اليوم، في مجلس النواب، كانت ثمة مفارقة لافتة، ففي حين استغرق أعضاؤه، جلستهم الأولى بعد زيادة الدولار وما صاحبه من ارتفاع للأسعار، للهجوم على السياسات الاقتصادية للحكومة، فإنهم لم يتورعوا عن الموافقة على قرضين قدمهما رئيس الجمهورية بقيمة 720 مليون دولار، من شأنهما أن يزيدا الأعباء الاقتصادية على الدولة والمواطنين بالضرورة خلال الفترة المقبلة.
ففي الوقت الذي وجه فيه عدد كبير من النواب، من ضمنهم أعضاء حزب الأغلبية مستقبل وطن، وأعضاء أحزاب الموالاة مثل الشعب الجمهوري، انتقادات شديدة للحكومة، بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، انتهت الجلسة العامة اليوم، بموافقة الأغلبية البرلمانية، على قرارين لرئيس الجمهورية بشأن اتفاق قرضي "إطار سياسات التنمية في مصر من أجل تحقيق النمو الشامل المستدام" بين مصر والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية، قيمة كل منهما على حدة 360 مليون دولار أمريكي.
الانتقاد الحاد لإجراءات الحكومة في الجلسة الصباحية للنواب، ربما ألهم القليلون منهم، مثل النواب أحمد فرغلي ومها عبد الناصر، ومحمد عزت فرحات، للاعتراض على القرض الذي قال فرحات عنه إن "الحكومة ترسل لنا اتفاقيات بقروض كل جلسة تقريبًا مما يترتب عليها مزيد من الأعباء على الأجيال المقبلة"، لكنه لم يمنع الباقين من الموافقة بأغلبية على قرضي الرئيس.
مناقشة حامية.. وشكر
ربما انتهز النواب جلسة اليوم، وهي أول اجتماع لهم بعد هبوط قيمة الجنيه، لاستعراض ما قد يبدو أنه سيقلل من فداحة أزمة ارتفاع الأسعار، عبر مناقشة مشروع قانون يعجل صرف العلاوة وزيادة الحوافز ومعاشات المدنيين والعسكريين، والتحدث عن موجة الغلاء الأخيرة.
تحدث الجميع عن ارتفاع الأسعار والتضخم، لكن تداعيات كورونا وتأثير الحرب على أوكرانيا كانتا سببين لتفسير التضخم لدى بعض النواب مثل زعيم الأغلبية، بينما كانت السياسات الاقتصادية وغياب الرؤية وبطء القرارات أسبابًا للأزمة لدى آخرين محسوبين على المعارضة.
يرى النائب أشرف رشاد الشريف، زعيم الأغلبية البرلمانية، أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس والحكومة وفرت حماية مجتمعية ومواجهة الظروف والتحديات القائمة، قائلًا "لدينا فكر وقدرة على إدارة أي أزمة"، معتبرًا أن "الحكومة سباقة تحمي المواطنين أمام هذه التحديات"، لذلك لم يكن هناك بد أمامه من توجيه الشكر للرئيس، وهو ربما الذي حفز رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، سليمان وهدان، أن يسير على النهج نفسه موجهًا الشكر للسيسي الذي وجه الحكومة للتبكير في صرف العلاوات، واتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي للسيطرة على ارتفاع الأسعار فى ظل الأزمة التى يمر بها العالم، حسب قوله.
وعلى خطاهما قدم النائبان محمد صلاح أبو هميلة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، وهشام هلال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مصر الحديثة، الشكر للرئيس والحكومة على مشروع القانون، والتعجيل بموعد استحقاق العلاوة الدورية وزيادة الحافز.
ندعم الرئيس وندين حكومته
لكن الرغبة في تقديم الشكر التي ألهمت النواب الثلاثة، لم تمنع عدد من النواب المحسوبين على أحزاب "الموالاة" من توجيه الانتقادات للحكومة خاصة مع غياب الرقابة على الأسواق، ولكن دون أن يثنهم ذلك أيضًا عن الإطراء على الرئيس، حيث أكدت النائبة آمال عبد الحميد، عضو المجلس عن الشعب الجمهوري، تعاطفها مع الرئيس، قائلة "في هذه المرحلة الحرجة قلبي معه لأنه لا يجد من يسانده".
طرحت عبد الحميد عدد من التساؤلات بشأن خطة الحكومة للمستقبل، إذ لم تتقدم الحكومة ووزراءها بطرح خطط على اللجان النوعية أو الجلسة العامة للمرحلة المقبلة، متسائلة "أين رئيس الوزراء؟ أين وزيرة التخطيط؟ ما الخطة الحكومية لمواجهة الأزمة ومساندة الرئيس الذي يعمل بسرعة كبيرة لمواجهة الأزمات؟".
أما النائبة رحاب الغول، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن، فتساءلت عن دور وزارة التموين وسط الارتفاع "الجنوني" للأسعار، ووصفتها بأنها "وزارة أبو كيفه"، مشيرة لتحكم التجار في الأسعار حسب أهوائهم. وانتقدت الغول غياب وزارة قطاع الأعمال والقوى العاملة عن مشكلات العمال في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
حكومة جديدة يا ريس
أما النائب ضياء الدين داود، فيبدو أنه لم يحمل التعاطف ذاته تجاه الإجراءات التي أثنى عليها زملاؤه، حيث اتهم سياسات الحكومة بالتسبب في الأزمة الاقتصادية، التي جعلت الصواريخ التي تسقط على العاصمة الأوكرانية تصب آثارها في مصر حسب قوله، مؤكدًا "نحن لا نملك اقتصادًا قادرًا على المواجهة"، ومعتبرًا أن الحكومة تبنت إصلاحات "مالية وليس اقتصادية".
واستطرد النائب المستقل منفعلًا "مع كل هزة في الداخل أو الخارج نكون أمام أزمة سيولة وخروج استثمارات ويظل هذا الاقتصاد ضعيف لا قادر على التماسك أو مواجهة منفردة للأزمات، معالجات بسيطة بقروش"، مضيفًا "الناس بتدخن من الغلاء".
هذا كله في رأي داوود لا يصح إلا مع تغيير الحكومة، مخاطبًا الرئيس هذه المرة "محتاجين حكومة جديدة يا ريس"، واستكمل مطالبًا بوقوف الحكومة أمام مجلس النواب ببيان جديد، مذكرًا النواب أن المجلس الذي بدأ عمله في يناير/كانون الثاني 2021، لم تعرض عليه الحكومة حتى الآن بيان جديد، مؤكدًا أن هذا الاستحقاق يجب أن توفيه الحكومة أمام المجلس الذي أوشك على إنهاء دور الانعقاد الثاني.
أما نائب تنسيقية شباب الأحزاب، أحمد مقلد الذي جاء حديثه بعد داود بدقائق قليلة، فقال "لا وقت للمزايدة أو توجيه الاتهامات، لابد أن نتخطى تلك المرحلة الصعبة بتكاتف الأيدي".
المعارضة توافق
وافق أعضاء الهيئات البرلمانية لأحزاب التجمع والمصري الديمقراطي على مشروع القانون المقدم من الحكومة بخصوص زيادة العلاوة، لكن في الوقت نفسه طالبوا باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تضع حلولًا قاطعة للأزمات الاقتصادية المتتالية.
النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، طالبت بالعمل على ثلاثة محاور، للوصول لتنمية اقتصادية، مطالبة بتذليل العقبات أمام الصناعة، مؤكدة أن المُصنعين لديهم كثير من المشاكل. وقالت "يجب أن نشجع الاستثمار المباشر، نريد مستثمر يعمل قيمة مضافة، وليس استثمار في الديون والقروض"، ودعت لوضع سياسات زراعية تحد من الاستيراد.
لكن النائب الوفدي، عبد العليم داود، اعتبر أن الزيادة المنصوص عليها في مشروع القانون "لا تغني ولا تثمن من جوع"، وقال إن "95% من المواطنين مقبلون على التقديم في برنامج تكافل وكرامة ولابد من اتخاذ إجراءات تقف في صف المواطن المصري".
رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، عاطف مغاوري، طالب الحكومة بالرقابة على الأسواق لضبط الأسعار، وفي الوقت نفسه دعا لتخفيض رسوم الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين "يوجد تسابق بين الجهات الحكومية لاستنزاف جيب المواطن المصري عن طريق رفع كافة الخدمات والرسوم، وهذه الرسوم تفوق قدرة المواطن المصري بعيدًا عن الأكل والشرب والملبس، يجب إعادة النظر في كافة الرسوم التي تحصل على الخدمات الحكومية".
ورغم توجيه الشكر للرئيس والحكومة على مشروع القانون، رأى رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إيهاب منصور، أن هذه العلاوات بحد أدنى مائة جنيه ليست كافية "يوجد انفلات في الأسعار وليس ارتفاع أسعار"، وفي الوقت نفسه نبه لوجود "احتكار وتخزين للسلع"، وقال "يجب على الوزارات المعنية القيام بدورها في هذا الأمر لتخفيف الأزمة الطاحنة".
أما ممثل حزب النور، النائب أحمد خليل خير الله، فاعتبر أن الحكومة تتخذ إجراءات بطيئة رغم التقارير المتاحة أمامها التي تحذر وتتوقع الأزمة، "المسؤول بيتفاجئ زي المواطن بالظبط"، مشيرًا إلى وجود تقرير للبنك المركزي "التقرير قال اللي جاي وهيحصل".
تحدث خير الله عن المواطنين تحت خط الفقر، الذي يقدرهم الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بنحو 27% من سكان مصر، وقال "بعد موجة الغلاء مش قادر أتصور الناس تعمل إيه، الحكومة محتاجة تبقى أسرع من الأحداث"، منبهًا الحكومة لما يعتبره فرص استثمارية في أجواء الحرب، مشيرًا إلى خروج مستثمرين من روسيا والصين، وفي الوقت نفسه طالب بالحفاظ على المستثمرين الحاليين، وحذر "المصانع بتقفل".
وأمام هذا الهجوم المتتالي على الحكومة، لم يقم أي من ممثليها بالدفاع أو التعليق على هذه الانتقادات، الأمر الذي جعلها تبدو مثل فضفضة تسبق الإذعان، حيث وافق المجلس بغالبية أعضاؤه على مشروع القانون، الذي أعقبوه بموافقة أخرى على قرضين ضخمين يخدمان مشاريع البنية التحتية ستثقل فوائدهما ميزانية الدولة في السنين القادمة.