حملت مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في فعاليات القمة الإفريقية دلالات أكبر من مجرد المشاركة في حدث إقليمي، ذلك أن هذه القمة تنعقد في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، لتتوارى المشاركة البروتوكلية في القمة لصالح الحديث عن أزمة سد النهضة بين البلدين.
على هامش هذه القمة، أكدت مصر -الرسمية- أن هناك توافقًا مع أثيوبيا على تجاوز الخلافات الناجمة عن أزمة السد، نحو بناء علاقات ثنائية جيدة بين البلدين، وذلك على خلاف الخطاب "نصف الرسمي" في الأزمة نفسها، والذي يصدر عن مسؤولين سابقين خاصة في أجهزة أمنية، أو عن برلمانيين، يتهم أثيوبيا بالاشتراك في مؤامرة أمريكية إسرائيلية، تستهدف أمن مصر.
عقب لقاءٍ جمع السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، أدلى وزير الخارجية المصري سامح شكري بتصريحات للصحافيين، موضحًا أن اللقاء "تناول موضوع مياه النيل والتزام الطرفين بالبرنامج الإطاري لإعلان الخرطوم وتنفيذه بالكامل وبحسن نية، والعمل على تخطي أي عقبات تنشأ على هذا المسار المتصل بالتعاون".
وتابع الوزير، في التصريحات التي نقلتها عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، أن "ديسالين أكد تفهّمه الكامل لما تمثله مياه النيل للمصريين، بكونه شريان الحياة، وتفهّم القاهرة كذلك لحق بلاده في التنمية".
واعتبر الوزير المصري أن القلق المصري "مشروع، نظرًا لما يمثله نهر النيل كمصدر حياة للمصريين، لكن لابد من النظر للأمور بموضوعية، من أجل العمل على إقامة علاقة شراكةبين الأطراف الثلاثة بعد سنوات طويلة من الشك".
أثيوبيا ترى أن من حقها إقامة السد، وتعتبر هذا المشروع "مشروعًا سياديًا قوميًا لا يقبل التهاون فيه"، وأن دخولها في المفاوضات مع دولتي المصب، أي مصر والسودان، جاء "لبناء الثقة"، بحسب الناطق باسم الحكومة الإثيبية "جيتاجو ردا" لوكالة أنباء الأناضول التركية.
أين تقف الأزمة؟
بحسب الاتفاق الذي وقعته أثيوبيا والسودان ومصر، فإن خبراء من الدول الثلاثة يدرسون في هذه الأثناء العرض الفني المشترك الذي قدمه مكتبان استشاريان لبناء السد، على أن تجري، بعد إتمام الدراسة، جولة مفاوضات بين الدول الثلاث، يحضرها ممثلون عن الشركتين اللتين قدمتا العرض الفني، والخبراء الذين درسوا هذا العرض.
وستكون هذه المفاوضات منصبة على بعض التفاصيل التقنية، التي من الممكن أن تقدم فيها أثيوبيا بعض التنازلات من أجل طمأنة دول المصب.
ومن المفترض أن تحاول القاهرة إقناع أثيوبيا خفض ارتفاع السد البالغ 145 مترًا، وتقليل سعته التخزينية البالغة 74 مليار متر مكعب.
وفيما عدا ذلك، فإن أي حدث عن التفاوض مع أثيوبيا حول وقف مشروع بناء السد، بإقناعها، أو عبر تهديدها، لا يبدو أمرًا محتملًا على الإطلاق.
وعي مصري بالخيارات المحدودة
تبدو مصر على قناعة تامة بأن السد بات أمرًا واقعًا لذلك فإنها تحاول تحسين الأوضاع بعد الانتهاء من بنائه، ولذلك، فقد أدلى علاء ياسين، مستشار وزير الري المصري والمسؤول عن ملف سد النهضة، إن القاهرة تشعر بالقلق مع تزايد عمليات بناء السد قبل الانتهاء من المفاوضات.
وتبدو مصر، أيضًا، على وعي تام بأن وسائلها في الضغط على أثيوبيا محدودة، فحتى عندما حذرت القاهرة أديس أبابا من المضي قدمًا في أعمال البناء بوتيرة أسرع من الدراسات الفنية المتعلقة به، والتي جرى النص في إعلان الخرطوم الموقع في مارس/آذار الماضي على احترامها، فإنها حذرتها من أن هذه السياسة قد "تدفع دولًا أخرى من دول المنابع إلى القيام بعمل مماثل، ما يضاعف الأضرار التي تلحق بمصر في المستقبل".
إلى ذلك، يرى عضو مجلس النواب محمد بدوي دسوقي أن زيارة السيسي لأديس أبابا تقطع الطريق على إسرائيل التي تهدد أمن مصر من خلال سد النهضة والذي "ما هو إلا صناعة أمريكية وإسرائيلية لزعزعة الأمن القومي المصري"، إذ رأى في الزيارة أنها "تأكيد على الدور الكبير لمصر في القارة الأفريقية".
أما خبير السدود في الأمم المتحدة أحمد الشناوي، فيرى أن مصر أدركت أخيرًا أن "المفاوضات الفنية مع أثيوبيا لا أمل فيها ولا نتيجة مرضية من ورائها"، وعليه فقد استنتج أن "قيادة مصر لتحالف عسكري في شمال أفريقيا خطوة موفقة جاءت في الوقت المناسب لمواجهة طموح أثيوبي مؤذٍ لمصر".
هذا الحلف، أعلن عنه السفير المصري لدى أديس أبابا أبو بكر حنفي بحسب موقع "المصريون"، الذي نقل عنه القول بأن "مصر دخلت ضمن تحالف عسكري بشمال إفريقيا تتولي رئاسته، بهدف حفظ الأمن في تلك المنطقة".