الموافقة على الحساب الختامي ربما ليست خبرًا في حد ذاته، فتمرير تقرير لعام مالي أمر روتيني يحدث سنويًا، رغم الملاحظات التي ترد من الجهاز المركزي للمحاسبات على أداء الحكومة وتطبيقها للموازنة.
لكن جلسة الأمس لمجلس النواب، التي شهدت نقاشات انتهت بتمرير التقرير، رغم حديث بعض النواب عن "مخالفات دستورية" جاءت فيه، تتعلق بالمخصصات التي وُجّهت إلى قطاعات التعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة، وسخط آخرين على ارتفاع معدلات الديون، وتساؤلاتهم عن قدرة الأجيال القادمة على التعامل معها.
وبعد جلسة تمرير القرض، خرج النواب إلى استراحة، عادوا بعدها لمناقشة قرض بملياري يورو، أقروّه في النهاية، بحضور مفاجئ لوزير النقل كامل الوزير.
مخالفات دستورية
مرَّ الحساب الختامي وتقارير ربط الموازنة للعام المالي 2021/ 2022، رغم تنبيه عدد من النواب إلى وجود مخالفات دستورية في الموازنة، منهم رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحرية النائب محمد عطية الفيومي، الذي أوضح وجود اختلاف في نسب الديون المعروضة في الحساب الختامي والنسب المعلنة التي تبلغ نحو 6 تريليونات و32 مليار جنيه.
وقال إن "العجز النقدي يزيد، في 30/ 6/ 2018 عادَل العجز 432 مليار، ثم زاد حتى وصل إلى 484 مليارًا في 30/ 6/ 2022، العجز بيزيد والنسبة تقل، والذي يعرض علينا صورة غير حقيقية".
ولفت إلى عدم دستورية بنود الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة "قطاع التعليم أنفق 195 مليارًا بما يعادل 2.46% من الناتج المحلي الإجمالي، والمفترض أن يكون 4% طبقًا للنص الدستوري، وهذه مخالفة دستورية. وقطاع الصحة أنفق 136 مليارًا والمفترض 238 مليارًا، والـ10% كلها ما بين التعليم والصحة والتعليم العالي والبحث العلمي من المفترض إجماليهم يعادل 792.5 مليار من الناتج المحلي، وبالتالي توجد مخالفة دستورية في هذه الحساب الختامي".
استمر حديث النواب عن تناقض الأرقام الخاصة بالديون، وقال أمين سر لجنة الخطة والموازنة، النائب عبد المنعم إمام "عندنا استفسارات بشأن تناقض الأرقام وأرى أن الحساب الختامي على غير حقيقته والأرقام غير منضبطة"، وتساءل "نحن نتذكر القاعدة العلمية أن 5 سنوات فترة كافية للتقييم، في 2016 بلغ الدين 2 تريليون في 19 وصل 4.7 تريليون، في الحساب الختامي الآن وصل إلى 6.3"، وأضاف "يعني نسبة زيادة 262% عايز حد يقولي الأجور زادت 100% أو الاستثمار زاد 100% الحاجة الوحيدة اللي بتزيد الديون".
داود يهاجم وجبالي يمد الوقت
يبدو أن النائب ضياء الدين داود يحظى بتقدير خاص من رئيس المجلس الذي مد له الوقت ثلاث مرات لاستكمال كلمته بعد انتهاء الدقيقتين المقررتين له.
بدأ داود كلمته مدافعًا عن نفسه "متهم إني قاسي في عباراتي وأرقامي، وهي ليست قسوة ولا حاجة نحاول أن نؤدي الأمانة كما هي، لسنا في خلاف مع أحد مختلفين مع سياسات وحذرنا في وقت مبكر إنكم تخلقوا فرق كبير جدًا بين اللي عايشين في مصر واللي عايشين في إيجيبت، في ناس لو وصل الدولار 100 جنيه مش هتتأثر في معيشتها، وناس تأثرت لما وصل 18 جنيه، ما بالك اليوم".
وطالب بوجود حكومة اقتصادية، منتقدًا اتباع الحكومة نفس السياسات وعدم مراجعتها "الحكومة تتبع نفس السياسات التي تؤدي لنفس النتائج".
حتى الآن لم يُعرض قرض صندوق النقد الدولي على مجلس النواب ولم يوافق عليه
يبدي داود دهشته "الغريب أن السياسات لا يزال يُدافع عنها حتى الآن، عايز تقول المصريين عايشين كويس؟"، ويستطرد منفعلًا "لا صناعة ماشية ولا تجارة ماشية ولا زراعة"، وتساءل "نخالف ضميرنا هنطلع نقول البلد ماشية كويس وهي مش ماشية كويس؟".
ويستكمل "في موازنة نناقش حسابها الختامي من عامين وموازنة حالية تنتهي في يونيو (حزيران) ويقدم الحساب الختامي بعد عامين، أعملكم مقاربة في حساب 21/ 22 الفوائد 583 مليار في الموازنة الحالية 690 مليار، تعادل 33% من المصروفات"، وأضاف "خدمة الدين في الحساب الختامي الذي نناقشه 45%، في الموازنة الحالية 54%".
يطرح داود أسئلة عن المستقبل "رايحين فين؟"، ويسخر "كنت بقول كيلو اللحمة بـ 250 جنيه، دلوقتي الناس تتمنى يرجع 250، كيلو الرز بـقى بـ 33 جنيه".
واختتم "ليس هينًا على المصريين مخالفة الدستور والمادة 127 ونرتبط بديون سواء طرح سندات دون موافقة الشعب وبرلمانه ودون تمكين المصريين من حقهم".
وهو الجزء الأهم في كلمة داود، إذ تنص المادة التي أشار إليها على أنه "لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج فى الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب"، وهو ما حدث خلال الفترة الأخيرة، فحتى الآن لم يُعرض قرض صندوق النقد الدولي على مجلس النواب ولم يوافق عليه.
التنسيقية ترفض
رفض عدد من أعضاء المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين الحساب الختامي، وانتقدوا الأداء المالي والاقتصادي للحكومة.
النائب محمود بدر بدأ كلمته قائلًا "زمان الشعب المصري كان بيقول عشانا عليك يارب دلوقتي الحكومة ترفع شعار عشانا عليك يا صندوق النقد يا بنك يا دولي".
ورفض بدر إصرار وزارة المالية على استخدام الفائض الأولي كمؤشر للنجاح "تقول إنها حققت 1.6 من الناتج لا تقول إزاي فيه فائض والديون تزيد"، ولفت إلى وجود تناقض بشأن أرقام الديون، مشيرًا إلى تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات "حال موازنة أعباء كان يمكن تجنبها 7.8 مليار، وحكومة تقاعست عن تحصيل إيرادات 37 مليار جنيه، وتأخير حوالي 1.6 مليار جنيه".
كما رفض النائب عمرو درويش، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسين، الحساب الختامي متسائلًا "أوافق إزاي؟ الشعب يقول علينا إيه؟"، وطالب بدوره بوجود حكومة اقتصادية، واتهم الحكومة بمخالفة الدستور والقانون.
نواب الموافقة
غابت الكلمة الرسمية للهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية مستقبل وطن، فلم نستمع في جلسة الأمس أو أول أمس للنائب أشرف رشاد، وهو الغياب الذي امتد منذ بضعة أشهر، وتشير مصادر إلى وجود صراع في الحزب قد يكون سببًا في إبعاده هذه الفترة.
عادت مذكرات الغضب إلى المجلس بعد غياب، مع رفع نواب معارضين لم يأخذوا حقهم في الكلمة مذكرة لجبالي
فيما ظل ممثلو الحزب تحت القبة متماسكين، فكلمات رؤساء اللجان النوعية على اختلافهم انتهت بالموافقة على الحساب وإن كان لدى بعضهم ملاحظات.
رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية النائب إبراهيم الهنيدي، وافق على تقرير الحساب الختامي مستندًا إلى أن المؤشرات المذكورة تبين انخفاض نسبة الدين، وطالب وزارة المالية باتخاذ كافة الإجراءات لتحصيل الديون المستحقة للحكومة.
ووافق رئيس لجنة القوى العاملة النائب عادل عبد الفضيل، ورئيس لجنة الزراعة النائب هشام الحصري، الذي قال إن الحكومة والقيادة السياسية تسعى لتخفيف الأعباء عن المواطن قدر الإمكان.
كما وافق رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى النائب عاطف ناصر، ورئيس لجنة النقل والمواصلات النائب علاء عابد، مستندًا في موافقته إلى تقارير ودراسات دولية تؤكد قدرة مصر على سداد ديونها.
وزير المالية يدافع: لسنا مسؤولين
رغم أن رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، وجه في أول الجلسة ملحوظة بتعقيب وزير المالية محمد معيط، بعد نهاية كلمات النواب، فإنه منحه الفرصة عدة مرات للتعقيب على عدد من كلمات الرفض.
وقال معيط في دفاعه "شعرت إن فيه بعض المفاهيم بحاجة لتوضيح في الدين الخارجي تحديدًا، هناك ما يسمى الدين الخارجي للدولة المصرية وهناك دين خارجي لأجهزة الموازنة".
وحاول توضيح التضارب بين الأرقام "الفرق ما ينشر عن البنك المركزي هو الدين الخارجي للدولة المصرية قد يكون دين على البنك المركزي أو هيئات اقتصادية أو بنوك بما فيها الدين الموجود في الموازنة، لكن ما يثبت في الموازنة من الدين جزء مما ينشره البنك المركزي ويتم خدمته من الموازنة، لكن الأول لا علاقة له بالموازنة".
وأضاف "ما يظهر في دين الموازنة؛ دين العملة الصعبة، دين خارجي، أجهزة موازنة، وأقيمه يوم 30/ 6 بسعر الصرف الموجود، لا بد من الوضوح أن رقم الدين الخارجي في كل الأحوال أقل مما يعلنه البنك المركزي".
ورد وزير المالية على كلمة النائب ضياء الدين داود بشكل خاص قائلًا "ماحناش مسؤولين عن تضخم عالمي حصل واتنقل عندي".
وفسر زيادة خدمة الدين "برة اضطر يرفع أسعار الفوائد وأثر على أسعار فوائد التمويل والعملة ومستويات التضخم"، واعتبر أن فوائد الدين كانت في مستوى مستقر من 550 مليار إلى 584 مليار جنيه، وجدد حديثه عن إنجاز الفائض الأولي "بقالنا 4 سنوات، داخلين في الخمسة بنعمل فائض أولي"، وقال "العجز الكلي ينزل بحاجتين فائض أولي وأسعار الفائدة تنزل".
وأضاف "لو ثبتت أسعار الفائدة يقل العجز ويقل الدين لكن الوضع اللي احنا فيه تزايد الفائدة وتضخم برة وجوة"، لكنه لم يعقب على الأمر الخاص بعدم تطبيق الاستحقاق الدستوري في التعليم والصحة، ولم يعلق على كلمة داود وتنبيهه لتمرير القروض دون العرض على المجلس بالمخالفة للدستور.
مذكرة غاضبة من المعارضة
عادت مذكرات الغضب إلى مجلس النواب بعد غياب سنوات، فمع إغلاق جبالي باب النقاش بعد مرور ساعتين وأخذ الموافقة على الحساب الختامي، تجمع عدد من النواب المعارضين الذين لم يأخذوا حقهم في الكلمة ورفعوا مذكرة لرئيس المجلس.
ووقع على المذكرة 22 نائبًا، منهم النائب أحمد الشرقاوي، والنائب أحمد فرغلي والنائب أحمد بلال والنائبة سميرة الجزار والتائب فريدي البياضي، لافتين إلى أن إنهاء مناقشة الحساب الختامي بهذا الشكل سابقة برلمانية، واعتبروا أنه لم يأخذ الوقت الكافي في المناقشة.
وحاول جبالي إرضاء المعارضين في الجزء الثاني من الجلسة، الذي شهد مناقشة قرض جديد لتمويل مشروع القطار الكهربائي السريع.
وقال "أنتم تعلمون أني دائمًا أرجِّح كفة المعارضة، أرجو من الأغلبية أن تسامحني، تغليب كفة المعارضة يوجِد التوازن وأنا أحترم الجميع".
قرض جديد
في الجزء الثاني من الجلسة، وافق النواب على على اتفاقيتين بقرض لتنفيذ مشروع إنشاء الخط الأول لشبكة القطار الكهربائي السريع (العين السخنة- الإسكندرية- العلمين- مطروح)، بإجمالي 2,158 مليار يورو.
نعم عزيزي القارئ بعد كل ما قيل عن الاستدانة، وفوائد الدين والأرقام المليارية والتريليونية التي تقرأها معي على مدار يومين، ناقش المجلس قرضًا جديدًا، لكن لا تندهش فسياسة الحكومة كما قال النواب كما هي.
لكن اللافت في هذه الجلسة كان حضور وزير النقل والمواصلات، كامل الوزير، وتحضيره عرضًا بالفيديو والباور بوينت، ووقوفه وحديثه على المنصة بالمخالفة لكل المرات السابقة التي كان يناقش خلالها النواب قروضًا، وكان الوزير يكتفي بالجلوس في مقاعد الوزراء والحديث عند الضرورة.
حضور الوزير قد يقرؤه البعض رسالة للضغط على النواب لتمرير القرض، بالتزامن مع تصاعد الغضب من الاستدانة وفوائد الديون، لكن في الحقيقة لا أرى المبرر منطقيًا إلا إن كانت الحكومة غير قادرة على قراءة المجلس حتى الآن، وأرهبتها كلمات المعارضة خلال اليومين الماضيين، ففي كل الأحوال سيمر القرض كما مر غيره.
ورغم عدم استجابة الوزير لطلب النائبة مها عبد الناصر عضوة المجلس عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بعرض دراسة الجدوى على النواب، حاول الترويج لمشروعه لإنشاء ممرات لوجستية تنموية ترتكز على المناطق البحرية وربطها بمصادر الإنتاج من خلال شبكات سكك حديدية، واستعرض مراحل تنفيذ المشروع الممتد على ألفي كيلومتر.
وقال إنه جرى الانتهاء من 45%من الخط الأول، وتابع "النهارده جايين لاستكمال الحلقة وجايين نكمل القانون بالقرض"، مضيفًا "قرض حسن تمامًا".
وافق المجلس على القرض الجديد لينضم لعشرات القروض والديون المستحقة، ونعود العام المقبل لنقرأ أرقام عجز وفوائد مليارية ينتقدها النواب مرة أخرى، دون أن يستجيب أحد لأي تغيير.