وقف إطلاق النار في سوريا.. هدنة لن تغيّر من الوضع القائم

منشور الأحد 28 فبراير 2016

 

دكستر فلكينز

عن النيويوركر

 

يوم الثلاثاء الماضي، ذكرت وكالة "أعماق"، وكالة الأنباء المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، أن مقاتلي التنظيم استولوا على قرية "خناصر" من الحكومة السورية. تقع خناصر في طريق التموين الرئيسي المتجه إلى الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة السورية في حلب، أكبر المدن السورية، والتي كانت محورية في الحملة الأخيرة – التي دعمتها روسيا وحزب الله إيران – لسحق متمردي المعارضة، الذين يستحوذون على الجزء الشرقي من المدينة. أدت معركة حلب، التي بدأت عام 2012، إلى مقتل عشرات الآلاف، وإلى إخلاء الجزء الأكبر من المدينة من السكان. وفي يوم الخميس، قيل إن القوات الحكومية استعادت قرية خناصر.

وفقا لاتفاق "وقف الأعمال العدائية" الذي أعلنته الولايات المتحدة وروسيا الأسبوع الماضي، يكون من المسموح لمعركة خناصر أن تستمر، إلى جانب العديد من المعارك الأخرى. الاتفاق الذي تفاوض فيه وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف، ينص على توقف حكومة الرئيس بشار الأسد والتنظيمات المعارضة له، والتي تضم التنظيمات المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها، عن محاربة بعضهم، ولكن هذا لا يشمل العمليات التي تتضمن تنظيمين متمردين قويين، وهما تنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة.

بعد إجراء اتصال تليفوني مع البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الاتفاق يمكن أن يغيّر الموقف جذريا في سوريا، عن طريق تأسيس أرضية للمفاوضات. وكان الرئيس أوباما أقل تفاؤلا، ولكنه قال إنه يأمل أن تقود الهدنة إلى استمرار محاورات السلام بين الحكومة السورية والتنظيمات المتمردة، وأن تساعد على التركيز على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (أعلنت الأمم المتحدة جولة جديدة من المحادثات يوم الجمعة). وقالت مجموعات المساعدة إنها تأمل أن تسمح لهم الهدنة بتوزيع الطعام والأدوية على نطاق أوسع بداخل البلاد، حيث يوجد أربعمئة ألف شخص يعيشون في مناطق محاصرة، وتهددهم المجاعة. (عندما استطاع العاملون بتقديم المساعدات الدخول إلى إحدى تلك المناطق مؤخرا – وهي منطقة المعضمية بدمشق – وجدوا أن بعض السكان يعتمدون في طعامهم على أوراق العشب). يقوم برنامج الأغذية العالمي بالأمم المتحدة، الذي ينقل الغذاء إلى سوريا، بإطعام خمسة ملايين شخص بشكل منتظم.

في وضع بشع مثل الوضع في سوريا – قُتل حوالي نصف مليون، وترك نصف السكان بيوتهم – فأي اتفاق مهما كان يظل محدودا، ولكن الاتفاق الذي يقلل من المعاناة لا بد من الاحتفاء به. ومع ذلك من الصعب أن تنظر للهدنة الجزئية على أنها تتجاوز التصديق على الوضع القائم والذي بدأ عندما أمر بوتين بالتدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول الماضي. وصلت الحرب إلى طريق مسدود في ذلك الوقت، ولكن كانت هناك إشارات على أن نظام الأسد يترنح، حتى بالمساعدة الجوهرية من إيران وحزب الله. ومن ضمن أسباب ذلك أن النظام المعتمد على الأقلية العلوية لم يعد يملك الجنود الكافيين للسيطرة على الأراضي.

سمح التدخل العسكري الروسي، الذي وجّه نيرانه بشكل كبير إلى المجموعات المتمردة التي تدعمها الولايات المتحدة، لحكومة الأسد أن تسيطر على شريط من المدن يمتد بداية من دمشق وصولا إلى حلب واللاذقية، موضع القاعدة الروسية في سوريا. تُركَت الحملة الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة بشكل كبير للولايات المتحدة، الذي يقوم حلفاؤها بشكل عام بدور هامشي.

يقول مسؤولو الإغاثة أن التجاوزات التي تقف وراءها روسيا أدت إلى وجود مئة ألف لاجيء سوري جديد على الأقل، بالإضافة إلى عدد غير محدد من الذين تركوا بيوتهم بداخل البلد. العديد من اللاجئين اتجهوا إلى أوروبا، هذه الهجرة التي صارت اشبه بالانتقام الروسي من العقوبات الاقتصادية التي فُرضِت على روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا. الجانب الوحيد المثير للاهتمام في قبول بوتين لوقف إطلاق النار هو التوقيت؛ قبل التراجع المؤقت في خناصر، بدا أن حملة القوات الحكومية لاستعادة بقية حلب في طريقها للنجاح.

هناك جوانب إشكالية أخرى في الهدنة، فقد أعلن زعماء تركيا، العضو في حلف الناتو، أنهم لن يباركوا الهدنة بسبب القوات الكردية في سوريا، الذين يعتبرونهم فرع للعصيان الكردي في بلادهم. حتى الآن يُعتبر الأكراد في سوريا أكثر حليف مؤثر للولايات المتحدة في معركتها مع تنظيم الدولة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك فوفقا لمسؤولي الإغاثة، يحتاج العديد من السوريين الطعام في مناطق يحاصرها الجيش. ووفقا للاتفاق فلدى قوافل المساعدة الحق في الوصول لتلك المناطق، ولكن لا توجد ضمانة على أنه سيُسمح لها بالعبور.

الشيء الأكثر أهمية هو أنه من غير الواضح إذا كان اتفاق "وقف الأعمال العدائية" واجب النفاذ، أو كون النية متوفرة لدى نظام الأسد وحلفائه للالتزام بشروطه. منذ بداية الانتفاضة اعتبر بشار الأسد كل من يعارضونه "إرهابيين"، وعاملهم جميعا بنفس القسوة الإجرامية، حتى الأطفال منهم. ولا يوجد ما يشير على أن بشار سيبدأ الفصل بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة من جهة، وبين التنظيمات التي شاركت في الاتفاق من جهة أخرى، وإنما على الأرجح سيستمر هو وحلفاؤه في عملياتهم بنفس الطريقة.

إلى جانب ذلك صارت معلومات أجهزة المخابرات الغربية عن التنظيمات المتمردة وما هي المناطق التي تحتلها معلومات غير هامة، جزئيا بسبب أن هذه التنظيمات عادة ما تندمج وتنفصل باستمرار. في مثل هذه الحالة يصعب أن نتخيل توقف بشار الأسد وحلفائه عن إطلاق النيران، ويصعب أن نتخيل أي طرف في الغرب يوقفهم عن ذلك.

وباستثناء الحملة الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، رفضت إدارة أوباما القيام بضغط عسكري أكبر، سواء بخلق منطقة حظر جوي لحماية المدنيين أو القيام بأي شيء يتجاوز المساعدة الرمزية للمتمردين المعتدلين المعارضين للأسد. الأسباب التي تنسب لأوباما عن أسباب رفضه فيها قدر من الإقناع، خاصة فكرة أن التنظيمات التي لديها مصداقية كافية لتشكيل تهديد حقيقي على الأسد قليلة. ولكن مع غياب القوة الأمريكية، أعاد آخرون تشكيل أرض المعركة في سوريا. وفقا لجريدة وول ستريت جورنال، استنتج مسؤولون أمنيون كبار في إدارة أوباما أن الروس لن يلتزموا بالاتفاق، ويبحثون عن خطة بديلة.

يظل الأسد وداعموه في السلطة. ومن غير المرجح أن تغيّر جولة جديدة من المفاوضات أو وقف إطلاق النار الجزئي من ذلك، أو أن تؤدي المفاوضات أو الهدنة إلى تغيير الوضع البائس الذي تعانيه الأماكن الشبيهة بخناصر.