1
تعرفت عل خلود سعيد في فبراير/ شباط 2011 أثناء إحدى الوقفات الاحتجاجية على سلم مكتبة الإسكندرية، الذي تحول إلى هايدبارك لإنتلجنسيا الثورة في المدينة.
كانت تعمل في المكتبة آنذاك، ونزلت في فترة الراحة، وفي يدها ساندويتش، لترى ماذا يحدث. بعدها صارت بيننا علاقة مريحة، بها مودة خالصة تمنحها خلود دائمًا لأصدقائها. لها طريقتها الأمومية في الاهتمام بهم، ولكنها أمومة، بها مسافة، غير متجردة من ذاتها، تنتظر لحظة احتياج هذا "الآخر" لها، من دون أن تفرض مشاعرها عليه.
لم أحظ بهذه المشاعر الأمومية، ولكن رأيتها في علاقاتها بأصدقائها التاريخيين. كان لخلود أصدقاء تاريخيون في هذه السن المبكرة، وربما أبكر من هذا، فالتاريخ يُصنَع عندها بقوة العلاقة، والإخلاص لها، والعمل والحلم المشترك، وبعمق ومساحة الذاكرة الجمعية، التي تجمعها بهذا "الآخر"، وهي أنشط الدوائر التي يتعتق فيها الزمن بالنسبة لخلود، ولآخرين.
ربما بدأ هذا "الوعي التاريخي" منذ طفولتها مع جماعة الصحافة في المدرسة الابتدائية، وذهابها مع عائلتها لشاطئ ميامي أو المندرة، حيث الأب يحمل الشمسية، والأم تحمل حقيبة السندوتشات والترمس، والأخوات يحملن الكراسي والكولمان. تلك الصورة التي كتبت عنها خلود كنموذج لذاكرة زمن الطفولة، حيث الكل يعمل ويشارك، والكل يبحث عن السعادة والفرح. ربما هذا "الوعي التاريخي" اتخذ مذاق وحساسية النموذج العائلي، في أواصره، ومنطق تعاملاته.
2
أغلب نشاطاتها الحياتية والفكرية والدراسية، كانت من أجل التوفيق بين الطريقين: الذاتي والموضوعي، بل ومد الجسور بينهما، والعثور على المُركَّب الذي لا يلغي الآخرين، ولا الفرد. تقول في نص لها، تتحدث فيه عن نفسها "كانت طفلة وفتاة مطيعة وطالبة مثالية إلا أنها تمردت على بعض التابوهات وأخذت الطريق الذي يسلكه العدد الأقل من الناس كما قال روبرت فروست في قصيدته الشهيرة".
حتى انتقالها من مرحلة الحجاب لما بعده، تم بسلاسة، بدون أن نشعر أن هناك شيئًا جوهريًا تغير، فالحجاب كان تعبيرًا عن نموذج مجتمعي آنذاك، وخلعه تعبير عن فكرة ذاتية، ربما بدأت تظهر بوضوح، بعد ثورة يناير، في شكل نظرتها الناقدة لهذا المجتمع الكبير، وذاكرته الجمعية. ليس تطرفًا أو رفضًا له، ولكن إعادة صياغة للمكان الشخصي داخل هذا المجتمع الكبير، وإعادة النظر لهذا المجتمع ورموزه من زاوية مختلفة.
3
حكت لي خلود عن عملها التطوعي في مبادرة أدوار، إحدى فترات حياتها الهامة عام 2005، بعد تخرجها من كلية الآداب قسم إنجليزي، وعملها في عدة وظائف مؤقتة لها أحلام مؤقتة، كمدرسة لغة إنجليزية، أو في إحدى دور النشر، فقط من أجل تسيير اليوم.
كانت المبادرة نوع جديد من العمل التطوعي تمس قضايا اجتماعية في غاية الأهمية، مثل التعليم، والبيئة، والعمران، وغيرها، وسبل معالجتها عبر تنمية الوعي الشخصي، وباستخدام طاقة الفن وأساليبه الإبداعية. خلال عملها التطوعي في هذه المبادرة كونت مجموعة جديدة من "الأصدقاء التاريخيين"، غير العائلة وزملاء الكورال، والصحافة المدرسية، الشارع والبحر.
كان الشباب في ذلك الوقت يبحث عن "دور" في الحياة لم تمنحه له أي سلطة سياسية آنذاك. كل شاب كان يحمل عبء تمثيل هذا الدور المتخيل، والديمقراطية الغائبة عن المجتمع، ويحققهما داخل هذه الجماعة الشبابية الصغيرة، التي تشاركه أحلامه، وربما لا يتم هذا إلا بتفان وإخلاص تامين، لمفهوم "الآخر"، أكثر من تفانيه للأفكار، وأيضا بمثالية لا ضفاف لها.
في هذا الوقت من عام، 2004، أو 2005، شاهدت في الترام مجموعة من الشباب يوزعون على بعضهم البعض استمارات الاشتراك في حزب الغد. اندهشت تمامًا أن هناك من يهتم بالسياسة التي تحولت لنفق مظلم في عهد مبارك، وبعد أن فُقد الأمل تمامًا في ظهورها مرة أخرى مع الجيل الجديد. ملأ حوالي نصف مليون شاب، على ما أتذكر، استمارات الحزب؛ رقم لم يعد كبيرًا، مع هذا الجيل، الذي كانت له أدوات للتواصل والتشبيك، أوجدتها التكنولوجيا في وسائل التواصل الاجتماعي، بعدها كنت أشاهد عربات الشرطة باستمرار تحيط بمقر الحزب في جناكليس (أحد أحياء الإسكندرية، يقع في منطقة الرمل).
4
كان هذا الجيل الجديد، يشعر بفراغ شديد من حوله، وعدم ثقة في تجربة الأجيال التي سبقته، التي أوصلتهم لحائط سد. تلك الأجيال الأقدم، آباء الجيل الجديد، التي عاشت وترعرعت إما في الخليج، تربية ووعيًا، أو الذين مكثوا، منهم، في مصر ولم يبرحوها، فصاروا يائسين بقوة التحولات العنيفة التي حدثت لحياتهم، أو تقليديين تمامًا، ملكيين أكثر من الملك.
كان يمكن أن يؤدي هذا إلى انفصال وكفر اجتماعيين بالنسبة للجيل الجديد، ولكن أخذ هذا الجيل يبني مجتمعه الجديد، على الحافة، ويصنع روابط بين أفراده ليعيد صياغة لحظته جماعيًا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر منظمات المجتمع المدني، لتتكون داخله تكتلات نوعية، تضعه في شبكة علاقات جماعية جديدة في قلب هذا المجتمع الكبير وأزماته، بل وتعيد تشكيل هذا المجتمع داخل نظام جديد، جزء منه "واقعي"، على الأرض، وآخر متخيل، "افتراضي"، يتشكل في الفضاء الافتراضي.
مفهوم "الحدث التاريخي"، بالنسبة لهذا الجيل، بدأ يتشكل بواسطة الميديا، وشبكة العلاقات الافتراضية خلالها، وقبلهما بالطبع حضور "النية الصادقة"، التي كان يتسم بها، أيًا كان اتجاه بوصلتها.
5
تحول هذا المجتمع النوعي لذلك الجيل إلى ورشة تثقيف ذاتي واسعة النطاق، وشديدة الأهمية، تضم الآلاف بل ربما الملايين: جروبات قراءة تفاعلية للروايات والشعر والفلسفة وعلم الاجتماع، والسياسة، والسينما، والغناء، وإخراج التراث النائم، بكل عقوده، ومراحله وتوجهاته، وجعله مادة درس وتداول فيما بينهم.
الجيل الذي نشَّط حاسة القراءة، وحقق الجانب الإيجابي من صورة المجتمع الافتراضي، الذي له قدرة على الفعل والتفاعل. كانوا يتحركون في الأماكن العامة كأنهم أشباح، أو هكذا كانت تراهم، ولا تراهم، الأجيال الأكبر، يعرفون بعضهم البعض بتلك الحقائب "الباك باج" التي يحملونها على ظهورهم، وتحوي اللابتوب، وبعض الكتب، وربما أيضا "اللانش بوكس".
كان هذا الجيل يتحرك وسط ثقة واعتراف منحهما لنفسه بنفسه، بقوة المعرفة التي حازها بسبب هذا السياق المفتوح للتعلم الذي وفرته الميديا، كتجربة بدون جهد، وبالتالي تشكلت "فردية" وراديكالية هذا الجيل، حاملة هشاشتها وعوامل ضعفها أيضا. هذه "الفردية"، التي لم تخرج من تجربة جماعية "تاريخية"، بجانب تفكك نموذج العائلة لهذا الجيل، وضبابية الذاكرة الجمعية، من حوله، الأثر الذي انعكس أيضًا عليه، فجدد عزلته، فيما بعد، بعد إحساسه المتعجل بهزيمة الثورة. ربما كان فعل تثبيت الهزيمة، من طرف منظري هذا الجيل، وراءه رغبة غير واعية في الحصول، وللمرة الأولى، على حدث تاريخي واقعي، وليس افتراضيًا: صعود وهزيمة الثورة، يُؤرخ به للجيل.
6
المأثرة الأساسية، لهذا الجيل، في رأيي، أنه كان يبحث عن تغيير "ممكن"، وليس عن تغيير "مستحيل". طبعا باستثناء ما حدث في ثورة يناير. خلالها أصبح مضطرًا، ككل الأجيال المسيسة السابقة، إلى البحث عن "المستحيل"، فبدأت الذات تعري فرديتها الهشة، المثالية، أو المتوهمة.
مع يناير وما بعدها، تحول "الممكن" إلى "مستحيل"، بدون وجود "أرض" له. ربما قفز الحلم هذه القفزة بسبب قوة الحشود الشعبية، التي تماس معها، على الحافة، هذا الجيل، ثم تخلى عنها سريعًا متراجعا إلى قوقعته. ربما لم يعمل حساب هذا المجتمع الكبير الذي يحوطه. ربما هذه الحشود أخرجته من قوقعته، وربما قربت الحلم أسرع بكثير من نضح الجيل نفسه على استيعابه، والاستعداد له تنظيميًا ومفاهيميًا.
7
كانت خلود واحدة من شباب وشابات هذا الجيل، الذين يقفون في الصفوف الثانية أو الثالثة. لم تكن شخصية جذرية، ربما كانت أفكارها الشخصية ليست بالوضوح الكافي الذي يحدده طريق واحد واضح في الحياة، يمكن أن تتخذ فيه رأيًا حاسمًا قاطعًا، كانت مشوشة مثل الجميع، ومثل شباب وشابات جميع الأجيال السابقة، لغياب هذا العقل الجمعي التاريخي الذي يمكن أن نرى فيه أخطاءنا بوضوح، ولكن ربما ما كان يحركها أكثر هو الإيمان بالآخرين، الذي يعتبر بوصلة لإيمانها الشخصي.
8
قرأت لخلود نصًا يتحدث عن "صباح الجمعة"، بكل تقاليده وطقوسه في بيت أسرة متوسطة. الإفطار الملوكي الكامل والمتنوع، غداء السمك المشوي، الذي يأتي به الأب بعد أداء الصلاة، قعدة البلكونة حيث الآب يفرد أمامه جرنال الجمعة وملحقه وبريده. جاء هذا النص حاملًا رثاءً خفيًا لوالدها، ربما هو سبب هذه الذكرى، كان من أكثر النصوص التي لفتت نظري إلى كتابتها، وأيضًا إلى صور عائلية مشتركة، ودالة.
في نوت آخر على صفحتها، أتذكر صورة الفانلة الحمالات التي كان يتحرك بها والدها في البيت، ليست فانلة حمالات لأب من الطبقة المتوسطة، ولكنها صورة تاريخية تجمع الأب والأسرة معًا داخل هذه الفانلة، ربما لو اكملت الصورة لرأيت شعر كتف وصدر الأب، والثلاجة التي يفتحها ويكربع من زجاجة المياة الساقعة، وتأتي له الابنة أو الزوجة بفنجان القهوة في البلكونة ومعه جورنال الجمعة.
في النوت نفسه تتكلم عن تذكرها للحظة كان أبوها يرفعها عاليًا ثم يلقفها، فكرت في هذه "اللحظة المعلقة" قبل أن تعود وتلقفها يد الأب، التي تمتلئ بخوف وترقب، أن لا تكون يده هناك تنتظرها، لغياب هذا الأب لأي سبب، في كل مشاهدها هناك مزيج من السلطة الأبوية المطرزة داخل نسيج الحياة، ومللها وتكرارها، الأبديين، لذا تخفت حدة السلطة أمام مواجهة ملل الحياة، وشواغلها، تتسرب رائحة سعادة بعيدة لا تضعها خلود في المقدمة، بل تستشعرها كقارئ.
9
من ضمن طقوس البيت التي انتقلت مع خلود لحياتها خارجه: اللانش بوكس. تكتب في مكان ما أنها كانت تذهب بالغداء لوالدتها، خريجة كلية الصيدلة، في الصيدلية التي تملكها، القريبة من بيتهم، أو تذهب به للأب الذي يأخذ نوبتجية الصيدلية مساءً، مثل عمود الطعام الذي كانت تذهب به الابنة أو الزوجة للأب في الحقل.
صندوق الطعام المرتحل دومًا، انتقل مع خلود، وأصبح سمة من سماتها، تحين ساعة الغداء في أي مكان، تخرج هذا الصندوق، الذي ملأته قبل نزولها، أو ملأته والدتها. هذا الصندوق يرمز للعائلة، بشكل ما، جزء من طقوس وجوهر البيت في شكله ومحتواه ومكوناته، تلك الوجبة الغذائية الكاملة، الخضار والسلطة والفاكهة.
طقوس البيت، وذكرياته، مشهد العائلة، وحكايات الابنة داخل صيدلية والدتها، خروجاتها مع أبيها، كلها تثبت أحد الأنظمة الفاعلة التي يتجسد فيها "التاريخ"، التي لم تتعامل معها خلود كسلطة، ولكن كانت تملك أدوات لتحول السلطة إلى طقوس، ومشاهد حياتية، يتسرب منها الملل والحزن والحب أيضًا. المكان المثالي الذي كانت ترى به الحياة، ليست المثالية بمعنى الحد الأقصى، ولكن خلطة الحياة، مزج متناقضات ستصير مع الزمن مادة حياة نابضة.
تخرج "اللانش بوكس" في فترة الراحة في الورشة التي حضرتها معي عن "سيرة سنوات الجامعة"، في مركز الجيزويت الثقافي، وتتناول غداءها المتأخر، بعد يوم عمل طويل في المكتبة، وبالطبع تمد لي وللآخرين هذه الصندوق البلاستيكي، وتسبقها الرائحة. عندها أراها كتلميذة شاطرة وملتزمة، ليس بسبب الخوف من العقاب، ولكن لأنها لا تحب أن يوجه إليها أحد نقدًا، ربما لن تتحمله. لقد استبدلت بنقد الذات، سواء الذي تقوم به بنفسها أو من الآخرين، المسؤولية المبكرة، التي وقعت على عاتقها. رغبتها في أن تكون مسؤولة دومًا عن الآخرين سارت مع خوفها من النقد، فتضطر، لضبط التوازن، إلى المزيد من الالتزام والمثالية. وعبر هذا العلاقة يحدث التطور الروحي. ربما يتخلله بعض الندم على ما فات، ولكنه ندم يتسرب سريعًا وسط الإيقاع النشط لحياتها وخطط مستقبلها.
"المسؤولية" حلت مكان "الإيديولوجية"، وحولتها لمكان إنساني به حب كما به التزام، وبه نقد ذاتي أيضًا، ولكن ليس بالمفهوم الضيق، ولكنه نقد يتم في نطاق مسؤولية جماعية، من أجل إصلاح أعطاب جماعية. نقد له علاقة بالذاكرة الجمعية، يتحول إلى مجرد عتاب بين أصدقاء، أو صدام أحلام مشتركة، أو مواساة ضاحكة.
كنت أرى فيها صورة "الفتاة المثالية" التي تقف دوما في المكان الذي يتوقعه منها "الآخرون". الذين يشكلون"الذاكرة الجمعية"، بدون رقابة، أو فرض سلطة، ولكن باحتواء ودفء. تتألق مثاليتها وتوفي حقها أمام هذه الذاكرة الجمعية.
"الفردانية" عند خلود، كما التاريخ، كما السلطة؛ نقطة في المنتصف لتلاقي عدة طرق، بين تقاطعات جمعية، وذاتية داخل نطاق مفهوم المسؤولية. "مثالية" الطبقة المتوسطة، التي تتسم بالعصامية، وبالاعتماد على الجهد الذي سيعوض ما لن يتحقق، أو ما لم يكن متاحًا، فالمثالية هنا ربما هي للتعويض، وليست إحساسًا بالتفوق أو الدونية، أو إحدى نزوات النفس العارضة.
10
نشأت خلود كإحدى "أطفال الثمانينيات"، قبل حدوث الشرخ العميق في رموز الذاكرة الجمعية المصرية. لحقت العيش وسط عائلة مستقرة، من الطبقة المتوسطة، متعددة الأجيال ولها فروع، من ناحية الأب والأم، تسكن الحي والأحياء المجاورة وتمتد على الخط المديني للمدينة. عاشت مع والدين لم يخرجا من مصر للعمل في الخليج، وسمعت ولمست حكايات وحنان الجدات. تذوقت إفطار الجمعة "الملوكي"، الشواطئ المفتوحة لجميع الطبقات، الشمسية التي يحملها الأب، الذي يلبس فانلة حمالات في شهور الصيف، ويقرأ رسائل عبد الوهاب مطاوع. شاهدت أفلامًا في صالات سينما كبيرة الحجم في محطة الرمل، لم تقض طفولتها في تكييف المولات، ورخامه البارد، حملت كيس "فشار جوجو"، وذهبت لميادين عامة يتوجه إليها الجميع ويلتقون بدون موعد سابق.
طقوس شكلت هذه الذاكرة الجمعية، وذاكرة جيلها، ومن داخل هذه الذاكرة تفرعت اهتماماتها، ورغباتها، وأحلامها، وفاء لنفسها وللمجتمع الصغير الذي تنتمي إليه، بداية من العائلة، للمدرسة وصحافتها المدرسية، لكورال ثانوي، لمجلة وأساتذة قسم إنجليزي، لشارع سيف (شارع بحي سيدي بشر) وأطفاله، حيث سكنت العائلة، سيدي بشر "يا دولة"، لمحرم بك حيث بيت الأجداد، لرفقاء الثورة، لأستاذتها، المتوفاة حديثًا سوزي مشعل، التي سارت في الثورة، ولم تخذلها، وصارت إحدى رموز هذه الذاكرة الجمعية، التي تدين لها بالفضل، وغيرهم وغيرهم.
11
لم أتجرأ يوما أن أناديها النداء الشهير "خوخة"، كما يناديها أصدقاؤها التاريخيون، لم أضع نفسي في مكان القرب هذا، بالرغم من المودة الخالصة التي تجمعنا. كنت أرى مكاني ومكانتي بوضوح داخلها، بدون أي أسرار شخصية أو اعترافات، ولكن كان الكلام نفسه له مرايا عديدة تعكس تفاصيل وزوايا غير منطوقة، وغير مرئية.
طوال الشهور الماضية، لا تزال خلود تعجن شخصيتها، تمزج بين الإيمان والعقل، الحدس والشك، التاريخي والآني، الطبقة والمجتمع، المجاملة والصدق، الواقعي والافتراضي، الصداقة والحب، وغيرها وغيرها، وتستخرج منها ذاتًا جديدة، بدون شعارات، ولكن بقلب رأى الضفة الأخرى من الحياة، من وراء نافذة سجن.