قناة TVision Media Productions على يوتيوب
لقطة من الإعلان الرسمي لفيلم الحريفة 2، من إخراج كريم سعد، إنتاج 2024

"الحريفة 2".. وداعًا لكُرة الساحات أهلًا بالكومباوند

منشور الخميس 16 يناير 2025

"الفقراء هُم الذين يُثرون اللّعبة، بينما هُم يحوّلونها إلى ملكيّةٍ لهم".. يصف الكاتب الأورجواياني إدواردو جاليانو صراعات الرياضة الشعبية الأولى في العالم في كتابه كرة القدم في الشمس والظل، بالأخص تحول الكرة في البرازيل من لعبة خاصة بأبناء الأثرياء يقلدون فيها أصلها الأجنبي إلى لعبة شعبية بفضل مساهمات أبناء الطبقات الدنيا.

قُبيل انتهاء عام 2023 بشهرٍ، ظهرت على فيسبوك الفيديوهات الترويجة للجزء الأول من فيلم الحريفة عن كرة القدم في الملاعب والساحات الشعبية؛ تلك البساطة التي وعدت الجمهور بشيء حقيقي عن لعبة يحبونها.

قامت السينمات ولم تقعد إلا وفي رصيد الفيلم 70 مليون جنيه، بما صحب ذلك من ضحكٍ وشغفٍ بكرة القدم. تحول نجوم الفيلم لضيوف برامج التوك شو، وكان المنتج طارق الجنايني ومطرب المهرجانات أحمد بحر الشهير بـ كزبرة أكثر المستحقين لهذه الشهرة لدى الناس. أما نور النبوي فتمثل فوزه في ظهوره بعيدًا عن كنف أبيه وشهرته، وشجاعته في خوض تجربة محفوفة بالمخاطرة مثل "الحريفة".

عن البسطاء وحكاياتهم

أحبَّ البسطاء الفيلم لأنه يشبه قصص أبنائهم في محاولاتهم البائسة للانضمام إلى المستويات الاحترافية لكرة القدم، حيث الشهرة والأضواء، إذ تَحول بينهم وبين أحلامهم في الغالب صعوبات مادية وتفرقة طبقية وبُعد جغرافي عن العاصمة؛ لينتهي بهم المطاف في النهاية للتخلي عن حلمهم والاكتفاء بممارسة كرة القدم كهواية فقط في الشوارع والساحات الشعبية والملاعب الخماسية ذات النجيلة الصناعية منخفضة الإيجار بمتوسط 250 جنيهًا للساعة.

في الجزء الأول من الحريفة يتدهور الحال بأسرة ماجد/نور النبوي الميسورة ماديًا مع تردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد، لتجبره الظروف على الانتقال لمدرسة ثانوية حكومية بدلًا من مدرسته الخاصة باهظة التكاليف. كما ينسحب من النادي الذي يرتاده أبناء طبقته السابقة ويكون مضطرًا لممارسة رياضته المفضلة في ملعب بحي شعبي مع أصدقائه الجدد الذين وَجد فيهم ما كان ينقصه من صداقات حقيقية على عكس تلك التي تبخرت مع نزوله طبقةً مع الهابطين في سلم الطبقات الاجتماعية.

تغيير الخطة والنتيجة

نجح الجزء الأول من الحريفة لملامسته هذا الوتر الحساس عند قطاع كبير من الجمهور؛ الحلم شبه المستحيل بالتحول من اللعب في الشوارع والساحات المغمورة إلى ارتداء القمصان اللامعة للأندية الكبرى وما يصحب ذلك من تحقيق الشهرة والمال، لكن النبرة تبدلت في الجزء الثاني الحريفة 2.

طرأ على الفيلم تغييران، تمثل الأول في أن مونتير الحريفة 1 كريم سعد أصبح هو المخرج، ويمكن ملاحظة كم اللقطات الواسعة والسريعة التي تخطف انتباهك وتُشعرك بالإثارة، كأنك تشاهد مباراة ديربي مليئة بالتحدي، فلا تستطيع أن ترمش بعينيك كيلا تفوتك لقطة.

الستانداب كوميديان والممثل عبد الرحمن محمد، 8 سبتمبر 2023

التغيير الثاني في القصة يكمن في إعطاء اهتمام أكبر لشخصيتيّ حتة/كزبرة، وعمر/عبدالرحمن محمد، ليتحقق جانب مختلف من البطولة الجماعية على خلاف الجزء الأول، إذ كان التركيز على ثنائية ابن البلد وابن الذوات ششتاوي/أحمد غزي وماجد/نور النبوي.

يبدأ الجزء الجديد بافتتاح مجموعة الأصدقاء ملعبًا خماسيًا لاستثمار الجائزة التي تحصلوا عليها بنهاية الحريفة 1؛ ليحدث تطور مهم بحصولهم على منحة دراسية في إحدى الجامعات الخاصة، ويختلف المكان الذي يقيمون فيه عن مناطق سكنهم ولعبهم بين أحياء القاهرة الشعبية، مثل السبتية وشبرا الخيمة. 

تُعد تلك النقطة النواة الأساسية للفيلم وتنطلق منها كوميديا ودراما الفروق الطبقية والتعليم، التي توقع الأبطال في الهم والضياع من وقت لآخر .

"الجنة الموعودة"

وقَعَ صناع الحريفة 2 في فخين؛ أولهما فقدان الحالة الفريدة لصعود الأبطال المهمشين ومحدودي الإمكانات في أرض الواقع، لصالح توسيع رقعة الجمهور الافتراضي.

تعمد صناع العمل إقحام عدد كبير من ضيوف الشرف من النجوم ومشاهير السوشيال ميديا مثل دونا إمام ونورين أبو سعد من تيك توك، وظهور مفتعل لمغني الراب مروان موسى، ويوتيوبرز كرة القدم عمرو نصوحي ومروان سري وممدوح نصرالله والهستيري، والممثلة أسماء جلال.

الفخ الثاني كان استيلاء شركة التطوير العقاري الشهيرة أوراسكوم على الفيلم ليتحول إلى نصف فيلم/نصف إعلان ممول.

فقَدَ الحريفة 2 الحالة الإنسانية التضامنية في الجزء الأول، بأن تنتصر الصداقة على الاختلاف الطبقي والتعثر المادي لماجد، على سبيل المثال، والنقيض ما نجده في الجزء الثاني من ترسيخ مقصود لكل ما تمثله الطبقية المصرية المستحدثة التي تستند بأساسها إلى السكن في كومباوند. 

يروج الفيلم لهذه الثقافة في لقطات عدة، من بينها مشهد تقول فيه البطلة لانا/نور إيهاب إنه لا توجد رياضة أفضل من التي بالكومباوند، بالإضافة لمشاهد الصعود والنجاح في الكومباوند وصالاته الرياضية الذي يظهر كأنه الجنة الموعودة بعد الترقي الطبقي.

من المُلفت أيضًا التغيُّر في مسار شخصية الشاب الثري وليد/مسعد منير حارس المرمى في الجزء الثاني، فبينما كان يقف في الحريفة 1 بالمرصاد للأبطال، ويتحكم في فريق الجامعة مستغلًا نفوذ والده، يصبح من الممكن أن ينضم لجماعة الأبطال، حتى وإن جرى ذلك بشكل مفتعل، بحيث لا يظهر الأغنياء المنتجون للفيلم بصورة سيئة أو طبقية.

الإعلان أولًا

سيطرت شركة أوراسكوم، المملوكة لعائلة ساويرس، على الفيلم بأنديتها الرياضية، لدرجة أنها استعانت بنجم الكرة العالمي المعتزل مايكل أوين ليقدم إعلانًا عن تلك الأندية عبر العمل الفني. كما دخلت على الخط أيضًا إعلانات لمطاعم وكافيهات وشركة اتصالات كبرى في البلاد وشركة هواتف محمولة، وانضمت كذلك شركة الإنتاج لكرنفال الإعلانات، فوضعت بوسترًا لها أسفل طاولة بأحد المشاهد!

لم تنجز الإعلانات داخل الفيلم بشكل ذكي، كما كان يفعل بعض المخرجين الكبار من أجل الحصول على مصادر تمويل لو تعثرت ظروف إنتاج أعمالهم.

لا يكتفي الفيلم بهذا، لكنه ينتهي بالإقحام الأكثر فجاجة لحلقة من برنامج رجال الأعمال الشهير شارك تانك باعتباره المُنقذ لأحلام شباب مصر الصاعد؛ البرنامج الذي يضم رجل الأعمال محمد فاروق صاحب التصريحات المثيرة للجدل عن أن التوازن بين الحياة و العمل هو الفشل بعينه، وأنه يجب العمل 12 ساعة لـ6 أيام في الأسبوع.

الاحتكار يقوّض الإنتاج السينمائي 

يواجه الإنتاج السينمائي في مصر أزمةً بسبب الاحتكار، بما لا يدع فرصةً أمام التجارب الحقيقية والخاصة إلا أن تمسخ نفسها أمام التمويل ولصالح شركات لا علاقة لها بالسينما بغرض إقحام الإعلان داخل الفيلم، ولو على حساب الفنيات، في سبيل الحصول على أرباح أكثر بإشراك أكبر عدد من الشركات في الإنتاج والرعاية.

تجلى هذا بوضوح في فيلم واحد تاني للفنان أحمد حلمي، لدرجة أنه أفُرغ من محتواه، إذ سعى المنتجون لتحقيق أكبر استفادة عبر الإعلان والتسويق لماركات الهواتف والأجهزة الحديثة من شركات مختلفة، والاعتماد على شهرة ضيوف الشرف والممثلين المشاركين رغم ضعف المبرر الدرامي لظهور بعضهم مثل الفنانين عمرو عبد الجليل وسيد رجب.

الاحتكار أيضًا خلق حالة عامة من الخوف من التجريب والخصوصية في صناعة السينما. وأصبحت التجارب تشبه بعضها حتى في فشلها، ومن الصعب أن تجد فيلمًا كاملًا خالصًا من تكرار تيمات نجاح سابقة أو من بروباجندا أو تسويق.

يكون أثر احتكار الصناعة أكثر وضوحًا وتدميرًا، لو أن مصدره شركة تابعة للسلطة، تريد فرض أنواع محددة من الفن؛ بهدف التسلية الاستهلاكية التي تُبعد الجمهور عن أي فكر أو نقد، وتحرص على الدعاية والترويج المباشر للسلطة.

الشاهد هنا أن السينما أصيبت بخلل عميق في معادلة النجاح، فبدلًا من أن تصنع فيلمًا جيدًا ينال إعجاب الجمهور، فإنك تحصد غالبية المكاسب من المعلنين والرعاة حتى قبل عرض الفيلم، ليصبح استحسان الجمهور أو عزوفه تحصيل حاصل. وأي فرصة للحديث عن قصص للفقراء سينالها التخريب وتتغلب عليها في النهاية سينما الكومباوند الموجهة.