على غير المعتاد، وبعد استقرار وهدوء وسما العلاقة بين مجلس النواب والحكومة على مدار الأسابيع الماضية، تحولت الجلسة العامة للمجلس، أمس الثلاثاء، للهجوم على وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، حد اتهامه بالفساد الإداري قبل أن تنتهي بالثناء على ما أدركته الوزارة في مجال التنقيب عن البترول.
الهجوم الذي انسحب للتراجع في تحول درامي قبل نهاية الجلسة هو الأول على الملا منذ توليه منصبه، والثاني داخل المجلس، منذ مهاجمة النواب أداء وزير الإعلام المستقيل أسامة هيكل، الذي اتحدت الكتل البرلمانية ضده منذ الأيام الأولى لدور الانعقاد الجديد في يناير/كانون الثاني الماضي، وانتهى بتقديم استقالته قبل تحديد موعد مناقشة استجواب ضده تحت القبة.
أمس؛ اتهم أعضاء مجلس النواب، وزير البترول بتجاهلهم، مؤكدين غيابه عن البرلمان على مدار السنوات الست الماضية وعدم حضور أي اجتماعات للجنة الطاقة والبيئة المعنية بملف وزارته، أو حضوره أي مناقشات لمشروعات قوانين تخص ملف الثروة المعدنية، وهو اتهام غير صحيح، فعلى سبيل المثال شارك الوزير في الجلسة العامة للمجلس في اليوم الأخير من يناير الماضي بإلقاء بيان لأداء وزارته، كما شارك في اجتماع للجنة الطاقة والبيئة وآخر للجنة الصناعة.
وفتح الهجوم الذي بدأه رئيس الكتلة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، أشرف رشاد، الباب لنواب الأغلبية لهجوم أكبر امتد لشخص الوزير ومكتبه، مطالبين الرئيس السيسي بالتدخل شخصيًا لوقف ما وصفوه بـ"الفساد" وإقالة الوزير، وإعادة هيكلة الوزارة وقطاع البترول بشكل كامل، الأمر الذي دفع رشاد ليعود بعد فترة من الهجوم محاولًا احتواء الموقف وتهدئة النواب.
وارتكزت اتهامات النواب حول فساد التعيينات داخل الوزارة، مطالبين بالمساواة بين أبناء المحافظات في التعيين، وتخفيض تكلفة توصيل الغاز الطبيعي، وإيضاح خطط الوزارة لمدّه في عدد من المناطق والمحافظات التي لازالت محرومة منه.
مستشار بدرجة ولي
في بداية انتقادهم لأداء وزارة البترول، اتهم النواب الوزارة بتعيين مستشارين برواتب ضخمة وامتيازات كبيرة لا تتناسب ووظائفهم، وسخر زعيم الكتلة البرلمانية أشرف رشاد لدى وصفه امتيازات أحد المستشارين، قائلًا "اجتمعت له صفات لا تجتمع في بشر، ليحصل على مكافأة كبيرة في نهاية خدمته تقديرًا له، ثم صرف 4 سيارات له، ويعد هذا من باب أنه يعمل 24 ساعة في اليوم، ثم عَين (هذا المستشار) ابنتيه وزوج إحداهما لعله يكون من باب صلة الرحم، ثم حضر بروحه اجتماعات الجمعيات العمومية لشركات البترول كلها ليحصل على البدلات مقابل ما شاركه فيها من أفكار؛ لا يمكن أن يكون بشري مثلنا، نرفعه لدرجة الملائكة أو أولياء الله الصالحين".
وطالب رشاد في كلمته بوقف تعيين المستشارين والاعتماد على الكوادر الشابة في الوزارة، وقال إن "الخبراء والمستشارين في سن المعاش من حقهم يأخذوا راحة شوية بعدما خدموا البلد".
من جهته اتهم رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى وعضو حزب مستقبل وطن، النائب عاطف ناصر، وزير البترول بالغياب المستمر عن البرلمان قائلًا "وزير البترول لا يأتي للجان ولا يأتي لمناقشة القوانين بتاعته"، قبل أن يتهم إدارة مكتبه بالفساد.
وهاجم ناصر ما وصفه بـ "الفساد الإداري" في تعيينات وزارة البترول وتدخل السماسرة مقابل دفع أموال باهظة للحصول على وظيفة في قطاع البترول، وقال "اللي بيتعين بيدفع 200 ألف جنيه في الوظيفة، لازم سمسار يخلص الوظيفة يحصل على 150 ألف أو 200 ألف جنيه".
ولاقت مداخلة رئيس لجنة الشكاوى تأييدًا من النواب الذين صفقوا له خلال الكلمة، قبل أن يؤكد أن "الناس مكسوفة تتكلم"، ليستكمل الاتهامات الموجهة لوزير البترول مشيرًا إلى اختياره لمدير مكتبه الحاصل على ليسانس آداب ممثلًا لمصر في منتدى غاز المتوسط، موضحًا "مافيش خبرات؟ أكثر من 30 ألف موظف في البترول مافيش خبرات غير أن الوزير يعين مدير مكتبه ليسانس آداب لتمثيل مصر في المنتدى؟ الفساد الإداري جاي من عند الوزير".
أين الرئيس؟
ويبدو أن الحماس الذي أحدثته كلمة ناصر ألهمت النواب الآخرين الذين طلبوا الكلمة، حيث بدأ النائب رياض عبد الستار انتقاده للوزير من غيابه عن الجلسات وصولًا إلى مطالبة الرئيس السيسي للتدخل لإيقاف الفساد داخل الوزارة.
وقال عبد الستار موجهًا حديثه للملا "يا وزير ياللي عمرك ما حضرت لجنة أو جيت شرفتنا في مجلس النواب، طول مدتك ما حطتش رجلك ولا أقدامك دخلت المجلس، دائرة ملوي بلا غاز طبيعي ولا في مركز ولا قرية".
وطالب النائب عن دائرة ملوي برحيل الوزير عن منصبه وكافة القيادات بالوزارة، مؤكدًا أن "الفساد وصل للركب ولابد من رحيلك أنت وكل القيادات في وزارة البترول"، مطالبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل لإصلاح الفساد وإعادة هيكلة وزارة البترول.
وفي محاولة لحفظ ماء وجه الوزير تحدث زعيم الأغلبية مرة أخرى، وقال "كلنا ثقة أنك قادر على حل المشاكل التي سمعتها، نحمل التقدير لشخصك الكريم ونحمل الثقة لقدرتك على حل هذه المشاكل بإذن الله"، لكن محاولة رشاد لم تمنع النواب من استكمال الكلمات الغاضبة ضد الوزير، فالنائب فتحي قنديل قال للوزير "أنا أول مرة أشوفك من 2015"، في إشارة لغياب الوزير عن المجلس وانقطاع صلته به منذ الفصل التشريعي السابق.
أما النائب خالد عبد العظيم عبد المولى، فتطرق إلى رصد الجهاز المركزي للمحاسبات، إهدار 93 مليار جنيه في قطاع البترول.
ووجه خطابه للوزير "نثق في نظافة يد سيادتك لكن كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وتساءل "ألا يستوجب هذا الرقم عقاب رادع للقيادات التي أهدرته؟ للأسف ما زالوا موجودين في مناصبهم حتى الآن".
وشارك عبد المولى زملائه في الحديث عن فساد التعيينات في قطاع البترول، وقال"عندي حالات مش عايز أقول أسماء علشان الأعراف البرلمانية، لكن في عضو مجلس إدارة عين 70 شخص من عائلته".
فيما علق النائب رفعت شكيب على غياب الوزير عن المجلس ساخرًا "جايز الراجل بيتكسف، جايز مش عايز يواجه"، واستطرد منتقدًا الملا "رئيس الجمهورية يستيقظ في الخامسة صباحًا أو الرابعة ويدير ملفات تخص الدولة على جميع المحاور، ملفات تخص مصر وعلى مستوى العالم العربي والإفريقي والدولي، حضرتك مؤسسة واحدة نطلب نقعد معاك يرفض المسؤول يدخلنا".
الورود إلى إيطاليا والأشواك لنا
وانتقل رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، النائب طارق رضوان، بالهجوم إلى صعيد آخر، حيث أعلن رفضه اتفاقات التعاون التي تبرمها الوزارة مع الشركات الإيطالية للتنقيب عن الغاز الطبيعي والبترول، مستنكرًا اتجاه الوزارة للشراكة مع تلك الشركات في الوقت "الذي لا يتوقف فيه البرلمان الإيطالي عن التدخل" فيما وصفه بـ "الشأن الداخلي المصري".
ويقصد رضوان العضو بحزب مستقبل وطن، الأزمة في العلاقات بين مصر وإيطاليا على خلفية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني والاتهامات الموجة لمسؤولين مصريين في أجهزة أمنية بالتورط في قتله ورفض الجانب الإيطالي ما انتهت إليه قرارات النيابة المصرية، وهو ما اعتبره رضوان "تدخلًا في شؤون مصر" وشدد خلال كلمته في الجلسة العامة على استقلال القضاء المصري وعدم تدخل أي سلطة في شؤونه أو أحكامه.
.. والوزير يتجاهل "الفساد"
بعد نحو أربع ساعة من الهجوم المتواصل على الوزير، دافع الملا أخيرًا عن نفسه موضحًا أنه لم يعين سوى شخصين فقط مساعدين له بالإضافة إلى معاون واحد، رغم أن مجلس الوزراء يتيح لكل وزير تعيين عشرة مساعدين، فيما تجاهل اتهامات الفساد، والحديث عن انقطاع الصلة بينه وبين البرلمان.
وبشأن التعيينات، قال "تقريبا ليست موجودة في قطاع البترول إلا من خلال الشركات، وفقًا لميزانية كل شركة حسب الإيرادات والمصروفات، وحسب التوسعات والمشروعات التي تنفذها"، مضيفًا "كل شركات البترول ليست جديدة، وآخرها موجودة من عامين، ولا نستطيع زيادة عدد العمالة بها، إلا عند خروج بعض العمالة الفنية منها، يتم إحلالها بعمالة جديدة".
وتباهى الوزير في دفاعه عن نفسه بالإنجازات التي تحققت في مجال اكتشاف الغاز الطبيعي، وقال "كنا نستورد الغاز الطبيعي، في الفترة من عام 2014 حتى 2016، بقيمة 2.5 مليار دولار، والآن أصبحنا نصدر الغاز الطبيعي"، وأضاف "ما تحقق في قطاع الغاز الطبيعي لم يأت بالصدفة، وإنما هناك استراتيجية وخطة يتم تنفيذها بعناية ومتابعتها سنويا".
.. سيادة الوزير: شكرًا
وكما أشعل زعيم الأغلبية، أشرف رشاد، النقاش أطفأه بالسرعة نفسها، موجهًا الشكر، في كلمة أعقبت إفادة الوزيرة، للرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير البترول على الاكتشافات البترولية "العظيمة"، وقال "نتمنى في لقاء مقبل، قد يكون في دور الانعقاد القادم أن نوجه الشكر للوزير في حل كافة المشكلات التي تم تسجيل الملاحظات عليها".
شجون متراكمة و"كبت"
عقب الجلسة تحدثت المنصة إلى عدد من النواب لبيان أسباب انتقادهم للوزير، حيث فسر النائب رياض عبد الستار، عضو المجلس الذي طالب الرئيس بالتدخل، أسباب تحركه اليوم ضد وزير البترول، قائلًا "أنا لم أصمت وحاولت وتقدمت بطلبات إحاطة عديدة لكن الوزير لم يحضر للمجلس"، وبشأن تفسير عبد الستار لغياب الوزير عن المجلس على مدار فصل تشريعي كامل قال "هيبة المجلس كانت ضائعة، رئيس المجلس السابق علي عبد العال أضاع هيبة المجلس، وكان يدافع عن الحكومة".
أما النائب عن حزب مستقبل وطن، مجدي ملك فقال للمنصة إن "الأغلبية لم تتفق على طريقة محددة لإدارة الجلسة وتبني موقف ضد الوزير"، وقال "أنا ضد ما يحدث في القاعة وطريقة الكلام"، مستنكرًا الحديث عن غياب الوزير وعدم تواصله مع النواب.
وفسر وكيل لجنة الطاقة والبيئة، حمادة الجبلاوي، هجوم النواب على الوزير نتيجة للتراكمات، وقال للمنصة "توجد تراكمات من السنوات الماضية، من الفصل التشريعي السابق بين النواب والوزارة".
وبسؤاله عن الاتهامات الموجهة للوزير بعدم حضوره المجلس نهائيًا، قال الجبلاوي "هذه أيضًا تراكمات، الوزير من أقل الوزراء دخولًا للبرلمان، كل الوزراء وزاراتهم مهمة وتوجد وزارات سيادية ومع ذلك يتواصلون مع المجلس بشكل أقوى من وزير البترول"، وأضاف للمنصة "حاولنا في اللجنة الوصول لحلول وقنوات اتصال لحل الأزمة بين النواب والوزارة، لكن الحقيقة يوجد تعالي من جانب قيادات الوزارة في الصف التالي للوزير".
وقال النائب عن حزب الشعب الجمهوري "لا أحد ينكر إنجازات الوزير في مجاله لكن يجب التواصل مع النواب لحل مشاكل المواطنين الخاصة بعمل الوزارة وملفاتها المختلفة، ويجب الوصول لطريق تواصل نحن لا نريد خدمة لأنفسنا ولكن نحل مشاكل الناس، نحن أداة الوصل". وأوضح الجبلاوي أن اللجان ستعقد اجتماعًا الأسبوع المقبل لبحث عدد من طلبات الإحاطة الخاصة بوزارة البترول وستطلب حضور الوزير، مضيفًا "يحضر الوزير أو أي من قيادات الصف الثاني أو الثالث أو الرابع إن كان في اختصاصهم حل المشكلات المطروحة".
"التراكمات" أيضًا كانت التفسير الذي تبناه نائب من نواب تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وقال النائب الذي تحفظ على نشر اسمه للمنصة إن "النواب مكبوتين ودي تراكمات بسبب عدم حضور الوزير السنوات السابقة"، وبشأن الموقف المحايد لنواب التنسيقية الذين لم يشاركوا في الهجوم على الوزير وما إذا كان في أية خطوات مستقبلية ضده قال النائب "شفتينا اتكلمنا؟ كلها تراكمات من النواب وهتتحل".