وجه صلب، طويل ورفيع، ذو ذقن تجعله أقرب لأن يكون محددًا لا مستديرًا، وخدود مسحوبة وجبهة عريضة وشعر أبيض يعلو الرأس. هكذا يبدو داوود عبد السيد، المخرج والسيناريست، الذي يرتدي في أغلب الوقت نظارة طبية.
داوود عبد السيد، الذي ولد في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1946، يتميز عن أقرانه من مخرجي السينما المصرية بصناعة أفلام مختلفة تمام الاختلاف، من ناحية الأفكار التي تتناولها والشخصيات التي يعيش معها المشاهد والحوار الذكي والحكيم وبنفس الوقت غير المتحذلق الذي تتفوه به هذه الشخصيات وبالتأكيد طبقات التلقي المختلفة التي يغزلها ليجعل المشاهدين، بمختلف مشاربهم، يستمتعون بأفلامه التي قد تدور عن شاب يريد السفر للخارج وعلاقته بوالده الأعمى، أو ضابط شرطة انتحل شخصية تاجر مخدرات لسنوات طويلة من أجل الايقاع بشبكة تجار مخدرات، وغيرها من موضوعات الأفلام التي يمكن تلقيها على هذا المستوى وأيضا تلقيها عبر خلفياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والأهم الفلسفية والميتافيزيقية (أي الدينية والروحية).
الحرية هي معرفة الضرورة
ورغم قلة أعماله إلا أنها جميعًا أعمال مهمة في تاريخ السينما المصرية؛ فهو المخرج الضرورة الذي تحتاجه دائمًا أي سينما حول العالم، لأنه يتناول موضوعات وأفكارًا لا يتناولها كثير من المخرجين. ورغم أنه قال لنا إن "الضرورات هي التي تحرك حياته منذ البداية"، إلا أن أفلامه تتناول دائمًا بالفعل فكرة الحرية، وخاصة حرية الاختيار، ولكن لداوود عبد السيد المخرج والسيناريست فلسفة مختلفة عن حرية الاختيار، حيث إنها تختلف كثيرًا عن الفلسفات السائدة عن الحرية؛ فيقول في هذا السياق "دائما الضرورات موجودة؛ الحرية هي معرفة الضرورة، معرفة ما يتحكم بك. حينما تعرف أنك لا تستطيع الطيران بسبب الجاذبية؛ حينها تخترع شيئًا يساعدك على التغلب على الجاذبية لتطير في الهواء، وحينها تحقق أحلامك وأمانيك".
ربما يكشف هذا الحوار الذي أجرته معه المنصَّة الكثير عن فلسفة داوود عبد السيد في الحياة والأفلام التي صنعها، فشخصيات أفلامه دائمًا محاطة من كل جانب بضرورات تٌُحرِّك حياتها وكأنها قدر لا مفر منه، ولكن خلال أحداث الفيلم يكتشف البطل دائمًا هذه الضرورات فيواجهها، وحينها يستطيع أن يتغلب عليها ويتحرر منها. ولكن وبالتأكيد ليست كل أفلام داوود عبد السيد تنتهي بهذه النهايات السعيدة، ولكنها أحيانًا تنتهى بتقبُّل هذه الضرورات، أو حتى فهم أن الضرورات أو القدر هو وحش أقوى وأكبر من الإنسان، وأن الإنسان غير قادر بالمرة على الهرب من براثن هذا الوحش أو حتى ترويضه.
صوت اﻹنسان العادي
في حواره معنا، لم يُرِدْ أبدًا أن ينسب أي فضل لنفسه، بل أحيانًا ما كان يشكِّك في موهبته نفسها فيقول "حينما تخرجت في معهد السينما كنت أسأل نفسي؛ هل أنا مخرج جيد؟ هل سأصنع سينما مختلفة؟ لم أكن متأكدًا من الإجابة، فدائمًا لا أثق بنفسي. ولكي أتأكد من قدراتي بدأت أكتب سيناريوهات لأفلام، ثم عينت في المؤسسة العامة للسينما ثم المركز القومي للأفلام التسجيلية. كل هذا جعلني أصل لأسلوب ما أو جذور لشخصية فنية ما، أو طريقة تفكير ما مختلفة عن السينما التقليدية التي سادت السينما المصرية".
أضاف "في بداية حياتي، صنعت أفلامًا تسجيلية قليلة، أما من صنعوا الكثير منها فهم أحمد راشد وخيري بشارة وفؤاد التهامي. كانت السينما التسجيلية قبلهم دعائية، حيث المُعلِّق الذي يعرف كل شيء وما يقوله هو الصحيح فقط. هذا الجيل تمرد على هذه الفكرة وتخلص من التعليق الصوتي، أو جعل الناس العادية هي التي تعلِّق وتتكلم، ولم يكن هذا سهلًا أبدًا. كنا نعمل بكاميرا ومسجِّل صوت منفصلين، وكان لزامًا علينا أن نُرّكب الصوت بعد ذلك على الصورة في المونتاج، وهو أمر مُجهِد للغاية ولكن وراءه هدف سام، وهو أن نجعل الإنسان العادي يتكلم وأن يكون صوته هو المسموع لا صوت المعلق؛ وهذا ما فعلته بالفعل في فيلمي وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم، حينما جعلت المعلِّق شخصية من الشخصيات الدرامية بالفيلم".
فيلم وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم
هذه الموضوعية التي أشار إليها هي أساس شخصيته وأساس عمله السينمائي، بل وأساس عمل جيله بأكمله. الموضوعية هي التي جعلت مخرجي هذا الجيل ينزلون الراوي من السماء ليجعلوه يمشي على الأرض؛ في طرقات القرية وبين عيدان القمح والذرة ليؤكدوا أن الناس العادية، بل والمشاهد نفسه، لهم صوت يجب أن نسمعه.
التوليفة الداوودية
سألته "متى شعرت أنك يجب أن تعمل بالسينما وأنك لا تستطيع أن تعيش بدونها؟" فأجاب؛ "هذا كلام فارغ وغير صادق. الأمور لا تأتي بهذه الرومانسية والعاطفية." أضاف أنه مؤمن تماما بفكرة تراكم الخبرات المستمر في حياة الإنسان، الذي هو بالفعل مجموع هذه الخبرات، وأنه لا يؤمن بتاتًا بفكرة الإلهام الذي يأتي فجأة إلى الفنان فيبدع؛ بل يؤمن أن كل ما اختبره في حياته هو جزء من تكوينه الفني والإنساني.
مجموعة من الأمور وليس واحدًا فقط أثرت في داوود عبد السيد، حيث أوضح في حديثه أنه تعود على مشاهدة الكثير من الأفلام المختلفة مثل الأوروبية وخاصة أفلام الموجة الفرنسية الجديدة في أواخر الستينيات؛ هذه الموجة بالتحديد أبهرته وحدَّدت الكثير من اختياراته السينمائية. ويجتمع داوود عبد السيد في هذا مع أبناء جيله الذين تأثروا كثيرا بالموجة الفرنسية الجديدة، وعلى رأسها جان لوك جودار وفرنسوا تروفو.
جاء ذلك لأسباب عدة؛ أهمها هو الجمعيات السينمائية والمراكز الثقافية التي كانت تعرض أفلامًا من مختلف أنحاء العالم في الستينيات من القرن العشرين، وهي الفترة التي تفتَّح فيها عقل ووجدان داوود عبد السيد، وتشكَّل إلى حد كبير ذوقه السينمائي. كانت الثقافة الجماهيرية (قصور الثقافة الآن) تعرض هذه الأفلام في جميع أنحاء الجمهورية؛ في المدن والمراكز وحتى القرى، في القاهرة ووجه بحري وقبلي. كانت هذه فترة الوهج الثقافي والفني لمصر في القرن العشرين، وهو ما ساعد داوود عبد السيد على الإلمام بآخر ما وصلت إليه السينما العالمية من مدارس فنية مختلفة.
لكن هذا لم يمنعه بالتأكيد من التأثر بالسينما المصرية؛ تلك التي عاش في كنفها منذ أن كان طفلًا، وأثرت فيه أكثر حينما كان يُدرِّس له في معهد السينما أساتذة يعملون في هذه الصناعة، التي تعتبر واحدة من أقدم صناعات السينما في العالم. ولكن اختيارات داوود عبد السيد للأفلام المصرية التي تأثر بها محدودة للغاية وأيضا مدهشة. فيؤكد أنه يحب "بعض أفلام يوسف شاهين وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح وهنري بركات، بالإضافة إلى بعض الأفلام التي أنتجها القطاع العام في السبعينيات". ورغم حبه لهذه الأفلام إلا أنه يؤكد "أن الأساليب الجديدة جاءت من السينما الأوروبية لا المصرية".
الفقر ليس مزية
سألته عن أسلوبه الإخراجي خاصة أنه وعلى الرغم من انتماءه إلى تيار الواقعية الجديدة في مصر إلا أنه لا يتبنى كل سماتها، خاصة التصوير في الشارع ورفض نظام النجوم، ولكنه بالتأكيد يتبنى فكرة كسر الحبكة التقليدية، التي تسير عليها السينما المصرية منذ أن بدأت في العشرينيات من القرن الماضي.
أجاب قائلا إن "الضرورة هي التي تحتم عليَّ أن أهجر الاستوديو والنجوم، بسبب عوامل اقتصادية وسياسية ورقابية بحتة، لكني لست مضطرًا أبدًا لعشق السينما الفقيرة. لا يوجد أي سبب يجبرني على عدم التصوير في ديكورات". هنا هو يرفض سمة رئيسية من سمات التيار الذي ينتمي إليه.
يضيف مستنكرًا "لماذا لا أصوِّر في غرفة بها ملامح واقعية وبنفس الوقت أستطيع التصوير فيها عبر خلع الحائط كمثال للتصوير بشكل أفضل؟" ثم يكمل قوله "أحيانًا يجعلك الفقر تبدع بشكل أفضل من أجل تجاوز هذه الظروف الصعبة، ولكن يوجد أشياء كثيرة عليك تجاوزها بخلاف فقر الإنتاج، مثل تغيير الأفكار السائدة والأساليب المستهلكة في الفن. أفضِّل دائمًا الإنتاج غير الفقير، وأفضِّل أيضًا الممثل الجيد، سواء أكان محترفًا أو نجمًا أو هاويًا. أفضِّل أحسن النتائج لا أفقرها، لأن اﻷخيرة تجعلك تقدم تنازلات".
بين محمود عبد العزيز وشعبان عبد الرحيم
حديثه عن الممثل حثني على سؤاله عن الممثلين المختلفين الذين عملوا في أفلامه، والذين أدوا أدوارًا لا يمكن نسيانها إذا كانوا من النجوم مثل فاتن حمامة أو محمود عبد العزيز أو أحمد زكي، أو ممثلين محترفين ولكنهم ليسوا نجومًا مثل صلاح عبد الله أو حسن حسني، أو ليسوا ممثلين محترفين مثل شعبان عبد الرحيم.
ردَّ أن هدفه لم يكن أبدًا تلميع نجوم أو اكتشاف ممثلين جدد، ولكن هدفه دائمًا أن يكون الجميع، بما فيهم هو نفسه، في خدمة الفيلم فقط. ثم أضاف موضحًا "مثلا تختار ممثلًا صالحًا لدور محدد مثل علي حسين في فيلم البحث عن سيد مرزوق، الذي كنت شاهدته في مسرحية الملك هو الملك، وأحيانًا تقدِّم ممثلًا محترفًا بطريقة مختلفة مثل صلاح عبد الله في مواطن ومخبر وحرامي، أو حسن حسني في سارق الفرح".
"ولكن كيف استطعت أن تحولهم من التمثيل الاعتيادي إلى الاستثنائي، أي كيف أعدت اكتشاف الممثلين المحترفين مثل حسن حسني لنشهدهم وهو يؤدون أداءً مختلفًا واستثنائيًا في أفلامك فقط؟" سألته وكأني أسأل نفسي حينما تذكرت البون الشاسع بين أداء حسن حسني في فيلم سارق الفرح وأداءه في أفلام أخرى كثيرة.
مرة أخرى يعود إلى النبع ليؤكد "أن كل شيء في السيناريو". يضيف السيناريست والمخرج أنه يعتبر نفسه دائما "مرآة للممثل، حيث يرى الممثل فيها نفسه". ولكنه ينتقل من صورة إلى أخرى أكثر إيضاحًا فيقول "بل أعتبر نفسي كإشارة المرور والممثل هو سيارة تسير في الشارع؛ حينما يظهر اللون الأحمر على الممثل أن يتوقف عن التمثيل، وحينما يظهر اللون الأخضر يُكمل أداءه، وحينما يظهر اللون الأصفر فهذا يعني أن على الممثل أن يهدئ قليلا من انفعالاته التمثيلية".
عوالم فقيرة.. وجميلة
حديثه عن التمثيل عبر صورة إشارة المرور، ذكَّرني بأن أغلب أفلامه يصورها في الشوارع أو على البحر أو حتى في حضن جبل المقطم. أحيانًا ما تكون هذه الشوارع مجرد بلاتوه بُني خصيصًا من أجل تصوير الفيلم في أحد الاستوديوهات، مثلما حدث في فيلم الكيت كات وأحيانًا أخرى يبني حيًا بأكمله على جبل المقطم، مثلما فعل في فيلم سارق الفرح.
مرة أخرى يحدثني عن السيناريو؛ الذي يعتبره بمثابة عمود الخيمة الذي يبنى عليه العمل السينمائي. قال إن السيناريو تطلب وجود حي عشوائي حيث تدور أحداث الفيلم، وليس حيًا شعبيًا، ويوجد فارق بين الاثنين. والحي العشوائي صعب التصوير فيه. ثم أضاف "أقول لك الحق، بعد تعاقدي على الفيلم وإنهاء شوط طويل في التحضيرات وجدت أنني لا أحب السيناريو الذي كتبته بنفسي، وأنا لا أكتب شيئا لا أحبه. اكتشفت أن السيناريو يتعامل مع الشخصيات بشكل طبيعي، بمعنى أن دوافع الشخصية بيولوجية فقط".
سألته "هل تقصد المذهب الطبيعي الذي أسسه الكاتب إميل زولا؟" أجاب باقتضاب "نعم. وأنا أكره هذا المذهب لأني أرى أن الإنسان لديه دوافع أخرى مثل العواطف والخيال والضمير والرغبة في الارتقاء. قلت لنفسي؛ إذا علي عمل فيلم غنائي. والأغاني في هذا الفيلم تعبر عن أحلام الشخصيات. وحينها رأيت أني أريد تصوير حي عشوائي غير موجود في الواقع ولذا قررت بناء حي خصيصًا لتصوير الفيلم، ومهندس الديكور أنسي أبو سيف له دور كبير في ذلك، فهو الذي اختار مكان التصوير مقابل القلعة. قرر أن يبني هذا الحي العشوائي بالطوب الأحمر لأن الكارتون خفيف وسيطير بسبب تيار الهواء القوي فوق المقطم، أما الخشب فهو غالي الثمن، وكان الطوب أرخص، فبنى أنسي أبو سيف بيوتًا فقيرة لكنها جميلة؛ فهي تطل على مدينة القاهرة".
تفاصيل صغيرة يحكيها، ولكنها تعبِّر أكثر وأكثر عن أفلامه وعن رؤيته؛ اختياره لأن يسكن هؤلاء الفقراء المهمشون فوق جبل المقطم وكأنهم ملوك يطلون على مدينة القاهرة كلها، على الرغم من أنهم لا يملكون شيئًا، وهم مجرد شخصيات متطفلة في هذا المجتمع، حيث بنوا بيوتهم على أرض لا يملكوها، حتى أسسوا حيًا بأكمله؛ حيًا عشوائيًا لم تدخل في بناءه أو تنظيمه الدولة، وهذا هو الفارق الرئيسي من وجهة نظره بين الحي الشعبي والعشوائي.
تعيش السينما المصرية اليوم حالة من الجدب على المستويين الكمي والكيفي، حيث شهدت السينما المصرية عرض 33 فيلمًا روائيًا فقط بعام 2019، لم يحقق أي منها صدى متميز، لا على صعيد المهرجانات العالمية أو النقد الفني.
في هذه النقطة، تحوَّلت نبرة داوود عبد السيد لتصير أقرب إلى اليأس، فقال "نحن الآن في صحراء؛ لا يوجد ماء أو مطر أو زرع، وذلك لأسباب سياسية لا اقتصادية. لديك فقط سينما تجارية للتسلية، تحقق أرباحًا وتقدِّم أفلامًا خالية من أي هم، وحينما أتكلم عن الهموم لا أتحدث عن الهموم الاقتصادية أو الاجتماعية، ولكن عن الهموم الروحية. لا نشاهد فيلمًا الآن يتحدث عن الإيمان أو الموت، لأنك تصنع الآن أفلامًا لمن يملكون، وهم أناس بلا هموم".
سألته "كيف ليس لدى المصريين هَمّ" فأجاب مفسرًا "تستطيع معرفة هل يوجد لدى الشخص همّ أم لا من اختياراته؛ فمن يذهب ليشاهد أفلامًا مسلية مثل أفلام الأكشن، أو عن عظمة الشرطة المصرية في القبض على تجار المخدرات هم أناس ليس لديهم أي هم". ثم استكمل موضحًا، " في الماضي، كان لدينا أفلام لها أبعاد أخرى غير التسلية، مثل فيلم السقا مات إخراج صلاح أبو سيف أو حياة أو موت إخراج كمال الشيخ، ولكننا نصنع اليوم أفلامًا أمريكية في نسخة مصرية فقط لا غير، وهي أفلام منزوعة الدسم والهم".
وتابع "المشكلة أيضًا في انتقال دور العرض السينمائي من منطقة وسط البلد والمناطق المحيطة بها إلى مناطق أبعد، حيث تحتاج أن تمتلك سيارة لتذهب إليها، وبالتالي فشريحة من يذهبون للسينما الآن هي شريحة أعلى من الناحية الاقتصادية. أيضًا لا يتوفر من يموِّل الأفلام التي تتناول هذه الهموم المختلفة عمَّا يُعرض في دور العرض، وبالتالي يجب إيجاد دعم للسينما. والدولة، للأسف، لا تمارس دورها في دعم السينما ولكنها، وعلى العكس من الدور المنتظر منها، تصنع أفلامًا دعائية من أجل نشر أفكارها الرثة، فالدولة ترى الآن أن عليها إلغاء السينما، والاكتفاء بصناعة الأفلام الدعائية الخاصة بها فقط".
واستطرد "أيضًا مشكلة السينما الحقيقية اليوم هي صعوبة وصول صُنَّاع الأفلام للجمهور، وبذل جهد أكبر من أجل ذلك. كل هذا يدفعني لقول إننا، للأسف، ليس لدينا إمكانية لعمل سينما جيدة ومهمة".
سألته؛ ألا يوجد مبدعون في مصر الآن؟ رد قائلا إنه بالتأكيد لم يقصد أن يكون متشائمًا، وأن مصر تمتلئ بالمبدعين خاصة الشباب، ولكنهم يحتاجون لطريق يسيرون عليه، وهذا الطريق غير ممهد في هذه الفترة. ثم أردف قائلًا "ولكن ما زال يوجد جزء حي وحيوي في السينما المصرية اليوم، وهي السينما الفقيرة التي يسمونها المستقلة. الكثير من هذه الأفلام جيد، على الرغم من أن أحيانًا ما تصنع من أجل جذب جهات التمويل الأجنبية لا من أجل جذب الجمهور المصري أو العربي، ولكن بالتأكيد توجد استثناءات ومن هذه الاستثناءات هذا الفيلم البديع أخضر يابس، إخراج محمد حماد".
اﻹعلان التشويقي لفيلم أخضر يابس
يستيقظ داوود عبد السيد في الصباح ليأكل طعام الإفطار ثم يشرب كوبًا من الشاي ثم فنجانًا من القهوة. توقف عن التدخين وشرب الشاي والقهوة قبل تناول وجبة الإفطار. تتغير طقوسه اليومية مثلما يتغير كل شيء حوله. يحاول أن يتأقلم مع الوضع ولكن، وبنفس الوقت، يرفض الامتثال له. ينقل خبراته بين الحين والآخر للمخرجين وكُتَّاب السيناريو الشباب الذي يحملون شعلة السينما المصرية في الألفية الجديدة، بينما ينتظر تمويل أفلامه التي ما زال يريد أن يخرجها. أفلام تناقش موضوعات مهمة يحتاج لصنعها مثلما نحتاج لمشاهدتها. أفلام ضرورية لوقتنا الراهن، مثل صاحبها السيناريست والمخرج داوود عبد السيد.