الصراخ القادم من الدور الرابع للعمارة المقابلة، للسيدة التي تطلب الطلاق طوال الشهور الأربعة الماضية، تهديد الابن لأبيه بالهرب من فيلا العائلة المسيحية المجاورة، تتلوه أصوات أثاث يتحرك من مكانه قبل أن يتهشم، العد التنازلي لطفل في السابعة من عمره مخبرًا رفاقه ببداية دورة جديدة في السبعاوية (السبع طوبات)، تتخللها صوت بكاء شقيقه الأصغر بعد أن كادت أن تدهسه سيارة، قرقعة خمس قلابات أسمنت متزامنة استعدادًا لرفع أربعة أدوار جديدة لخمس عمارات جديدة بالشارع.
رائحة جثث الكلاب الضالة التي تم رميها في الأرض الفضاء الخلفية، رائحة لا تزيحها مروحة المصانع الحربية التي لا تجدي كثيرًا مع إزالة آثار جحيم الأسبوع الثاني من يونيو، جحيم يلقي بجسد مجهد على سرير خشبي، إلى جانبه قلم رصاص HB يخترق بكرة شريط كاسيت TDK شفاف يخرج منه شريطه الأسود على هيئة كرة ملفوفة حول بعضها، فيما يبدو أنها محاولة يائسة لـ"تسليكه" وإنقاذه من أن يصبح شريطًا "مسفوفًا"، اليأس يصبح مضاعفًا مع كونه الشريط الذي يحمل على وجهه A أغنية Alive من فريق جديد مرسوم اسمه الأول على الغلاف Pearl، وعلى وجهه B أغنية There She Goes لفريق The La’s، الحروف مرسومة بمعرفة صاحبها بألوان مختلفة، في محاولة لمضاهاة الغلاف الأصلي لألبومات لن تصل أبدًا إلى روكسي، ولكن يمكن التقاطها في الساعة 11 مساءً على شمال الموجة القصيرة لمسجل AKAI من ذبذبة مستحيلة لراديو كندا الدولي.
أوقات الادعاء والتظاهر تنحت جانبًا على نحو مؤقت مع انتهاء العام الدراسي، تتفهم أسباب انتحار والد أحد رفاق المدرسة بعد عودته من الكويت بأربعة أشهر فقط، تفتقد متابعة عملية قصف الأهداف العراقية عن طريق الـCNN، تقطعه تدخلات لاري كينج لشرح عملية تحديد الأهداف من خلال الكاميرات المثبتة في الطائرات الأمريكية، في انتظار المكالمة التي تأخرت أسبوعًا من فريقك تمهيدًا لمباراة أمام الحديقة الدولية، قد تشمل "عفريت" عنده 16 سنة يلعب على بعد 10 كيلومترات في نادي السكة الحديد اسمه محمد بركات، الدقائق تمر بطيئة في اتجاه الساعة الثانية حيث الخلاص المؤقت في حروف ثلاثة: CFI، حلقة لتعليم الفرنسية للمبتدئين، حلقة سيت كوم تضم مراهقين باريسيين وباريسيات من أعراق مختلفة، أغنية الأعجوبة الجديدة القادمة من دكار MC Solaar بعنوان اجري من هنا.
كل شيء يدور من حول Solaar في حي كليشي لاجارنيه يبدو مألوفًا للغاية، يشير بالدولارات في وجهي، برفقة أصحابه في سيارة مكشوفة يجوب أنحاء كليشيه في فخر لا يليق بملابسه الكاجوال "الساكاند هاند"، القطع المفاجئ من هؤلاء الصعاليك إلى ملعب الأمراء بدا مربكًا ولكنه مرضٍ، هذا ما تنتظره على نحو أسبوعي، ذلك الفتات الفرنسي المسجل، مرة حوار مطول غير مترجم مع فالديفراما أسطورة مونبيلييه، ومرة نهائي الكأس الذي كنت تنصت إلى تفاصيله من خلال نفس الذبذبة اليائسة البائسة لراديو مونت كارلو قبلها بأسبوع.
كل ما تريد رؤيته هو مشاهدة كيف يركع مارسيليا بالتصوير البطيء، أمام موناكو.
سقوط إمبراطورية تتمدد على نحو سخيف أمام جورج ويا، ويوسف فوفانا، وإلى جانبه مجموعة أطفال بأسماء يوري ديوركاييف ومانويل بوتيه، وروجر ميندي، وصديق من الأمس مثل رامون دياز.
الضربة الركنية من عبيدي بيليه إلى باسيلي بولي في كل مرة تبدو مرعبة، قبل النهاية الكلاسيكية في الدقيقة الأخيرة التي سمعت عنها أسبوعًا كاملًا، رامون دياز البديل يمرر الكرة إلى زميله البديل الأخر جيرالد باسي، ذلك الأخير يضعها ببطن القدم في سقف مرمى مارسيليا تحت نظر باسكال أولميتا.
أرسين فينجر يغالب دموعه من الفرحة في حديثه لـTF1، فرانك سوزيه يحاول أن يواسي رفاقه القدماء في مارسيليا ملقيًا نظرة إلى المقصورة حيث يقبع الوجه الممتلئ لرجل أنيق يجلس محاولًا الاحتفاظ بسكونه إلى جانب فرانسوا ميتران، الرجل الذي غير حياة ملايين المراهقين في ذلك العام 1991، فرحة مضاعفة برؤية إمبراطوريته تسقط للمرة الثانية في أقل من شهر بعد نهائي دوري الأبطال في تلك الليلة من مايو أمام رد ستار بلجراد.
ذلك الوجه الممتلئ من الصعب نسيانه، خاصة لمن يتابعون فترة استراحة ما بين الشوطين للدوري المحلي قبل ست سنوات، ذلك الوجه الذي كان يبدو متأثرًا للغاية وهو يغني آخر أغنياته الناجحة حياة مثيرة، الاسم تتم كتابته على الشاشة قبل ختامها بدقيقة بالضبط، برنار تابي (1943-2021)، يخبرنا في ثقة غير مزيفة بأن "الحياة المثيرة هي الحياة الناجحة، مثل عبور محيط دون معرفة لماذا ومن أجل من، عندما تكون عملاقًا، عندما تصبح أنت كل شيء، شاعرًا أو فلاحًا، نصف شيطان، نصف رقيق، إنها فقط المغامرة".
هو نفسه الوجه الممتلئ على إحدى صفحات جريدة العالم اليوم مالكًا جديدًا لأديداس، هو المسؤول عن تلك الشرائط الثلاثة على الكتف لفريق ليفربول، ونفسها الشرائط التي على كتف قميص رقم 4 لـ بدر رجب الذي كان متاحًا في أسواق القمصان المضروبة، إنه القميص نفسه الذي عرف مجموعة من أتعس لحظات الأهلي في تلك الحقبة على الإطلاق، تلك الرغبة بسقوط إمبراطوريته المصطنعة لم تكن متسقة مع أنه جعل من مارسيليا الماركة الأساسية لثقافة فرنسية جديدة من الممكن بيعها لجمهور على الطرف الآخر من المتوسط، ربما هي السلعة التي سوقت لهم فكرة الجنة على الطرف الأخر.
متابعة برنار تابي بدت دومًا كالانضمام لحفلات شخصية جاي جاتسبي الأسطورية، التي لا تعرف نهاية، الديماجوجية، والتسلق والانتهازية والنبرة الشعبوية هي مجرد مكسبات لون وطعم ضمن رحلته من ثقب الباب الذي فتحه ميتران خلال النصف الأول من الثمانينات، ممثلًا لنموذج رأسمالي طموح طالما أرعب الفرنسيين، ذلك الوسيط لانتشال الشركات المتعثرة والخاسرة قبل مساعدتها لغرض بيعها بضعف قيمة أصولها.
تايكون جديد يمارس شعبويته على نحو يومي، للحد الذي جعل قربه من ميتران مبررًا لاعتبار نفسه "اشتراكي الهوى، رأسمالي الخطى"، كان يلاحقه دومًا كابوس صباحي الذي يقود فيه إحدى دراجات فريقه لا في كلير قبل أن يصطدم بالحائط في إحدى جولات طواف فرنسا الدولي خلال النصف الأول من الثمانينات، لكنه كان ماضيًا في طريقه على نحو متسارع، جاذبًا كراهية جميع الصيادين في بحيرة سوق الرياضة الفرنسي الراكد.
تابي كان الكابوس لتلك النماذج الكلاسيكية لإدارة كرة القدم القادمة من منتصف السبعينيات، كـ كلود بيز مالك بوردو، بشاربه الكثيف، وصوته المنفر وعلاقته المتوترة بالصحفيين، أو فرانسيس بوريللي مالك باريس سان جيرمان القادم من عالم طباعة الكتب، الذي بدا ناجحًا لمجرد استقدام سوبر ستار مثل صوصيتش، أو مالك تقليدي آخر كان يدور في نفس الفلك كـ ماكس بويير من نادي نانت، كلها أسماء تملكها القلق الشديد من تسونامي السمسار تابي عند توليه مهمة شراء حطام مارسليا في 1986.
تابي أراد أن يجعل من أولمبيك مارسيليا معمله الخاص للتجارب في محيط فرنسي بتركيبة كروية محافظة رغم التتويج كمنتخب بطلًا لأوروبا 1984، أن يتسلم ناديًا على حافة الانهيار لأكثر من عقد كامل، في مدينة تعيش توتراتها العرقية الخاصة في ظل صعود الجيل الثاني للمهاجرين، يتابعون ناديهم وهو يسقط على يد 12 رجل أعمال فاشلين ظلوا في ظلال بوردو بيز، أو باريس بوريللي لفترة طويلة.
نادٍ فرغ لتوه من جنازة رئيسه السابق جان كاريو، الذي أقدم على الانتحار بعد 10 شهور فقط عقب استقالته.
تابي رأى في جمهور مارسيليا أفضل زبائن من الممكن الحصول عليهم، وأفضل سوق يمكنه التمدد منه لأسواق أكبر في انتظاره. المزيد من الشعبوية الإضافية سيجعله حليفًا لحكومة ذات ميول اشتراكية، ورأس حربة إعلامي في مواجهة لوبان نجم غلاف حركات اليمين المتطرف، وأذرع الجبهة القومية الفرنسية. تابي نفسه أتاح لـ لوبان أن يستضيف مؤتمرا شعبيا للجبهة بين جنبات الفيلودروم، معقل مارسيليا في تلك الظهيرة الشهيرة من أبريل 1988. تابي أراد عبر مارسيليا صناعة بعبع يبرر له رحلة صعوده السياسي، خاصة على المستوى التشريعي نفس العام.
لم يكن صعود تابي إلى القمة مصادفة في توازيه المثير جنبًا إلى جنب بيرلسكوني في ميلان، أو بابلو إسكوبار إمبراطور عالم المخدرات برفقة أتليتكو ناسيونال في ميديين.
فلسفة تبدو متأثرة بصورة روبن هود جديد عائد لاستعادة الأمجاد عن طريق النقود وحدها، بناء إمبراطوريات لا تخجل من الهيمنة، كسلم شعبوي لصعود سياسي لامع. النتيجة هي حفنة من البطولات المحلية والقارية، وعملية تغيير ثورية بالكامل، ليس فقط في فرنسا وإيطاليا وكولومبيا، ولكن بالنسبة لأهم قارتين كرويتين على الإطلاق، وتحت أنظار ثلاثة أسماء مغمورة في مقاعد المدريبين آنذاك، مثل جيرار جيلي وأريجو ساكي وفرانشيسكو ماتورنا. هذا الثلاثي أثبت أن النقود ليس فقط بإمكانها أن تحدث ثورات صغيرة في كرة القدم أو قادرة على إحراز البطولات خلال النصف الثاني من الثمانينات وانطلاق التسعينات.
إنها الثقافة الجديدة التي زرعها تابي في محيطه الفرنسي الضيق نسبيًا، محاولًا اصطياد أول فرائسه بالتعاقد مع ألان جيريس من خلف عراب بوردو كلود بيز في صيف 1986، إنها أدبيات عصر تابي الجديدة، في إطار سياسة تجديد قطع غيار سيارة مارسيليا المفككة.
في مسار أكثر فوضوية من خطوات بيرلسكوني– جالياني؛ تابي أراد أن يجعل من ميشيل هيدالجو جالياني الخاص به، رغبة في انطلاق حفلته في مارسيليا في أقرب وقت ممكن، واضعًا أنطوان بيل وهانز فورستر وجيريس ودوميرج وقنبلة جديدة كانت مدفونة في دهاليز بروج اسمها جان بيير بابان في واجهة مشروعه الجديد. لكن مارسيليا كان معملًا للتجارب في جزء كبير منها، لم تسفر عن حصاد حقيقي سوى بعد ثلاث سنوات كاملة من السقوط أمام كلاسيكية بيز وبوريللي، من خلال الاعتماد على سياسة مضاعفة إنفاق أكبر أتاحت الحصول على فرانك سوزيه وكلاوس ألوفس واستعادة أعجوبة غانية متمثلة في عبيدي بيليه، كان تائهًا في خانة الإعارات إلى القسم الثاني أو إلى المغمور ليل، إعطاء فرصة جديدة لمتقلب المزاج إيريك كانتونا، الانتقال في الإدارة بين جيرار جيلي وجيرار بانديه ثم جيلي مرة أخرى.
أول طعم حقيقي لمارسيليا الجديد كان في تلك الليلة من ربيع 1989، التي تم فيها حسم أول لقب للدوري المحلي منذ حوالي 15 عامًا عن طريق قنبلة فرانك سوزيه على يسار جويل باتس في مواجهة باريس سان جيرمان الحاسمة على اللقب، إنها المرة الأولى التي أظهر فيها مارسيليا تابي رغبته الحقيقية في تقديم "العرض لجمهوره والعوائد لخزانته" جنبًا إلى جنب، على نحو أكثر عملية وأقل رومانسية من عصر سانت إيتيان السبعينات.
مارسيليا النموذج الفرنسي الخجول القادم من ظلمات القسم الثاني في مطلع الثمانينات تحول إلى وحش، يتضخم رويدًا ربما أكثر استفزازًا للحد الذي قد يدفع تابي لدفع 10 ملايين دولار مقابلًا لإنجليزي موهوب باسم كريس وادل، ليس فقط كفتى غلاف للفريق، ولكن كحجر زاوية للفريق الذي سيجهز تمامًا على ميلان ساكي بعدها بعامين.
الفريق الذي كان يحوي واحدا من أسوأ دفاعات القسم الأول في 1986، أصبح يمتلك أفضلها مع قدوم عام 1990، ليبرو كلاسيكي سيعاد تقديره لاحقًا باسم كارلوس موزير، معه الطرفان أموروس ودي ميكو، قبل الاعتماد لاحقًا على باسيلي بولي، مع استقدام للاعب ارتكاز واعد من جيل 1987 للشباب باسم ديديه دي شامب، برفقته العجوز تيجانا وفرانك سوزيه وأحد أكثر اللاعبين تعرضًا للظلم على مستوى خطوط الوسط الأوروبية في تلك الفترة مثل بيرنارد كازوني، وادال إلى جانبه بابان ومعجزة أخرى بعنوان إنزو فرانسيسكولي ولا مانع من استقدام دراجان وستيوكوفيتش في منتصف الطريق.
تابي أكمل حفلته "الجاتسبية" الطابع على مدار العامين التاليين برفقة ثلاثة مدربين كاملين، مرورًا بجيلي، قبل أن يفجر قنبلته الأكبر مع استقدام فرانز بيكنباور، قبل الاستغناء عنه هو الآخر، وجلب داهية بلجيكي مثل ريموند جوتاليس.
مواجهة بنفيكا في تلك الليلة من ربيع 1990 في فيلودروم بنصف نهائي دوري الأبطال، ربما هي أبرز إعلان عن مدى الجاذبية التي كان يريدها تابي من فريقه: كرة قدم هجومية الطابع من البداية للنهاية، 3- 2- 4-1 تتيح حتى لموزير نفسه التقدم للهجوم، ولكازوني صناعه الأهداف قادمًا من الخطوط الخلفية، وادل أعطى معانٍ جديدة للجناح متحركًا بين الجانبين الأيمن والأيسر متيحًا مساحات شاسعة لبابان وفرانسيسكولي، ثم بيليه لاحقًا للتحرك خلف دفاعات الخصم بسرعة حاسمة، أربع ثوانٍ وخمسة أمتار أمام أي من ثلاثي الهجوم كفيلة بإحراز حفنة أهداف.
الخسارة بهدف من يد ڤاتا ماتانو جارسيا من بنفيكا في مباراة العودة، كان كفيلًا بتشكيل نقطة تحول حقيقية بالنسبة لتفكير تابي، وهي فكرة غياب العدالة التي ربما تطيح بفريقه من لقب أفضل فريق في أوروبا، ذلك الحلم الذي كان معادلًا لشخصية ديزي بالنسبة لجاتسبي.
تابي أدرك أن عالم كرة القدم أكثر تعقيدًا مما كان يتخيله، كان يدرك أن فريقه بإمكانه أن يطيح بميلان في ذلك النهائي من عام 1990، نفس خيبة الأمل التي تعرض لها على يد رد ستار بركلات الترجيح في نهائي العام التالي، قبل أن يتسبب التحكيم مجددًا في خيبة أمل ثالثة أمام سبارتا براج، حيث حولت "العدالة الخاصة" هيمنة فريقه الكاملة، وأحد أفضل عروضه على مدار سنوات تابي السبع إلى نكبة، من التقدم 3 – 0 إلى 3- 2، قبل الخسارة 1- 2 في براج، لتفوته فرصة تحقيق نهائي أحلام حقيقي أمام برشلونة كرويف في نهائي 1992.
رغم إطاحته لميلان في ربع نهائي دوري أبطال 91، وإنهاء حقبة ساكي عمليًا في فيلودروم، تابي كان هاجسه الأساسي حتى بعد أن أضحى وزيرًا في الحكومة مطلع التسعينيات أن يصبح ملكًا للقارة مع فريقه، كاسرًا الخجل الفرنسي من فكرة الهيمنة القارية، وذلك الخجل من أن يكون هناك تايكون وراء ذلك المشروع، مفضلًا بيع بابان والاستغناء عن وادل، واستقدام فابيان بارتيز، رودي فولر، ومارسيل ديسايي وجويلين أنجلوما إلى جانب ألان بوكسيتش.
تابي كان يواصل لعبة الروليت الخاصة به في عملية تغيير الفريق بصورة متواصلة، ليصبح التحول بين عامي 1992 و 1993 هو أغرب عملية تغيير دم لفريق أوروبي كبير عرفتها القارة على الإطلاق.
رغم هذا كان مارسيليا الماركة المسجلة لفرنسا التسعينات، المندفعة، الأكثر بريقًا، تمازجها العرقي الأكثر تنوعًا، حفلة متواصلة مقرها الفيلودروم طيلة موسم 92 – 93، يمكن التعرف عليها من خلال مباراة ميتز ذلك الموسم على سبيل المثال، التي أضحت فيها ألعاب بيليه الأكروباتية أو تسديدات دي شامب وفرانك سوزيه وخشونة ديسايي رمزًا لكل ما يكرهه الجميع في مارسيليا.
كان فريقًا مستعدًا للتتويج في كل موسم، لكن تابي كان لديه الاقتناع الكامل بعد الوصول لنهائي دوري أبطال 93 أمام ميلان أن أي محاولة لإفشال حلمه غير مقبولة، حتى لو كان الثمن هو شراء نتيجة مباراته المحلية أمام فالانسيين في تلك الظهيرة من مايو 1993.
تابي كان يبكي داخل غرفة خلع الملابس محتضنًا كأسه الأوروبي الذي طالما حلم به، فائزًا بواحدة من أكثر نهائيات دوري الأبطال مللًا على الإطلاق، لكنها واحدة من أكثر المبارزات التكتيكية إثارة على الإطلاق، كدرس من دي ميكو وإيديلي في إيقاف لينتيني ودونادوني، والمبارزة الموازية من ديشامب وسوزيه للتعامل مع ألبرتيني وريكارد في منتصف الملعب.
كل شيء في ذلك النهائي في ميونيخ بدا غير منطقي، كبداية لحقبة جديدة يقودها أول فريق فرنسي يفوز بذلك اللقب القاري على الإطلاق.
كل شيء بدا ساطعًا حتى تم الكشف عن ذلك الاجتماع الذي جمع إيديلي بثلاثي فالانسيين جلاسمان وكريستوف روبرت وبطل كأس العالم 1986 الأرجنتيني خورخي بورتشاجا قبل مبارتهما بالدوري، اجتماع شمل 250 ألف فرنك مقابل التساهل. عام كامل من الفضائح المتواصلة، عرف توضيحًا بليغًا من تابي لقاضية التحقيقات في القضية، عندما حاول الدفاع بنفسه قائلًا "أنت تعلمين أن كرة القدم حافلة بالغرائب".
تحول تابي من جاتسبي العصر الحديث إلى بطل تراجيدي كلاسيكي كان متسقًا مع مسار عام 1993، الذي كان حالكًا على الصعيد الفرنسي، والذي بدا متصاعدًا منذ اعتراف كلود بيز بأنه قدم فتيات ليل لحكام مباراة فريقه بوردو لأيندهوفن عام 1982، ثم تورطه في قضية احتيال كبرى في عام 1994، تلاه التعثر المالي الكبير لماكس بويير، الذي أجبره على الاستقالة من نانت، حالة تعثر مشابه أجبرت بوريللي على ترك سان جيرمان وبيعه لمجموعة كانال بلوس الإعلامية.
عام كارثي كانت حبة الكريز فيه صاعقة كوستادينوف أمام بلغاريا في تصفيات مونديال 1994، وكأن فرنسا اختارت تلك المواعيد لأن يكون العام صفر لكل ما سيأتي بعد خمسة أعوام من التعافي فائقة الصعوبة.
التعافي بالنسبة لمارسيليا كان أكثر تعقيدًا، بتواجد إجباري عقابي في القسم الثاني على خلفية قضية فالانسيين، تبعه أوقات مظلمة بعد الصعود للقسم الأول.
سنوات ما بعد رحيل تابي أتت بفريق شاب مهلهل، عرف الخسارة بثمانية نظيفة أمام ليون في 1997، منها سبعة أهداف في الشوط الأول، في ليلة كان فيها الحنين لتابي أكثر من أي وقت مضى، كبطل شعبي، وليس كسبب مباشر لأزمتهم، وحدها تلك الليلة من خريف أعطت تفسيرًا عن السبب الذي أقنع باريسي مثل تابي أن يتبنى ذلك النادي الساحلي قبل أكثر من 10 سنوات، أن تكون متأخرًا في الفيلودروم برباعية نظيفة بعد الشوط الأول، قبل أن تحقق الفوز 5 – 4 في نهاية الأمر في أشجع عرض قدمه فريق بكرة القدم الأوروبية خلال التسعينات، في أقرب نسخة شبهًا من مشروع تابي بتجميع أسماء مثل لوران بلان، وروبير بيريس، ولوسين ووليام جالاس، دوجاري، تيتي كامارا، رافانيللي، موريس، دانيال برافو.
لليلة واحدة كان واضحًا لجمهور مارسيليا أن النوستالجيا لتابي أضحت نموذجًا يمكن السير عليه، حتى لو كان الطموح أقل قليلًا من الهيمنة على القارة، بل يمكن اعتباره نموذجًا لم يفارق مخيلة رومان أبراموفيتش في تشيلسي وسليمان كريموف قيصر أنجي، وديمتري ريبولوفليف مع موناكو، ومعهم مجموعات دبي والدوحة برفقة مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، تابي كان بطلهم التراجيدي المفضل، الذي كسر خجلهم من حقيقة أن البطولات يمكن شراؤها بالأموال، حتى لو كان تابي وصل لحافة تلك الحقيقة بتطبيقها حرفيًا؛ تابي هو ذلك الوغد الذي تكره عملية نجاحه في تغيير واقعك، أن يجعل منك "زبونه" حتى كنت لو تكره بضاعته.