بعد أقل من أسبوع من إلغاء حالة الطوارئ، وافق مجلس النواب في جلسة واحدة على مشروعات قوانين تثبت دور القوات المسلحة في حماية المنشآت العامة والحيوية وتفتح الباب لمزيد من حالات مثول المدنيين أمام القضاء العسكري، وتشدِّد العقوبة على تسريب "أسرار الدفاع عن البلاد" وتمنع إجراء استبيانات أو دراسات تتعلق بالقوات المسلحة دون موافقة وزارة الدفاع، بالإضافة إلى مشروع تعديل على قانون مكافحة الإرهاب.
القوانين الثلاثة التي مرت في جلسة عامة استمرت نحو خمس ساعات، لاقت تأييد الأغلبية البرلمانية بقيادة حزب مستقبل وطن، وعددًا من الأحزاب الأخرى مثل الوفد والشعب الجمهوري، فيما حاولت الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي التي رفضت مشروعات القوانين، تقديم بعض المقترحات للتخفيف من تبعات هذه التشريعات التي حذر نواب الحزب من أنها تؤدي للتوسع في إحالة المدنيين للقضاء العسكري، أو تفرض قيودًا على الباحثين والصحفيين وتعطل البحث العلمي.
التعديلات التي وافق عليها المجلس بعد ستة أيام من إعلان الرئيس إنهاء حالة الطوارئ، جاءت مكملة لحزمة التشريعات التي دفعت بها الحكومة ووافق عليها المجلس قبل عدة سنوات، لتوسيع مفهوم حماية الأمن القومي، ومنح دور أكبر للقوات المسلحة في حماية الأمن الداخلي.
تثبيت دور الجيش في حماية المنشآت
وافق المجلس نهائيًا بموافقة ثلثي الأعضاء وقوفًا على دور القوات المسلحة "الدائم" في حماية المنشآت العامة والحيوية، بعد الموافقة على مشروع القانون المقدم من الحكومة، الذي ينص في مادته الأولى على أن "مع عدم الإخلال بدور القوات المسلحة في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين، وحماية المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات، وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول، وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمه".
بينما تنص المادة الثانية على أن "تخضع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون لاختصاص القضاء العسكري".
رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، أشار إلى أن التعديلات الدستورية التي جرت عام 2019 مهدت الطريق أمام إصدار هذا القانون، مشيرًا إلى النص المعدل للمادة 204 من الدستور "لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم".
مخاوف من المحاكمات العسكرية
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الهيئات البرلمانية لأحزاب مستقبل وطن، والشعب الجمهوري، والإصلاح والتنمية، والوفد موافقتها على مشروعات القانون، رفضت النائبة مها عبد الناصر، عضو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، محذرة من التوسع في محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وتسائلت عن مفهوم المنشآت العامة والحيوية المقصود بها في القانون، وإن كان يدخل في سياقها الطرق الجديدة التي تديرها القوات المسلحة.
وقالت عبد الناصر"لست ضد محاكمة أي شخص يعتدي على منشأة أو يدمر طريقًا، لكن لو عملت حادث على طريق تديره القوات المسلحة هل أتحول للمحاكمة العسكرية؟"، وأشارت إلى بعض المشادات التي حدثت بين مواطنين وعاملين في محطة بنزين وطنية التابعة للقوات المسلحة والتي نتج عنها إحالة مدنيين للمحاكمة العسكرية.
من جهته، رد مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية، اللواء ممدوح شاهين، على اعتراضات عبد الناصر على مشروع القانون، وقال إن القوات المسلحة مارست دورًا في حماية المنشآت العامة والخاصة منذ 2011، "أيامها البلد كانت بتتحرق، وكل الناس تطالب إن القوات المسلحة تحمي جميع المنشآت، المتحف في التحرير كان بيحترق". وتعقيبًا على سؤال عبد الناصر بشأن مفهوم المنشآت الحيوية قال"مثل المجلس، الإذاعة والتليفزيون ومحطات الكهرباء"، مضيفًا "الظروف تستلزم أن القوات المسلحة تستمر في دعم الشرطة في حماية المنشآت".
وكان الجيش تولى تأمين المتحف المصري في فبراير/ شباط 2011 أعقاب انسحاب الشرطة المصرية من الشوارع بعد جمعة الغضب في 28 يناير، بعد أن حاول مخربون سرقته واعتدى عليه من وصفوا بأنهم من "أنصار مبارك"، حيث نفى وزير الآثار حينها زاهي حواس أي مسؤولية للمتظاهرين بهذا الشأن مؤكدًا على أنهم ظلوا يحمون المتحف طوال أيام الاعتصام في ميدان التحرير.
تأييد وتصفيق
اصطفت الأغلبية مع شاهين وصفقوا له عقب كلمته، بينما حاول رئيس المجلس الحد من مخاوف المعارضة وتأثيرها في بعض النواب في القاعة، وقال "القضاء العسكري أمامه استئناف ونقض ويطبق قواعد القانون العام"، موضحًا أنه يتحدث لإزالة أي غموض بشأن القضاء العسكري.
وفي الوقت الذي استمرت كلمات التأييد أعلن النائب عبد العليم داود رفض مشروع القانون، وقال "لا يعقل وأننا نقول للشعب والعالم إننا نلغي قانون الطوارئ، وأصدر زيادة في إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية".
وأعلن ممثل الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، النائب عاطف مغاوري الموافقة على مشروع القانون، مشيرًا لتغير موقفه بعد عدد من الأحداث التي مرت بها مصر، جعلته يغير قناعته بعدما كان يرتدي وشاح يحمل شعار "لا لمحاكمة المدنيين عسكريًا"، قبل سنوات.
أما النائب أيمن أبو العلا، ممثل الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية فجاءت كلمته ردًا على نائبة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي قائلًا "ما سمعناش عن شاب اتحول محاكمة عسكرية من خناقة في ينزينة وطنية أو خبط عمود، ومن لديه دليل على ذلك يتوجه للجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب".
من جانبها، حاولت عضوة المجلس عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، النائبة سميرة الجزار، تقديم عدد من التعديلات التي قد تخفف من تاثير مشروع القانون وتحد من المخاوف المرتبطة به، مثل ربطه بمدى زمني محدد، إلا أن المجلس رفض جميع الاقتراحات. وحاول عضو الحزب المصري الديمقراطي، النائب فريدي البياضي، التحذير من خطورة القانون الذي اعتبره "استثنائي" ومخالف للأعراف الدولية ولاستراتيجية حقوق الإنسان، فرد النائب أحمد العوضي رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، أن هذه التعديلات لا تجعل هذا القانون "استثنائيًا" وبعد الموافقة عليه يصبح "دائمًا".
تشديد عقوبة "إفشاء أسرار الدول"
وفي الوقت نفسه، وافق مجلس النواب، من حيث المبدأ على مشروع قانون تعديل بعض مواد قانون العقوبات التي تشدد العقوبة على "إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة"، وتوسع أيضًا أركان الجريمة.
وبموجب التعديل الذي ينتظر موافقة نهائية لثلثي أعضاء المجلس، "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، كل من:
1-حصل بأية وسيلة غير مشروعة على على سر من أسرار الدفاع عن البلاد ، ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها.
2- أذاع بأية طريقة سرًا من أسرار الدفاع عن البلاد.
3- كل من نظم أو استعمل أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أوإذاعته.
4- كل من قام بجمع الاستبيانات أوالإحصائيات أو إجراء الدراسات لأي معلومات أو بيانات تتعلق بالقوات المسلحة أو مهامها، أو أفرادها الحاليين أو السابقين بسبب وظيفتهم دون تصريح كتابي من وزارة الدفاع.
"وإذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، أو باستعمال وسيلة من وسائل الخداع أو الغش أو التخفي أو إخفاء الشخصية أو الجنسية أو المهنة أو الصفة، أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، أو كان الجاني من ضباط القوات المسلحة أو أحد أفرادها أو من العاملين المدنيين لديها كانت العقوبة السجن. يعاقب بالعقوبات نفسها على الشروع في ارتكاب هذه الجرائم".
موافقات بالجملة
في الوقت الذي دافع فيه نواب تنسيقية شباب الأحزاب، ومستقبل وطن، والوفد، والشعب الجمهوري عن مشروع القانون، مستندين إلى ضرورة حماية الأمن القومي ومواجهة "حروب المعلومات"، حذر عدد من النواب من بعض مواد مشروع القانون التي قد تمس حرية البحث العلمي.
النائبة مها عبد الناصر، أبدت تخوفها من توقيت القانون "لسنا ضد تغليظ العقوبة على إذاعة أسرار عسكرية أو التجسس لكن لدينا بعض التحفظات بشأن التوقيت"، مشيرة إلى تزامن تقديم هذه التعديلات مع قرار الرئيس بإنهاء بحالة الطوارئ، وإصدار استراتيجية حقوق الإنسان.
وتسائلت "ما الفكرة من إيصال رسائل أمن وأمان وطمأنينة، ثم نبدأ نوسع العقوبات وتغليظ العقوبات على البحث والنشر ومفروض من ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان يكون في حرية تداول معلومات، ليس معلومات عسكرية، لكن ما هو تعريف السر؟ نحن نتوسع في هذه الأمور ونعطي رسائل مختلطة للعالم".
على الدرب نفسه سار النائب محمد عبد العليم داوود، معتبرًا التعديل قيد على الباحث والصحفي في أداء مهمته، قائلًا "أنا ضد أي إخلال بالأمن القومي وأي معارض ضد الإخلال بالأمن القومي للبلاد، نحترم القوات المسلحة علشان ماحدش يزايد علينا".
ممدوح شاهين.. مرة أخرى
اللواء ممدوح شاهين كان جاهزًا للرد على اعتراضات النواب، فقال إن التعديلات لا تستحدث نصوصًا، وأشار إلى أن المادة 85 من قانون العقوبات التي توضح طبيعة المعلومات السرية، وقال "لا نمنع باحثين أو صحفيين، ولكن إرجع للقوات المسلحة للحصول على المعلومات الصحيحة"، وانتهز شاهين الفرصة للرد مرة أخرى على مخاوف بعض النواب من القضاء العسكري قائلًا "القضاء مش بعبع، وليس قضاءً استثنائيًا، لا يوجد في الدستور قضاء استثنائي".
ورغم نص قانون القضاء العسكري على أن لا سلطان على القضاة العسكريين في قضائهم إلا للقانون، فإن هؤلاء القضاة، الذين يتلون قسمهم أمام وزير الدفاع، يخضعون لنفس التراتبية وإطاعة الأوامر المعمول بهما في النظام العسكري، وفقًا للمادة 57 من القانون نفسه الذي يمنح الوزير الدفاع حق تعيينهم بناءً على اقتراح من مدير القضاء العسكري.
وتنص المادة 85 من القانون الجديد على عدد من البنود التي يعرفها القانون بأنها سر من أسرار الدفاع وتشمل:
1. المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التى بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرًا على من عدا هؤلاء الأشخاص.
2. الأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور، وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها، والتي يجب أن تبقى سرًا على من عداهم، خشية أن تؤدى إلى إفشاء معلومات مما أشير اليه فى الفقرة السابقة.
3. الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشؤون العسكرية والاستراتيجية، ولم يكن صدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة لنشره أو إذاعته.
4. الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التى تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها فى هذا الباب أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها، ومع ذلك فيجوز للمحكمة التى تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها.
محاولات تعديل مرفوضة
حاولت النائبة سميرة الجزار إجراء بعض التعديلات على مشروع القانون، ولكن رفضها المجلس جميعًا، وتمسك النواب بالمساواة في العقوبة بين إتمام الجريمة، والشروع فيها.
ورفض المجلس ومساعد وزير الدفاع اقتراح النائبة عن الحزب المصري الديمقراطي، أميرة صابر، بإضافة نص يلزم وزارة الدفاع، بالرد على طلبات إجراء البحوث والدراسات، خلال مدى زمني محدد، وقال شاهين "النص منذ عام 1957 ليس به مدة وأنتم تعلمون أن القوات المسلحة لا تتأخر عن الرد، لو لم نرد يعتبر القرار سلبي لكن أي حد يتقدم نرد عليه خصوصًا البحث العلمي".
ومكافحة الإرهاب
التعديل الثالث الذي وافق عليه المجلس اليوم، في قانون مكافحة الإرهاب، رقم 94 لسنة 2015، وأرجأ المجلس الموافقة النهائية التي تتطلب أغلبية الثلثين لجلسة لاحقة.
ورغم إنهاء الرئيس لحالة الطوارئ؛ أوضح تقرير لجنة الشؤون الدستورية أن مشروع القانون يستهدف مواجهة أخطار الجرائم الإرهابية، واستيعاب النماذج المستحدثة فى هذا المجال.
وتضمنت التعديلات مادتين، تضمنت المادة الأولى الفقرة الأولى من المادة (53) التي تجيز لرئيس الجمهورية، متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليها كوارث بيئية، أن يصدر قراره باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، وبموجب التعديل، يتضمن قرار رئيس الجمهورية إلى جانب تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر، تحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة لتلك التدابير.
و استحدثت التعديلات مادة للعقوبات حال مخالفة التدابير أو القرارات التي تصدر عن رئيس الجمهورية بموجب المادة 53 من القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير، تحقيقا للردع العام حال مخالفة تلك التدابير أو القرارات.
واستحدث التعديل كذلك مادة 32 مكرر التي أضافت عقوبات في تجاوز القرارات الصادرة بشرط ألا تزيد العقوبة المقيدة للحرية على السجن المشدد وألا تزيد الغرامة على مائة ألف جنيه.