات تحت إشراف مدربين من الزمالة المصرية، ويكون في نهايتها اختبار تحريري و شفهي. وتعتبر الزمالة هي الشهادة الأكثر اعتمادًا حاليًا في دول الخليج.
قرارات غير مدروسة
نقيب أطباء أسيوط وأستاذ جراحة المسالك البولية بطب أسيوط، الدكتور ضياء عبد الحميد، اعتبر أن قرارات تكليف الأطباء على هذا النحو "غير مدروسة، تزيد من حنق الأطباء على أوضاعهم المزرية". ويضيف ضياء للمنصة "انتدبوا ناس من المنيا يسدوا عجز سوهاج، وبعدين انتدبوا ناس من القاهرة يسدوا عجز المنيا. طيب شحططوا بتوع المنيا ليه؟ ما ينتدبوا من القاهرة لسوهاج على طول مثلًا؟".
بينما تفسِّر عضوة مجلس نقابة أطباء أسيوط وأستاذ الطب الشرعي بجامعة أسيوط، الدكتورة هبة عطية، هذه الآلية في ندب الأطباء بأن مديريات الصحة تفتقر للإحصائيات الدقيقة عن عدد الأطباء بها وتخصصاتهم، بل تختلف البيانات بين مسؤول وآخر في نفس المحافظة.
عضو مجلس نقابة أطباء المنيا، الدكتور حسن عرفة، يؤكد أن محافظة المنيا أكثر من سوهاج في عدد الإصابات، وفي الوقت ذاته تعاني عجزًا الأطباء في تخصصات العناية المركزة والطوارئ، وتكليف أطباء من هذه التخصصات يعملون بمستشفيات العزل بالمنيا للعمل بمحافظة سوهاج هو تفريغ لمستشفيات المنيا سيضر بالمرضى، وأكد عرفة أن نقابة المنيا ستساند الأطباء الذين كلفوا بالعمل بسوهاج، وتدعم مطالبتهم بمراعاة لظروفهم الاجتماعية والأسرية فضلًا عن احتياج المحافظة لهم.
الكيف أهم من الكم
مصدر طبي مسؤول بمديرية الصحة والسكان بسوهاج أكد استقبال المديرية سبعة أطباء فقط من المكلفين بالعمل في سوهاج من محافظات أخرى، منهم طبيب تم اكتشاف إصابته بكورونا.
ويؤكد المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن ثلاثة منهم فقط لديهم الخبرة في تخصص العناية المركزة وتشغيل جهاز التنفس الصناعي، ويضيف للمنصة "في مستشفيات سوهاج نحتاج لأطباء لديهم الخبرة في العمل بالعنايات المركزة، يكفينا 15 طبيبًا مدربًا على أعمال العنايات المركزة يتم انتدابهم لمدة شهر بشكل دوري، أفضل بكثير من انتداب 30 طبيبًا لشهرين والكثير منهم لم يعمل بتخصص العناية المركزة من قبل". ويستكمل "هناك عشوائية في الاختيار، فيتم اختيار أسماء سواء من الأطباء أو التمريض، دون فحص ملفاتهم المهنية والاجتماعية، وهذا ما يؤدي إلى التخبط على أرض الواقع ولا يخرج الإنجاز عن الورق".