تُجري وزارة التربية والتعليم تحقيقًا واسعًا في استمارات الطلاب المُسجلين لأداء امتحانات الثانوية العامة في اللجان التي اشتهرت بالغش خلال السنوات الماضية، وذلك بعدما اكتشفت إجراء تحويلات عديدة بالمخالفة لقرار سابق يحظر التحويل إليها من مدارس أخرى، بالإضافة إلى حيلتين يلجأ إليهما الطلاب لدخول تلك اللجان، والقفز على قرار المنع.
ولجان الغش مصطلح ترسخ على مدار السنوات الماضية، مع تكرار وقائع الشغب والغش الجماعي بمعاونة الأهالي في لجان محددة على نطاق الجمهورية، وباتت جاذبة للطلاب الذين يأملون في الاستفادة من تلك الحالة. وسيضع تكرار تلك الوقائع خلال الامتحانات المرتقبة في غضون شهور، الوزارة التي أجرت تغيرات هيكلية في عملية التعليم في مصر، في مأزق وموقف محرج.
وتحاول الوزارة تحصين لجان الغش بعدد من الإجراءات، سواء بتركيب كاميرتين في كل لجنة، أو طلب تعزيز الدعم الأمني حول تلك اللجان لمنع تكرار الوقائع السابقة، فيما كان القرار الأبرز هو منع التحويل إلى تلك اللجان من مدارس أخرى، و أشهرها لجنة عبد الحميد رضوان بمدينة دار السلام في سوهاج، التي شهدت في العام 2018 واقعة الغش الجماعي الأبرز التي أسفرت عن رسوب 83 طالبًا في الثانوية العامة بعد تطابق أوراق إجابتهم.
ويبدو أن الوزارة لم تُفلح في محاولتها تلك، إذ اكتشفت مؤخرًا مخالفات بتسجيل آلاف التحويلات، بعضها يتحمله المسؤولين، وأخرى تمت بتلاعب من قبل الأهالي على قرار منع التحويل، وذلك بـ"الإيهام بتواجد الطلاب بالفعل في النطاق السكني لتلك اللجان، عبر عقود إيجار شقق سكنية، فيما في الواقع يقيم الطالب في بقعة أخرى. بالإضافة إلى حيلة الدراسة في المنزل (منازل) التي تمنح للطالب الحق في اختيار المدرسة التي يرغب في أداء الامتحانات فيها"، بحسب قيادي في قطاع الامتحانات بوزارة التربية والتعليم تحدث للمنصة.
ولمواجهة تلك الحيل، لفت المصدر نفسه إلى أن الوزارة اشترطت لتسجيل أي طالب لأداء الامتحانات بهذه اللجان أن يكون مر على فترة إقامته بذات المنطقة، عام دراسي سابق، أي أنه امتحن في اللجنة نفسها خلال الصف الثاني الثانوي، بالإضافة إلى اشتراط أن يمر على محل السكن المدون في البطاقة الشخصية للطالب، أو ولي الأمر، عاما على الأقل، ولا تكون حديثة، وبخلاف هذا الشرط لا يحق له تحت أيّ ظرف، أو تزكية من مسؤول أو برلماني أو محافظ، أن يقوم بتسجيل نفسه في استمارة الامتحان على اللجنة ذاتها المحظور التحويل إليها.
2000 مخالفة في محافظة واحدة
كشف مصدر مسؤول آخر بالوزارة للمنصة وهو قيادي في قطاع التعليم الثانوي، فضل عدم ذكر اسمه، أن تحقيقات تجرى بشكل غير معلن لكشف ملابسات تحويل حوالي 2000 طالب من مدارس خاصة، إلى بعض اللجان المحظور التحويل إليها في سوهاج، التي تشتهر بوقائع الغش الجماعي، لافتًا إلى أن المعلومات المبدئية تشير إلى أن التحويل جرى خلال الأسابيع الماضية، أيّ قبيل فتح الباب أمام الطلاب لتسجيل استمارات الثانوية العامة يوم 24 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأشار المسؤول إلى أن تلك الواقعة في سوهاج تحمل مخالفتين خطيرتين، الأولى أنه محظور على أيّ مسؤول تعليمي الموافقة على تحويل طالب الثانوي من مدرسة خاصة إلى حكومية، إلا إذا كان مجموعه في الشهادة الإعدادية يسمح بدخوله ثانوية عامة حكومية (أي شرط أن يكون مجموعه مرتفعًا)، أو أن تكون أسرته تعرضت لأزمة مالية ولا تستطيع دفع مصروفات المدرسة الخاصة، وعليه أن يثبت ذلك بأوراق رسمية من التأمينات الاجتماعية.
الثانية، أن التحويل تم بالمخالفة لقرار حظر التحويل لتلك اللجان بالأساس، مضيفا "كل طالب حوّل للجان دي، هيرجع مكانه تاني، وتحويله هيتلغي، والمسؤول اللي وافق على كده هيتحاسب"، مذكرّا بما جرى خلال العامين الماضيين، بقيام الشؤون القانونية في الوزارة بمعاقبة بعض المسؤولين في إدارات تعليمية لموافقتهم على تحويل طلاب لبعض اللجان بالمخالفة لقرارات الوزارة.
لجان القائمة الحمراء
وحصلت المنصة، على قائمة اللجان المصنفة بأنها حمراء، أي محظور التحويل إليها، التي أرسلتها وزارة التربية والتعليم للمديريات التعليمية بالمحافظات نهاية يناير الماضي، وتضم القائمة مدارس الباويطي، الحوامدية، البدرشين، العياط، أبوالنمرس، الصف، أطفيح، في محافظة الجيزة، وفي القليوبية مدارس كفر شكر، ورش أبو زعبل، الخانكة، العمار، الخصوص، القلج، وفي المنوفية مدارس منوف، الخطاطبة، مدينة السادان، أشمون، وفي البحر الأحمر: جميع لجان الامتحانات.
كما تضم القائمة في محافظة الإسكندرية مدارس برج العرب، أما في البحيرة فتضم وادي النطرون، إدكو، رشيد، كفرالدوار، أبوالمطامير، حوش عيسى، التحرير، الرحمانية، النوبارية، وفي كفرالشيخ مدارس سيدي سالم، مطوبس، بيلا، بلطيم، الحامول، فوة، وفي الدقهلية شربين، ميت سلسبيل، رأس الخليج، بلقاس، منية النصر، بني عبيد، وفي الشرقية ههيا، أبوكبير، الصالحية، الحسينية.
وفي محافظة دمياط دمياط الجديدة، الروضة، كفرالبطيخ، السرو، الزرقا، وفي أسيوط البداري، ديروط، صدفا، ساحل سليم، أبنوب، الفتح، وفي سوهاج جهينة، ساقلته، برديس، دار السلام، إدفا، وفي قنا نقادة، أبوتشت، دشنا، وفي الأقصر أرمنت، البياضية، وفي أسوان السباعية، نصر النوبة، تهجير النوبة، كلابشة.
ووفق القيادي في قطاع الامتحانات، فإنه جرى التنبيه على جميع وكلاء الوزارة في تلك المحافظات بمنع التوقيع على أية أوراق تحويل من محافظات أخرى إلى تلك اللجان، لإحكام السيطرة الكاملة عليها أثناء فترة الامتحانات، والحيلولة دون وقوع أحداث شغب أو التأثير على المراقبين، كي تكون جهود الأجهزة الأمنية المعنية بتأمين هذه اللجان مركزة على منع أبناء المنطقة، فقط، من أية محاولات غش أو شغب، أما في حالة وجود غرباء فستكون هناك أزمة.
اختبار صعب
من جانب أخر تواجه وزارة التربية والتعليم اختبارًا صعبًا في امتحانات الثانوية العامة التي تنطلق في 11 يونيو/حزيران المقبل، في الاعتداء المتواصل على المراقبين، حيث شهدت مدينة السنبلاوين في محافظة الدقهلية، في شباط/ فبراير الجاري، تعدي 6 من الأهالي على مديرة لجنة لامتحانات الإعدادية، لرفضها تسهيل إجراءات الغش للطالبات.
وتتكرر وقائع الغش في الثانوية العامة حد تصوير الأسئلة ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي، ما استدعى طلب الوزارة تعزيز الحضور الأمني، وحرمان طلاب بعض المناطق من أداء الامتحانات بنفس المدرسة الواقعة في نطاقهم السكني، وهو ما حدث في مدينة بيلا بكفر الشيخ، و تسبب في احتجاج أولياء الأمور على القرار، وتمسكت الوزارة بموقفها.
وقال رئيس قطاع التعليم العام ورئيس امتحانات الثانوية العامة الأسبق، رضا مسعد للمنصة، إن منع التحويل إلى اللجان المشاغبة، أحد الحلول الضرورية لضبط مسار امتحانات الثانوية العامة وتطهيرها من الغش، لأن ذلك يحدث بمساعدة أهالي بعض المناطق، لافتًا إلى أن حظر التحويل إلى لجان بعينها، يستهدف منع النجاح بالقوة، والعبرة في التزام المسؤولين في المحافظات بتلك الإجراءات، وعدم الرضوخ لأية ضغوطات يتعرضون لها، وأن تقوم وزارة التعليم بكشف المخالفين، ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
وحول آلية الرقابة من جانب وزارة التعليم للجان المصنفة بأنها مشاغبة، أكد القيادي بقطاع التعليم الثانوي، أنه سيتم تركيب كاميرات مراقبة متصلة بالغرفة المركزية للوزارة مباشرة، على أن تكون هناك كاميرا أمامية والثانية خلفية في كل فصل من تلك المدارس أثناء الامتحانات، مع مطالبة وزارة الداخلية بزيادة التأمين عليها، ووضع حواجز أمنية تمنع أيّ شخص من الوصول إليها.
الأهم من كل ذلك، أنه سيتم مراجعة جميع أوراق الطلاب المسجلين على تلك اللجان، لمعرفة مدى إقامتهم بالفعل في هذه المناطق أم قاموا بالتحويل بمساعدة مسؤولين في إداراتهم، من خلال مقارنة مقار امتحاناتهم في الصف الثاني الثانوي، ووقتها سيتم إعادة الطلاب المحولين بالمخالفة للجانهم الأصلية، وتحويل المسؤولين المتورطين في ذلك للمساءلة القانونية، أو النيابة الإدارية إذا كانوا قيادات تعليمية.