اضطرت ولاء محمد، وهي أم لطفلين بمدرسة النصر التجريبية بالجيزة، لشراء الكتب المدرسية من إحدى المكتبات الخاصة، مطلع العام الدراسي الجديد، لتوفير أكثر من نصف السعر، حيث كانت تباع في مكتبات مجاورة لسوق الأزبكية بأسعار أقل من نظيرتها في المدرسة بكثير. بلغ فرق السعر نحو ألف جنيه.
ولكن الأم اصطدمت لاحقًا بقرار صادر عن وزارة التربية والتعليم قبل أيام، مرسل إلى مديريات وإدارات تعليمية، بأن شراء كتب المدارس التجريبية "إجباري" على ولي الأمر، وتم التنبيه على مديري المدارس برفض استلام المصروفات المدرسية، إلا ومعها مصروفات الكتب، ما يعني أن هذه الأم ستكون مضطرة لدفع تكلفة الكتب مرتين للطفلين، الأولى أمام سور الأزبكية، والثانية في المدرسة.
حاولت الأم التفاهم مع شؤون الطلاب بالمدرسة، بأن طفليها لديهما الكتب المدرسية بالفعل، وليسا في حاجة لكتب الوزارة، لكنها أُبلغت أن مصير طفليها في المدرسة سيظل معلقًا، طالما لم تدفع المصروفات المدرسية مع تكلفة الكتب، سواء كانت في حاجة إليها أم لا، تنفيذًا للتعليمات الصادرة عن التوجيه المالي بوزارة التربية والتعليم.
"وسيلة ضغط مش أكتر"
المفاجأة التي كشفها مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم للمنصة، أن تمسك المدارس بربط الكتب بمصروفات المدرسة التجريبية، يكمن في أن هناك شركة خاصة شاركت في تأليف المناهج الجديدة المطوّرة من رياض الأطفال حتى الصف الرابع الابتدائي، وشاركت في طباعة الكتب الجديدة للطلاب المقيدين بهذه الصفوف، أيّ أن أغلب الأموال الخاصة بتكلفة الكتب، ستذهب للشركة، لأن الوزارة مدينة لها، وإجبار ولي الأمر على دفع مصروفات الكتب هدفه تسديد أموال الشركة وحقوق المؤلفين.
وقال المصدر، شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث للإعلام، إن مسؤولي المخازن في المدارس التجريبية يتم إجبارهم على التوقيع على إيصالات أمانة وشيكات مقابل تكلفة الكتب التي يتسلموها لمدارسهم، ليكونوا مسؤولين عن سداد ثمنها بعد جمعها من أولياء الأمور، وبالتالي فهم ملتزمون أمام الوزارة بتسديد هذه الأموال، وإلا تعرضوا للمساءلة القانونية، وبالتالي فمديري المدارس مضطرين لإجبار ولي الأمر على الدفع، حتى لا يتعرضوا للمساءلة كذلك، بتهمة التقصير في الحفاظ على أموال الوزارة.
ولفت المسؤول إلى أن الإجبار على دفع مصروفات الكتب، محاولة أخيرة لزيادة نسبة مبيعاتها، لأن مخازن المدارس لا تزال مملوءة بالكتب لرفض كثير من أولياء الأمور شراءها، ما حمَّل الوزارة خسائر مالية كبيرة، مضيفًا "محدش يقدر يمنع طالب يدخل الامتحان لأنه مدفعش مصروفات الكتب، ولا حد يقدر يسقطه في الامتحانات، لكن من حق المدرسة حجب نتيجة الطالب لو مدفعش فلوس الكتب، وفي النهاية الموضوع كله وسيلة ضغط مش أكتر".
تكلفة أقل
فيما قالت ولاء للمنصة، إن الكثير من أولياء أمور طلاب المدارس التجريبية، اشتروا الكتب من منطقة الأزبكية أو المكتبات الخارجية، لأن سعرها في حدود 250 جنيهًا تقريبًا، وهو أقل بكثير من الأسعار التي حددتها الوزارة، ثم أن كتب المدرسة نفسها تأخرت كثيرًا عن الوصول للمدارس، خاصة كتب اللغات، فاضطر الأهالي لشرائها بطريقتهم الخاصة وبتكلفة أقل.
وأرسلت إدارة التوجيه المالي والإداري بوزارة التعليم، ردًا رسميًا إلى المديريات التعليمية، بناءً على الشكاوى الواردة للوزارة، من أولياء أمور الطلبة في المدارس التجريبية، من ربط المصروفات المدرسية بمصروفات الكتب، ويطالبون بأن يكتفي ولي الأمر بدفع مصروفات المدرسة فقط، مع منحه الحق في اختيار شراء الكتب المدرسية من عدمه.
وقال المنشور الصادر عن التوجيه المالي بالوزارة، لمديرية التعليم بالقاهرة، واطلعت المنصة، على صورة منه، بأنه بناءً على موافقة الوزير طارق شوقي، على عرض المستشار القانوني للوزارة، بشأن كتب التجريبيات، فإنها إجبارية، وليست اختيارية، ولابد من ربط دفع المصروفات المدرسية بمصروفات الكتب، لا سيما في الصفوف الأولى التي تم تطوير مناهجها.
وتتجاوز أسعار كتب المدارس التجريبية المطورة، من رياض الأطفال للصف الرابع تحديدًا، أكثر من ألف جنيه، بالإضافة للمصروفات المدرسية التي تقترب من نفس المبلغ، فتصل في الصف الأول لرياض الأطفال 1275 جنيهًا ومن الصف الأول للرابع الابتدائي 1005 جنيهات.
أما الكتب نفسها فيصل ثمنها في الفصل الدراسي الأول لمرحلة رياض الأطفال إلى 402 جنيهًا، و460 جنيهًا للصف الأول الابتدائي، و517 جنيهًا للثاني، ونفس المبلغ للصف الثالث، و747 جنيهًا للرابع الابتدائي، ويدفع ولي الأمر في الفصل الدراسي الثاني المبالغ نفسها.
ومع إكراه أولياء الأمور على مصروفات الكتب والمدرسة سيكون المبلغ كبيرًا، مقارنة بالظروف المادية الصعبة التي تعيشها الأسر جراء جائحة كورونا، باعتبار أن المدارس التجريبية أغلب طلابها من أبناء العائلات البسيطة التي لا تمتلك قيمة مصاريف المدارس الخاصة، التي حددت لها وزارة التربية والتعليم مصروفات الكتب، بأسعار أقل من نظيرتها التجريبية الحكومية، في موقف أثار حيرة الكثير من أولياء الأمور واستغرابهم.
ويبرِّر كثير من الآباء، رفضهم ربط مصروفات المدرسة بالكتب، أن أغلبهم لديه الكتب نفسها بالفعل من السنة الماضية، سواء من أحد الأبناء الأكبر سنًا أو الجيران، وما دامت المناهج لم تتغير فلا داعي لشراء كتب جديدة.
تهديد بالتحويل
وتحصلت هالة محمد، التي لديها ابن وابنة بمدرسة تجريبية في العاشر من رمضان شرق القاهرة، على كتب الصفين الثاني والثالث الابتدائي، من جارتها، بل كانت تذاكر لطفليها من الكتب قبل بداية العام الدراسي الحالي بحوالي شهر تقريبًا، ليعتادا المناهج الجديدة، ويحظيا بفهم مسبق لطبيعة المناهج، لكنها فوجئت بإدارة المدرسة تبلغها بأن عليها شراء الكتب للطفلين إجباريًا، وعندما أبلغتهم بعدم حاجتها لهذه الكتب، هُددت بتحويل طفليه لأي مدرسة حكومية (عربي) إذا امتنعت.
"طالما ولادي عندهم الكتب، وذاكروا منها قبل بداية الدراسة، ونفس المنهج متغيرش، ولا زاد عليه حاجة ولا قل منه حاجة، أشتري ليه كتب بأكتر من ألف جنيه وأنا مش محتاجاها؟ وبعدين دي مدارس حكومية في الأول والآخر، ازاي يتهدد الطالب فيها بأنه لو مشتراش الكتب ممكن يسيب المدرسة ويترفع اسمه من السجلات؟ أمال المدارس الخاصة بقى تعمل إيه؟ ولا الوزارة عايزه تحوّل التجريبيات لمدارس خاصة وده تمهيد للقرار ده؟"، تقول الأم للمنصة.
ترى الأم أن "اللي بيتعمل مع أولياء أمور المدارس التجريبية، نسخة من اللي بيحصل في المدارس الخاصة، وكأنها فعلًا خاصة مع وقف التنفيذ. يعني المفروض ندفع مصروفات المدرسة، ومصروفات الكتب حتى لو مش عايزينها، وبرضو مفيش مدرسين كفاية في المدارس، علشان العجز الموجود، وبدل ما الفصل فيه 40 طالب لأنها مدارس بمصروفات، بقى فيه 50 و60 طالب علشان الحكومة مش بتبني مدارس.. طب إيه الميزة الموجودة في التجريبي مش موجودة في المدارس العادية؟ مفيش حاجة غير كتب اللغات، وغير كده هي فعلًا نسخة من المدارس الحكومية العادية".
ما يثير حفيظة هذه الأم، أن أبناء شقيقتها يدرسون في مدرسة حكومية عادية، الأول في الصف الأول الابتدائي، والثاني في الصف الثالث، والثالث في الصف الرابع، ويدرسون نفس المناهج تقريبًا مثل التجريبي، باستثناء العلوم والرياضيات باللغة العربية، بعكس المعمول به في التجريبي، فهي بالإنجليزية، لكن الكتب في مدرسة أبناء شقيقتها الحكومية مجانية، وتكون ضمن المصروفات المدرسية، أما التجريبية، ورغم أنها أيضًا حكومية، فهي إجبارية، وبأسعار مبالغ فيها، ومصروفاتها مختلفة عن المصروفات المدرسية.
ولا تُعقد امتحانات تحريرية لمرحلة رياض الأطفال ولا الصفوف الثلاثة الأولى بالابتدائي، ولا يوجد رسوب بتلك الصفوف بل ينتقل الطالب للصف التالي مباشرة، سواء اشترى الكتب المدرسية أم لا، لكن المعضلة في إمكانية أن تقوم إدارة أيّ مدرسة بإجبار ولي الأمر على تحويل ابنه لمدرسة حكومية عادية مطلع العام الدراسي المقبل، لامتناعه عن سداد المصروفات الدراسية، أو مصروفات الكتب.
وتعليقًا على ذلك قال مدير التعليم الثانوي والتجريبي بوزارة التعليم، خالد عبد الحكم، للمنصة، إن تحويل الطالب لمدرسة عربي حكومية، إذا امتنع عن دفع مصروفات المدرسة ومصروفات الكتب لمدة عام كامل، مرتبط بقرار وزاري، ومع تقسيط المصروفات المدرسية فليس هناك حجة لولي الأمر أن يدفع مصروفات الكتب مع قسط من المصروفات، لأن تكلفة تأليف وطباعة كتب اللغات مرتفعة على الوزارة، وولي الأمر يعلم قبل التحاق ابنه بالتجريبيات أنها بمصروفات، وليست مجانية.
ولا تزال ولاء محمد، أم الطفلين المقيدين بمدرسة النصر، تعوّل على استمرار أولياء الأمور في تصدير أزمة ربط مصروفات المدرسة، بمصروفات الكتب، لربما يتبنى مجلس النواب هذه القضية، ويتدخل فيها مراعاة لظروف الأهالي، كما جرى مع طلاب المدارس الحكومية العادية، بعدما تصدى البرلمان لقرار ربط تسليم الكتب بدفع المصروفات، وأجبر الوزارة على توزيعها التزامًا بدستورية التعليم المجاني.
وكل ما تخشاه حاليًا، أن تفاجأ بتهديد مستقبل طفليها في المدرسة وتحويلهما لأخرى حكومية عادية، أو تستمر مضايقتهما من إدارة المدرسة وإحراجهما وسط زملائهما، لمجرد أنهما لم يدفعا مصروفات كتب، هي بحوزتهم في الأساس.