تصميم: يوسف أيمن- المنصة

سيوف وأكواد: مختصر تاريخ الأكشن في السينما المصرية

منشور الأحد 13 فبراير 2022

في الشهور الماضية دأبت على مشاهدة أفلام الأكشن المصرية لكتابة هذا المقال، عن مختصر تاريخ أفلام الأكشن في مصر، من سيوف عنترة إلى أكواد موسى والعارف. خلال تلك الفترة شاهدت أفلامًا جيدة، وأخرى لا بأس بها، وثالثة ردئية حد الضيق، وأفلامًا رديئة لكنها ممتعة، وأحدها كان قط الصحراء (1995)، من تأليف يوسف منصور ويس إسماعيل يس، أما المخرج فلم يُكتب اسمه على تتر الفيلم، حيث تركه قبل أن ينهيه، وبحسب أحمد رمزي، أحد أبطال الفيلم، فيوسف منصور هو من تابع إخراجه.

في أحد المشاهد يخرج يوسف من مكان إقامة المُعلم ليسير على طريق صحراوي، تقف سيارة أمام يوسف وينزل منها رجال ببذلات سود، لا يتعطل يوسف وإنما يسير في طريقه متخطيًا السيارة من فوقها دون اكتراث. هاجم أفراد تشكيل البذلات السود يوسف، فبدأ في الدفاع عن نفسه عن طريق حركات غير مفهومة، وصوت المُعلم، من خارج المشهد، يقول "صد ما تضربش، اضرب ما تألمش، آلم ما تأذيش، آذي ما تقتلش، لأن كل روح غالية وما تتعوضش". 

ثم يتحرك ميكروباص أبيض تجاه يوسف ومن يتضارب معهم دون أن يعلم ما عليه فعله، وفي الاتجاه المعاكس تتحرك سيارة يطل سائقها من النافذة، ينظر إلى ما يحدث ولا يعلم هل يتدخل للدفاع عنه أم أن ذلك نوع من الرقص المعاصر؟ في الوقت ذاته تشاهد نيللي كارتون "توم وجيري" في سيارتها وتنتظر من رجال البذلات السود خطف يوسف منصور.

عند ذلك الحد توقفت عن المشاهدة وقررت كتابة هذا المقال عن تاريخ الأكشن في مصر، في أسرع وقت ممكن. 

سيوف ورماح الأربعينيات

عام 1903 أخرج إدوين إس. بورتر فيلم The Great Train Robbery، الذي يحكي في 11 دقيقة عن عصابة من اللصوص تحاول سرقة قطار، وهو الفيلم الذي يعتبره البعض أول أفلام الأكشن في التاريخ. ذهب بورتر بقصته إلى الصحراء التي تدور فيها جميع أفلام الويسترن. لذلك قررت أن أبدأ بحثي من الأفلام التي ذهبت إلى الصحراء، وعادت بالتاريخ إلى الوراء، حيث القبائل والنخل والسيوف والرماح والحِراب والسهام.

بدأ فيلم لاشين (1938) من إخراج الألماني فريتز كرامب فكرة المبارزات في السينما المصرية، ووضع مشهد أكشن واشتباكات قبل نهاية الفيلم، وهو تقليد سيتبعه عدد كبير من الأفلام، سواء بصورة جيدة أو رديئة. أحد المشاركين في الفيلم أخرج فيما بعد فيلمًا يمكن اعتباره أول أفلام الأكشن المصرية، وهو مونتير الفيلم نيازي مصطفى.

أخرج نيازي مصطفى فيلم عنتر وعبلة عام 1945، الذي يمكن اعتباره أول فيلم أكشن مصري، حيث تتوفر فيه عناصر الأكشن من مبارزات واشتباكات بالأيدي ومواقف صعبة تواجه البطل كالغوص في الرمال المتحركة، ومكائد تحاك ضده من قومه وقبيلته بما فيهم والده شدّاد. الفيلم من بطولة سراج منير في دور عنترة (الذي يُدعى عنتر خلال أحداث الفيلم)، وكوكا في دور عبلة. قصة عبد العزيز سلام، وسيناريو نيازي مصطفى، وحوار بيرم التونسي.

ابتعد نيازي مصطفى في ذلك الفيلم عن المدينة، ميدان معظم أفلامه التي سبقت هذا الفيلم، ووجد ضالته في الأكشن في قلب الصحراء، كما وجده صناع السينما الأمريكيون في صحراء الغرب الأمريكي.

قدم الفيلم مشاهد الأكشن بسرعة أكبر من سرعتها الحقيقية، وهو تكنيك استُخدم قديمًا ليغطي على ضعف مستوى المبارزات والاشتباكات، أو إخفاء ضعف الإمكانيات بخصوص الخدع البصرية أو الجروح، أو حتى لزيادة تأثير تلك المشاهد، حيث الإيقاع اللاهث للحركة وتسارع ضربات القلب وكثير من الأدرينالين، وهو التكنيك الذي استعاض عنه مخرجو أفلام الأكشن المعاصرين بالكاميرا المهتزة (Shaky Cam) والإضاءة الخافتة (Dim Light).

وفي عام 1948 أخرج صلاح أبو سيف فيلم مغامرات عنتر وعبلة، الذي يمكن اعتباره جزءًا ثانيًا من الفيلم المذكور أعلاه، وكانت القصة والسيناريو لعبد العزيز سلام أيضًا، وشاركه في السيناريو فؤاد نويرة ونجيب محفوظ، وكتب بيرم التونسي الحوار والأغاني. 

أضاف أبو سيف البُعد السياسي إلى الفيلم، فأخذ القصة في اتجاه حرب بين القبائل العرب والرومان، والفوز على القوى الأجنبية لن يكون إلا بالاتحاد، ما أضاف بعدًا سياسيًا، كعادة صلاح أبو سيف، على الفيلم، الذي يعتبر من أوائل الأفلام المصرية التي عُرضت في مهرجان كان (1949). 

أما الإضافة الثانية، وهي الأهم من وجهة نظري، هي وجود النجم الصاعد وقتها فريد شوقي ضمن طاقم الفيلم، وهو الذي سيصبح، بعد وقتٍ قصير، أيقونة الأكشن المصري بلا منازع.

الخمسينيات ومرحلة التأسيس

عام 1950 أخرج هنري بركات فيلم أمير الانتقام، عن أحد أشهر روايات الفرنسي أليكسندر دوما "الكونت دي مونت كريستو"، من بطولة أنور وجدي وسامية جمال وفريد شوقي. 

أهمية هذا الفيلم ترجع إلى تأسيسه للحبكة الأهم في تاريخ أفلام الأكشن وهي "الانتقام"، التي تبرر استخدام العنف بكل سهولة، فالمظلوم يحاول استرداد حقه ممن ظلموه، لذا فمن حقه معاملتهم بمثل ما عامَلوه أو أسوأ، فيمكنه قتلهم والتنكيل بهم وسيتعاطف معه الجمهور، إذا كان الفيلم جيدًا، لأنه مظلوم ولا يريد سوى القصاص.

وبما أننا في عهد المماليك فلا يزال أبطالنا يستخدمون السيوف والخناجر أسلحةً للقتال، لكن رغم مدة الفيلم التي تقترب من ثلاث ساعات، لا توجد مشاهد مبارزات كثيرة داخل أحداثه، فالبطل لا يقتل من خانوه بالسيف، إلا في مشهد واحد، وإنما يحرضهم على قتل بعضهم بعضًا، ويترك أحدهم للموت عطشًا وجوعًا، ويترك للآخر حرية قتل نفسه. وهذه النقطة هي الأضعف بالنسبة لي في الفيلم، إذ أن قتل معظم من تآمروا ضده جاء سهلًا بصورة مبتذلة عصية على التصديق.

في ذلك الوقت كانت هوليوود لا تزال منشغلة بسينما الكاوبوي، بجانب بعض الأفلام التي تدور أحداثها في بلاد كانت مجهولة بالنسبة لعدد كبير من الأمريكيين مثل بعض الدول الأفريقية، وذلك تحت تفي الأفلام التي أطلق عليها تصنيف أفلام المغامرات. أما في مصر فابتدعنا قليلًا عن هذه الأفكار وبدأنا في صنع ما يمكن أن نُطلق عليه أكشن مصري، بقصص مصرية غير مأخوذة عن أصل جاء من بلاد أخرى.

من كواليس تصوير فيلم أمير الانتقام


مثال على ذلك فيلمي ريا وسكينة (1952) الذي أخرجه صلاح أبو سيف، الذي أسس لكل التراث الفكري لدى المصريين عن هاتين القاتلتين، أو جعلوني مجرمًا (1954) الذي أخرجه عاطف سالم. احترت في الاختيار بينهما، لكنني فضلت الثاني في النهاية بسبب تفضيلي لفكرته وحكي القصة من وجهة نظر المجرم، والبُعد قليلًا عن ثنائية الخير المطلق والشر المطلق فيما يخص البطل تحديدًا.

يمكن اعتبار جعلوني مجرمًا أحد أهم أفلام الحركة في تاريخ السينما المصرية، إذ أسس لأسطورة فريد شوقي، وكان المحطة التي صار بعدها "وحش الشاشة" البطل الأوحد لأفلامه.

كتب قصته شوقي بنفسه مع المنتج رمسيس نجيب، وكتب له عاطف سالم ونجيب محفوظ والسيد بدير السيناريو، و انفرد بدير بالحوار.

ورغم بنية شوقي الضخمة نسبيًا، نجح في الأكشن الذي كان في ذلك الوقت مرتكزًا على المطاردات البطيئة نسبيًا والاشتباكات أو الخناقات بين الممثلين الرئيسيين والثانويين، واستخدام الأسلحة النارية والبيضاء، مثل رصيف نمرة خمسة (1956) من إخراج نيازي مصطفى، والفتوة (1957) لصلاح أبو سيف. 

ظل الحال على ما هو عليه في الأكشن المصري إلى أن جاء نيازي مصطفى بأفلام دمج فيها الأكشن بالكوميديا بالجاسوسية، وهي سلسلة أخطر رجل في العالم.

أفلام الضحك والضرب في الستينيات

عام 1962 عُرض فيلم Dr. No، أول أفلام سلسلة الجاسوسية الأشهر جيمس بوند، عن رواية بنفس الاسم لإيان فليمنج. قلب الفيلم العالم رأسًا على عقب، وأُنتج بعده العديد من الأفلام التي تتناول حبكة الجاسوس الواحد القوي الذكي معشوق النساء، ومصر لم تكن استثناءً من هذه الفكرة.

عام 1964 أخرج نيازي مصطفى فيلم الجاسوس، أو ما يمكن أن يُطلق عليه "Bondesque" أو المتأثر بأفلام جيمس بوند. من بطولة فريد شوقي، بالطبع، وكتب له القصة أيضًا مع بدر نوفل، سيناريو عبد الحي أديب، وحوار محمد أبو يوسف. ويحكي عن ضابط بحري (فريد شوقي) يسعى إلى القبض على شبكة جاسوسية تابعة للموساد يقودها خبير بحري سابق (عادل أدهم). 

لم يلق الفيلم نجاحًا على مستوى الشهرة، لكنه فتح الباب أمام نيازي مصطفى لتحويل فكرة الجاسوسية إلى أحد أشهر أفلام الكوميديا المصرية، وهو فيلم أخطر رجل في العالم (1967)، الذي يمكننا اعتباره محاكاة ساخرة لأفلام الجاسوسية، وليس محصورًا في محاكاة جيمس بوند، رغم أن موسيقى الفيلم هي نفس موسيقى فيلم "Goldfinger" الذي عُرض عام 1964.

من فيلم أخطر رجل في العالم


يعتمد الفيلم على جميع أنواع الكليشيهات المشهورة في أفلام الأكشن، فلدينا أسلحة نارية، وقنابل يدوية، وقنابل دخان، وأجهزة تنصت صغيرة الحجم، وأجهزة تتبع، وانفجارات، ومطاردات بالسيارات، ونساء جميلات قويات، واشتباكات بالأيدي. كل هذا يحدث في إطار من الكوميديا الذكية، سواء الحركة أو اللفظية. ابتعد الفيلم تمامًا عن الجدية في التعامل مع القصة، لكنه لم يتعامل باستخفاف مع الكوميديا، فخرج بهذا الشكل الجيد.

فتح الفيلم الباب أمام هذا التصنيف وقتها، حتى أن نيازي مصطفى وحده أخرج فيلمين من نفس النوع عام 1969 وهما العميل 77 بطولة فريد شوقي، والعتبة جزاز بطولة فؤاد المهندس، والأخير أخذ نفس الفكرة تقريبًا. بالإضافة إلى أنه بدأ كفيلم حركة كوميدي، ثم ابتعد رويدًا رويدًا عن الفكرة، حتى أصبح فيلمًا دعائيًا/ تعليميًا للوطنية ضد الخيانة، حتى أنهم أنهوا الفيلم بأغنية "السلم نايلو في نايلو والعتبة جزاز، واللي يخون بلده وأهله يستاهل الحرق بجاز"، وكان ذلك مناسبًا تمامًا في هذا التوقيت، ما بعد النكسة وقبل حرب أكتوبر.

ظلت أفلام الأكشن الكوميدي تتوالى في بداية السبعينيات من القرن الماضي، أفلام مثل رضا بوند (1970) بطولة محمد رضا وإخراج نجدي حافظ. وعودة أخطر رجل في العالم إخراج محمود فريد، ويعتبر جزءًا ثانيًا للفيلم الأول، بنفس حبكة شبيه المجرم الذي يقع في كثير من المشاكل.

في ذلك الوقت بدأت الدفة تنتقل رويدًا لصالح نوع جديد من الحركة، مع الاحتفاظ بالطبع بنوعي الأكشن الكوميدي والجاد، اللذان لعب فيهما فريد شوقي أدوارًا هامة، حتى أنه اتصل أيضًا بالنوع الثالث الجديد الذي أطلقوا عليه اسم أفلام الكاراتيه.

السبعينيات والكاراتيه

في بداية السبعينات، تأسست شركة إنتاج سينمائي جديدة في هونج كونج تحمل اسم Golden Harvest، لتنافس أكبر شركات إنتاج أفلام الفنون القتالية في هونج هونج، وهي شركة الأخوان شاو Shaw Brothers، لكن الأولى أثبتت جديتها وفاعليتها، عندما أعلنت عن عرض أولى بطولات نجم الحركة بروس لي، أكبر اسم في عالم أفلام الكونج فو في العالم، وهو The Big Boss أو كما تُرجم في مصر الرأس الكبيرة والذي عرض عام 1971. وفي ثلاثة أعوام وأربعة أفلام روائية طويلة قلب بروس لي العالم تقريبًا، والسينما المصرية كالعادة لم تكن بعيدة عن ذلك.

عام 1974، بعد وفاة بروس لي بعام واحد، عُرض ما أطلق عليه أول فيلم كاراتيه مصري الأبطال، المأخوذ عن الفيلم الإيطالي Death Rides a Horse المعروض عام 1967. الفيلم إخراج حسام الدين مصطفى، وقصة وسيناريو وحوار محمد أبو يوسف، وبطولة أحمد رمزي وفريد شوقي ومنى جبر. 

يحكي الفيلم قصة شاب في أوائل العشرينات يلعب دوره أحمد رمزي (وهو في الرابعة والأربعين من عمره)، تقتل عصابة جميع أفراد عائلته أمامه، فيتعلم الكاراتيه لينتقم.

https://www.youtube.com/embed/HGf194CNTaQ?start=224

من فيلم الأبطال


وبما أنه أول فيلم كاراتيه مصري، فالبطل لا يستخدم الأسلحة تقريبًا، بل يلجأ إلى القفز العالي والصراخ أثناء اللكم والركل، فيشج رأس أحد أفراد العصابة بيدٍ مجردة ويقتله رغم إصابته بطلق ناري في المعدة. تكلف إنتاج الفيلم ما يقرب من 30 ألف جنيه، ولم يحقق في شباك التذاكر أكثر من عشرة آلاف جنيه، مما يعني أنه لم ينجح جماهيريًا، وتحول مع مرور الزمن إلى "Meme Material".

في رأيي لم ينجح أي فيلم مصري يعتمد على الفنون القتالية، سواء جماهيريًا أو نقديًا. لأنه لا يوجد أي أساس للفنون القتالية، الآسيوية تحديدًا، في عقلنا الجمعي وثقافتنا، لذلك جاءت الأفلام مقلَّدة بصورة مبتذلة، لا تأخذ سوى قشرة هذه الفنون القتالية دون النظر إلى سياقها الاجتماعي والتاريخي المؤثر. 

اختفت تقريبًا أفلام الفنون القتالية المصرية خلال السبعينيات، واعتمدت السينمات وقتها على أفلام الفنون القتالية الصينية، حيث كانت تُعرض بكثافة خلال هذه الفترة. 

الثمانينيات والسينما الجادة والنصف هزلية

يمكن تقسيم أفلام الثمانينيات إلى مرحلتين؛ الأولى سينما الأكشن الجادة، التي بدأت مع مخرجي أفلام الواقعية الجديدة أواخر السبعينيات من القرن الماضي. والثانية هي مرحلة الأفلام الخمسين خمسين، أو الأفلام التي تمنح الجد والهزل مساحة مشتركة داخل أحداث الفيلم. 

المرحلة الأولى بدأت مع المخرج سمير سيف والمنتج والممثل نور الشريف في فيلم دائرة الانتقام (1976)، الذي كتبه سمير سيف بصحبة إبراهيم الموجي، والذي يحكي قصة "الكونت دي مونت كريستو" مرة أخرى لكن بصورة معاصرة وأسلحة وأدوات جديدة نسبيًا كبندقية القنص مثلًا. ميزة الفيلم الأساسية أنه خرج إلى الشارع وتفاعل مع ما يحيط أبطال القصة، لم يحصرهم في غرفة استوديو ضيقة، أو قصر ما في عصر قديم.

لكن لم يتبلور بشكل واضح مشروع سمير سيف في رأيي إلا عندما أخرج فيلم المشبوه (1981)، الذي كتب له السيناريو والحوار بصحبة إبراهيم الموجي أيضًا. وهو مأخوذ عن الفيلم الفرنسي Once a thief الذي عُرض عام 1965. ميزة الفيلم الأساسية أنه يستخدم الأكشن كمركبة لحكي القصة، حيث الحركة مبررة تمامًا ولا تحتاج إلى لي ذراع القصة، كما يحدث في عدد من الأفلام.

يحكي الفيلم عن شخصيات بسيطة، ماهر النمر (عادل إمام) اللص الذي يقع في حب بطة (سعاد حسني) فتاة الليل، ثم يتزوجان ويحاولان اتخاذ طريقًا شريفًا بعيدًا عن عالم الجريمة، لكن تاريخهما الشخصي يطاردهما، سواء عن طريق الضابط طارق (فاروق الفيشاوي) أو بيومي (سعيد صالح) شقيق ماهر الذي يحثه على العودة إلى الجريمة. فيلم يتعاطف مع شخصياته، يحبها، لا يحكم عليها ولا يحتقرها، يعاملهم كبشر، ليسوا أبطالًا أسطوريين، ولا ضباط شجعان يحاولون القضاء على الجريمة، هم فقط بشر دفعتهم الأقدار إلى الجريمة لكنهم يحاولون إيجاد حياة أخرى هادئة، بلا مطاردات ولا مخاطر.

من فيلم المشبوه


الفيلم اتخذ أيضًا اتجاهًا واقعيًا في بعض مشاهد الأكشن، تحديدًا مشهد اشتباك ماهر النمر مع حمودة الأقرع (فؤاد أحمد) داخل الحجز، حيث يبدو حقيقيًا بعيدًا عن الضرب المُلفق أو المصمم (choreographed fight)، بالطبع المشهد مصمم وليس عشوائيًا، لكنه خرج بمظهر طبيعي.

عاد عادل إمام وشارك في المرحلة الثانية من الثمانينيات، التي بدأت في أواخر العقد وامتدت إلى أوائل التسعينيات، بأفلام مثل سلام يا صاحبي (1987) وحنفي الأبهة (1990) وجزيرة الشيطان (1990). لكنني سأنحاز في هذه الاختيارات إلى الأول.

الفيلم تأليف صلاح فؤاد، ومأخوذ عن فيلم Borsalino الذي عُرض عام 1970. أخرج الفيلم نادر جلال، وقام ببطولته سعيد صالح وسوسن بدر ومجموعة من النجوم. ويحكي قصة مجرمَين مهمَشين يحاولان شق طريقهما في الأسواق والتجارة بصحبة بائعة كشري، ليصطدما بحيتان سوق الخضروات والفاكهة.

لا يتعامل الفيلم بجدية كبيرة مثل المشبوه، بل تمتزج الاشتباكات ببعض الهزل واللقطات الكوميدية في بداية الفيلم، ثم تزيد حدة المخاطر على الصديقين في النصف الثاني، وبعد قتل أحدهما، يتخذ الفيلم شكلًا أكثر جدية، فيتحول مرزوق (عادل إمام) إلى حاصد أرواح ويقضي على جميع أفراد العصابة بيدٍ واحدة، حينها تتحول مشاهد الأكشن من خلطة الهزل بالجدية، إلى مشاهد تحاول أن تكون جادة، لكنها مبتذلة في الحقيقة.

ظل عادل إمام يمارس الأكشن النصف جاد (مثل شمس الزناتي) في بداية التسعينيات، ثم أخذ اتجاهًا مختلفًا مع خماسية وحيد حامد وشريف عرفة. 

الأكشن النسائي

تقريبًا هذا أقل أنواع أفلام الأكشن إنتاجًا، لأننا لا نملك في تاريخنا السينمائي بطلات يجدن فنون القتال مثل سينثيا روثروك أو ميشيل يوه، مع ذلك حاولنا تقليد هذا النوع السينمائي في فترة الثمانينيات والتسعينيات مع وجود سماح أنور، أو البطولات الجماعية بين مجموعة نساء، من ضمنهم الفنانة السورية غادة الشمعة، في أفلام حسام الدين مصطفى مثل المشاغبات الثلاثة (1987) والمشاغبات والكابتن (1991). 

من فيلم المشاغبات الثلاثة


حاولت ياسمين عبد العزيز تقديم بعض الأفلام التي تحمل بعض مشاهد الأكشن ضمن أحداثها، لكنها كانت نُسخًا رديئة من أفلام أنتجت من قبل.

لذا، لا يوجد فيلم يمكن أن نتحدث عنه في هذا التصنيف غير المرأة الحديدية (1987) الذي أخرجه عبد اللطيف زكي، وكتبه مصطفى محرم.

يشبه الفيلم في حبكته وفكرته الأساسية The Bride wore black الذي أخرجه فرانسوا تروفو عام 1968، حيث الزوجة التي يقتل زوجها في بداية زواجهم، فتحاول البحث عن القتلة والأخذ بالثأر. بناءً على تقديري الشخصي ومشاهدتي للسينما المصرية، فهذا الفيلم من أعنف ما رأيت، لكن ضعف الإمكانيات حال بين صناعه وبين الدموية المفرطة، فمشهد القتل للشخص الأول من العصابة في الفيلم يعتبر بشعًا من حيث التوصيف، لكن تنفيذه كان ضعيفًا من حيث الإمكانيات، وكان يمكن الاستغناء عن رؤية المشهد نفسه بتصوير ذعر الزوجة المكلومة على قتلها لهذا الرجل بهذه الوحشية.

مشكلة الفيلم من وجهة نظري أنه أراد إظهار كل شيء رغم رداءة الإمكانيات. مثلًا مشاهد الاشتباكات كانت ضعيفة للغاية، رغم لياقة نجلاء فتحي البدنية، فإن حركات الكاراتيه الخاصة بها كانت أشبه بحركات أطفال يقلدون ما يرونه على الشاشة، مما قد يشير إلى عدم تدريبها على أداء الحركات كفاية. ولم يحاول الفيلم حتى استخدام المونتاج في القطع السريع بين حركات الضرب، بل ثبّت الكاميرا وصوّر المشاهد في لقطة متوسطة تسهل على المشاهدين رؤية الاشتباكات البائسة بصورة أكثر وضوحًا. 

التسعينيات والأكشن المبتذل

أواخر السبعينات بدأت موجة جديدة من الأكشن تضرب هوليوود بقوة، تتمثل في كتلة العضلات المفتولة. بدأ الأمر بصورة بسيطة مع فيلم Rocky إنتاج عام 1976 من تأليف وتمثيل سيلفستر ستالون وإخراج جون أفليدسن، ثم استفحل تمامًا مع انفجار بركان أرنولد شوارزنيجر الذي أصبح منافسًا قويًا لستالون بعد صدور فيلميهما في نفس الوقت تقريبًا عام 1982 وهما Rocky 3 وConan The Barbarian

بالطبع بعدها أصدر كل منهما فيلمًا ساهم في تعزيز الانطلاقة، فيلم First Blood لستالون، والخاص بشخصية رامبو والذي أنتج عام 1982 أيضًا، وThe Terminator لشوارزنيجر الذي أنتج 1984.

حاول المخرجون والمنتجون المصريون، كالعادة، خلق موجة مشابهة في السينما المصرية، لكنهم للأسف سهوا عن شيء هام للغاية، وهو عدم وجود ممثلين يجمعون بين العضلات المفتولة والقدرات التمثيلية الجيدة، وأُنتج للشحات مبروك في تلك  الفترة قرابة 24 فيلمًا من 1989 إلى عام 2000.

كذلك في الثمانينيات والتسعينيات انتشرت أفلام الفنون القتالية الآسيوية والأمريكية في كل مكان بعد انتشار أجهزة الفيديو (VHS)، مما أعادها مرة أخرى إلى السينما المصرية، وكان أبرز من حملوا لواء العودة، من وجهة نظري، يوسف منصور.

حكي يوسف منصور في برنامج صاحبة السعادة عن مقابلته للمخرج إبراهيم عفيفي في إحدى الكافيتريات، حيث انتقد المشاهد القتالية في الأفلام وعرض عليه قدراته فقرر عفيفي إسناد دور له في فيلم العجوز والبلطجي (1989)، وبحسب منصور فإنه لم يكن يتقن العربية بسبب عيشه في أمريكا أغلب حياته، فوضعه المخرج في دور أخرس، ومن الواضح أنه أعجب المخرج إبراهيم عفيفي، حتى أنه أسند له دور آخر في فيلمه الأشهر قبضة الهلالي (1991).

لقطات من "قبضة الهلالي"


يتخذ قبضة الهلالي تيمة الانتقام، تتعرض أخت البطل (ليلى علوي) إلى حادث سرقة ومحاولة اغتصاب، فيحاول البطل الانتقام من المجرمين، لكنه يُضرب بشدة، فيتعلم الفنون القتالية ويكسر الأواني الفخارية وأطباق الفلّين الكبيرة، ويمتلك المهارة ليهزم المجرمين. كل هذا يحدث بشكل كاريكاتيري.

قدم منصور 7 أفلام بعد قبضة الهلالي حتى وصل إلى عام 2001 عندما قدم فيلم بدر من تأليفه وإخراجه. في ذلك الوقت كان نجم أحمد السقا بدأ في الصعود كنجم لأفلام الأكشن.

جيل الألفينات وأحمد السقا

السقا كان الاسم الأشهر في سينما الحركة في بداية الألفية الجديدة بلا منازع. كانت بطولته الأولى في فيلم شورت وفانلة وكاب (2000) من إخراج سعيد حامد، وتأليف مدحت العدل.

لكن ترسيخ السقا لاسمه كأحد أفضل نجوم الأكشن في السينما المصرية لم يأت إلا بعد فيلم مافيا (2000) الذي كتبه مدحت العدل أيضًا وأخرجه شريف عرفة.

استعان الفيلم بالسمات الهوليودية في الأكشن، من الكاميرا المهتزة إلى استخدام الحركة البطيئة (Slow motion)، إلى حركة الكاميرا 360 درجة حول مكان الحدث أو الشخصية المحورية في المشهد، إلى الانفجارات والقفزات وغيرها، وما ميزه هو تنوع مشاهد الأكشن من مطاردات واشتباكات عالية الجودة وعنيفة، إلى التدريبات في الكهوف والصحاري بصورة أكثر جدية وجودة من مشاهد التدريب في فيلم قبضة الهلالي مثلًا. 

بالإضافة إلى قوة الشخصية الشريرة في الفيلم وتميزها وقدرتها على إضفاء طابع الخطر الحقيقي على البطل، الذي لم يكن شخصًا نبيلًا بالأساس، بل مجرمًا سابقًا يحاول فعل شيء جيد وناجح، من وجهة نظر الفيلم، ليقاوم فشله في حياته واتجاهه للجريمة لتعويض ذلك الفشل. 

رفع السقا المستوى حقًا في فيلم تيتو (2004) من إخراج طارق العريان، بشخصية بطل الضد أو نقيض البطل، الذي يريد تطهير نفسه من ارتكاب الجرائم، لكن تاريخه لا يترك له مساحة لفعل ذلك، يطارده بضراوة ويحبط كل محاولاته كي يصير إنسانًا أفضل، وهي نظرة أكثر واقعية لمرتكبي الجرائم أصحاب التاريخ الذي يحملونه على أكتافهم ولا يستطيعون التخلص منه. 

https://www.youtube.com/embed/YAoQdLbie40

في الوقت نفسه دخل نجمان آخران إلى مساحة أفلام الأكشن، كريم عبد العزيز وأحمد عز. الأول بدأ مع فيلم أبو علي (2005) وهو فيلم أكشن رومانسي كوميدي، ثم أخذ خطوة في الاتجاه الصحيح مع واحد من الناس (2006)، وهو فيلم أكشن بقصة تحمل تعليقًا اجتماعيًا وسياسيًا على بعض الأحوال في ذلك الوقت. الفيلمان من تأليف بلال فضل وإخراج أحمد نادر جلال، اللذان تعاونا، ومعهما كريم عبد العزيز، أربع مرات.

أما أحمد عز، فبدأ في الطريق من فيلم التشويق ملاكي إسكندرية (2005)، الذي يمكن أن نصنفه كفيلم نيو نوار مصري. ثم فيلم الأكشن الكوميدي الرهينة (2006) والفيلمان مع المخرجة ساندرا نشأت، التي تعاون معها عز في أربعة أفلام من أفضل أفلامه من وجهة نظري. ثم تعاون مع المخرج عمرو عرفة في فيلم الشبح (2007)، ثم عاد مرة أخرى إلى التعاون مع نشأت في فيلم مسجون ترانزيت (2008)، الذي قام ببطولته مع الفنان نور الشريف.

2010.. حلول البلطجة

عام 2009 أخرج مروان حامد ثاني أفلامه إبراهيم الأبيض، من تأليف عباس أبو الحسن وبطولة أحمد السقا وعمرو واكد ومحمود عبد العزيز وهند صبري. ويعتبر الفيلم الأول فيما يمكن تسميته "أفلام البلطجة"، وهو في رأيي أحد أفضل الأفلام المصرية التي أنتجت خلال عشرين سنة، والأكثر أصالة فيما يخص مشاهد الأكشن وخصوصًا مشاهد استخدام الأسلحة البيضاء.

بالطبع لا يمكننا ذكر أفلام البلطجة دون محمد رمضان، الذي قام ببطولة ثلاثة أفلام تنتمي إلى نفس النوع في سنتين فقط. عام 2012 عُرض له الألماني من إخراج علاء الشريف، وعبده موتة من إخراج إسماعيل فاروق، وبعد سنة عُرض له قلب الأسد من إخراج كريم السبكي. 

أسس رمضان شهرته الواسعة كنجم شباك تذاكر لا يستهان به. ساعده في ذلك ازدحام سينمات وسط البلد التي تباع تذكرتها بسعر أقل كثيرًا من سينمات المولات، وهو الأمر الذي تغير نسبيًا لأن سينمات وسط البلد لم تعد كما كانت ولم تعد تزدحم بطوابير كما كان الحال وقت إنتاج هذه الأفلام، فصرف المنتجون أنظارهم عنها.

من فيلم عبده موتة


تحكي جميع الأفلام تقريبًا قصة مواجهة البطل مع قوة أكبر منه، إما معلم كبير أو زعيم عصابة متمرس في الجريمة، وإما تطارده الشرطة، سواء بسبب جريمة قتل ارتكبها، أو لم يرتكبها. وتنتهي الأفلام عادةً بموت هذا البطل، سواء لأسباب منطقية تخص حياة الجريمة، أو أسباب أخلاقية من صناع الفيلم، أو لأن صناع الفيلم أرادوا ذلك، بلا منطق أو تبرير (كما حدث في فيلم القشاش).

أغلب الأفلام في هذا التصنيف لا تعبأ كثيرًا بمنطقية القصة أو تطور الشخصيات، وتركز على الأغاني التي تنطلق بلا سبب في أي لحظة، وهي بالمناسبة مُسلية، لكن وجودها في الفيلم لا علاقة له بالقصة. بالطبع الحال مختلف مع فيلم إبراهيم الأبيض الذي يحكي في جوهره عن العشق/ الشهوة وكيف يدفع الإنسان إلى التهلكة، وهو في الحقيقة القوة الأكبر في الفيلم، لا الأسلحة البيضاء ولا الأعيرة النارية ولا الشوم والجنازير.

لم يُعرض في 2014 من أفلام الأكشن سوى الجزء الثاني من الجزيرة من إخراج شريف عرفة، وفيلم حديد من إخراج محمد السبكي مع إشراف من المخرج أحمد البدري، وهو فيلم ينتمي، إلى حدٍ ما، إلى تصنيف أفلام البلطجة، لكنه مختلف على مستوى الحبكة والشخصيات والمخاطر التي تواجهها الشخصية الرئيسية، ثم انتقلت أفلام الأكشن بعدها إلى أطوار جديدة لا تزال موجودة حتى الآن.

الشرطة والبلطجة والإرهاب 

جاء عام 2015 بعدد من أفلام الأكشن، تميز منها شد أجزاء لحسين المنباوي، وولاد رزق من لطارق العريان. الفيلمان عُرضا خلال موسم عيد الفطر في ذلك الوقت، وحقق كل منهما إجمالي إيرادات فاقت الـ 22 مليون جنيه مصري، بفارق بسيط لصالح ولاد رزق.

في شد أجزاء انتقل محمد رمضان من خانة صاحب أفلام البلطجة إلى الشرطة، حيث قام بدور ضابط تقتل زوجته أثناء محاولة سرقة لشقتهما، ويحاول خلال أحداث الفيلم الانتقام ممن قتلوها، وهي تيمة معروفة في هوليوود بـ "Maverick cop" وهم الضباط الذين لا يحترمون القانون ويسعون للانتقام من المجرمين خارج إطاره، وهو ما حدث هنا، فأصبح البطل، ضابط الشرطة، مطاردًا من العصابة ويطاردهم في نفس الوقت، ومطاردًا أيضًا من الشرطة. 

هذه التيمة تتسم بالعنف الشديد لأنها نابعة من الانتقام، أهم دوافع العنف، مما جعلها قيد التساؤل من المجتمع الأمريكي، كونها تزيد من حدة العنف المسلح على مستويات أوسع من المجرمين والشرطة فقط. في الحقيقة لم يكرر محمد رمضان هذه التيمة مرة أخرى، وعن نفسي لم ألحظ أن أي من صناع السينما حاولوا تقديمها كثيرًا، سواء قبل الفيلم أو بعده.

الفيلم الثاني ولاد رزق، الذي يمكننا اعتباره، تجاوزًا، فيلم البلطجة الوحيد الذي نجح في الاستمرار والعرض بعد 2013. قام ببطولته عدد كبير من الذكور، وهو بالفعل معبأ بالتستوستيرون، من صياح أحمد عز المستمر لأسباب عديدة، إلى إفيهات عمرو يوسف الشقية الذكية اللماحة، إلى مشاهد الأكشن الصارخة، إلى البلطجة الأمريكاني بالسلاسل الذهبية وقصات الشعر والملابس اللامعة عالية الجودة وغالية الثمن. 

الأكشن في الفيلم متقن إلى حد كبير، والفيلم مسلّ، لكنه يتخذ اتجاهًا مختلفًا عن أفلام البلطجة التي عُرضت قبلها بعامين أو ثلاثة. استغلال مشاهد الفلاش باكس وعمل التفاتات و"بلوت تويست" مما ذكّر البعض بفيلم "The Usual Suspects". بشكل عام نجح الفيلم في جذب جمهور سينما المولات وساعده هذا النجاح على إنتاج جزء ثانٍ منه عُرض عام 2019 وأصبح أحد أكثر الأفلام حصولًا على الإيرادات في تاريخ السينما المصرية.

بعد ذلك بعامين جاءت موجة أفلام الإرهاب، سواء كوميدية مثل "عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة" لشادي علي، والقرموطي في أرض النار لأحمد البدري. أو الأكشن مثل الخلية لطارق العريان، وجواب اعتقال لمحمد سامي.

https://www.youtube.com/embed/ixL50Fp2wVc

من فيلم الخلية


لا يمكن القول إن أفلام الإرهاب كان ضمانًا للنجاح. فمثلًا لم ينجح فيلم جواب اعتقال في حصد الإيرادات، فيما اكتسح هروب اضطراري، وهو فيلم بعيد تمامًا عن تيمة الإرهاب. جواب اعتقال الذي ارتبكت قصته بين التعاطف الإنساني مع الإرهابي الذي يحاول أن يخرج على جماعته، وبين تأييد أفعاله وأفكاره.

فيما اختلفت السردية تمامًا في الخلية، حيث ابتعد صناعه عن التعاطف مع الإرهابي، وركزوا على التعاطف مع ضابط الشرطة الذي قُتل صديقه في إحدى عمليات الشرطة للقضاء على الإرهابيين، بالإضافة بالطبع إلى إفيهات أحمد عز. خلطة مضمونة بالطبع جلبت النجاح بسهولة إلى الفيلم، حيث تصدر إيرادات أفلام عيد الأضحى في ذلك الوقت، متفوقًا على الكنز 1 الذي أخرجه شريف عرفة. 

أكواد وروبوتات

في عام 2021 أنتج عدد قليل من الأفلام، كان نصيب الأكشن منها فيلمين فقط. يجمع بينهما بالأساس تقليد أدوات سينما الأكشن الأمريكية، بما في ذلك الإضاءة وتصوير مشاهد الأكشن. الأول هو العارف من إخراج أحمد علاء الديب، والذي يحكي قصة يونس (أحمد عز) الهاكر الذي تجنده الداخلية ليعمل تحت لوائها ويقضي على شرير ما اسمه راضي (أحمد فهمي) يكره مصر ويريد تدميرها بلا سبب واضح.

عمومًا لا توجد أسباب واضحة لما يحدث خلال أحداث الفيلم، لكنك ستستمتع ببعض مشاهد الأكشن الجيدة المقلدة المكررة من أفلام هوليوودية، واللقطات المبهرة بصريًا الفارغة دراميًا التي تصلح كـ"سكرين شوتس" لمواقع التواصل الاجتماعي.

برومو فيلم العارف


يمكنك أن تشعر من خلال الفيلم بميلاد بطل مصري جديد، جيمس بوند أو إيثان هانت (بطل سلسلة Mission Impossible) بنكهة مصرية، ومن أفضل من أحمد عز للعب هذا الدور، رجل في العقد الخامس من عمره، يشتبك جسديًا والكترونيًا مع إرهابيين، يقابل فتاة أكبر من نصف عمره بقليل، يحتقرها ويطلق في وجهها نكات مراهقة فتعجب به، يفعل بعض الأشياء بذكائه المعتاد، وطبعًا يفوز في النهاية.

هل ننتظر سلسلة أفلام بطلها يونس؟ هل مستقبل أفلام الأكشن في مصر محجوز لسلاسل وعوالم الأفلام السينمائية؟ لم أسمع إجابة واضحة من مخرج الفيلم أحمد علاء الديب، أو حتى بطل الفيلم أحمد عز، لكنني سمعت إجابة أخرى، من مخرج آخر، لديه عالم سينمائي مصري بدأ في بناءه بالفعل.

عام 2019 عُرض Avengers: Endgame من إخراج الأخوان روسو، الذي يعتبر الفيلم قبل الأخير في المرحلة الثالثة من عالم مارفل السينمائي، الذي دخلنا مرحلته الرابعة بداية العام الحالي 2021. نال الفيلم إشادة واسعة من النقاد والمشاهدين، حتى أن إيراداته حول العالم وصلت إلى ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار. كان هذا نتاج عمل متواصل عبر سنوات عديدة لتحويل الكتب المصورة للأبطال الخارقين أفلامًا يمكنها جلب عائدات كبيرة لشركات الإنتاج للاستفادة من الشهرة الواسعة للكتب المصورة. 

أغلب من حاولوا تقليد الفكرة لم يأخذوا في الاعتبار التاريخ الطويل للمحاولات البائسة لتحويل الكتب المصورة لأفلام، رأوا فقط النجاح الكبير وقالوا لنفعل مثلهم. ومصر، كالعادة، ليست بعيدة عن الفكرة، التي تصدى لها المخرج بيتر ميمي. أخرج ميمي فيلم الهرم الرابع عام 2016، مستوحيًا الشخصية وبعض المشاهد والحوارات من مسلسل Mr. Robot

بعد ذلك التاريخ بخمس سنوات أُعلن عن عالم بيتر ميمي السينمائي، الذي أطلق عليه المستضعفون (The Underdogs)، وأصدر الفيلم الثاني الذي ينتمي إلى هذا العالم وهو موسى، الذي يحكي عن مهندس يصنع روبوتًا ليساعده على الانتقام ممن دمروا حياته ومن دمروا حياة بشر غيره، لسبب ما لا يعبأ الفيلم بشرحه.

برومو فيلم موسى


موسى يعتبر فيلمًا جديدًا على السينما المصرية، فأفلام الخيال العلمي، فضلًا عن أفلام الأبطال الخارقين، تعتبر نادرة في تاريخ السينما، لذلك اعتبرها البعض خطوة جديدة في طريق قل من سار فيه من قبل. لكن الفيلم من وجهة نظري لم يكن على المستوى المطلوب، سواء في الحبكة أو الخدع البصرية أو الشخصيات أو مشاهد الأكشن. فأصبح لدينا فيلمًا يحاول أن يدخل ضمن عالم سينمائي دون أن يكون لهذا العالم السينمائي أرضية راسخة يقف عليها.

لا نعلم حتى هذه اللحظة كيف سيدير بيتر ميمي وحده، تقريبًا، هذا العالم وهذه المجموعة التي تتكون من خمسة أبطال، ظهر منهم ثلاثة حتى الآن، وبحسب كلامه ستظهر معالم هذا العالم من خلال مجموعة من الأفلام والمسلسلات تُنتج تباعًا خلال الأشهر والسنوات القادمة، فكيف يمكن له أن يدير كل هذه الأشياء وحده، إذا كان لم يستطع إخراج فيلم واحد من هذا العالم بصورة جيدة حتى الآن. بالطبع هذا الرأي شخصي تمامًا ويمكن أن يختلف معي الكثير ممن شاهدوا الفيلم، لكنني لست متفائلًا بهذا المستقبل الخاص بعوالم أفلام الأكشن في السينما المصرية.