مع إعلان وزير التعليم، الدكتور طارق شوقي، أن امتحانات الترم الأول للعام الدراسي الحالي ستجري بنظام الورقة الواحدة أو الامتحان الموحد، في كل المواد، أبدى أولياء أمور تخوفهم من ذلك النظام، خاصة أنه يطبق للمرة الأولى في ظروف استثنائية في ظل جائحة كورونا، ومع ضيق الوقت للاستعداد.
هذا النظام الذي يراه شوقي الأفضل في ظل الأزمة الحالية، يعتبره الخبير التربوي كمال مغيث، بمثابة قرار سيادي، لا يلتفت لمصلحة الطالب، موضحًا أن الامتحان المجمَّع لا يمكن أن يكون وسيلة لاختبار الطلاب عن الأداء التعليمي.
سهام منير، والدة التلميذة ليان، وصفت القرار بأنه غير موفق يرهق الطلاب، بينما يرى وزير التربية والتعليم، طارق شوقي، أن تدخل الأمهات في العملية التعليمية "أوفر"، ومواجهتهم للأمر بالصياح والصراخ أمر خاطئ، لا يتناسب مع الأزمة الحالية، وجائحة كورونا، بينما يرى خبراء في التعليم أن الأزمة بدأت منذ عام كامل، وكان هناك مهلة كافية لحلول بديلة ترضي جميع الأطراف.
طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، قال إنه سيتم وضع مواصفات الورقة الامتحانية المجمعة لصفوف النقل بداية من الصف الرابع الابتدائي وحتى الثاني الإعدادي خلال الأيام القليلة المقبلة، استعدادًا لامتحانات النقل، المزمع عقدها فى 27 فبراير/ شباط الجاري، مشيرًا إلى أن الوزارة لجأت للامتحانات المجمعة لتقييم الطلاب قبل بداية الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الحالي، وسط ظروف وتحديات فيروس كورونا، مؤكدًا أن الفصل الدراسي الثانى سيبدأ في 10 مارس المقبل.
بحسب الوزير، ستضم ورقة الامتحانات 3 أسئلة من كل مادة، مع إرسال نماذج استرشادية للامتحانات المجمعة للمديريات التعليمية، ووضعها على الموقع الإلكتروني الرسمي للوزارة، حتى يتمكن الطلاب من الاطلاع والتدريب عليها.
صدرت قرارات وزير التربية والتعليم، في 15 فبراير، أي قبل موعد الامتحانات المقرر بـ12 يومًا فقط، وهو ما تراه سهام غير كافٍ لتدريب ابنتها ذات الإحدى عشرة سنة على الأمر "صعب أوي فجأة نقول لولادنا قبل الامتحانات بأيام إنهم هيمتحنوا كل المواد في ورقة واحدة، دي حاجة صعبة على الطلاب اللي لسه صغيرين، واللي هما معندهمش قدرات كبيرة في فكرة الامتحانات من النوعية دي، وهي أول مرة تتطبق أصلًا".
تخوف الأم من عدم قدرة ابنتها على استيعاب الفكرة، وأيضًا ضيق الوقت للتدريب على الأمر، وجهة نظر تتفق معها العديد من الأمهات، ورد عليها الوزير في حواره مع برنامج "جروب الماميز" على قناة "مدرستنا 1"، وقال "لو المصريين عندهم استعداد ينزلوا ولادهم يمتحنوا كل مادة لوحدها ومش متضايقين من كورونا وعندهم استعداد ينزلوا 10 أيام بدل يوم ويمتحنوا كل مادة لوحدها؛ يقولوا لنا"، واصفًا تدخل الأمهات في العملية التعليمية بأنه أمر مزعج "الوضع ده ما ينفعش، كل حاجة بقت أوڤر أوي، وكل الأمور تعالجها بعض الأمهات بالصياح والزعيق".
ورغم أن شوقي أوضح في حواره أن فكرة الترمين غير تربوية، لكنه يطبقها على طلاب صفوف النقل، مشيرًا إلى أنه في الماضى لم يكن هناك هذا الأمر "فكرة الترمين اختراع غير تربوي ولا توجد دولة في العالم لديها ما يسمى بالترمين".
دينا سعيد، أم لطفلين؛ الأول في الصف الثالث الابتدائي، والثاني في الصف الثاني الإعدادي، ترى أن ما يحدث مع الطلاب منذ بداية الجائحة بمثابة "بسترة"، بسبب الخروج كل فترة بقرارات جديدة "الحقيقة إن اللي حاصل ده أكيد مش في صالح الولاد، وطبعًا عارفين إن في جائحة وفي أزمة، بس هو ليه الوزير مثلًا بيعمل امتحان مجمع لطلاب النقل اللي هما مش شهادة، مع إن ممكن نبدل ده بإن تبقى الامتحانات آخر السنة، في أجزاء محددة من المناهج تقيم الطلاب، وأهو كمان يكون في وقت لإجراءات أمان أكتر للطلاب، لو الوزير حس إنه الوقت مزنوق أو مفيش وقت، بس صعب أوووي يتاخد قرار ويتقال امتحان قبلها بأقل من أسبوعين، احنا ولادنا لسه أصلًا بسبب السنة اللي فاتت والكورونا والأبحاث مش مستعدين لده، لأننا كمان فجأة لقينا نفسنا بندخل من تعليم عادي في المدارس لنماذج رقمية ومحاكاة لتعليم في بلاد تانية فجأة من غير أي تدريب أو تجهيز لده".
نظام الامتحان
بحسب وزارة التعليم، تضم الصفوف من الرابع الابتدائي حتى الثاني الإعدادي ما يقرب من مليون و400 ألف طالب/طالبة، وسيكون الامتحان متعدد التخصصات لمدة ساعتين في يوم واحد وورقة امتحان واحدة وتضم عددًا من الأسئلة (اختيار من متعدد) موزعة على المواد الأساسية التي تضاف إلى المجموع، بينما المواد غير المضافة للمجموع ستكون في نهاية العام، وزمن الامتحان، ساعتان لكل صف، ويتم تحديد عدد أسئلة كل مادة طبقًا للوزن النسبي لها.
وتحسب نسبة 50%على امتحان الفصل الدراسي الأول و50%على الدرجات التي يحصل عليها الطالب من متوسط الدرجات التي تعقد من شهر مارس حتى شهر مايو، ويشترط لنجاح الطالب حصوله على نسبة 50% من المجموع الكلي للامتحان شريطة ألا تقل الدرجة في أي مادة عن 25%، كما أن الطالب الحاصل على 50% فأكثر من المجموع الكلى وحصل على أقل من 25% فى مادة أو أكثر يكون له الحق في دخول الدور الثاني في تلك المواد التي لم يحقق بها نسبة 25%، والطالب الحاصل على أقل من 50% فى المجموع الكلي يكون له الحق في دخول الدور الثاني في المواد التي لم يحصل فيها على نسبة 25% حتى يتجاوز نسبة النجاح المقررة 50% للمجموع الكلي.
ويطبق الأمر على طلاب الصف الثالث الإعدادي أيضًا، والذين يقدر عددهم بأكثر من مليون طالب، يؤدون امتحان مجمع، من 280 درجة، يضم 35 سؤالاً، بواقع ثمانية أسئلة لمادة الرياضيات، مجموعها الكلي 60 درجة، وستة أسئلة لمادة العلوم، مجموعها الكلي 40 درجة، وستة أسئلة للغة الإنجليزية مجموعها 60 درجة، بينما مادة الدراسات الاجتماعية ستة أسئلة، مجموعها النهائي 40 درجة، في 3 ساعات، يوم 7 مارس/ أذار المقبل.
تعليم رقمي ولكن..
أتت أزمة كورونا بظلالها على مصر منذ بداية مارس 2020، لتؤثر على التعليم بشكل قوي، نحو الرغبة في الاتجاه لتعليم رقمي، مع معوقات ضعف شبكة الإنترنت، ما سبَّب أزمة لطلاب الثانوية العامة الذين أدوا الامتحانات على جهاز التابلت، وحاجة الطلاب للتعود عليه، ليعودوا مجددًا للامتحانات في المدارس والحضور، ولكن بشكل مختلف عما سبق، وفي المقابل لم تشهد الكثير من الدول أزمة في العملية التعليمية لاعتمادها بالفعل من قبل الجائجة على التعليم عن بُعد، فوفقًا لتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ساعدت الجائحة في منح التعليم الرقمي في ألمانيا، والموجود بالفعل، دَفعة جديدة لتطويره.
قبل الجائحة، وضعت مؤشرات المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2017 مصر في مرتبة متأخرة فيما يتعلق بجودة التعليم الأساسي والعالي، وهو ما أرجعه البعض إلى عدم وضع الحكومات المصرية المتتالية التعليم على سلم أولوياتها لعقود من الزمن، وحينها أطلقت الوزارة نظام تقييم جديد للطالب واعتماد وسائل الفهم بدلًا من التلقين والحفظ، واتباع أسلوب الكتاب المفتوح، أي دخول الطالب إلى الامتحان وبرفقته الكتاب الدراسي، والهدف من الاختبار قياس قدرة الطالب على استيعاب وفهم المعلومات وإيجاد حلول بديلة.
في العام الماضي، استبدلت الوزارة الامتحانات من الابتدائية وحتى الإعدادية بمشروعات بحثية، يجريها الطلاب في المنازل، ويسلموها إما إلكترونيًا أو ورقيًا بالمدارس، وهو ما تراه سهام ودينا أمرًا مناسبًا للطلاب بدلًا من اللجوء لامتحان مجمَّع في ورقة واحدة.
الوزارة أعلنت أنها لن تعتمد على الأبحاث هذا العام، بسبب ما فعله الكثيرون العام الماضى حيث أهدروا قيمتها التربوية والتعليمية، مما أثر سلبًا على تكافؤ الفرص فى التقييم العادل.
نائب وزير التربية والتعليم، الدكتور رضا حجازي، يرى أن استكمال العام الدراسي رغم الجائحة أمر مهم نجحت فيه الدولة، وطمأن في تصريحات تليفزيونية أولياء الأمور، بأن درجات الترم الأول لن تضاف للمجموع، ولكنها لتأهيل الطالب للانتقال للترم الثاني.
تقول دينا "السنة اللي فاتت ابني قدم بحث مجمَّع لكل المواد، وده كان حل طبعًا أحسن من الحل الجديد، لو احنا خلاص اتفقنا إنه الطلاب بتوع النقل هينجحوا وخلاص، والامتحانات بس لتقيمهم وتدريبيهم على العملية التعليمية، فالبحث هو الحل الأمثل، إن الطلاب يكتبوا ويبحثوا ويكون عندهم مدة كافية لتقديم البحث، حتى علشان السنة اللي بعدها لما ترجع الحياة عادية بعد الجائحة ميحسوش بالأزمة، وإنهم كل شوية بقرار جديد".
وترى سهام أن الاختيار من متعدد وفقًا لما سيأتي عليه الامتحان، ليس مقياسًا لتقييم التلاميذ "أنا مش متخيلة إن بنتي عندها 11 سنة هتملى رأسها بكل المواد بتاعتها، وتروح تجاوب على 3 أسئلة اختيار من متعدد في كل مادة، ده مش هيكون مقياس أبدًا ليها، هي أصلا ممكن تختار بالبركة؛ صعب إنها تستوعب كل المواد في يوم واحد، يمكن ده يكون مفيد لطلاب الجامعة، والسن الأكبر".
شوقي يرى أن تأجيل الامتحانات أمر لا يأتي في صالح الطلبة، لأنه يضيّع عامًا كاملًا من عمرهم، وهو ما اتبعته العديد من الدول؛ "اسكتلندا قررت إلغاء التعليم هذا العام وإعادة العام الدراسي العام المقبل، والرئيس عبد الفتاح السيسي، رفض أن يحدث ذلك في مصر، حتى لا يضيع عام من عمر الطلاب"، وفقًا لما قاله في المؤتمر الصحفي، ووصف الامتحان المجمع بأنه فكرة مبتكرة، وأيضًا لتحقيق التباعد الاجتماعي بين الطلاب، ففي كل لجنة سيكون هناك سبعة طلاب فقط، مع تطبيق الإجراءات الاحترازية.
قرارات سيادية
ربما نجحت وزارة التربية والتعليم في رسم صورة واضحة للإجراءات الاحترازية والتباعد في لجان الامتحان، لكن ما أصدره الوزير، يراه الخبير التربوي، والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية، كمال مغيث "قرارات سيادية" لا تلتفت لمصلحة الطالب.
قال مغيث للمنصة، إن الامتحان المجمَّع لا يمكن أن يكون وسيلة لاختبار الطلاب عن الأداء التعليمي "الامتحان في الأصل بيكون أسئلة متنوعة من كل المنهج، ولما يجي الطالب يجاوب عليه لو فاته جزء من المنهج فبيكون عنده فرص تانية إنه يعوض في باقي الأسئلة بما إنها بتتطرق لكل اللي أخده الطالب، وإزاي ممكن المنهج أو اللي درسه الطالب يتلم في 3 أسئلة وتكون اختيار من متعدد"؟
من الممكن أن يطبق نظام الامتحان المجمَّع وفقًا لمغيث في حالات أخرى "ممكن ده يحصل لو الطالب طول السنة بيتقيم، وبيعمل عروض ومسابقات، وامتحانات شفوية، فممكن وقتها يبقى ده جزء من التقييم في نهاية العام إنه يتعمل امتحان مجمَّع ويتحط على باقي الأنشطة، لكن مش منطقي إنه فجأة نقول للطلاب الامتحان مجمع وبعد أيام، ويالا ذاكروا بقى كل المنهج".
يتفق مغيث أننا في فترة حرجة، بسبب الجائحة، ولكن منذ بدايتها كان هناك وقتًا كافيًا لحلول جادة، ومعالجة ما فشل في السنة الماضية "الحل الرقمي طبعًا هو الحل السليم للفترة الحالية، ومفيش حد يختلف إنه مستقبل التعليم في كل العالم، لكن لما جينا نجربه لقينا معوقات من ضعف الشبكات ومش كل الناس عندها نت، وماديات وخلافه، ليه الوزارة مفكرتش تذلل العقبات دي في السنة اللي فاتت؟ ده وقت كافي، لكن للأسف اللي بيحصل إن الوزير بيطلع يقول القرارات وبس، مش بيشرح إزاي حصلت وليه، لأنه مش صانع سياسات".
يرى مغيث أن تحديد عدد الطلاب في اللجان أمر موفق من جانب الوزارة، لكنها أغفلت باقي الجوانب "الحل هو إننا كنا نعمل لجنة معلنة ومشكلة من خبراء تعليم وشبكات، ونقول إحنا مشاكلنا في التعليم الرقمي كانت كذا وكذا، ويحدد خبراء الشبكات الحلول ويبقى في تطوير للشبكة، وممكن كمان دعم للناس اللي مش معاها فلوس تدخل نت في فترة الامتحانات علشان الولاد تقدر تذاكر وتمتحن، ويكون في اللجنة خبراء مناهج يوصلوا لشكل مناسب للامتحانات للطلاب لو إلكترونية، أو أبحاث مثلًا زي السنة اللي فاتت، وتتحدد الأجزاء من المناهج بالضبط اللي الطالب هيمتحن فيها، ويتقال ده قبلها بوقت كافي".
الأزمة يراها مغيث كانت فرصة لبدء ونشر وتطوير التعليم الرقمي في مصر، ومساعدة الطلاب في الفهم أكثر من الحفظ، على عكس ما كان متبعًا في الفترات الماضية، ولكن في النهاية نصطدم بما وصفه بـ"بيانات عسكرية"، من وزير التربية والتعليم، لا يجري عليها نقاش، ولكن الوزير يخرج للإعلان عنها فقط.
في النهاية، يستعد الطلاب لخوض امتحان بنظام يختبروه للمرة الأولى، وسط سخط أولياء الأمور مما يعتبروه قرارات مفاجئة لا تمنحهم الوقت الكافي للاستعداد، وليس بوسعهم سوى خوض التجربة، آملين انتهاء وباء كورونا لتعود الحياة المدرسية ونُظم الامتحانات إلى وضعها الطبيعي، دون مزيد من المفاجآت.