وافق مجلس النواب نهائيًا صباح اليوم الاثنين، على مشروع قانون قدمته الحكومة، يمنح المحكمة الدستورية العليا سلطة الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة، بعد جلسة مناقشات عاصفة امتدت بضع ساعات يوم أمس الأحد طالب خلالها النواب المعارضون للمشروع بسحبه.
ووسط مطالب عدد من النواب معارضي المشروع بسحبه، اكتفت الحكومة بتعديل طفيف حيث حذفت من الاختصاصات التي استحدثتها للمحكمة الدستورية سلطة الرقابة على قرارات هيئات التحكيم الأجنبية، والتي كان منصوصًا عليها في النسخة الأولى من المشروع.
ولم تتضح نتيجة التصويت النهائية ذلك أن رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي لم يثبت الأعداد خلال الجلسة ولكنه أخذ أصوات النواب وقوفًا وكان باديًا أن مؤيدي المشروع هم غالبية النواب الحاضرين.
وينص التعديل الذي وافق عليه المجلس في مجموعه يوم أمس الأحد، وأقره نهائيًا صباح اليوم، على إضافة مادتين للقانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن اختصاصات المحكمة الدستورية العليا، لتمنحها المادة المضافة 27 مكرر سلطة الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة، بينما نظمت المادة المضافة 33 مكرر كيفية ممارسة هذه الصلاحية الجديدة لتكون بطلب مباشر من رئيس مجلس الوزراء إلى المحكمة للحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27 مكرر أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها.
وبحسب المادة فإن رئيس الوزراء سيختصم في طلبه "كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له. ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة وتفضل المحكمة في الطلب على وجه السرعة".
اختصاصات كونية
بعد كلمة مقتضبة لممثل الكتلة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، أشرف رشاد، أعلن خلالها الموافقة على مشروع القانون من حيث المبدأ، حصل النائب ضياء الدين داود على الكلمة ليسجل أول اعتراض على مشروع القانون في الجلسة العامة التي عقدت أمس الأحد لمناقشة المادتين الجديدتين.
وبدأ داود كلمته محاولًا جذب انتباه الأغلبية قائلًا "مشروع القانون دا مفهوش سياسة، ولا فيه أغلبية ولا فيه أقلية، دا فيه مصلحة عليا للدولة المصرية، والكلام هنا كلام فني للغاية"، قبل أن يطلب من النواب تحمّل "قسوة الكلمات التي تحدث بها أساتذة القانون الدولي الخاص عندما لاكت هذا التعديل صفحات الجرائد"، متابعًا "وصفوه بأنه عديم الفائدة سيئ السمعة منحوس الطالع".
الفقيه الدستوري محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون وتاريخه في جامعة الزقازيق، أخبر المنصة أن إقرار هذا القانون سوف "يكبد مصر خسائر فادحة".
وانتقد فرحات إعطاء الاختصاص لرئيس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية النظر في الرقابة على الأحكام الأجنبية ورأى فيه "اعتداءً على سلطة القضاء العادي في الإحالة الدستورية"، منوهًا إلى أن سلطة الحكومة في علاقتها بالمحكمة الدستورية تقتصر على طلب التفسير .
وتنظر المحكمة الدستورية العليا في دستورية القوانين التي تحال إليها إما من أي محكمة إذا تراءى لها أثناء نظر إحدى القضايا أن النص القانوني الذي ستطبقه قد يكون مخالفًا للدستور، أو من أحد الخصوم في أي قضية إذا دفع بعدم دستورية النص القانوني الذي سيطبق عليه، فإذا رأت المحكمة أن دفعه جدي، وتحدد له مهلة لرفع دعواه أمام الدستورية.
واعتبر فرحات أن المادة 27 "تضيف للمحكمة الدستورية نوعين من الاختصاصات غير مألوفين في قوانين المحاكم الدستورية في العالم؛ الاختصاص الأول الرقابة على مدى توافق قرارات المنظمات الدولية مع الدستور المصري"، الذي وصفه بـ "الاختصاص الغريب" الذي يتنافى مع التزامات مصر الدولية، مرجحا أنه "قد يوقعها تحت طائلة المسؤولية الدولية إذا امتنعت عن تنفيذ قرارات منظمات هي عضو فيها وملتزمة بقراراتها"، حيث أشار كبير مستشاري الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان إلى أن "قواعد القانون الدولي تسمو على القانون الداخلي".
أما الاختصاص الثاني الذي يتحفظ عليه فرحات، فكان الرقابة على تنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية والذي اعتبره "تحصيل حاصل، لأن محكمة الموضوع كانت تختص بالفصل في هذا الأمر فعلًا ولا تنفذ الأحكام التي لا تتوافق مع القوانين المصرية، من المقرر أن تنفيذ أحكام هذه المحاكم من اختصاص قضاء التنفيذ ويتعذر التنفيذ إذا كان الحكم الأجنبي مخالفًا للنظام العام، فما هي حقيقة اختصاص المحكمة الدستورية في هذا الشأن؟".
المسألة نفسها أشار إليها داود في كلمته تحت القبة عندما قال أمس "هذا المشروع خارج الاختصاص الولائي للمحكمة الدستورية العليا المنوط بها إن هي تراقب دستورية الأحكام والقوانين وتلزم الحكومة بهذا الالتزام بحيث إن تصرفات مؤسسات الدولة التشريعية منها بغرفتيها حكومة بأجهزتها التنفيذية أن تكون تحت مظلة الدستور والقانون".
واعتبر أن التعديل الذي قد يهدد مستقبل الاستثمار تضمن مخالفة لنص المادة 94 من الدستور، التي تنص على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة. وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات". وأضاف أن "الاتفاقات التي توقع الدولة المصرية عليها ومن ثم يصبح التزامًا على الدولة المصرية احترامها".
وبموجب الدستور، فإن الاتفاقيات التي توقعها الحكومة المصرية ويصدّق عليها مجلس النواب، تكتسب قوة القانون، وتلغى أي نصوص قانونية تخالفها.
وتمسك داود برفض القانون، وطالب الحكومة بسحب مشروع القانون، وأكد رفضه منح المحكمة "اختصاصًا كونيًا" موجهًا خطابه لرئيس المجلس "من حسن الطالع يكون على رأس البرلمان قامة دستورية رصينة"، ملوحًا بقدرة جبالي على إدراك خطورة مشروع القانون وقال "القانون من حيث المبدأ مرفوض أستسمح الجميع دراسة الأمر بعناية".
وفي محاولة لطمأنة داود وإثناءه عن مخاوفه، قال جبالي الذي كان رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا "لاحظ إن الحكومة طلبت تعديل وحذف ما يتعلق بهيئات التحكيم"، إلا أن داود أصر على موقفه "أرجو مراجعة القانون مرة ثانية وخاصة إنه إذا ما صدر ضدك أي اتفاق تحكيم وامتنعت عن تنفيذه عنده وسائل أخرى يروح محكمة باريس وممكن يحجز على أرصدتك".
وختم "المسألة مش هزار ده اقتصاد قومي أرجو من الحكومة والبرلمان أن يسحبوا القانون من جدول الأعمال حفاظا على البنية التشريعية".
https://www.youtube.com/embed/Vka7GnJBDtU?controls=0النائبة أميرة أبو شقة بدورها اتخذت أيضًا موقفًا معارضًا لمشروع القانون، وحذرت من تأثيره على الاقتصاد والاستثمار. وقالت النائبة وهي ابنة وكيل مجلس الشيوخ بهاء أبو شقة "أؤكد أن الاتفاقيات التي وافقنا عليها ملزمة. إحنا هنا بنكلم نفسنا" في إشارة إلى متابعة الشركات والهيئات الدولية لما يجري ولآخر مستجدات القانون في مصر، وحذرت من التصعيد ضد مصر مع بدء تطبيق القانون.
أما النائب منصف نجيب، فبعد أن أعلن رفضه مشروع القانون، طرح مجموعة من التساؤلات "لماذا أقحم هذا الصرح العظيم في هذه المسألة؟ لماذا المساس بسمعة مصر؟"، ثم قارن بين ما يحدث الآن تحت القبة وما حدث قبل ثلاث سنوات مع الإصرار على إصدار قانون الجمعيات الأهلية الذي أساء لسمعة البلاد واضطرت الحكومة إلى تعديله لاحقًا.
النائبة مها عبد الناصر ترى أن "مشروع القانون يسيء لمصر" ، وتابعت "عندنا أزمة سد النهضة مصر تبحث عن لوبي دولي، ما الداعي لعمل قانون بهذا الشكل؟ تخيلوا المانشيتات في الصحف الدولية إن مصر تصدر قانون يعزلها عن العالم ويجعل لها حصانة ضد الأحكام، حتى لو الكلام غير حقيقي لو اتكتب بهذه الصورة نكون معرضين لوضع عالمي غير مسبوق وغير مطلوب في الظرف الحالي"، وطالبت الحكومة بسحب مسودة القانون.
كلمة السر: الأمن القومي
عقب رئيس لجنة الشؤون التشريعية، إبراهيم الهنيدي، على مخاوف المعارضة، مدافعًا "مشروع القانون لا يمنح المحكمة الدستورية اختصاصًا إقليميًا لرقابة دستورية القرارات والأحكام الأجنبية التي يجري تنفيذها على أرض مصر، ولا يعطيها اختصاصات أجنبية، مشروع القانون أعطى المحكمة اختصاصًا من جنس وظيفتها في منع تنفيذ أي أحكام قانونية محلية كانت أم أجنبية من شأن تنفيذها داخل مصر تعطيل أحكام الدستور".
ونفى الهنيدي وجود أي تعارض بين مشروع القانون ومستقبل الاستثمار وقال "غير صحيح أنه ينال من الثقة الواجبة للاستثمار داخل البلاد".
فيما قال المستشار علاء فؤاد وزير الدولة لشؤون المجالس النيابية إن فلسفة القانون تستهدف حماية الأمن القومي المصري، ولفت إلى انعقاد الجمعية العامة للمحكمة الدستورية وموافقتها على المشروع، وقال "هذا دليل إنه لا يخالف الدستور".
دائمًا ما تغلف مبررات الأمن القومي عددًا من مشروعات القوانين، كان تعديل اختصاصات المحكمة الدستورية أحدثها، وهو المبرر الذي تحدثت عنه الحكومة وكرره المؤيدون في الجلسة العامة.
النائب إيهاب الطماوي، وكيل لجنة الشؤون الدستورية، أعلن موافقته على مشروع القانون، وربط بينه وبين حزمة التشريعات الخاصة بالأمن القومي المصري "نعلم جميعًا أغلبية ومعارضة أن العديد من قرارات الهيئات والمنظمات الدولية تصدر مسيسة قد تكون مدفوعة من قبل جماعات أو تنظيمات أو دول أخرى بهدف النيل من الأمن القومي".
أما النائب أحمد خليل خير الله، فأسس في كلمته لمبرر الأمن القومي الذي قد يكون دفع الحكومة للتقدم بمشروع القانون في هذا التوقيت. واعتبر إن مشروع القانون لا يتعارض مع الدستور، الذي سمح للمشرع إضافة اختصاصات جديدة للمحكمة وتنظيم الإجراءات المتبعة أمامها.
وتابع خير الله إن القانون به "رائحة استقلال قانوني تحتاج إليه الدولة المصرية في الظرف القادم"، وتساءل "أين المنظمات الدولية من العبث في مقدرات مصر المائية وأمنها المائي؟".
وقال إن "المنظمات المشبوهة كانت سلاحًا في وجه مصر والمصريين في ظل إقليم يعصف به الأفكار المتطرفة والمنظمات المشبوهة، دول ذهبت ولم تعد حتى الآن اتركوا مصر للمصريين ولمحكمتها الدستورية العليا".
تعديلات مبهمة
وسط غياب التفسيرات النيابية والحكومية لمبررات القانون في الوقت الحالي وعدم وضوح بعض المصطلحات الخاصة بطبيعة الهيئات والمنظمات التي تنطبق على قراراتها هذه التعديلات؛ علق المحامي أحمد راغب على مشروع القانون قائلًا "غير مفهوم القرارات تمس أي منظمات أو هيئات، النص مبهم جدًا".
واعتبر أن النص الذي خرج به القانون في شكله النهائي عامًا جدًا وقال "أعتقد أن عمومية النص هنا مقصودة لمنح سلطات واسعة للحكومة في التقدم بطلب للمحكمة الدستورية العليا يبطل أي قرار يفرض على مصر التزام".
وبشأن مبادرة الحكومة بحذف النظر في قرارات التحكيم الدولي الأجنبية من النص، قال راغب إن الحذف "منطقي والتحكيم لا يدخل في اختصاص المحاكم الوطنية، ويلجأ إليه طرفا الاتفاقية أو العقد وفقا لطبيعة التعاقد بينهما".
لا يستبعد راغب تأثر الاقتصاد بالتعديلات "اللفظ الخاص بالمنظمات الدولية أو الهيئات عام جدًا" كما أن "مبرر الأمن القومي عام جدًا يشمل اتفاقيا الغاز ومحطة الضبعة وبعض الملفات الأخرى".
يضيف راغب "أتصور انه تعديل يمنح براح للحكومة للتراجع أو وقف تنفيذ التزام معين دولي".
في الوقت نفسه يستبعد المحامي الحقوقي تأثر ملف حقوق الإنسان بالتعديلات المستحدثة، مشيرًا إلى أن أليات الأمم المتحدة في هذا الملف لا تتضمن قرارات وجميعها توصيات، مشيرًا إلى التوصيات الصادرة عن المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وهي جميعها قرارات غير ملزمة.