ينفض البائع عودي جرجير يتطاير منهما رذاذ الماء في الهواء، يغيبان سريعًا داخل فمه، يُتبعهما بلقمة فول تتكور ناحية خده الأيمن، لكنه توقف بسرعة عمّا يفعل، حين ظَهَرتُ فجأةً أمامه، وفي يدي عبوة مياه معدنية.
شعرنا بالحرج، احمّر وجهانا، نظر إلى موضع قدميه، وتجاهل الصحون البلاستيكية المتراصة فوق ورق الصحيفة أمامه، وكأنني باغته في دورة المياه، لا أثناء إفطاره الذي يتناوله في البقالة الصغيرة أمام الزبائن. اعتذرت منه، وطَلبت أن يتمّ طعامه، وسأعود إليه حين يُنهيه، فما المخجل في مشاهدة شخص يتناول طعامه، ويأكل عيشه الحقيقي، لا المجازي؟
أنا والموكبانج
"لا تنظري لأحد وهو يتناول طعامه"، كانت توصيني أمي دومًا بذلك، ضمن قائمة وصايا طويلة عن اللباقة والكِياسة في التعامل مع الناس، وكوصايا المعلم الروحي أوشو، التي أنسى تطبيقها ولا أتذكرها إلا حين أقع في المحظور، أحيانًا تضل عيناي طريقهما دون قصد حين يشرد ذهني، نحو أشخاصٍ يتناولون طعامهم، إلا أنني أتدارك خطئي سريعًا، وأُحُول بصري إلى مكانٍ آخر.
لكن، في ليلةٍ طويلة، لم تفلح أي من أخبار وشائعات حياة النجوم، ومقاطع القطط والكلاب المضحكة، ومقاطع وصفات الطعام، في إفراغ وتهدئة نوبات قلقٍ واكتئاب تتدفق من عقلي إلى جسدي، كعادة كل المسكنات التي تفقد قوتها بعد حين، لذا تغافلت عن وصية أمي، وأخذتني الشبكة العنكبوتية إلى مقاطع فيديو لفتاة آسيوية تتناول الطعام بنهم، وتصدر أصواتًا مُتلذذة، وهي تبتلع الكعك دون حتى مَضغِه.
لا لشيء، شاهدت الفيديو حتى نهايته، بعد تناول الفتاة سَبع قطع كبيرة من الكعك، فشاهدتُ المقطع الذي يليه، ثم الذي يليه، وشعرت أنني أهرب من وحشة نفسي إلى وحشة العالم، جوعه، وتُخمته، وبدا هذا معزيًا.
حتى إنني لم أُفكر في تناول الطعام رُغم تلك المُغريات، ولا أعرف السبب، أشعر فقط بالراحة، وبعضٌ من خجل، لسببٍ ما تذكرت أمي حين تقول "لما بشوفكم تاكلوا وانتوا حابين الأكل، كأني أنا أكلت بالظبط"، بالطبع هذا نوعٌ من التضحية وإنكار الذات، تمارسه الأمهات دومًا حتى وإن كان ثمة وفرة في الطعام، أنا أم إذًا أنا أُضحي.
على كل حال، في سياقٍ مريب، أحس المشاعر ذاتها نحو من يتناول الطعام في مقطع الفيديو، وكأنني من أتناوله، وأرجو أن يعفني هذا الشعور من قول هذه الجُمَل لأطفالي، أو أن أكون أكثر حكمة؛ ولا أزيد العالم أفرادًا من الأساس.
بعد إدماني تلك المقاطع، عرفتُ أنني لست وحدي من اختبر هذا الشعور، لا شُعور تناول طعام مؤدي الفيديو بالتأكيد، بل الشعور بالراحة والسعادة، إذ يشاهدها الملايين في وقتنا الحالي، وينتظرونها بشوق.
بدأتْ مقاطع فيديو تناول الطعام، من كوريا الجنوبية، عام 2010، وباتت تُعرف الآن بالموكبانج Mukbang، وهي كلمة كورية مشتقة من الكلمتين muk-ja التي تعني نأكل، وكلمة bang-song أي البث، أهم خصائصها، أن يتناول المؤدي كميات كبيرة، من الطعام، ويتفاعل مع الجمهور.
في بداية ذيوعها، كان المؤدون يؤخرون عروضهم إلى وقت انتهاء دوام عمل الموظفين في كوريا الجنوبية، ليأنس بهم الجمهور الوحيدون في منازلهم خلال تناولهم وجبة العشاء، ثم تطورت عروض الـMukbang بدءًا من عام 2015، ليصبح المؤدون والأطعمة، من كافة الجنسيات والوجبات حول العالم.
الصوت المرتفع المُنتشي بالطعام، سببٌ رئيس في شهرة هذا النوع من المحتوى وفرادته عن المقاطع المشابهة، التي يكون تناول الطعام فيها مُحوريًا؛ مثل رأي نُقاد الطعام في وجبات طاهٍ ما، وتذوق الأفراد غير المحترفين الوصفات الجديدة، وعُشاق الطعام الأوفياء محبي تجربة المطاعم والمقاهي، الذين يختلفون جميعًا عن مُحتوى مقاطع الموكبانج، وربما تلك الأصوات هي السبب في جذب المشاهدين، فبحسب الأطباء تَخفت حدة القلق، والأرق إثر الاستماع إليها.
يختبر المشاهد ما يعرف بالـ(ASMR (Autonomous Sensory-Motor Response ، أي استجابة القنوات الحسية الذاتية، وهي حالةٌ ممتعة، تتضمن الشعور بوخز في مؤخرة الدماغ والعنق وتشمل العمود الفقري والأطراف، نتيجةً لمحفزاتٍ حسية سمعيةٍ وبصرية، تقود إلى الاسترخاء، وتشبه بشكلٍ ما الطرق التابعة للعلاج السلوكي المعرفي في تحسين الحالة النفسية، كالتأمل مثلًا، لكن لا تتوفر تلك النتيجة المُمتعة في تناول الطعام فحسب، فصوتُ النَقر وتمشيط الشعر والهمس يؤدون الغرض ذاته.
يصاحبني عدم الارتياح والخجل مجددًا، وأنا أشاهد مقاطع الموكبانج، لكنني رغم هذا أُتمها بسعادة حتى نهايتها، ربما لأن صوت وصايا أمهاتنا لا يخبو داخلنا بسهولة، فهو ببساطة ليس صوت أمهاتنا فحسب، بل كُل الأسلاف قبلنا أيضًا.
خجل قبل التاريخ
حين أتأمل، ما المعيب في متابعة إنسانٍ يأكل في وعينا الجمعي؟ أفكر أننا نُحاول التنصل من إنسانيتنا، بغضِ الطرفِ عن إنسانٍ مثلنا، يقضي حاجته بتناول الطعام لا إفراغه، كلاهما احتياج، وكلاهما دلالةُ ضعفٍ ونقص، هذا الاحتياج إلى "الامتلاء الطوباوي"، مثلما تسمِّه الروائية، آميلي نوثومب، في كتابها بيوغرافيا الجوع، الذي يمس الجسد كُلُه ربما هو ما يحرجنا، بعيدًا عن مثالية الآلهة التي لا تجوع ولا تشبع.
وبالعودةِ لأصل الأشياء، ربما تراكم الخزي داخلنا نحو تناول الطعام لأنه الخطيئة الأولى التي تربينا على حَمل إرثها، بحسب ميثولوجيا الأديان الإبراهيمية؛ قَضم آدم والتفاحة، وبسببه انتقلت ذريته إلى الأرض، وكأن دواخلنا تماهى فيها الخجل من ذلك الفعل مع ما تسبب فيه، ليس فقط نزول آدم إلى الأرض، بل عُري جسده وحواء في الجنة، مثلما جاء في سفر التكوين.
كذلك، لطالما وصل إلينا أن الأنبياء زاهدون في الدنيا، وبالتالي لا يَتَكَلفون في طعامهم وشرابهم. يقول النبي مُحمد، في حديث المِقدام بن مَعْدي كَرِبَ ، "ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بَطنٍ"، أما يسوع المسيح، فيقول في إنجيل متى "لذلكَ أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادكم بما تلبَسون. أَليستِ الحياة أفضَل من الطعام، والجسد أفضل من اللباسِ؟" مَتَّى 6:25.
ربما من هنا، نُنكر ذواتنا وأجسادنا الجائعة تيمنًا بهم، واتباعًا لوصاياهم، بعدم تناول إلا ما يَسُد رمقنا، لا أن نغرق في الطعام ويصبح هدفنا الأكبر في الحياة.
رغم أنّ الأنبياء، بحسب ما جاء عنهم، كانوا بشرًا أيضًا يتناولون الطعام، ويدركون أهميته، إلا أنني أظن أنه ربما مع مرور الزمن، أَصبح أسلافنا، ونحن من بعدهم، أكَثر حساسيةً نحو الأمر برمته، نخجل أن يرانا أحد ونحن في أبسط وأعمق صورنا البشرية في آن واحد؛ نأكل.
مع ذلك، ليست الآلهة والكائنات اﻷسطورية منزهة عن الجوع في بعض الثقافات، ففي الميثولوجيا اليونانية، ثمة مخلوقات تدعى الهاربي لا يخفت جوعها أبدًا، وتُدنِّس الولائم كآلية عِقاب لمن يُغضب الآلهة من أهل الأرض. يحكي عنها بورخيس في كتاب المخلوقات الوهمية، وأظنُ أننَا نُشبهها قليلًا، فهي تلتهم المآدب في جوع، ومثلنا تحوِّل الغذاء إلى فضلات، غير أننا على العكس منها، ليست هذه مهمتنا في الحياة.
المُثقفون لا يأكلون الطعام
في أسرتي كان يخشى أبي وأمي أنّ نكون كمخلوقات الهاربي، يذكّراننا دومًا "نحن نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل"، كان احتقار الاهتمام بالطعام موجودًا في منزلنا علانية، رغم أننا في الحين ذاته نأكل ما لذ وطاب، غير زاهدين في وجباتنا، لكننا ببساطة كنا لا نعير اهتمامًا لما نأكل، أي لا يشغل الحديث عن الطعام حيزًا من يومنا.
حين يُسئل أبي عمَّا يحب أن يأكل على الغداء، يقول إنّه سيأكل كتابًا، يحب أبي لوركا الشاعر الإسباني الثائر، ويقتبس قوله بتصرف "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإن شعرت بالجوع والعوز في الشارع، فلن أطلب رغيفًا، بل سأطلب نصف رغيف وكتابًا".
بالطبع لا تُدفئ الكتب الجسد الجائع مثلما يفعل حساء العدس، لكن لوركا شاعرٌ رومانسي للغاية، ورغم أن أبي يُحاول السير على خطاه، إلا أنه على نقيض قول لوركا انتقائيٌ للغاية فيما يأكل، لا يأكل كثيرًا من الأطعمة، ويُحب حساء العدس، فهل كان لوركا في الحياة كأبي يجمع بين النقيضين، قول الزهد وفعل الاشتهاءِ أيضًا؟
يزدري المثقفون المُغالاة في تبجيل الطعام، رغم ممارستها أحيانًا، وفي بيتٍ لأبوين مُثقفين يعشقان القراءة، ويُنفقان الكثير من المال لملئ مكتبة المنزل، كان هذا الازدراء نمطًا حياتيًا راسخًا.
لكن، بعد ما أُفسح لعقلي فرصة التفكير والعيش بعيدًا عن سطوة أمي وأبي على عقلي، أو ربما فقط أنني كبرت، اكتشفت أننا لا نزدري فقط الاهتمام بالطعام، بل بالتبعية نزدري أنفسنا ونحن نأكل، أو بالأحرى أجسادنا وهي تأخذ نصيبها من الغذاء، لتتمكن من ممارسة وظائفها الحيوية مُستقبلًا.
كانت هذه المشاعر جليةً لنا ولمن حولنا أيضًا، لكننا حاولنا إخفاءها قدر المُستطاع، إذ كنا في الماضي نَسخر خِفيةً، من أحد أقربائنا الذي كان يأكل دومًا بانتشاءٍ واضح، ويكرر "أن الأكل للجسد كالبنزين للسيارة، لايمكن أن يتحرك أو يعيش دونه". الآن، لا أعرف لِما كنا نسخر منه؟ كان عمو "م" مُحقًا، مُتصالحًا مع جوعه ورغباته، وجسده أيضًا.
لم تتغير نظرة أبواي نحو الطعام، لكن، قبل موت أمي بعدة أيام كانت جائعة على غير عادتها، وأصبحت نشيطة على شكلٍ مريب، جعلنا نعتقد أنها تعافت، حتى إنها، في إصرارٍ كبيرٍ، أعدت وجبةً تُحبها، وأكلتها بشهيةٍ وسعادةٍ واضحين.
خلال العزاء، سألنا أحد أقربائنا، إن كانت أمي، التي كانت لأعوامٍ طويلة مريضة، أصبحت بخيرٍ فجأة، وأكلت وشربت بنهم، وأَخبَرنا أنّ هذه عادة المقبلين على الموت قبل رحيلهم؛ يشعرون بالجوع، ويطلبون طعامًا يفضلونه، ويأكلونه بشهية، وكأنهم يتأهبون لسفرٍ طويل، قد لا يستريحون فيه، فلا مجال لتناول وجبة ساخنة في منتصف الطريق.
لا يُفكر الميت المستقبلي، إن كان يشعر بوفاته مثلما تؤمن بعض الثقافات، في خداع الحياة والحرج من غرائزها وخطيئتها، بل يُحاول أن يغرف بيده في مُتع العيش، فيأكل ويتلذَّذ، أو ربما يخاف أن ينتهي عهده بملذات الحياة، فلم يعش أحد التجربة، ويعود ليخبرنا أن ثمة طعام وشبع هناك، أينما كانت وجهته، تُرى هناك، هل سينظر من حولنا إلى وجوهنا ونحن نأكل، أم على عكس الحياة الدنيا سترى أعيننا باتجاهنا، وينظر كل إنسان إلى نفسه وفمه حين يأكل؟
رِفقًا بالوحيدين حول موائد المطاعم
أُفكر أحيانًا، أن الحرج من النظر إلى من يتناول الطعام، هو انعكاسٌ لما نشعر به ونحن نأكل من الناحية الجمالية نحو أنفسنا، لذا يتجنَّب كثيرون تناول طعامهم وحيدين في مطعمٍ ما، وأنا مثلهم، اعتدت أن أُهاتف أحدًا دومًا وأنا أتناول طعامي، أو أَتظاهر أنني أقرأ كتابًا بين يدي، كيلا يراني الناس آكل فقط.
كما تُنصح الفتيات في الموعد الأول ألا يأكلن حتى يَشبعن، كي لا يكن مُرتاحات، أو يعتقد الشريك المُحتمل أنهن شَرِهات، والسبب الرئيس أن يبدون رقيقات كالعرائس البلاستيكية، لكن لِمَ التمثيل؟ وكيف نرجو نجاح علاقة تفتقد الأصالة والطبيعية، ففي حديثنا عن الحب والحميمية، يعود تناول الطعام إلى الواجهة، فأن نأكل مع أحد بأريحية ودون تكلُّف، يرمز إلى قوة العلاقة ونضجها، يقول المحبّون عن شُركائهم إنهم على سجيتهم معًا، ولا يخجلون من الأكل أمامهم بشهية.
ها هو إنسان آخر، لن يؤسفه مظهرنا، ونحن نلوك الخبز، ونبتلع الأرز، ها أنا أقضم اللحم بأسناني، ولا أخشى شيئًا، ربما كنت آكلة لحوم بشر متخفية، لكن الحب سيجعله يشاركني وجبتي أيضًا.
كالعادة فإن الحب، أي ما تقرره روح الإنسان هو ما يهم، لكن هل الروح هي صاحبة القول الفصل حقًا؟ هل الخجل من تناول الطعام يعود إلى وجوب انحيازنا نحو ما تريده الروح لا الجسد؟ ببساطة، هل نحتقر الجوع وما يتبعه لأن أجسادنا هي ما تريده؟ أم نحتقر أجسادنا لأنها تريد شيئًا؟
الجسد الأمين على الهامش
حين نرغب في ذم شيء ما، لكننا لا نَعرف حقًا ما العيب فيه، نقول إنه "بلا روح"، فالروح في ثقافتنا هي الكيان الأسمى، ولطالما مَنحناها أهميةً أكبر من جسدنا؛ الوعاء الذي يحتويها، ونأكل مجبرين، ليبقى الوعاء متاحًا لنا، في الوقت ذاته، نشعر أنه لا يليق بما يكفي بروحنا المقدَّسة التي يحملها، رغم أن روحنا دونه، ستمكث في اللامكان، دون بُعدٍ مادي، يربطها بالعالم وقوانينه المادية التي تتبعها كل الموجودات.
لكن لا يفصل الفيلسوف الألماني فيورباخ بين أرواحنا، وأجسادنا وما تمتلكه من حواس ورغبات، وفي كتابه أفكار حول الموت والأزلية، يُشير أن الحواس خواص الجسد الآسرة، هي الوسيلة الخارجية للتفكير، فلا روح بدون جسدٍ تملؤه، وتشعر من خلاله بالطبيعة والحياة حولها.
يقدِّم فيورباخ في فلسفته الأولوية لحواسنا، يُبجلها ويَعُدها الأصل لوجودنا، فشعور أرواحنا باللذة يقترن بحواسنا، لا فاصل بين الجسد والروح التي يحملها. ما مغزى أرواحنا، إن لم تستطع أن تشعر بما يكتنزه معطف الحبيب من رائحة؟ أو بمقدار العسل في لقيمات القاضي، التي تُعيد أرواحنا إلى دفء المنزل في ليالي الشتاء الطويلة؟
ورُغم جوهرية الروح في الأديان، إلا أن الجسد لم يبق في حيز الدَنس، لم يُطلب من المؤمنون الصوم، والالتزام بالتطهر فقط، بل كان الجسد مدخلًا لملء أرواحنا وعقولنا بالعقيدة، مثلًا طقس التناول أو الأفخارستيا في المسيحية، يعد في أغلب الطوائف طقسًا كنسيًا مهمًا من دونه لن يدخل المؤمن الملكوت، يَتناول فيه المؤمنون الخبز والنبيذ، أي جسد المسيح ودمه، أما في الإسلام، فهناك الإيمان بمعجزة ماء زمزم وأثر العافية التي يشعر المُرتوي بها، رغم غرابة مذاقها مُقارنةً بالماء العادي، يترتب عليه الإيمان المُطلق بالنبي محمد وأركان دينه، وقُدسية مكة أيضًا.
الآن، بعد عقود من مُحاولات التعايش مع مُتناولي الطعام العابرين في حياتي، ومَع صراحتي الحديثة مع نفسي أنني أعشَقُ الطعام، أُحيي جسدي صباحًا ما استطعت بالإفطار الذي يُحب، ولا أُنكر أن يومي يكون أكثر لُطفًا بسببه، قد أتناول تُفاحةً حمراء خلال سيري في الشارع بين الناس، ولا أُفَكر فيمن سيتطلع إلى وجهي، ربما يمر هذا ببالي أحيانًا، لكنني سأَغبطُه، فنحن نَتنفس في مساحةٍ واحدة، نُحاول النجاة، ونَرى بَعضنا نأكل وَنشرب ونعيش، فحين يستخدم جسدنا حواسه، تَخفتُ الأصوات المُرتابة داخلنا، أنا هُنا، أَلمَسُ وَأَشُم وَأَتَذوق.