صفحته الرسمية - فيسبوك
إيميليانو مارتينيز يحمل جائزة أفضل حارس في كوبا أمريكا 2021.

إيميليانو مارتينيز: على الأرجنتين الانتظار حتى يكبر الطفل

منشور السبت 17 يوليو 2021

 

عندما فازت الأرجنتين ببطولة كوبا أمريكا عام 1993، كان إيميليانو مارتينيز بلغ للتو شهره العاشر؛ طفل ولد لأسرة فقيرة في ضاحية مارا ديل بلاتا الشعبية الواقعة إلى الشرق من العاصمة بيونس آيريس يوم 2 سبتمبر/ أيلول 1992، يعمل الأب صيادًا والأم عاملة في المنازل ليعيلا نجليهما أليخاندرو وإيميليانو.

بعد هذه البطولة فشلت الأرجنتين في الفوز بأي لقب، تأهلت مرة إلى نهائي كأس العالم ومرة إلى نهائي كأس القارات وأربع مرات لنهائي كوبا أمريكا، ولكنها خسرتها جميعًا. ظهر ليونيل ميسي في برشلونة عام 2004 وانضم إلى منتخب الأرجنتين عام 2005 وأصبح أفضل لاعب في العالم بفضل ما حققه مع برشلونة، ولكن الفشل في الفوز بأي بطولة مع الأرجنتين ظل يلاحقه خاصة وأنه شارك في أربع من النهائيات الست التي خسرتها بلاده منذ 1993. 

ربما كان على الأرجنتينيين أن ينتظروا إيميليانو لتحقيق بطولة جديدة. اليوم، أصبح مارتينيز بطلًا شعبيًا في الأرجنتين، تتصدر صوره الصفحات الأولى للصحف والمجلات حول العالم مع إشارات إليه باعتباره أحد المساهمين وبقوة في تتويج راقصي التانجو بأول لقب لهم منذ 23 عامًا، وفي استكمال القطعة الناقصة لمسيرة ليونيل ميسي.

كان طريق الطفل الذي ولد في مارا ديل بلاتا إلى حراسة مرمى الأرجنتين صعبًا، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة. يتذكر مارتينيز كيف أنه "عندما يمر أبي يمر بيوم سيئ في البحر كان من الصعب وضع طبق جيد على طاولتنا، كما كانت أمي تضطر إلى العمل لساعات إضافية حتى نتمكن أنا وأخي من الدراسة، كان الأمر صعبًا".

أحبَّ الطفل كرة القدم، وتحوّل الأمر إلى ما يشبه الهوس، فالتحق بفريق تاليريس بمسقط رأسه وخاض العديد من المباريات حارسًا للمرمى وشهد له الجميع بالتألق، حتى أن مدربه اقترح على والده أخذه إلى قطبي العاصمة ناديي بوكاچونيورز وريفير بليت. ولكن مسؤولي الكرة في الناديين بعد اختباره الطفل ذي السنوات العشر، رأوا أنه لن يصبح لاعب كرة قدم جيد، فرفضته الأكاديميتان.

حاول الطفل الحصول على فرصة أخرى فأدى اختبارات في ثالث أكبر أندية بيونس آيرس؛ إنديبندينتي، وهناك اجتاز الاختبارات وأصبح رسميًا لاعبًا في أكاديمية النادي، وهنا التقى بمدربه ميجيل آنخل سانتورو الحارس الذي مثل منتخب الأرجنتين في كأس العالم 1974 الذي يصفه في تلك الأيام قائلًا "كان (مارتينيز) أخرقًا بعض الشيء ولكني وافقت عليه بعدما رأيت سرعة رد فعله، كانت مذهلة وهذا أهم ما يميز حارس المرمى. كانت لديه أساسيات الحارس المذهل ولكن كانت تنقصه بعض الأمور لذا عملنا عليها".

وتابع "قسّمنا اليوم إلى عدة جلسات، نعمل كثيرًا على اللعب بكلتا القدمين، وهو أمر لم نعتد عليه نحن في السبعينيات، ولكن اليوم أصبح أمرًا ضروريًا فى كرة القدم الحديثة".

من الأرجنتين إلى أوروبا

فتح إندبيندينتى أبوابه للحارس الشاب لإثبات موهبته، فأثبتها وأثبت جدارته بحمل قميص ذلك النادي، وهنا يبدأ إيميليانو في تقاسم العبء المادي مع والده، وبمرور الوقت أصبح الفتى الصغير الذي بلغ عمره الآن 16 سنة وبدت مسيرته الكروية في طريقها الصحيح بعد استدعائه لتمثيل منتخب الأرجنتين في بطولة كأس العالم تحت 17 سنة التي استضافتها نيجيريا عام 2009، حارسًا احتياطيًا، يجسد طموحًا إلى مستقبل أفضل بالنسبة لعائلته.

شهدت تلك الفترة نقلة ثانية كبيرة في حياته المهنية والشخصية، حيث جذب تألقه اللافت أنظار كشافة نادي أرسنال، الذين عقدوا عام 2010 اتفاقًا مع ناديه يقضى بذهابه إلى لندن لعشرة أيام يخوض خلالها فترة معايشة واختبارات إذا اجتازها ينضم إلى صفوف الجانرز مقابل مليون و200 ألف جنيه استرليني.

خطوة لم يكن إيمليانو، الذي رفضه مسؤولو أكاديميتي بوكاچونيورز وريفير بليت قبل عدة سنوات، يحلم بها، وعلى الأرجح لم تكن متوقعة "لقد مررت بالكثير من الليالي الصعبة في حياتي ولكن تلك الليلة كانت أصعبهم، رأيت أمي وأخي يبكيان عندما قررت مغادرة الأرجنتين والذهاب إلى إنجلترا، وتوسلا إليَّ ألا أذهب، لكن لم أكن أستطيع، كان عليّ فعل ذلك لأنني كنت قد رأيت والدي يبكي في وقت متأخر من الليل لأنه لم يكن يستطع دفع الفواتير ، ولازلت أتذكر اليوم الذي أكلت فيه أنا وأخي فقط، لكن أمي وأبي لم يأكلا معنا لتوفير الطعام، كان يجب عليَّ أن أكون شجاعًا وأذهب وأتحمل المسؤولية".

من الإعارات إلى دكة أرسنال

وصل إيميليانو وسانتورو إلى لندن عام 2009 بعد إلحاح من الأخير الذي يتذكر كيف كان "الفتى عاطفيًا ومشوشًا لأنه صغير السن وكان صعبًا عليه أن يترك عائلته ويذهب إلى مكان بعيد وحيدًا".

وقَّع مارتينيز في النهاية عقود انتقاله إلى عملاق انجلترا في صفقة كانت تهدف إلى تدعيم مركز حراسه المرمى للفريق الرديف وقد تصل به إلى الفريق الاول فى حاله تألقه، ولكن مسيرته لم تكن مفروشة بالورود على الاطلاق، حيث واجه الشاب العديد من المشاكل في التأقلم على الأجواء فى لندن لعدم إجادته للإنجليزية في ذلك الوقت، كذلك لم يستطع أرسنال استخراج تصريح عمل له في إنجلترا بسبب عدم بلوغه سن الـ 18، فأعاره إلى ناديه الأم لموسم واحد، عاد بعده إلى أرسنال وشارك في عدة مباريات، وفي 2012 تم تصعيده إلى الفريق الأول ولكنه واجه صعوبة في الحصول على فرص للعب في ظل وجود العديد من الأسماء اللامعة وقتها مثل ألمونيا وتشيزني وفابينايسكي.

وفي 2012 بدأ مارتينيز رحلة من الإعارات في أندية تنافس في التشامبيونشيب، بدأت بنادي أكسفورد الذي شارك معه في مباراة واحدة، ثم شيفلد وينزداي حيث لعب 11 مباراة في الدوري وأربع مباريات في الكأس، وفي 2015 أعير إلى روترهام وخاض معه ثماني مباريات في الدوري، وفي الموسم التالي أعير إلى ولفرهامبتون.

ودائمًا ما أصر مدرب أرسنال السابق أرسين فينجر على تجديد عقد إيميليانو مارتينيز ويعتبر أنه "يملك مقومات تجعله حارس أرسنال في المستقبل، لكن الآن لم يتغير وضعه"، ليقوم بإرساله إلى خيتافي الإسباني في موسم قضاه احتياطيًا لم يشارك إلا في 7 مباريات، أعير بعدها إلى ريدينج عام 2018 وقدم موسمًا مميزًا من 18 مباراة شارك فيها ما دفع ميكل أرتيتا مدرب ارسنال الجديد لإعادته إلى صفوف فريقه.

بدأ مارتينيز موسم 2019-2020 حارسًا احتياطيًا لأرسنال خلف الألماني بيرند لينو، الذي شارك في 29 مباراة مع الفريق قبل أن يتوقف الدوري في مارس/ آذار 2020 على وقع جائحة كورونا. 

المباراة الثلاثين لبيرند لينو

مع عودة الدوري بعد ثلاثة أشهر من التوقف الذي فرضته الإجراءات الاحترازية، خاض أرسنال مباراته الثلاثين في البريميرليج في مواجهة برايتون.

وخلال كرة مشتركة مع مهاجم برايتون نيل موباي، تعرض لينو إلى إصابة قوية أبعدته عن الملاعب عدة أسابيع، ليفتح الباب أمام مارتينيز الذي دفع به بديلًا لبقية المباراة فقدم أداءً كبيرًا، تكرر في باقي مباريات الموسم إلى درجة أنه فرضه نفسه أساسيًا حتى بعد عودة لينو من إصابته.

وجاءت آخر مباراة في الموسم الكروي السيئ لأرسنال، نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي أمام الجار اللدود تشيلسي، ديربي لندن الذي انتهى بتفوق أرسنال بهدفين مقابل هدف واحد. ساهم تألق إيمليانو اللافت في تللك المباراة في إنهاء الموسم بشكل جيد والتتويج ببطولته الأولى في مسيرته الكروية.

حصد إيميليانو الذي كان حتى الأمس القريب طفلًا يبكي الفقر والعجز، أولى بطولاته المرموقة، وأدرك أنه أخيرًا وصل إلى المسرح الكبير، وأن تضحيات والديه كانت تستحق العناء، وأن ما وصل له الآن هو المكافأة على العمل الجاد وصبره وجهده المبذول "كنت أعيش في بيونس آيرس وكنت أراهم مرتين فقط في الشهر عندما أعود إليهم لأنهم لم يتمكنوا من تحمل تكلفة البنزين لرؤيتي، أعرف ما فعلوه من أجلي للوصول إلى القمة حيث أنا الآن، الآن أهديهم هذه البطولة".

فصل جديد في بيرمنجهام

خلال موسم الانتقالات الصيفي الذي تلا موسم الجائحة، كان على ميكيل أرتيتا أن يختار حارسه الأساسي للموسم المقبل، لأن العروض كانت تنهال على الحارس الأرجنتيني الذي أثبت كفاءة ويريد اللعب، وبات صعبًا الإبقاء عليه على دكة البدلاء. 

اختار أرتيتا المضي قدمًا مع حارسه الأساسي لينو، ومنح مارتينيز الضوء الأخضر للرحيل، فقبل عرض نادي أستون فيلا الذين وجدوا فيه حارسهم الأساسي بعد أن قرروا عدم تجديد إعارة بيبي رينا وإعادته إلى فريقه ميلان.

كلفت صفقة انتقال مارتينيز فريق مدينة بيرمنجهام 21 مليون جنيه استرليني، جعلت منه أغلى حارس أرجنتيني في التاريخ بعدما كانت قيمته السوقية لا تتعدي ثمانية ملايين يورو، ولكن الحارس الشاب أثبت أنه يستحق، حيث انفجرت موهبته مع الفيلانز وحقق أرقامًا رائعة، إذ حافظ على نظافة شباك فريقه 15 مرة ليحل ثانيًا بعد إيدرسون حارس مانشستر سيتي بطل الدوري، وتصدى إلى 133 تسديدة طوال الموسم.

كما ساهم مارتينيز في تحويل أستون فيلا من فريق متواضع كان على حافة الهبوط في موسم 2019-2020 الذي حل فيه في المركز الـ 17، إلى فريق عنيد قوي تفوق على الكبار مثل سباعية ليفربول الشهيرة، منهيًا الموسم في المركز الحادي عشر بسبب تراجع أدائه في النصف الثاني من الموسم إثر إصابة نجم الفريق جاك جريليش وابتعاده عن الملاعب لعدة أشهر. 

أداء مارتينيز المميز أهّله لحصد جائزة أفضل لاعب في أستون فيلا الموسم الماضي، وأيضًا للمنافسة على جائزة القفاز الذهبي كأحسن حارس في البريميرليج رغم وجوده في فريق من فرق منتصف الجدول، كما رفع قيمته السوقية إلى 30 مليون يورو بحسب آخر تقديرات موقع Transfer Market.

كل الطرق تؤدي إلى ماراكانا

شهد تنظيم بطولة كوبا أمريكا 2020 التي كان مقررًا أن تستضيفها الأرجنتين وكولومبيا، الكثير من المصاعب، حيث فرضت جائحة كورونا في مارس 2020 تأجيلها سنة كاملة، بينما أدت احتجاجات المعارضة في كولومبيا في مايو/ أيار الماضي، لنقلها إلى البرازيل. 

لم تكن هذه البطولة عاديّة بالنسبة للأرجنتينيين، فهي قد تكون الفرصة الأخيرة أمام ليونيل ميسي للفوز ببطولة مع منتخب بلاده. قبل ذلك، طارد الفشل مسيرة ميسي مع الأرجنتين، الذي خاض مع منتخب بلاده أربع نهائيات؛ ثلاث في بطولة كوبا أمريكا إلى جانب نهائي مونديال 2014، خسرها جميعًا.

كان منتظرًا أن تملأ الجماهير الأرجنتينية ملاعب البطولة لتشجيع ومؤازرة ميسي، الذي حقق في مسيرته الطويلة مع برشلونة كل شيء في كرة القدم، وتبقى له الفوز ببطولة دولية مع منتخب بلاده ليكمل إرثه الكروي، على غرار ما فعله دييجو أرماندو مارادونا الذي رفع كأس العالم قبل أن يبدأ تجربته الملهمة مع نابولي في إيطاليا. لذلك، لم تستقبل الجماهير الأرجنتينية بسعادة أخبار تأجيل البطولة لسنة كاملة ثم إقامتها بدون جمهور وأخيرًا نقلها إلى البرازيل، العدو الكروي اللدود.

ولكن هذا التأجيل صب في النهاية في صالح الأرجنتين، فقد منح مارتينيز فرصة لعب موسم كامل مع أستون فيلا، أثبت فيه جدارة حتى أجبر تألقه مدرب الأرجنتين ليونيل سكالوني على استدعائه في قائمة الفريق التي ستشارك في البطولة.

كان سكالوني يعتمد على فرانكو أرماني حارس ريفر بليت كحارس أساسي في تشكيلته، ولكن هذا الأخير أصيب بكورونا قبل البطولة بأيام، ليستبعد في اللحظة الأخيرة ويفتح الباب أمام مارتينيز لحماية عرين منتخب راقصي التانجو في البطولة التي أهدت إلى الأرجنتين بطلًا جديدًا ورسخّت أحقيته في اللعب أساسيًا. 

ساهمت تصديات مارتينيز في الحفاظ على نظافة شباكه في ثلاث مباريات، ليسهم في قيادة الأرجنتين إلى نصف نهائي البطولة أمام كولومبيا. انتهى الوقت الأصلي والإضافي من المباراة بتعادل بهدف لكل فريق، وفي الضربات الترجيحية تصدى مارتينيز ثلاث مرات، ليذهب بفريقه إلى النهائي أمام البرازيل، ويحصد ثناء الجميع خاصة ليونيل ميسي الذي قال بعد المباراة "لدينا إيميليانو، وهو مذهل ونحن نثق به وحققنا هدفنا في كل مباراة ممكنة، ونحن الآن في المباراة النهائية".

وفي النهائي التاريخي أمام البرازيل، الخصم اللدود، وفي ملعب ماراكانا التاريخي، نجح مارتينيز في التصدي لكرتين خطيرتين والحفاظ على تقدم فريقه أمام طوفان برازيلي يحاول تعويض اللحاق بالبطولة. 

انتهت البطولة بطريقة مثالية بالنسبة لإيميليانو؛ فحقق أولى بطولاته الدولية، واختير أحسن حارس مرمى في البطولة، وأحرزت الأرجنتين لقبها الخامس عشر في كوبا أمريكا متساوية مع أوروجواي كأكثر منتخبين حققا البطولة عبر تاريخها، وأخيرًا ساهم في إكمال إرث ميسي الكروي، ممنيًا نفسه ربما في أن يلعب دورًا في إهدائه كأس العالم 2022، التي ستكون في الغالب آخر بطولة دولية كبرى يخوضها ميسي قبل أن يعلق قميص الأرجنتين إلى الأبد.